الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(25) القاعدة الحادية والعشرون: قوله “القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(25) القاعدة الحادية والعشرون: قوله “القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الخامس والعشرون

***     ***     ***     ***
 
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، قال الشيخ ابن سعدي -رحمهُ الله تعالى-:
القاعدة الحادية والعشرون: القرآنُ يجري في إرشاداتهِ مع الزمانِ والأحوال في أحكامه الراجعة للعرفِ والعوائد.
– الشيخ:
يجري مع الزمان؟
– القارئ: يجري في إرشاداتهِ مع الزمانِ والأحوالِ في أحكامهِ الراجعة للعرف ِوالعوائد.
– الشيخ: نعم، نشوف كيفَ يشرح هذا المعنى، الله المستعان، يعني يظهر هذا في يعني، في يعني في القرآن، يعني في سيرة النبي بمكة ثمَّ سيرتهُ بالمدينة، وهذا صحيح القرآن فيهِ مراعاةٌ للأحوالِ واختلافِ الأحوالِ واختلاف، نعم نشوف.
– طالب:
– الشيخ:
نشوف، ما هي بواضحة

– القارئ: وهذه قاعدةٌ جليلةُ المقدار، عظيمة النفع، فإنَّ الله أمرَ عبادهُ بالمعروف، وهو ما عُرِفَ حُسنه شرعاً وعقلاً وعرفاً، ونهاهم عن المنكر، وهو ما ظهرَ قُبحُه شرعاً وعقلاً وعرفاً.
وأمرَ المؤمنينَ بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، ووصفهم بذلك، فما كانَ من المعروف لا يتغيّرُ في الأحوالِ والأوقات كالصّلاة والزكاة، والصوم والحج، وغيرها من الشرائع الراتبة، والأخلاق الكريمة من البِرِّ والإحسان، والمروءة والشجاعة والفهم، والاعتبار بكلِّ ما يعرضُ للإنسان، ويقعُ لهُ وعليهِ، فإنّهُ أمرَ بهِ: كلٌ في وقت. والواجب على الآخِرِين نظير الواجب على الأولين من هذه الأمة. وما كانَ من المنكر لا يتغيّر كذلك بتغيّر الأوقاتِ كالشركِ والقتلِ بغيرِ حقٍّ، والزنا وشُربِ الخمر ونحوها من كلِّ ما هو ضدُّ المعروف ثبتت في كل زمان ومكان لا تتغيّر ولا يختلفُ حكمها.
وما كانَ يختلفُ باختلافِ الأمكنة والأزمنة والأحوال، هو المرادُ هنا، فإنَّ الله تعالى يَرُدّهم فيهِ إلى العُرفِ والعادة والمصلحة المتعيّنة في ذلكَ الوقت.
وذلك أنّهُ أمرَ بالإحسانِ إلى الوالدين بالأقوالِ والأفعال، ولم يُعيّن لعبادهِ شيئاً مخصوص منَ الإحسانِ والبرِّ، ليعمَّ كلَّ ما تجدّدَ مِنَ الأوصافِ والأحوال، فقد يكونُ الإحسانُ إليهم في وقتٍ غيرَ الإحسانِ في الوقتِ الآخر.

