الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(21) القاعد التّاسعة عشرة: قوله “ختم الآيات بأسماء الله الحسنى”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(21) القاعد التّاسعة عشرة: قوله “ختم الآيات بأسماء الله الحسنى”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الحادي والعشرون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السّعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ فسيحَ جِنانه-
– الشيخ: رحمه الله
– القارئ: "أصول وقواعد في التفسير" القاعدة التاسعة عشرة:
خَتْمُ الآياتِ بأسماءِ الله الحسنى، يدلُّ على أنَّ الحكمَ المذكور لهُ تعلُّقٌ بذلكَ الاسم الكريم.
– الشيخ:
نعم، له تعلُّقٌ
– القارئ: لهُ تعلُّقٌ بذلكَ الاسم الكريم.
– الشيخ:
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، كثيراً ما يَخْتم الله الآيات ببعضِ أسمائهِ وأكثرُ الأحيانِ باسمٍ واحد أو باسمَين كالعزيز والعليم الحكيم والغفور الرحيم والسميع البصير، والشيخ يقول: إنَّ ختمَ الآياتِ بهذه الأسماء يدلُّ على أنَّ ما تضمنتهُ الآية هو مُقْتَضى هذه الأسماء.
كقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، فهذا الحكم هو مقتضى عِزْتهِ وحِكْمتهِ سبحانه وتعالى.
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39] فتوبتهُ على مَنْ ظلمَ نَفْسهُ ثمَّ تابَ هو مِنْ آثارِ ومقتضياتِ اسمهِ الغفورُ واسمهِ الرحيم.

– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه قاعدةٌ لطيفة نافعة، عليك بِتَتْبُعِها في جميعِ الآياتِ المختومة بِها، تجدُها في غاية المناسبة، وتدلُّكَ على أنَّ الشرعَ والأمرَ والخلقَ كُلّهُ صادرٌ عنْ أسمائهِ وصفاتهِ ومرتبطٌ بها.
وهذا بابٌ عظيم مِنْ معرفة الله، ومعرفةُ أحكامهِ مِنْ أجلِّ المعارفِ وأشرفِ العلوم.
– الشيخ:
ومعرفةُ أحكامهِ، الكونية والشرعية فإنَّ الحكم المُضافَ إلى الله، حُكمُ الله نوعان: حكمٌ كوني، وحكمٌ شرعي، وكلُّ هذه الأحكام هي مقتضى أسمائهِ الحُسنى سبحانهُ وتعالى.

– القارئ: أحسن الله إليك، ومعرفةُ أحكامهِ مِنْ أجلِّ المعارفِ وأشرفِ العلوم. تجد آية الرحمة مختومةً بصفاتِ الرحمة، وآياتُ العقوبة والعذاب مختومةٌ بأسماءِ العزّةِ والقدرة والحكمةِ والعلمِ والقهر.
ولا بأسَ هنا أنْ نتتبّع الآياتِ الكريمة في هذا، ونشيرُ إلى مناسباتها بحسبِ ما وصلَ إليهِ عِلْمُنا القاصر وعبارتُنا الضعيفة، ولو طالت الأمثلةُ هنا، لأنّها مِنْ أهمِّ المهمّات، ولا تكادُ تَجِدُ في كتبِ التفسير إلّا يسيراً منها. فقولهُ تعالى في قوله: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 
[البقرة: 29]
– الشيخ: بدأ بأوّل الآيات مِنْ هذا النوع: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29] فختمَ الآية بالخبرِ عن كمالِ علمهِ وإحاطتهِ بكلِّ شيء، بعدما أخبرَ عن خلقهِ لِما في الأرض وخلقهِ للسموات، فعُلِمَ بأنَّ ذلك صادرٌ عنْ كمالِ علمهِ وإحاطة علمهِ.

– القارئ: فقولهُ تعالى في قولهِ: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، ذِكرُ إحاطة علمهِ بعد ذكرِ خلقهِ للأرضِ والسماوات يدلُّ على إحاطة علمهِ بِما فيهما مِنَ العوالم العظيمة، وأنّهُ حكيمٌ حيثُ وضعها لعبادهِ، وأحكمَ صُنْعَها في أحسنِ خَلْقٍ وأكملِ نظامٍ، وأنَّ خلقهُ لها مِنْ أدلّة عِلمهِ، كما قال في الآية الأخرى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فخلْقُهُ للمخلوقاتِ، مِنْ أكبرِ الأدلّة العقلية على علمهِ، فكيفَ يَخلُقُها وهو لا يعلمها؟
ولمّا ذكر كلامَ الملائكة حينَ أخبرهم أنّهُ جاعلٌ في الأرضِ خليفة، ومُراجَعَتِهم لربِّهم في ذلك، فلمّا خلقَ آدمَ وعلَّمَهُ أسماءَ كلَّ شيء، وعجزت الملائكة عنها وأنبأهم آدمَ بها.
– الشيخ: آدمُ
– القارئ: وأنبأهم آدم بها: قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 
[البقرة:32] فاعترفوا لله تعالى بِسَعَة العلم، وكمالِ الحكمة، وأنّهم مخطئونَ في مُراجَعَتِهم في استخلافه في الأرض.
وفي هذا: أنَّ الملائكة على عظمتِهم وسِعَة معارفهم بربِّهم اعترفوا بأنَّ علومهم تَضْمَحِل بجانبِ عِلم ربِّهم، وأنّهُ لا علمَ لهم إلّا منه، فختمَ هذه الآيات بهذين الاسمين الكريمين، الدّالين على عِلمِ الله بآدم، وتمامِ حكمتهِ في خلقهِ، وما يترتّبُ على ذلكَ مِنَ المصالحِ المتنوعة: مِنْ أحسنِ المناسبات.
وأمّا قولهُ عن آدم: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 
[البقرة:37]
– الشيخ: الشيخ ماشي على هذا يمشي بالآيات، نلاحظ في مطلع يعني هذه الآيات، يعني تكرّر ذِكرُ العلمِ في كلِّ هذه الآيات، العلم في الآية الأولى: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [البقرة:29] قال: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، ولما قالت الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] قال: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:30]
ولما قال الله لهم: أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] قالت الملائكة: لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] فكمالُ العلمِ هو مِنْ صفاتهِ الواسعة، صفاتهِ الواسعة، فلا أعمَّ مِنْ هذا العموم، لا أعمَّ مِنْ هذا العموم، إنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هذا العموم ليسَ هناكَ أعمُّ منهُ وهو العام الذي لا يدخلهُ ولمْ يدخلهُ تَخصيص بوجهٍ مِنَ الوجوه وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فيعلمُ ما كان وما يكون وما لا يكون لو كانَ كيفَ يكون.
وقدْ فصَّل الله ذلكَ في القرآن، فصَّلَ تعلّقَ علمهِ وإحاطة علمهِ في آياتٍ فأخبرَ عن علمهِ بِما في النفوس، بِما في النفوس، يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235] إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، يعلمُ خفيَّاتِ الأمورِ في الأرضِ وفي السماء إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، يعلمُ ما تُبدُونَ وما تُسِرُّونَ وما تُعلِنُونَ، ومِنْ أجمعِ ذلكَ قولهُ تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]، نعم يا شيخ.

– القارئ: وأمّا عنْ قولهِ آدم: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37]
– الشيخ: يعني ختمَ هذه الآية باسمين لمّا قال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37] قال الله بعدها: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37] فهذانِ اسمان التوَّابُ والرَّحيمُ، فتوبتهُ على آدم عليهِ السلام وزوجهِ هو مِنْ مُقتَضَيَاتْ أنّهُ التّوابُ وأنّهُ الرّحيم.

– القارئ: وختمهُ كثيراً مِنَ الآياتِ بهذين الاسمينِ بعدَ ذكرِ رحمتهِ ومغفرتهِ، وتوفيقهِ وحلمهِ، فمناسبتهُ لكلِّ أحدْ، وأنّهُ لمّا كانَ هو التّوابُ الرّحيم، أقبلَ بقلوبِ التّائبينَ إليهِ، ووفّقهم لفعلِ بالأسبابِ التي يتوبُ عليهم ويرحمهم بِها، ثمَّ غفرَ لهم ورحِمهم فتاب عليهم أولاً بتوفيقهم للتوبة والأسباب، وتابَ عليهم ثانياً حينَ أقبلَ متابَهم وأجابَ سؤالهم، ولهذا قال في الآية الأخرى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: 118] أي أقبلَ بقلوبهم، فإنّهُ لولا توفيقهُ وصرفِ قلوبهم إلى ذلكَ لمْ يكنْ لهمْ سبيلٌ إلى ذلكَ حينَ استولتْ عليهم النّفسُ الأمارة، فإنّها لا تأمرُ إلّا بالسوءِ، إلّا مَنْ رَحِمَ الله فأعاذهُ منها ومِنْ نزغات الشيطان.
ولمّا ذكرَ الله النسخ أخبرَ عنْ كمالهِ قدرتهِ وتفرّده بالملك. فقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 
[البقرة:106]
– الشيخ: هذه جاءتْ، هذه جاءتْ بعدَ قولهِ: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:106]، فختمَ ما أخبرَ بهِ مِنَ النْسخ بِشُمولِ قُدْرتهِ، إذنْ فنسخهُ تعالى لما شاءَ مِنَ الآياتِ هو مِنْ آثارِ قُدْرتهِ، فهو على كلِّ شيءٍ قدير، يُحِلُّ ما يشاء، ويُحرِّمُ ما يشاء، ويُحْكِمُ ما يشاءُ مِنَ الآيات، وينْسَخُ ما يشاء سبحانهُ وتعالى.

– القارئ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة:106-107] وفي هذا ردٌّ على مَنْ أنكرَ النْسخَ كاليهود، وأنَّ نَسْخَهُ لِما يَنْسخهُ مِنْ آثارِ قُدْرتهِ وتمامِ مُلْكهِ، فإنّهُ تعالى يتصرّفُ في عبادهِ، ويحكمُ بينهم بأحكامهِ القدرية وأحكامهِ الشرعية، فلا حَجْرَ عليهِ في شيءٍ مِنْ ذلك.
ولمّا قال: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 
[البقرة:115] أي: واسعُ الفضلِ، واسعُ الملكِ، جميعُ العالم العلوي والسفلي بعضُ مُلْكه، ومعَ سِعَته في مُلْكهِ وفضلهِ فهو محيطٌ عِلمهُ بذلكَ كُلّهِ، ومحيطٌ عِلمهُ بالأمورِ الماضية والمستقبَلَة، ومحيطٌ عِلمهُ بِما في التوجّه إلى القِبَل المتنوعة مِنَ الحكمة، ومحيطٌ عِلمهُ بنيّاتِ المستقبلينَ لجهةٍ مِنَ الجهات إذا أخطئوا القِبْلة المعيّنة، فحيثُ تيمّمَ المصلّي تيمّمَ إلى وجهِ ربّهِ. وأمّا قول الخليل وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ
– الشيخ:
إلى هنا
– القارئ: أحسن الله إليك.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه