الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(24) القاعدة العشرون: قوله “القرآن كله محكم باعتبار وكله متشابه باعتبار”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(24) القاعدة العشرون: قوله “القرآن كله محكم باعتبار وكله متشابه باعتبار”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الرّابع والعشرون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقال المصنف العلّامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمهُ الله تعالى في كتابهِ "القواعدُ الحسان في تفسيرِ القرآن":
القاعدة العشرون: القرآنُ كُلّهُ مُحكمٌ باعتبار، وكُلّه متشابهٌ باعتبار، وبعضهُ مُحكمٌ وبعضهُ مُتشابه باعتبارٍ ثالث، وقدْ وصفهُ الله تعالى بكلِّ واحدةٍ مِنْ هذه الأوصافِ الثلاث؛ فوصفهُ بأنّهُ مُحكمٌ في عِدّة آياتٍ، وأنّهُ: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
[هود:1]، ومعنى ذلك أنّهُ غايةٌ في الإحكام وقوّة الاتِّساقِ، وأنّهُ بالغٌ في الحكمة أقصى غاية، فأخبارهُ كُلّها حَقٌّ وصِدق، لا تناقضَ فيها ولا اختلاف، وأوامرهُ كُلّها خيرٌ وهدىً وبركة وصلاح، ونواهيهِ عَنْ كلِّ ما يعودُ على الإنسانِ بالشّرورِ والأضرارِ
والأخلاقِ الرذيلة والأعمالِ السّيئة فهذا إحكامهُ.
ووصفهُ بأنّهُ مُتشابهٌ في قولهِ مِنْ سورة الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً 
[الزمر:23] أي: متشابهاً في الحُسن والصدق والهدى والحق، وورودهِ بالمعاني النّافعة المُزكِّيَةِ للعقول، المُطهِّرةِ للقلوب، المُصلحة للأحوال، فألفاظهُ أحسنُ الألفاظِ ومعانيه أحسنُ المعاني.
ووصَفهُ بأنَّ: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ 
[آل عمران:7]، فهنا وصفهُ بأنَّ بعضهُ هكذا وبعضهُ هكذا، وأنَّ أهلَ العلمِ بالكتاب يَردّونَ المُتشابهَ منهُ إلى المُحكَم، فيصيرُ كلّهُ مُحكَمَاً ويقولون: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، أي: وما كان مِنْ عندهِ فلا تناقضَ فيهِ، فما اشتَبهَ منهُ في موضعٍ، فسَّرَهُ الموضعُ الآخر المُحكَمُ، فحصلَ العلمُ وزالَ الإشكال.
ولهذا النوع أمثلةٌ؛ منها: ما تقدّمَ مِنَ الإخبارِ بأنّهُ على كلِّ شيءٍ قدير، وأنّهُ ما شاء.

– الشيخ: المقصود هذا موضوعٌ يُذكَرُ في الأصول، ويُذكَرُ في التفسير ويُذكَرُ في بابِ الاعتقاد وهو موضوعُ الإحكام والتّشابُه في القرآن، وكما ذكرَ الشيخ أنّهُ جاءَ في القرآن وصْفهُ بأنّهُ كُلّه مُحكَم كما في مَطْلعِ سورة هود: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [هود:1]، فأخبرَ أنَّ آياتهِ كلّها محُكمة، وأخبرَ بأنّهُ كلّه مُتشابِهٌ كما في آية الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا [الزمر:23]، وأخبرَ أنَّ بعضهُ مُحكم وبعضهُ مُتشابه، وهو ما جاءَ في سورة آل عِمران: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]
يقولُ شيخُ الإسلامِ رحمهُ الله: فينبغي أنْ يُعرفَ الإحكامُ والتّشابُه الذي يَعمُّهُ، والإحكامُ والتّشابه الذي يخصُّ بعضهُ، يعني هذا، يعني نوع مِنْ، فيهِ إشكال، فيه نوعُ تعارض في الظاهر، كيفَ نقول كُلّه مُحكم ثمَّ نقول لا بعضهُ مُحكَمٌ، ونقول كُلّه مُتشابه ثمَّ نقول لا بعضهُ مُتشابه، فهذا نوعٌ مِنَ التعارض في الظاهر، إذن فلا بدَّ مِنْ معرفة الإحكام الذي يعُمُّهُ والتّشابه الذي يعُمُّهُ، والإحكام والتّشابه الذي يخصُّ بعضهُ حتى يزولَ الإشكال ويزول التعارض، فأمّا الإحكام الذي يعمُّهُ فمعناهُ في الجملة الإتقان، فكلّهُ مُتقَنٌ بمعنى الإتقان، فلا يتطرَّقُ إليهِ الخللُ ولا الباطل؛ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] وكذلكَ التّشابه الذي يعمُّ معناه: أنّهُ لا اختلافَ فيهِ، الاختلاف الذي نزَّه الله كتابهُ عنهُ.