– الشيخ: الله أكبر الله أكبر، يعني هذا تدخلهُ العادات، مثل الإحسان تدخلهُ العادات، ومن يعني، في بعضِ الجوانب لا مطلقاً، لو قُلتَ: الإنفاق عليهما، قُلتَ أنَّ الإنفاق أيضاً يختلف باختلافِ الأحوال، حال الناس، عادة الناس في المأكلِ والمَشرب والِّلباس، فالإحسانُ للوالدين والكلام يعني عام، كل ما يعدُّ إحسان في كل وقت فهو المأمورُ بهِ، والإنفاقُ كذلك، الإنفاقُ عليهما، كل ما يعني تحصلُ بهِ الكفاية وتجري بهِ العادة في النفقة فهو المأمورُ بهِ كذلك، الله المستعان.
لكن يبقى برُّ الوالدين بمفهومهِ الإجمالي يبقى واجباً لا يتغيَّرُ، يعني ما يجي، يكون في وقتٍ البِرُّ بِهما مأمورٌ به، وفي وقتٍ هو غيرُ مأمورٌ بهِ، لا، هو يعني التغير إنّما هو في النواحي التفصيلية والتطبيقية كما يُقال، أمّا أصلُ الحكم برُّ الوالدين فذلك لا يتبدَّلُ، الواجبُ هو واجبٌ على السّابقين واللاحقين، لكن لهُ ارتباطٌ بالعادات فلذلك يتغيّر صفةُ البرِّ، صفةُ النفقة، نوعُ النفقة، مِقدارُ النفقة.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، قال: فقد يكونُ الإحسانُ إليهم في وقتٍ غير الإحسان في الوقتِ الآخر، وفي حقِّ شخصٍ دونَ حقِّ الشخص الآخر.
فالواجبُ الذي أوجبهُ الله: هو النظرُ في الإحسان المعروف في وقتكَ ومكانك، في حقِّ والديك.
ومثلُ ذلك: ما أمرَ بهِ من الإحسان إلى الأقاربِ والجيرانِ والأصحابِ ونحوهم، فإنَّ ذلك راجعٌ في نوعهِ وجنسهِ وأفرادهِ إلى ما يتعارفهُ الناس إحساناً.
ولا يكون معارض للمعروف من التشريع، وكذلكَ ضدهُ من العقوقِ والإساءة، ينظر فيه إلى العرف، وكذلك قوله تعالى في سورة النساء: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ [النساء:19] وفي سورة البقرة..

– الشيخ: جابلك العقوق أيضاً، يعني العقوق مرتبطٌ بالإحسان فما يُعدُّ بِراً فتركهُ مثلاً عُقوقٌ، المتأمل أيضاً الإحسانُ وبِرُّ الوالدينِ وصِلةُ الأرحامِ يترتّب، يعني منهُ الواجبُ ومنهُ المُستحَبُّ، وأمّا العقوق فتركُ الواجبِ من الإحسان هو عقوقٌ، أمّا تركُ المستحب فلا يُسمّى عقوقاً؛ لأنَّ العقوقَ حرام، فلا يَصدُقُ إلّا على تركِ واجبٍ أو فِعلُ مُحرمٍ.
 
– القارئ: وكذلك قولهُ تعالى في سورة النساء: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ [النساء:19] وفي سورة البقرة: وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ [البقرة:228]، ردَّ الله الزوجين في عِشرتهما وأداءِ حقِّ كلٍّ منهما على الآخرِ على المعروفِ المعتادِ عند الناس في قُطركَ، وبلدكَ وحالك ومركزك الاجتماعي. وذلكَ يختلفُ اختلافاً عظيماً، لا يُمكنُ إحصاؤهُ عدّاً، فدخلَ ذلكَ كلّهُ في هذه النصوص المختصرة، وهذا من آياتِ إحكامِ القرآنِ وبراهين صِدقهِ.
وقال تعالى في سورة الأعراف: وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا [الأعراف:31] يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاساً يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشاً [الأعراف:26] فقد أباحَ لعبادهِ الأكلَ والشربَ واللباس، ولم يُعيّن شيئاً مِنَ الطعامِ والشرابِ واللباس، وهو يعلمُ أنَّ هذه الأمور تختلفُ باختلافِ الأحوالِ والأزمان والأمكنة، فتتعلّقُ بها الإباحة حيث ُكانت، لا يُنظر إلى ما كانَ موجوداً منها وقتَ نزولِ القرآن أو غيرِ موجود.
وكذلك قولهُ في سورة الأنفال: وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ [الأنفال:60] ومن المعلوم: أنَّ السلاح والقوّة التي كانت موجودةً وقتَ نزولِ القرآن غيرَ نوعِ القوّة التي وجدت بعدَ ذلك، 
فهذا النص يتناول كلَّ مُستطاعٍ منَ القوّة في كل وقت بحسبهِ وبِما يُناسبهُ ويليقُ بهِ.
وكذلك لمّا قال تعالى في سورة النساء: إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُم [النساء:29] لم يُعيّن لنا نوعاً من التجارة ولا جنساً، ولم يُحدد لنا ألفاظاً يحصلُ بها الرضى، وهذا يدلُّ على أنَّ الله أباحَ كلَّ ما تجري فيه تجارةٌ ما لم ينهَ عنهُ الشارع، أو لا حصل.
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: وهذا يدلُّ على أنَّ الله أباحَ كلَّ ما تجري فيهِ تجارةٌ، ما لم يَنهَ عنهُ الشارعُ، أو لا يحصلُ.
– طالب:
كلَّ ما حصلَ بهِ الرضا مِنَ الأقوالِ والأفعال انعقدت بهِ التجارة، النُّسَخ تختلف فيها زيادات ونقص كثيرة.
– الشيخ: نعم
– القارئ: هذه جاءت بعد، عندي: وأنَّ كلَّ ما حصل به الرِّضا من الأقوال والأفعال انعقدَت به التجارة.
– الشيخ:
يعني يكون صيغ البيع والشراء القولية والفعلية أقول: يُشير إلى هذا محلُّ الخلاف في الصِّيَغِ، يعني فيها اختلاف عندهم في..
– القارئ: أو لا يحصل هذه كأنها مُتعلِّقةٌ بقوله في أول الكلام: ولم يُحدِّد لنا ألفاظاً يحصل بها الرضا أو لا يحصل، لكنه أقحمها بعد جملة طويلة.
– طالب: في بعض النسخ …
– الشيخ: نعم
– القارئ: قال: وأنَّ كلَّ ما حصل به الرضا من الأقوالِ والأفعالِ انعقدت بهِ التجارة، فما حقَّقَ الرضا مِن قولٍ أو فعلٍ، انعقدت بهِ المُعاوَضاتُ والتبرعات والمعاملات، وفي القرآنِ مِن هذا النوعِ شيءٌ كثير.
القاعدة الثانية والعشرون.

– الشيخ: يعني شرَحَ الشيخ هذه القاعدة بهذا التفصيل وهذا البيان، وأنَّ الله يعني حيثُ أمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكر جعل الموضوعَ مرتبطٌ بهذا، وبشرحهِ تبيّنَ أنَّ هذا يتعلَّق في الأمورِ التي تتغيّرُ فيها الأحوال عبر الزمان، تتغيّر فيها العادات، فالأحكام كما قال، أحكامٌ لا ارتباطَ لها بالعادات، سواءً في المُحرَّماتِ والمفروضات كما شرح رحمهُ الله، لكن الأمور التي تختلفُ باختلافِ الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فالله أمرَ في كلِّ ذلك بما هو معروف ونهى عن كلِّ منكر، حسب ما جرت بهِ الأمور، هذا يتضمن يعني يتضمن دليلاً على أنَّ هذه الشريعة صالحةٌ لكلِّ زمان ومكان.
يُؤخذُ من هذا التقرير المُستمدُّ من هذه النصوص، يُؤخذُ منهُ أنَّ شريعة الإسلام صالحةٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، لكن هذا أيضاً لهُ حدود، هذا يمكن نقول في الجملة، فلا اعتبارَ بالعادات السيئة، العادات السيئة التي تتضمّن فساداً كونها معروفة عند أصحابها لا تكونُ معروفةً بالشرع، بل هي مُنكرةٌ ولو كانت معروفة، فالعُريُ كشفُ العورات هذا منكر ولو صار معروفاً عند فئاتٍ من الأمم، هو مُنكرٌ لا يتبدَّلُ، سَترُ العورة واجبٌ، وهكذا فهذا الكلام يعني يقرّرُ كقاعدة إجمالية وأنَّ الدين صالحٌ لكلِّ زمان ومكان.
لكن لا بدَّ أن لا تخرج هذه العادات ولا تتضمن يعني شيئاً مِمّا حرَّمه الله، فمتى تضمّنت مُحرّماً مِنَ المُحرَّمات الدائمة فلا اعتبار للعُرفِ فيها "ها، تعال لحلقِ اللحية!" عند المفتونين والمُبتَلَون وعند الكفار هي من العادات الجميلة عُرف، وتتقزّز نفوسهم مِن إعفاءِ اللحية، لا، حَلقُها مِنَ المنكر، وإعفاؤها المعروف، ولا اعتبارَ لتلكَ العادات، فهذا الكلام الذي قرّرهُ الشيخ وهو حقٌّ، لكنّهُ يُؤخَذُ على أساس في جملة، لا بُدَّ مِن تقييدهِ، ما لا يتضمّن يعني ترك واجب من الواجبات الدائمة، إعفاء اللحية مثلاً نقول: من الواجبات الدائمة ولو كانَ … من الأمور العادية ما هو، ما حُكمه لا يتبدَّلُ دائم، مثل ما ذكرت في أمرِ العورة، سَترُ العورة واجبٌ لهُ صِلةُ بالعادات، لكن هنا لا يتغيّر هذا الحكم، سِترُ العورة مِن واجبات الشريعة الدائمة التي لا تتغيّر بتغير العادات، وقِس على هذا أشياءَ أخرى.
 
– القارئ: هو أشار إلى هذا في أول كلامه أحسن الله إليك
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: أشار إلى هذا في أول كلامه
– الشيخ: تمام
– القارئ: لما قال: فما كانَ مِنَ المعروفِ لا يتغيّرُ في الأحوالِ والأوقات.
– الشيخ: فما كان
– القارئ: إي نعم، من المعروفِ لا يتغيّرُ في الأحوالِ والأوقات كالصّلاة.
– الشيخ: لكنّهُ غفرَ الله لهُ، مثَّل بماذا هنا؟
– القارئ: الصلاة والزكاة، والصوم والحج وغيرها
– الشيخ:
إي، هذا ما يكفي
– القارئ: والمروءة والشجاعة والإحسان والفهم، والاعتبار بكل ما يعرض للإنسان
– الشيخ: يعني في، في شيء من الإشارة، لكنّهُ مثَّل بأشياء لا صِلة لها بالعادات، صلاة وزكاة وفرائض الإسلام كلّها هذه لا تتغيّر، قال لك إيش وكذلك المروءة؟
– القارئ: إي نعم والإحسان والمروءة والشجاعة والفهم، والاعتبار بكل ما يعرض للإنسان ويقعُ.
– الشيخ:
إيش؟
– القارئ: والاعتبارِ بكلِّ ما يَعرضُ للإنسانِ ويقعُ لهُ وعليهِ، فإنّهُ أُمِرَ بهِ في كلِّ وقتٍ. ثمّ قال: وما كانَ مِنَ المُنكَرِ لا يتغيرُ كالشِّركِ والقتل بغيرِ حقٍّ، والزنا.
– الشيخ: هذا في المقابل المُحرَّمات، نعم، طيب، نعم، بعده
– القارئ: الفرقان بينَ الحقِّ والبُطلان
– الشيخ:
الله أكبر الله أكبر، ترى هذه الآن نزعة عِندَ أصحابِ الباطل يقول: تغيَّرَ الزمانُ وتغيَّرَ الوقت، وهذه الأحكام وهذه الشريعة جاءت يعني لوقت، لوقتِ البعثة ووقتِ الرسول، وجاءت يعني مُناسِبةً للعرب وحالتهم، وإن شئت يقول: وبَداوَتهُم، وأشياءَ مِن هذه الشِنشِنَة الملعونة، التي يُقصَدُ بِها تكييفُ الدِّين حسب ما جرت بهِ عادةُ الزَّمانِ، نعم، أعوذ بالله.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه