الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(16) تتمة القاعدة الثّانية عشرة: قوله “ومن ذلك أنه تارة يخبر أنه بكل شيء عليم”

(16) تتمة القاعدة الثّانية عشرة: قوله “ومن ذلك أنه تارة يخبر أنه بكل شيء عليم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّادس عشر

***     ***     ***     ***
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والمستمعين، قال المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانهِ-
– الشيخ: آمين آمين.
– القارئ: أصول وقواعد في التفسير:
القاعدة الثانية عشرة: الآيات القرآنية التي ظاهرها التضادُّ، يجب حملُ كلّ نوعٍ منها على حالٍ بحسبِ ما يليقُ ويناسب، يجبُ على كلّ نوعٍ منها على حالٍ بحسبِ ما يليقُ ويناسب المقام.
– الشيخ:
أصولُ هذه القاعدة يعني المراد منها البيان والتّنبيه على ما يجبُ في النصوص التي ظاهرها التعارض، نقول ظاهرها وإلّا فليست هي مُتَعارضَةٌ، وليسَ في كلامِ الله وكلامِ رسولهِ ما يُتَناقض، بل هو كُلّه كلام حقٍّ يُصدِّقُ بعضهُ بعضاً، لكنْ ما ظهرَ فيهِ التعارض فإنّهُ لا بُدَّ مِنْ بيانِ وجهِ كلِّ آيةٍ أو كلِّ حديث، وذلك بحملهِ على معنىً يصحُّ ولا يتعارض مع معنى النص الآخر، ويُسمَّى هذا "الجمع"، الجمعُ بينَ الآيات، أو بينَ الأحاديث، أو بينَ الآياتِ والأحاديث، الجمعُ بينها لرفعِ هذا التعارض، وذلك بأنْ يُحمَلَ هذا النص على معنى والآخرُ على معنى صحيح، لا يتناقض ولا يضادُّ المعنى الآخر، وهذا ما سيُنبِّهُ إليه الشيخ.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، ومِنْ ذلك: تارةً يُخبرُ أنّهُ بكلِّ شيءٍ عليم، وتارةً يُخبرُ بتعلّقِ عِلمهِ ببعضِ أعمالِ العباد وببعضِ أحوالهم، وهذا الأخيرُ فيهِ زيادةُ معنى، وهو أنّهُ يدلُّ على المجازاة على ذلكَ العمل، سواءٌ كان خيراً أو شراً، فيتضمّن مع إحاطة علمهِ الترغيب والترهيب.
ومِنْ ذلك: الأمرُ بالجهاد في آياتٍ كثيرة، وفي بعضِ الآيات الأمرُ بكفِّ الأيدي، والإخلادِ إلى السكون
– الشيخ:
الأول الشيخ اختصر الكلام فيهِ، يعني معلوم أنّهُ في آيات يُخبرُ الله فيها أنّهُ بكلِّ شيءٍ عليم إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، والآيات في هذا كثيرة: يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، علّامُ الغُيُوبِ.
تأتي آياتٌ فيها أنّهُ يفعلُ كذا ليعلم، يفعلُ كذا ليعلم، فيتبادَرُ لبعضِ الناس أنَّ الله كان قبلَ ذلكَ لا يعلم كقولهِ: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا [العنكبوت:2-3]
من ذلك قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ [البقرة:143]، قال العلماء: هذا العلم المرادُ بهِ عِلمُ الظُّهور، عِلمُ الشيء موجوداً ظاهراً، وقبلَ وجودهِ كان الله يعلم أنّهُ سيُوجدُ، أنّهُ معدوم وأنَّهُ سيُوجدُ، وبعدَ ما وُجِدَ يعلمهُ موجوداً؛ لأنَّ عِلمهُ مُطابقٌ للواقع، عِلمُ الله بالأشياء مُطابقٌ للواقع، فيعلم المعدوم والموجود، ويعلمُ المعدوم الذي سيُوجَدُ، والمعدوم الذي لا يوجد، بلْ ويعلم ما لا يكون لو كانَ كيف يكونْ، والجزاءُ مبنيٌّ على علمهِ بالأشياءِ واقعةً، عِلمهُ بالأشياءِ واقعةً موجودةً، فهو لا يُجازي عِبادهُ على مُقتضَى عِلمهِ بالأشياء قبلَ وجودها، لا يُجازِي عِبادَهُ بمقتضى عِلمهِ بالأشياءِ قبلَ وجودها، وإنّما الجزاءُ مُرتَّبٌ على الأعمال التي قدْ وُجدتْ، وخرجت مِنْ حَيِّزِ العدمِ إلى الوجود.

