بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّالث والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابهِ "القواعدُ الحسان في تفسيرِ القرآن" في سياقِ القاعدة التاسعة عشر:
خَتْمُ الآياتِ بأسماءِ الله الحسنى، يدلُّ على أنَّ الحكمَ المذكورَ لهُ تعلُّقٌ بذلكَ الاسم الكريم.
وختَمَ الآية السابعة: "بالرؤوف الرحيم"، أي: مِنْ رأفتهِ ورحمتهِ تسخيرُه المخلوقات لبني آدمَ وحِفظهُ السماوات والأرض وإبقاؤها وإمساكُها لئلّا تزول.
– الشيخ: هذا في سورة الحج، هذا في سورة الحج، يقولُ سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج:65]، فذكرُ هذين الاسمين مناسب، فمِنْ رحمتهِ أنْ سخَّرَ لهم ما في الأرض وسخَّرَ لهم الفلك، ومِنْ رأفتهِ ورحمتهِ أنّهُ يُمسِكُ السماء أنْ تقع على الأرض، فهي، فهي مُمْسَكَةٌ وثابتة لا تزول بقدرتهِ وبرأفتهِ وبرحمتهِ، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41] سبحانه.
– القارئ: أي: مِنْ رأفتهِ ورحمتهِ تسخيرُه المخلوقات لبني آدمَ، وحفظه السموات والأرض وإبقاؤها وإمساكها لئلا تزول فتختلَّ مصالِحهم، ومِنْ رحمتهِ سخَّر لهم البحار لتجري فيها الفُلْكَ في منافعهم ومصالحهم، فرحِمَهم حيثُ خلقَ لهم المسكنَ، وأودعَ لهم فيهِ كلَّ ما يحتاجونهُ، وحَفَظهُ عليهم وأبقاه.
ولمّا ذكرَ في سورة الشُّعراء قِصصَ الأنبياء مع أممهم، خَتَمَ كلَّ قِصّة بقولهِ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فإنَّ كلَّ قصة تضمّنت نجاة النّبي وأتباعه، وذلكَ برحمة مِنَ الله ولطفهِ، وتضمَّنتْ إهلاكَ المُكذبينَ لهُ، وذلكَ مِنْ آثارِ عِزَّتِهِ.
وقدْ يتعلّق مُقتضى الاسمين بكلٍّ مِنَ الحالتين، فإنّهُ نجَّى الرسول وأتباعهم بكمالِ قوّتهِ وعِزّتهِ ورحمتهِ، وأهلكَ المُكذّبينَ بعزّتهِ ورحمتهِ، ويكونُ ذكرُ الرحمة دالاًّ على عِظَم جُرْمِهم، وأنّهُ طالما فتحَ لهم أبوابَ رحمتهِ بآياتهِ ونِعَمهِ ورُسُلهِ فأغلقوها دونهم بتمرّدهم على الله وكفرهم وشركهم فلمْ يكنْ لهم طريقٌ إليها، ولولا ذلكَ لمّا حلَّ بهم هذا العقابُ الصَّارمِ.
– الشيخ: آمنا بالله، أعوذُ بالله من بأس الله، نعوذُ بالله من بأس الله، فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40]،هذا شامل لعاد وثمود وفِرعونَ وقارون وقومِ لوط.
– القارئ: وأما قولُ عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنهم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، ولم يقل: أنت الغفور الرحيم؛ لأنَّ المقامَ ليسَ مقام استعطافٍ واسترحام، إنّما هو مقامُ غضبٍ وانتقام ممّن اتَّخذهُ وأمّهُ إلهين مِنْ دونِ الله، فناسبَ ذكرُ العِزّة والحكمة، وصارَ أولى مِنْ ذكرِ الرحمة والمغفرة. ومِنْ ألطفِ مقاماتِ الرجاء: أنّهُ يذكرُ.
– الشيخ: ومن ألطف؟
– القارئ: ومِنْ ألطف مقامات الرّجاء: أنّهُ يذكرُ أسبابَ الرحمة وأسبابَ العقوبة، ثمَّ يختِمُها بما يدلُّ على الرحمة؛ مثل قوله: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:129]، وقوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:73]، وذلك يدلُّ على أنَّ رحمتهُ سبقتْ غضبه وغلبتهُ وصار لها الظُّهور، وإليها ينتهي كلُّ مَنْ وُجِدَ فيهِ أدنى سبب من أسباب الرحمة، ولهذا يُخْرجُ مِنَ النّار مَنْ كانَ في قلبهِ.
– الشيخ: ولهذا
– القارئ: ولهذا يُخْرجُ مِنَ النّار مَنْ كانَ في قلبهِ أدنى حبّةِ خردلٍ من الإيمان، ولنقتصرْ على هذه الأمثلة فإنّهُ يُعرَفُ بها كيفيةُ الاستدلالِ بذلك.
القاعدة العشرون.
– الشيخ: إلى هنا
– القارئ: أحسن الله إليك.