فمعنى أنّهُ مُتشابه يعني أنّهُ مُتشابهٌ في معانيهِ، بحيث يُصدِّقُ بعضهُ بعضاً، ويشهدُ بعضهُ لبعضٍ، ويعضُد بعضهُ بعضاً، وليسَ فيهِ تناقض، فالتّشابه الذي يعمُّه هو ضدُّ الاختلاف، التّشابه الذي وصفَ الله بهِ كتابهُ هو ضدُّ الاختلاف الذي نزَّههُ عنه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:82]، بل هو كلام.
وهذا التّشابه في الحقيقة كونهُ بريء، بريءٌ مِنَ التناقضِ هذا هو أيضاً مِنْ إحكامه، فَمِنْ إحكامهِ كونهُ مُتشابِهاً يُصدِّقُ بعضهُ بعضاً، ويشهدُ بعضهُ لبعض، فهو غايةٌ في الصِّدْقِ في أخبارهِ، والعدل والرُّشدِ في أحكامهِ، هذا بالنسبة للإحكام العام والتّشابه العام.
أمّا الإحكام الذي يختصُّ ببعضهِ؛ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ [آل عمران:7] فهذا فيه المُفسِّرون يعني لهمْ فيه عبارات وأشياء كثيرة، وكذلكَ التّشابه الخاص، ولكنْ أقربُ ما يكون أنَّ المُحكمَ هو الواضحُ البيِّن الذي لا يُشكِلُ معناهُ ولا يَشْتَبِه، والتشابه الخاص: هو ما يَشْتَبِه معناهُ على بعضِ الناس ويُشكِل، مثل النّصوص التي بينها تعارضٌ في الظاهر، هذه تكون من، يعني نوعُ المُتشابِهِ الذي يُردُّ إلى المحُكم فيتّضحُ معناه، يشتبهُ معناهُ لكنّهُ يتّضحُ بالتدبُّرِ والنظر والموازنة، وردّهُ للنصوصِ الأخرى.
ثمَّ أنَّ هذا التشابه الخاص صار.. حَمَلهُ بعضُ الطوائفِ على أنَّ المتشابه يعني هو الذي لا يُفهَمُ معناهُ، ما يُفهَمُ معناهُ، فتعلَّقُوا بهِ وجعلوهُ مثل كل ما خالفَ مذهبهم مِنَ النصوص، قالوا: إنّهُ من المتشابه، والواجبُ فيهِ التّفويض، فهذه الآية: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، هي عُمْدةُ وهي شبهةُ أصحابِ التفويض، أهلُ التفويض، فالتّشابه عندهم هو ما لا يُفهمُ معناه ولا يُعلم معناه، ولا يَعلمُ معناهُ إلّا الله، يتمسَّكونَ بقولهِ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمران:7] ما يَعلمُ تفسيره، ما يعلم تفسيرهُ إلا الله، فيقتضي هذا أنَّ في القرآنِ آياتٌ كثيرة لا يَعْلم معناها إلّا الله، وهذا ليس صحيح، بل القرآنُ كلّهُ يُمْكِنُ فهمُهُ، شيخُ الإسلام يعني قرَّرَ قاعدةً في "التدمرية" وقرّرَ معناها في مواضع، وهي أنَّ ما أخبرنا الله بهِ عن نفسهِ وعن اليومِ الآخر نعلمهُ مِنْ وجه دونَ وجه، معلومٌ لنا مِنْ وجه وغير معلومٍ لنا من وجه، فمعانيهِ المُستفادَةُ مِنْ دلالة اللغة ودلالة كذا ودلالة، هذا معلومٌ لنا، أمّا حقائقُ هذه الأمور الغيبية فذلكَ التأويل، فذلكَ التأويلُ الذي لا يعلمهُ إلّا الله.

– القارئ: أحسن الله إليكم
– طالب:
الإحكام الخاص والتشابه من يقول أن المُتشابِهَ هو الذي يحتمل أكثر من معنى
– الشيخ: المتشابه
– طالب: نعم، والمُحكَمُ هو الواضح البيِّن
– الشيخ: الواضح البيّن، صحيح، هذا نفسهُ نفس اللي يقول يحتمل ويحتمل، هذا راجع إلى المعنى اللي ذكرتهُ أنّهُ هذا واضح بيّن ولا يكونُ فيهِ والآخرُ فيه اشتباه، نعم، لهمْ عبارات كثيرة، ومنهم مَنْ يجعل المتشابه هو ما لا يعلمه إلّا الله، ويجعلونَ من المتشابه يعني ميقات الساعة، وقت الساعة، وهذا ليسَ بالبيّن، صحيح ليسَ المرادُ من المتشابه ما لا يعلمهُ إلّا الله، لا، المتشابه هو ما يَخْفى معناهُ ويَشْتَبِه ويُشْكِل على بعضِ الناس، ولكنّهُ يعلمُ منهُ أهلُ العلمِ ما اشتبهَ على غيرهم، تفسيرٌ تعرفهُ العرب مِنْ كلامهم، وتفسيرٌ لا يُعْذرُ أحدٌ بجهلهِ، وتفسيرٌ تعلّمهُ العلماء.

– القارئ: أحسن الله إليكم، ولهذا النوعِ أمثلة؛ منها: ما تقدّم مِنَ الإخبار بأنّهُ على كلِّ شيءٍ قدير، وأنّهُ ما شاءَ كان وما لم يشأ لمْ يكنْ، وأنّهُ يهدي مَنْ يشاء ويُضِلُّ من يشاء.
فإذا اشتبهت آياتٌ على مَنْ ظنَّ بهِ خلافُ الحكمة، وأنَّ هدايتهُ وإضلالهُ يكونُ جُزافاً لغيرِ سبب.
– الشيخ:
هاه!؟
– القارئ: وأنَّ هدايتهُ وإضلالهُ يكونُ جُزافاً لغيرِ سبب
– الشيخ
:
يكون
– القارئ: جُزافاً
– الشيخ
:
إمم، نعم
– القارئ: كشفت هذا الاشتباه وجَلَّتهُ الآياتُ الأُخر الدّالة على أنَّ هدايتهُ لها أسبابٌ يفعلها العبدُ ويتّصفُ بها، مثل قولهِ في سورة المائدة: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام [المائدة:16]، وأنَّ إضلالهُ لعبدهِ لهُ أسبابٌ في العبدِ، وهو تولّيهِ للشيطان، فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنهم اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّه [الأعراف:30]، فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]
وإذا اشتبهتْ آياتٌ على الجبْرِيِّ الذي يرى أنَّ العبادَ مجبورونَ على أفعالهم، بيَّنتها الآياتُ الأُخر الكثيرة الدّالة على أنَّ الله لمْ يُجبِر العباد، وأنَّ أعمالهم واقعةٌ باختيارهم وقُدْرَتِهم، وأضافها إليهم في آياتٍ غيرَ مُنحصِرةٍ.
كما أنَّ هذه الآيات التي أضافَ الله فيها الأعمالَ إلى العباد حَسَنها وسيئها، إذا اشتبهتْ على القدرية النّفاة، وظنّوا أنّها مُنْقَطِعة عن قضاءِ الله وقَدَره، وأنَّ الله ما شاءَها منهم ولا قدَّرها، تُلِيَتْ عليهم الآياتُ الكثيرة الصّريحة بتناولِ قُدْرة الله لكلِّ شيء من الأعيانِ والأعمالِ والأوصاف، وأنَّ الله خالقُ كلِّ شيء.
ومِنْ ذلك: أعمالُ العباد، وأنَّ العبادَ لا يشاءون إلّا أنْ يشاءَ الله ربُّ العالمين.
– الشيخ:
هذه الطوائفُ الجبريَّةُ والقدريَّة والمُشبِّهة في باب الصفات والمُعطِّلة، كلٌّ منهم يعني معهُ حقٌّ وباطل، فيُردُّ على كلِّ طائفةٍ بِما تَردُّ بهِ هي على الطائفة الأخرى، فما تَسْتدلُّ بهِ الجبرية على مذهبهم فيهِ ردٌّ على القدرية، وما تَسْتدلُّ بهِ القدرية فيهِ ردٌّ على الجبرية، وما يَسْتدلُّ بهِ أهلُ التّشبيه هو ردٌّ على أهلِ التعطيل، وما يَسْتدلُّ بهِ أهلُ التعطيل هو ردٌ على أهلِ التّشبيه، ولهذا أهلُ السنّة والجماعة الذين هداهم الله إلى الصّراط المستقيم جمعوا ما عندَ الطوائف مِنَ الحق وردُّوا ما عِندَ كلِّ طائفةٍ من الباطل.

– القارئ: وقيلَ للطائفتين: إنَّ الآيات والنصوص كُلّها حق، ويجبُ على كلِّ مسلمٍ تصديقُها والإيمانُ بِها كُلّها، وأنّها لا تتنافى.
– الشيخ:
ومثل هذا ما يتّصل بالوعد والوعيد بينَ المُرجِئة والوعيديَّة، هكذا أيضاً.
– القارئ: أحسن الله إليكم، فالطّاعاتُ والمعاصي واقعةٌ منهم وبقدرتهم وإرادتهم، والله تعالى خالقهم وخالقُ قُدْرتهم وإرادتهم.
وما أُجْمِلَ في بعضِ الآيات فسَّرتهُ آياتٌ أُخر، وما لمْ يتَّضحْ في موضعٍ اتَّضحَ في موضعٍ آخر، وما كان معروفاً بينَ الناس ووردَ فيهِ القرآنُ أمراً أو نهياً، كالصلاة والزكاة والزنا والظلم، ولم يُفصِّلْهُ فليسَ مجملاً؛ لأنّهُ أرشدهم إلى ما كانوا يعرفون، وأحالهم على ما كانوا بهِ متلبّسين، فليسَ فيهِ إشكالٌ بوجه والله أعلم.
القاعدة الحادية والعشرون.
– الشيخ:
لا إله إلا الله، وهي..
– القارئ: قال: القرآنُ يجري في إرشاداتهِ مع الزمان والأحوال في أحكامهِ الراجعة للعُرْفِ والعوائد.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه