بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّابع عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه.
– الشيخ: آمين آمين، رحمه الله
– القارئ: أصول وقواعد في التفسير:
القاعدة الثالثة عشرة: طريقةُ القرآنِ في الحِجاج والمجادلة مع أهلِ الأديانِ الباطلة.. إلى أنْ قال رحمهُ الله: ويُجادِلُ المبطلينَ أيضاً بذكرِ عيبِ آلهتهم، وأنّها ناقصةٌ مِنْ كلِّ وجه، لا تُغنى عنْ أهلِها شيئاً.
– الشيخ: الله أكبر لا تَسْمع ولا تُبْصر ولا تَعْقِل ولا تُغني عنْ عابديها شيئاً، ولا تخلق شيئاً وهي مخلوقة، كلُّ هذا يذكرهُ الله لبيانِ بُطلان، هذه يعني في الحقيقة مِنْ سَفه العقول عجيبٌ أمره، إبراهيم يقولُ لأبيهِ: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]
ويقول في الآية الأخرى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ*قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ *قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ *أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ *الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [الشعراء:69-79]
فهذه نماذجُ مِنْ جِدالِ الرسل للمكلِّمينَ لهم، حتى أنَّ قومَ نوحٍ يقولون لهُ: قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا [هود:32]، جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا، وهو تعالى يقولُ لنبيهِ والمؤمنين: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فمن طُرق الدّعوة جِدالُ المبطلين، جِدالهم بذكرِ الحجج الدّالة على بُطلانِ قولهم، ودحض شُبهاتِهم.
– القارئ: أحسن الله إليكم، ويُقيمُ الأدلة على أهلِ الكتاب بأنَّ لهم مِنْ سوابقِ المُخالفاتِ لرسلهم ما لا يُستغرَبُ معهم مخالفتهم لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وينقضُ عليهم دعاويهم الباطلة وتزكيتهم لأنفسهم، ببيانِ ما يضادُّ ذلك مِنْ أحوالهم وأوصافهم، ويجادلهم بتوضيحِ الحق وبيانِ براهينهِ، وأنَّ صِدقَهُ وحقيَّتَهُ تَدفَعُ بمُجرَّدِها جميعَ الشُّبَهِ المُعَارضةِ لهُ. فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ[يونس:32] وهذا الأصلُ في القرآنِ كثير، فإنّهُ يُفيدُ في الدّعوة للحق، وردِّ كلِّ ما يُنافيه.
ويُجادلُهُم بوجوبِ تنزيلِ الأمورِ منازلها، وأنّهُ لا يَليق أن يَجعلَ للمخلوق العبدِ الفقير العاجزِ مِنْ كلِّ وجه، بعضَ حقوقِ الرب الخالق الغني الكامل مِنْ جميعِ الوجوه.
ويتحدَّاهُم أنْ يأتوا بكتابٍ أو شريعةٍ أهدى وأحسن مِنْ هذه الشريعة، وأنْ يُعارِضُوا القرآن فيأتوا بمثلهِ إنْ كانوا صادقين.
ويأمرُ نبيّهَ بمباهلة مَنْ ظهرت مُكابرتُهُ وعِنادهُ فينكُصُونَ عنها، لعلمهمْ أنّهُ رسولُ الله الصّادق الذي لا يَنْطقُ عن الهوى وأنّهم لو باهلوهُ لهلكوا.
وفي الجملة لا تجد طريقاً نافعاً فيهِ إحقاقُ الحقِّ وإبطالُ الباطلِ، إلّا وقدْ احتوى عليهِ القرآن على أكملِ الوجوه. القاعدة الرابعة عشرة.
– الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، مضمونُ هذه القاعدة المُتقدِّمةِ، مِنْ طُرق الدّعوة جِدالُ المُبطلين كثير في القرآن، في قِصصِ الأنبياء، وبضربِ الأمثال، وفي هذا الجدال يتبيَّنُ الحق للمُوفَّقِين، يتبيّن الحق مُشرقاً مستنيراً قريباً سهلاً، ويتبيّن الباطل قبيحاً مظلماً بعيداً مِنَ الخير، الباطلُ مناقضٌ للعقول والفِطر، سببٌ لكلِّ شرٍّ، ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:3]، فأهلُ الهدى والفلاح يتَّبعونَ الحقَّ، وأهلُ الكفرِ والضلال يتَّبعونَ الباطل.
– القارئ: حذف المُتعلّقُ المَعمُولُ فيه: يُفيدُ تعميمَ المعنى المناسبِ له.
– الشيخ: يقول إيش، حذف؟
– القارئ: حذفُ المُتعلّقُ المَعمُولُ فيهِ: يفيدُ تعميمَ المعنى المناسبِ له.
قال رحمهُ الله: وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، متى اعتبرها الإنسانُ في الآياتِ القرآنية أكسبتهُ فوائدَ جليلة.
وذلكَ أنَّ الفعلَ أو ما هو في معناهُ متى قُيِّدَ بشيءٍ تقيَّدَ به، فإذا أطلقَهُ الله تعالى، وحذفَ المُتعلَّقَ فعمَّمَ ذلك المعنى، ويكونُ الحذفُ هنا أحسنَ وأفيدَ كثيراً مِنَ التصريح بالمُتعلَّقَات، وأجمع للمعاني النافعة، ولذلكَ أمثلة كثيرةٌ جداً: منها..
– الشيخ: المقصود أنه هذه مِنَ القواعد العربية حَذْفُ المعمول يعني يُفيدُ العموم يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ما ذكر المخلوق، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2]، فقولهُ: بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ يعمُّ جميعَ المخلوقات، ثمَّ ذكرَ شيئاً مخصوصًا، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ فخصَّ الإنسان وبيّن مبدأهُ "العلق" أمّا في الأول فعَمَّ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فحذفَ المفعول وأفادَ العموم، نعم، منها.
– القارئ: أحسن الله إليك، منها: أنّهُ قالَ في عِدّة آيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:151-152-153] فيدلُّ ذلك على أنَّ المرادَ: لعلكم تعقلون عن الله كلَّ ما أرشدكم إليه وكلَّ ما علمكموه، وكلَّ ما أنزلَ عليكم مِنَ الكتاب والحكمة، لعلّكم تذكرون جميعَ مصالحكم الدينية والدنيوية، لعلّكم تتقون جميعَ ما يجبُ اتقاؤهُ مِنْ جميع الذنوب والمعاصي، ويدخلُ في ذلكَ ما كان السياقُ فيهِ وهو فردٌ مِنْ أفرادِ هذا المعنى العام.
ولهذا كانَ قولهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يفيدُ كلَّ ما قيلَ في حِكمة الصيام، أي لعلّكم تتّقون المحارمَ عموماً، ولعلّكم تتّقون ما حرّمَ الله على الصائمين مِنَ المفطّرات والممنوعات، ولعلّكم تتصفونَ بصفةِ التقوى، وتتخلّقونَ بأخلاقها، وهكذا سائرُ ما ذُكِرَ فيهِ هذا اللفظُ مثلُ قولهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] أي المتّقين لكلِّ ما يُتّقى مِنَ الكفرِ والفسوقِ والعصيان، أي المؤدّينَ للفرائضِ والنوافل التي هي خِصالُ التقوى.
وكذلكَ قولهُ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]
– الشيخ: قِف على هذا
– القارئ: أحسن الله إليك.