– القارئ: أحسن الله إليك، ومن ذلك: الأمرُ بالجهادِ في آياتٍ كثيرة، وفي بعضِ الآيات الأمرُ بكفِّ الأيدي، والإخلادِ إلى السكون، فهذه حينَ يكونُ المسلمون ليسَ لهم قوّةٌ، ولا قدرةٌ على الجهادِ باليد، والآياتُ الأخرى حينَ قووا وصارَ ذلكَ عينُ المصلحة؛ وهو الطريقُ إلى قمعِ الأعداء.
ومِنْ ذلك: أنّهُ تارةً يضيفُ الأشياءَ إلى أسبابها التي وقعتْ وتقعُ بِها، وتارةً يُضيفها إلى عُمومِ قُدْرته، وأنَّ جميعَ الأشياءِ واقعةٌ بإرادتهِ ومشيئتهِ، فَيُفيدُ مجموعَ الأمرين إثباتُ التوحيد، وتفرّد الباري بوقوعِ الأشياءِ بقُدْرتهِ ومشيئتهِ، وإثباتُ الأسبابِ والمسببَّات.
– الشيخ:
المسبَّبات.
– القارئ: والمسبَّبات، أحسن الله إليك، والأمرَ بالمحبوب منها، والنهي عن المكروه، وإباحةَ مستوي الطرفين، فيستفيدُ المؤمنَ الِجدَّ والاجتهاد في عملِ الأسباب النافعة وتدقيقِ النظر وملاحظة فضل الله في كل أحواله، وأنّهُ لا يتّكلُ على نفسهِ في أمرٍ مِنَ الأمورِ بلْ يتّكلُ ويستعينُ بربّهِ.
وقدْ يُخبر أنَّ ما أصابَ العبدَ مِنْ حسنةٍ فمن الله، وما أصابهُ مِنْ سيئةٍ فَمِنْ نفسهِ، ليُعرّفَ عبادهُ أنَّ الخيرَ والحسنات والمحاب تقعُ بمحضِ فعلهِ وجودهِ، وإنْ جرتْ ببعضِ الأسباب الواقعةِ مِنَ العباد.
– طالب:
أحسن الله إليكم … تقع بمحض فضله وجوده
– الشيخ: هو إش قال؟
– طالب: فِعْلِهِ
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: جيد عندك فِعْلِهِ؟
– القارئ: ليُعرِّفَ عباده أن الخير والحسنات والمحابِّ تقع بمحضِ فعلهِ وجوده.
– الشيخ:
كأنّها "فضله" مثل ما قال
– القارئ: وإنْ جرتْ ببعضِ الأسبابِ الواقعة مِنَ العباد، فإنَّ الأسبابَ هو الذي أنعمَ بها وهو الذي يسَّرَها، وأنَّ السيئات وهي المصائبُ التي تُصيبُ العبدَ أسبابها مِنْ نفسِ العبدِ، وبتقصيرهِ بحقوقِ ربّه، وتعدِّيهِ لحدودهِ، فالله وإنْ كان هو المُقدِّرُ لها. فإنّهُ أجراها على العبدِ بما كسبتْ يداهُ، ولهذا أمثلةٌ يطولُ عَدُّهَا. القاعدة الثالثة عشرة..
– الشيخ:
الله المستعان
– القارئ: طريقُ القرآنِ في اللِّجَاجِ والمُجادَلةِ معَ أهلِ الأديانِ الباطلة.
– الشيخ: يقول سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وكانَ الرسل يُجادلونَ أممهم ليبيّنوا بُطلانَ ما همْ عليهِ مِنَ الشركِ وعبادةِ الأوثان، وأنَّ التوحيد هو الحق الذي يجبُ الإيمانُ بهِ، واعتقادهُ وأنّهُ هو مُقْتضى العقل والحكمة أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ [النحل:17] هل يُعْقل أنْ يُسوّى المخلوق الذي لا يملكُ نَفْعاً ولا ضرّاً بالخالق!!
لكل شيء، أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] فَمِنْ علوم القرآن ذكرُ الأدلة العقلية على التوحيد والنبوّة والمَعاد وهذا مِنَ الجدال وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، ويقول قوم نوح لنوح: قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود:32]
 

– القارئ: أحسن الله إليك، طريقةُ القرآنِ في الحِجاج والمجادلة معَ أهلِ الأديانِ الباطلة.
قدْ أمرَ الله بالمجادلة بالتي هي أحسن، ومَنْ تأمّل الطرق التي نصب الله المحاجَّة بِها مع المبطلين على أيدي رسلهِ رآها مِنْ أوضحِ الحُججِ وأقواها، وأقومها وأدلّها على إحقاقِ الحقِ وإزهاقِ الباطل، على وجهٍ لا تشويشَ فيهِ ولا إزعاج، فتأمّل مُحاجّة الرسل مع أممهم، وكيف دعَوْهم إلى عبادة الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، مِنْ جهة أنّهُ المتفرّد بالربوبية، والمتوحّد بالنعم، وهو الذي أعطاهم العافية، والأسماع والأبصار، والعقول والأرزاق، وسائرَ أصنافِ النعم، كما أنّهُ المنفردُ بدفعِ النقم، وأنَّ أحداً مِنَ الخلقِ ليسَ يقدرُ على نفعٍ ولا دفعٍ، ولا ضرٍّ ولا نفعْ، فإنّهُ بمجرّدِ معرفة العبدِ بذلك واعترافهُ به لابدَّ أنْ ينقادَ للدين الحق، الذي بهِ تتمُّ النعمة، وهو الطريقُ الوحيدُ لشكرِها.
وكثيراً ما يحتجُّ على المشركينَ بِه في عبادتهِ إلزامهم باعترافهم بربوبيتهِ، وأنّهُ الخالقُ لكلِّ شيء، والرزاق لكلِّ شيء، فيتعيّن أنّهُ المعبودُ وحدهُ. فانظرْ إلى هذا البرهان، وكيفَ ينتقلُ الذهنُ منهُ بأوّل وَهْلة إلى وجوبِ عبادة مَنْ هذا شأنهُ، ووجوبِ الإخلاصِ له. ويجادلُ المبطلينَ أيضاً بذكرِ عيبِ آلهتهم.

– الشيخ: إلى هنا.
– القارئ: أحسن الله إليك.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه