الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(22) تتمة القاعدة التّاسعة عشرة: قوله “وأما قول الخليل وإسماعيل عليهما السلام”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(22) تتمة القاعدة التّاسعة عشرة: قوله “وأما قول الخليل وإسماعيل عليهما السلام”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثاني والعشرون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السّعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه-
– الشيخ: آمين آمين، اللهمَّ استجب
– القارئ: القاعدة التاسعة عشرة:
خَتْمُ الآياتِ بأسماءِ الله الحسنى، يدلُّ على أنَّ الحكمَ المذكور لهُ تعلُّقٌ بذلكَ الاسمِ الكريم.
وأما قولُ الخليل وإسماعيل -عليهما السلام- وهُما يَرْفعانِ القواعدَ مِنَ البيت: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127] فإنّهُ توسّلٌ إلى الله بهذين الاسمين إلى قَبولِ هذا العمل الجليل، حيثُ كانَ الله يعلمُ نيّاتِهما ومقاصِدهما، ويَسْمعُ كلامهُما، ويُجيبُ دعاءهما فإنّهُ يرادُ بالسميعِ في مقامِ الدعاء دعاءَ العبادة ودعاء المسألة معنى المستجيب، كما قال الخليلُ في الآية الأخرى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [ابراهيم: 39]
وأمّا نحو قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ [آل عمران:181] فهو سمعٌ بمعنى إدراكِ المسموع.
وأمّا ختمُ قولهِ: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ  بقوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129] فمعناهُ: كما أنَّ بعثتكَ لهذا الرسول فيهِ الرحمةُ السابغة، ففيهِ تمامُ عزّة الله وكمالِ حِكْمتهِ، فإنه ليس من حكمتهِ أنْ يتركَ الخلقَ سُدىً عبثا، لا يُرسلُ إليهم رُسلا، فحقّقَ الله حِكْمته ببعثهِ لئلّا يكونَ للنّاسِ على الله حُجّة، والأمورُ كُلّها: قدريُّها وشرعيُّها، لا تقومُ إلّا بعزّة الله، ونفوذُ حُكْمهِ.
وقدْ يكتفي الله بذكرِ أسمائهِ الحسنى عن التّصريحِ بذكرِ أحكامهِ وجزائها، لينبّه عبادهُ أنّهم إذا عرفوا الله بذلكَ الاسم العظيم، عرفوا ما يترتّبُ عليهِ مِنَ الأحكام، مثل قولهِ تعالى: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] لمْ يقل: فلكم مِنَ العقوبة كذا، بلْ قال: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209] أي: فإذا عرفتم عِزّتهُ وهو قَهْرهُ وغلبته وقوّته وامتناعه، وعرفتم حِكْمتهُ -وهو وضْعُهُ الأشياءَ مواضعها، وتنزيلها محالّها- أوجبَ لكمْ ذلك الخوفَ مِنَ البقاء على ذنوبكم وزللكم؛ لأنَّ مِنْ حِكمتهِ معاقبةُ مَنْ يستحقُّ العقوبة: وهو المصرُّ على الذنبِ مع علمهِ، وأنّهُ ليسَ لكم امتناعٌ عليهِ، ولا خروجٌ عن حُكْمهِ وجزائهِ، لكمالِ قَهرهِ وعِزّتهِ.
ولذلك لمّا قال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] لم يقل: فاعفوا عنهم أو اتركوهم ونحوها، بلْ قال: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] يعني: فإذا عَرفتمْ ذلك وعَلِمتُموه، عرفتمْ أنَّ مَنْ تابَ وأنابَ فإنَّ الله يغفرُ لهُ ويرحمهُ، فيدفعُ عنهُ العقوبة.
ولمّا ذكرَ عقوبة السّارق قال في آخرها: نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] أي: عزَّ وحكمَ فقطعَ يدَ السّارق، وعزَّ وحكمَ فعاقبَ المعتدي شرعاً وقدراً وجزاءً.
ولمّا ذكر الله مواريثَ الورثة وقدّرها قال: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [النساء: 11]
– الشيخ:
الله أكبر الله أكبر فهذه القسمة قِسْمةُ المَواريثِ راجعةٌ إلى كمالِ علمهِ وكمالِ حِكمتهِ، فليسَ لأحدٍ أنْ يعترضَ عليها، ومَنْ يعترضْ فإنّهُ طاعنٌ في حِكمة الله وعِلمهِ، ومُدَّعٍ لنفسهِ أنّهُ يعلمُ ما لا يعلمهُ الله، وأنّهُ يعني أبصرُ بوضعِ الأمورِ في مواضعها، وهذا غاية الضّلال والجهل والتنقُّصِ لربِّ العالمين إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً، خلاص، فوجبَ التّسليم، الإيمانُ بالله وبهذين الاسمين يقطعُ طريقَ الشيطان في كلِّ ما يُلقي بهِ مِنَ الوساوس التي تؤدّي إلى الشكوك والحَيرة والتردّد، كل ما أشكلَ عليك فأحِلْهُ إلى علمِ الله وحِكمتهِ، كل ما أشكلَ عليك فأحلهُ إلى عِلم الله وحِكمتهِ، انتهى.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، فكونهُ عليماً حكيماً يعلمُ ما لا يعلمُ العباد، ويضعُ الأشياءَ مواضعها، فاخْضَعوا لِما قالهُ وفصَّلهُ في توزيعِ الأموالِ على مُستحقّيها الذين يَسْتَحِقْونَها بحسَبِ عِلمِ الله وحكمتهِ، فلو وُكِلَ العبادَ إلى أنفسهم، وقيلَ لهم: وزِّعوهُ أنتمْ بحسبِ اجتهادكم لدخلها الجهلُ والهوى وعدمُ الحكمة، وصارت المواريثُ فوضى، وحصلَ بذلكَ مِنَ الضررِ ما الله بهِ عليم، ولكنْ تولَّاها وقسمها بأحكمِ قِسْمة وأوفقِها للأحوالِ وأقربِها للنفعِ.
ولهذا مَنْ قدَحَ في شيءٍ مِنْ أحكامهِ، أو قال: لو كان كذا أو كذا فهو قادحٌ في علمِ الله وفي حِكمتهِ.
ولهذا يذكرُ اللهُ العلمَ والحكمة بعدَ ذكرِ الأحكام، كما يذكرها في آياتِ الوعيد ليبيّنَ للعبادِ أنَّ الشرْعَ والجزاءَ مربوطٌ بحكمتهِ، خارجٍ عَنْ علمهِ.

– الشيخ: إيش؟
– القارئ: أحسن الله إليك، ليُبيّنَ للعبادِ أنَّ الشرْعَ والجزاءَ مربوطٌ بحكمتهِ، غيرُ خارجٍ عنْ عِلمهِ ويختمُ الأدعية بأسماء تُناسِبُ المطلوب. وهذا مِنَ الدعاءِ بالأسماءِ الحسنى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، أي: تعبَّدوا لله بها، واطلبوهُ بكلِّ اسمٍ مناسبٍ لمطلوبكم.
وقولهُ تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ [الحج:59]
– الشيخ:
مناسب لمطلوبكم؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني إنّكَ أنتَ الغفورُ الرحيم، وتقول: اللهم ارزقني رزقاً حلالاً طيباً إنّكَ أنتَ الرّزاق، وتقول: انصر عِبادكَ المؤمنين فأنتَ نِعمَ المولى ونِعمَ النصير، فلكلِّ دعاءٍ مناسبة، يعني الوسيلة يجبُ أنْ تكونَ مناسِبة للمطلوب، ولهذا قال العلماء إنَّ التوسُّلَ بجاهِ النبي ليسَ بهِ مناسبة، تقول: أسألكَ بجاهِ النّبي، ما في مناسبة، إلّا مَنْ شَفعَ لهُ النبي مِنَ الممكن؛ لأنّهُ حينئذ صارَ منهُ عليهِ الصلاة والسلام شفاعةً ودعاء، فتتوسّل إلى الله بدعائهِ، لكنْ مَنْ لمْ يدعُ لهُ الرسول لا معنى لقولهِ أسألكَ بجاههِ صلّى الله عليه وسلّم، فهذا التوسّل بِدْعة.
 
– القارئ: وقوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ [الحج:59]، والآيات المُتتابعة التي بعدها، كلُّ واحدةٍ خُتِمَتْ بِاسْمَين كريمين.
– الشيخ: كلُّ
– القارئ: كلُّ واحدةٍ خُتِمَتْ بِاسْمَين كريمين، فالأولى منها هذه: خَتْمُهَا بالعلمِ
– الشيخ
:
خَتَمَهَا
– القارئ: خَتَمَهَا بالعلم والحلم: يقتضي علمه
– الشيخ: خَتْمُهَا
– القارئ: خَتْمُهَا بالعلمِ والحلم
– الشيخ: صِلْها، صِلْهَا
– القارئ: فالأولى منها هذه: خَتْمُهَا بالعلمِ والحلمِ يقتضي عِلمهُ بنيَّاتِهم الجميلة، وأعمالهم الجليلة ومقاماتُهم الشّامخة، فيُجازيهمْ على ذلك بالفضلِ العظيم، ويعفو ويحلم عن سيئاتِهم فكأنّهم ما فعلوها.
وخَتَمَ الثانية بالعفو الغفور، فإنّهُ أباحَ المعاقبةَ بالمِثل، وندبَ إلى مقامِ الفضل، وهو العفو وعدمُ معاقبة المسيء، وأنّهُ ينبغي لكمْ أن تعبدوا الله بالاتصافِ بهذين الوصفين الجليلينِ لتنالوا عفوهُ ومغفرتهُ.
وخَتْمُ الآية الثالثة بالسّميعِ البصير يقتضي سَمْعهُ لجميعِ أصواتِ ما سكنَ في الليل والنّهار، وبصرُهُ بحركاتِهم على اختلافِ الأوقاتِ وتباينِ الحالات.

وختَمَ الآية الرابعة: بالعليِّ الكبير؛ لأنَّ عُلوَّهُ المُطلَقُ وكبرياءهُ وعظمتهُ ومَجْدهُ.
– الشيخ: العلوُّ المُطلق: يعني العلو على كلِّ شيء، على كلِّ شيء، ذاتاً وقَدْراً وقَهراً، هذا هو العلوُّ المطلق، مُقابِل العلوُّ المطلق العلو النسبي، فالعلو الذي يَثْبُت للمخلوقات كُلّه علو نسبي، علو نسبي، بالنسبة إلى كذا بالنسبة إلى كذا، أمّا العلوُّ المطلق يعني فوقَ كلِّ شيء، فليسَ إلّا لله وحدهُ.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، لأنَّ علوَّهُ المُطلقُ وكبرياءهُ وعظمتهُ ومجدهُ تَضْمَحِلُّ معها المخلوقات، ويَبْطُلُ معها كلُّ ما عُبِدَ مِنْ دونهِ، وبإثباتِ كمالِ علوِّهِ وكبريائهِ، يتعيّنُ أنّهُ الحق وما سِواهُ باطل. وخَتَمَ الآية الخامسة:
– الشيخ:
وخَتْمُ، كلّها كذا.
– القارئ: وخَتْمُ الآية الخامسة: "باللطيف الخبير"، الدّالَّين على سِعة علمهِ وخِبْرتهِ بالبواطنِ كالظواهر، وبِما تحتوي عليهِ الأرضُ مِنْ أصنافِ البذورِ وألوانُ النباتاتِ، وأنّهُ لطفَ بعبادهِ حيثُ أخرجَ لهم أصنافَ الأرزاقِ، بِما أنزلهُ مِنَ الماءِ المنير، والخيرِ الغزير.
وخَتَمَ الآية السادسة: "بالغني الحميد"، بعد ما ذكرَ مُلْكهُ للسَّمواتِ والأرض، وما فيهما مِنَ المخلوقات، وأنّهُ لمْ يخلقها حاجةً منهُ لها، فإنّهُ الغنيُّ المطلق، ولا يتكمَّلُ بها.
– الشيخ:
الغني المطلق يعني عن كل شيء، عن كل شيء، أمّا الغنى الذي يَثْبُت للمخلوق فهو غِنى كذلك مُقيَّدٌ، غني عن كذا، أمّا الله فهو الغنيُّ عن كلِّ شيء لا يحتاجُ إلى شيء، ولا يحتاجُ إلى أحدٍ مِنْ خلقهِ، لا يحتاج إلى مُعين أو ظَهير، ولا مَنْ يُخبرهُ عنْ خَلْقهِ، أمّا تسخيرهُ وتعبِيدُه للملائكةِ وخلقُه للأسباب فلا، لا لقصورٍ في عِلْمهِ ولا لقصورٍ في قُدْرتهِ، بلْ ذلكَ مُقتضَى حِكْمتهِ، خلقَ الأسبابَ والمُسبَبَات، وخلقَ الملائكة وجعلَ لهمْ أعمال ووظائف.
ومنَ الملائكة، الملائكة الموكَّلون بالعباد وإحصاءِ أعمالهم وحِفظهم، فإنّهم يعرُجونَ إلى الله ويسألهم: (كيفَ وجدتمْ عبادي؟)، هو يسألهم وهو أعلمْ سبحانهُ وتعالى، يسألهم وهو أعلم، قالوا: أتيناهم كذا وهم يُصلُّونَ، وتركناهم وهو يُصلُّونَ، وشواهدُ هذا كثيرة، تقتضي حِكمتهُ أنْ خلقَ الملائكة وجعلَ لهمْ شؤونَ ووظائف فمنهُم المُوكَّل بكذا، المُوكَّل بالوحي، الموكّل بالقَطر، المُوكَّلُ بقبضِ أرواحِ العالمين، والمُوكَّل بالأرحام، والله قادرٌ على أنْ يَتم كلَّ ذلكَ بمجردِ المشيئة، دونَ يعني، وجود أسباب أو وسائط.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، فإنّهُ الحميدُ الكامل، ولِيدلَّهم على أنّهم كلّهم فقراءُ إليهِ مِنْ جميعِ الوجوه، وأنّهُ حميدٌ في أقدارهِ، حميدٌ في شرعهِ، حميدٌ في جزائه، فلهُ الحمدُ المطلقُ ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً.
– الشيخ:
إلى هنا يكفي
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه