بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس العشرون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه-
– الشيخ: آمين.
– القارئ: في كتابهِ "أصولٌ وقواعدُ في التفسير" القاعدة الثامنة عشرة:
في كثيرٍ مِنَ الآيات يُخبِرُ بأنّهُ يهدي مَنْ يشاء، ويُضِلُّ مَنْ يشاء..
– الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، هذا صحيح، آياتٌ متعدّدة، يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء، ففيهِ الدّلالة على أنَّ الهدى والضلال بيدهِ سبحانه، فالهدى فَضْلهُ يُؤتيهِ من يشاء، والإضلالُ مُوجَبُ عدلهِ يُوقِعُهُ فيمنْ يشاء، ومَرَدُّ ذلكَ هو كمالُ العلمِ وكمالُ الحكمة، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:7-8]
– القارئ: ويُضِلُّ من يشاء، وفي بعضها يذكرُ مع ذلك الأسباب المُتعلِّقَة بالعبد، الموجبة للهداية أو الموجبة للإضلال، وكذلكَ حصولُ المغفرة وضدِّها، وبَسْطُ الرزقِ وتقديرهِ، وذلكَ في آياتٍ كثيرة، فحيثُ أنّهُ أخبرَ يهدي مَنْ يشاء ويُضلُّ مَنْ يشاء، ويغفرُ لِمَنْ يشاء، ويُعذّبُ من يشاء، ويَرْحمُ من يشاء، ويَبْسطُ الرزقَ لِمنْ يشاء ويقتُره على منْ يشاء.
دلَّ ذلك على كمالِ توحيدهِ وانفرادهِ بخلقِ الأشياء، وتدبيرِ جميعِ الأمور، وأنَّ خزائنَ الأشياءَ بيدهِ، يُعْطي ويَمْنع ويَخفضُ ويَرْفع، فيقتضي مع ذلكَ مِنَ العبادِ أنْ يعترفوا بذلك، وأن يُعلِّقُوا أملهم ورجاءهم بهِ في حُصولِ ما يُحبّون، وفي دفعِ ما يكرهون، وأنْ لا يسألوا أحداً غيرهُ، كما في الحديثِ القُدْسي: "يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم" إلى آخره.
وفي بعضِ الآياتِ: يذكرُ فيها أسبابَ ذلك، ليعرفَ العبادُ الأسبابَ والطرقَ المُفضية إليها، فيسلكوا النّافع ويَدَعُوا الضّار، كقولهِ تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[الليل:5-10]، فبيَّن أنَّ أسبابَ الهداية والتّيسيرِ تصديقُ العبدِ لربّه وانقيادهِ لأمرهِ، وأنَّ أسبابَ الضلالِ والتّعسير ضِدُّ ذلك، وذلك كقولهِ تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [المائدة:16]، يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ[البقرة:26]، فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأعراف:30]، فأخبرَ أنَّ الله يهدي مَنْ كانَ قصدهُ حسناً، ومَنْ رَغِبَ في الخيرِ، واتّبعَ رضوانَ الله..
– الشيخ: يا الله الله أكبر.
– القارئ: وأنّهُ يُضِلُّ مَنْ فسقَ عن طاعة الله تعالى، وتولَّى أعداءهُ الشياطين، ورضي بولايتهم عن ولاية ربِّ العالمين.
وكذلكَ قولهُ: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، وقوله: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام:110]
وكذلكَ يذكرُ في بعضِ الآياتِ الأسبابَ التي تُنالُ بِها المغفرة والرحمة، ويُستَحَقُّ بِها العذابَ، كقولهِ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف من الآيات:156-157]، إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].
ثمَّ ذكرَ الأسبابَ التي تُنالُ بِها المغفرة والرحمة، وهي خِصالُ التقوى المذكورة في هذه الآية وفي غيرها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ [البقرة:218]، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأعراف:204]، وأعمُّ مِنْ ذلكَ كلّه قولهُ تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، فطريقُ الرحمة والمغفرة سلوكُ طاعة الله ورسولهِ عموماً، وهذه الأسبابُ المذكورة خصوصاً.
وأخبرَ أنَّ العذابَ لهُ أسبابٌ مُتعدِّدةٌ، وكُلّها راجعةٌ إلى شيئين: التكذيبُ لله ورسولهِ، والتولِّي عنْ طاعة الله ورسولهِ، كقولهِ تعالى: لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى [الشمس:15-18] ، إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48]
وكذلكَ يذكرُ أسبابَ الرزقِ، وأنّها لزومُ طاعة الله ورسولهِ، والسعي الجميل معَ لزومِ التقوى كقولهِ تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وانتظارُ الفرجِ والرزق ِكقولهِ: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7]، وكثرة الذِّكْرِ والاستغفار: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3]، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً [نوح:10-11]، فأخبرَ أنَّ الاستغفارَ سببٌ يُستجلَبُ بهِ مغفرةُ الله ورزقهُ وخيره، وضِدُّ ذلكَ سببٌ للفقرِ والتّيسيرِ للعُسْرَى.
وأمثلةُ هذه القاعدة كثيرة، وقدْ عرفتَ طريقها فالْزَمْهُ.
– الشيخ: لا إله إلا الله، الأمرُ كما قال الشيخ القرآن تضمّن بيانَ طرقِ الخيرِ وطرقِ الشرِّ، وهذا هو الغاية مِنْ إرسالِ الرسل، هو البيان، البيان بيانُ الطريقين؛ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4]، على العبدِ أن يأخذَ بالأسبابِ ويُجاهد: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[العنكبوت:69]
فمَنْ أرادَ الحقَّ واجتهدَ في طلبهِ هداه الله، والله تعالى أرسلَ الرسلَ وأنزلَ الكتبَ لإخراجِ مَنْ شاءَ من الظلماتِ إلى النّور وهذه هي الهداية، الهداية تكونُ بالخروجِ من ظُلماتِ الجهلِ والكفر إلى نورِ الإيمان، اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ -الشيطان- أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]، نعم؛ القاعدة.
– القارئ: أحسنَ الله إليك، القاعدة التاسعة عشرة: خَتْمُ الله الآياتِ بأسماءِ الله الحسنى.
– الشيخ: قف على هذه القاعدة التاسعة عشرة، نعم يا محمد، نعم تفضل يا..
– طالب: القاعدة التاسعة عشرة ولا التاسع عشرة يا شيخ؟
– الشيخ: التاسعةُ
– طالب: …
– الشيخ: لا هذا صيغة فاعل "تسعة عشر" هؤلاء تسع عشرة أو تسعة عشرة، لكنْ إذا جاءَ العدد الأول بصيغة فاعل تقول هذا "الرابعُ والخامسُ"، الحادي عشر، الثاني عشر، الثالثَ، الثالثُ.
– طالب: …
– الشيخ: الرابعةَ، الرابعةَ عشر، الخامسُ عشر، الخامسةَ عشر
– طالب: … التاسعة عشر …
– الشيخ: التاسِعَةُ عشر، الثامنة عشر، الثامنة عشر … لعلّهُ كما قلتم الثالثة عشر، الثالث عشر، الثالثة عشر، لا يُمْكن التميُّز في المطابقة، مطابقة مِنْ حيثُ التذكير والتأنيث فقط، الثالثة عشرة، والثالثُ، والثالث عشر، يعني يكون مُطابق، لا كالأعدادِ المفردة التي تكون بعكس المعدود، هذا يمكن هو الفرق.