بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّامن عشر
*** *** *** ***
– القارئ: أحسن الله إليك، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه-
– الشيخ: آمين آمين، رحمه الله
– القارئ: في كتابهِ "أصولٌ وقواعدُ في تفسيرِ القرآنِ الكريم" القاعدة الرابعة عشرة: حذفُ المُتَعَلَّقِ المعمول فيه.
– الشيخ: إيش
– القارئ: حذف المُتَعَلَّقِ
– الشيخ: حذف
– القارئ: نعم، حذف المُتَعَلَّقِ المعمولِ فيه، يُفيدُ تعميمَ المعنى المناسبِ له.
– الشيخ: حذفُ المُتَعَلَّقِ، يعني المعمول، يعني حذف معمول الفعل، معمول الفعل، حذفُ المفعول بهِ يفيدُ العموم، ومِنْ أمثلتهِ، الشيخ سيذكر من أمثلته يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ما قال خلق كذا أو كذا أو كذا، الذي خلق، فهذا يفيد الذي خلق كل شيء، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2] هنا خصَّ، عَمَّ ثمَّ خصَّ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أيُّ شيء؟ كُلُّ شيء، الله خالقُ كلِّ شيء، جاءَ التصريحُ بهِ في آية أخرى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16] وجاءَ مفصّلاً خَلَقَ السمواتِ والأرض، خلق السموات والأرض وما بينهما، فيقول الشيخ إن مِن القاعدة، مِنْ قواعد التفسير، تفسير القرآن، أنَّ حذفَ المعمول يُفيدُ العموم.
– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً..
– طالب: تكرار
– القارئ: قرأنا نصف صفحة
– الشيخ: أكمل أكمل، لا بأس
– القارئ: وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، متى اعتبرها الإنسانُ في الآياتِ القرآنية أكسبتهُ فوائدَ جليلة. وذلكَ أنَّ الفعلَ أو ما هو في معناهُ متى قُيِّدَ بشيء تقيَّدَ به.
– الشيخ: الفعل معروف، الفعل الماضي والمضارع، وما في معناهُ كاسم الفاعل اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، هذا تصريح بالعموم، في الآية الأخرى هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ [الحشر:24] لم يذكر المفعول.
– القارئ: أحسن الله إليك، أو ما في معناه متى قُيِّدَ بشيء تقيَّدَ به، فإذا أطلقَهُ الله تعالى، وحذفَ المُتعلَّقَ فعمَّمَ ذلك المعنى، ويكونُ الحذفُ هنا أحسنُ وأفيدُ كثيراً مِنَ التصريح بالمُتعلَّقَات، وأجمعَ للمعاني النافعة.
ولذلكَ أمثلةٌ كثيرةٌ جداً: منها: أنّهُ قال في عِدّة آياتٍ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:151-152-153]
– الشيخ: ولم يقل "لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ كذا أو تَعْقِلُونَ كذا"، يكون المعنى لعلكم تعقلون آيات الله عام، تَعْقِلونَ ما يُتلى عليكم، تذكَّرُون ما يَنْفعكم، تتذكروا ما شرعَ الله لكم، تتذكّرون يعني أمرَ الدنيا والآخرة.
– القارئ: أحسن الله إليك، فيدلُّ ذلكَ على أنَّ المرادَ: لعلكم تعقِلون عنِ الله كلَّ ما أرشدكم إليهِ، وكلَّ ما علَّمَكُمُوهُ، وكلَّ ما أنزلَ عليكم مِنَ الكتاب والحكمة، لعلّكم تذكَّرون، جميعَ مصالحكم الدينية والدنيوية، لعلّكم تتّقونَ جميعَ ما يجبُ اتِّقاؤُهُ مِنْ جميعِ الذنوبِ والمعاصي، ويدخلُ في ذلكَ ما كانَ السِّياق فيهِ وهو فردٌ مِنْ أفرادِ هذا المعنى العام.
ولهذا كانَ قولهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يفيدُ كلَّ ما قيلَ في حكمة الصيام، أي لعلّكم تتّقون المحارمَ عُموماً، ولعلّكم تتّقون ما حرَّم على الصائمين مِنَ المُفطِّراتِ والممنوعات، ولعلّكم تتَّصفونَ بصفة التقوى، وتتخلَّقُونَ بأخلاقها، وهكذا سائرُ ما ذُكر فيه هذا اللفظ مثلُ قولهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] أي المتّقينَ لكلِّ ما يُتّقى مِنَ الكفرِ والفُسوقِ والعصيان، أي المؤدِّينَ للفرائضِ والنوافل التي هي خِصالُ التّقوى.
وكذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] أي إنَّ الذين كانت لهم التّقوى وصَفَهُم.
– الشيخ: وصْفَهُم
– القارئ: وصْفَهُم، وتَرْكُ المحارمِ شِعارُهم، متى زيَّن لهم الشيطانُ بعضَ الذنوب، تذكّروا كلَّ أمرٍ يُوجِبُ لهم المبادرة إلى المَتاب كعظمة الله، وما يقتضيه الإيمانُ وما تُوجِبهُ التقوى، وتذكَّروا عِقابهُ ونَكَالَهُ، وتذكّروا ما تُحدِثُهُ الذنوبُ من العيوبِ والنقائص.
– الشيخ: يا سلام سلِّم
– القارئ: وما تسلِبُهُ مِنَ الكمالات، فإذا همْ مُبْصِرون، مِنْ أينَ أَتوا.
– الشيخ: من أين أُتوا..
– القارئ: مِنْ أينَ أُتوا، ومبصرونَ الوجه الذي فيهِ التخلُّصَ مِنْ هذا الذنب الذي وقعوا فيهِ، فبادروا في التوبة النصوح، فعادوا إلى مرتبتهم، وعادَ الشيطانُ خاسئاً مدحوراً.
وكذلكَ ما ذُكِرَ على وجهِ الإطلاق عن المؤمنين وبلفظِ "المؤمنين" أو بلفظ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ونحوها، فإنّهُ يدخلُ فيهِ جميعُ ما يجبُ الإيمانُ بهِ من الأصولِ والعقائد، معَ أنه قيَّدَ ذلكَ في بعضِ الآيات مثلُ قولهِ: قُولُوا آمَنَّا بِالله ونحوها.
وكذلكَ ما أمرَ بهِ مِنَ الصلاح والإصلاح، وما نهى عنهُ من الفسادِ والإفساد مُطلقاً، يدخلُ فيهِ كلُّ صلاحٍ كما يدخلُ في النهي كلَّ فساد.
وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَأَحْسِنُوا، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى [يونس:26]، هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ [الرحمن:60]
يدخلُ في ذلكَ كلّه الإحسانَ في عبادة الخالقْ، بأنْ تعبدَ الله كأنّكَ تراهُ فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فإنّهُ يراك، والإحسانُ إلى المخلوقين بجميعِ وجوهِ الإحسان مِنْ قولٍ وفعلٍ وجاهٍ، وعلمٍ ومالٍ وغيرها.
وكذلك قوله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] فحذَفَ المُتَكاثَر بهِ ليَعُمَّ جميعَ ما قصدَ النّاس فيه المُكاثرةِ: من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد، وغيرها ممّا تتعلّق بهِ أغراضُ النفوس ويُلهيها عنْ طاعة الله.
كذلك قوله: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2] أي في خسارة مِنْ جميعِ الوجوه، لا مَنْ اتَّصفَ بالإيمان والعمل الصالح، والتّواصي بالحقِّ والصبر.
وقوله: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فذكرَ المسئولين وأطلقَ المسئولَ عنه، ليعُمَّ كلَّ ما يحتاجهُ العبدُ ولا يعلمه.
وكذلكَ أمْرُهُ تعالى بالصبر، ومحبّة الصابرين، وثناؤهُ عليهم، وبيان كثرة أجورهم، مِنْ غيرِ أنْ يُقيِّدَ ذلكَ بنوع، ليشملَ أنواعَ الصبرِ الثلاثة وهي: الصبرُ على طاعة الله، وعنْ معصيتهِ، وعلى أقدارهِ المُؤلِمةِ.
ومقابِلُ ذلكَ ذمّهُ للكافرينَ والظالمينَ والفاسقين والمشركينَ والمنافقينَ والمعتدين ونحوهم، مِنْ غيرِ أنْ يُقيِّدَهُ بشيءٍ ليشمل جميع ذلك المعنى.
ومِنْ هذا قوله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] ليشملَ كلَّ حصر..
– الشيخ: ومن هذا؟
– القارئ: ومن هذا قولهُ
– الشيخ: قف على هذا، فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
– طالب: بعد سطرين
– الشيخ: خلص اختم يا شيخ
– القارئ: نعم، أحسن الله إليكم، ومن هذا قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] ليشملَ كلَّ حصر، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً[البقرة:239] ليَعُمَّ كلَّ خوف. وقدْ يُقيِّدُ ذلكَ ببعضِ الأمور، فيتقيَّدُ بهِ ما سِيقَ الكلامُ لأجلهِ.
وهذا شيءٌ كثير لو ذهبنا نذكرُ الأمثلة لطالتْ، ولكنْ قدْ فُتِحَ لكَ الباب، فامشِ على هذا السبيل المُفضي إلى رياضٍ بهيجةٍ مِنْ أصنافِ العلوم.
– الشيخ: رحمهُ الله، ونفعنا الله بِهداه.