الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(28) القاعدة الثّالثة والعشرون: قوله “إرشادات القرآن على نوعين”

(28) القاعدة الثّالثة والعشرون: قوله “إرشادات القرآن على نوعين”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّامن والعشرون

***     ***     ***     ***

 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن بن سِعدي -رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه-
– الشيخ: آمين آمين، رحمه الله
– القارئ: أصولٌ وقواعدُ في تفسيرِ القرآنِ الكريم؛ القاعدة الثالثة والعشرون: إرشاداتُ القرآنِ على نوعين..
– الشيخ:
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، إرشاداتُ القرآن، يعني ما في القرآنِ مِنَ الأوامرِ والنّواهي، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، "إذا سَمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فأرعِهَا سَمعك، فإمّا خيرٌ تُؤمرُ بهِ، وإمّا شرٌّ تُنهَى عنهُ"، هذه الأوامر والنواهي مُؤيدةٌ بالوعدِ والوعيد، قصص الأنبياء وما مَضت بهِ سُنن الله مِن نصرِ أنبيائهِ وأوليائهِ، وإهلاكُ أعدائهِ، نعم، على نوعين.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، أحدهما: أن يُرشدَ أمرًا ونهيًا وخبرًا..
– الشيخ: إيش الأول أن يُرشد؟
– القارئ: أحدهما: أن يُرشدَ أمراً ونهياً وخبراً إلى أمرٍ معروفٍ شرعاً، أو عُرفاً كما تقدَّم.
والنوع الثاني: أن يُرشدَ إلى استخراجِ الأشياءِ النافعة مِن أصولٍ معروفة، ويُعمِلَ الفِكرَ في استفادةِ المنافعِ مِنها، وهذه القاعدة شريفةٌ جليلةُ القدر.
أمّا النوعُ الأول: فأكثرُ إرشاداتِ القرآنِ في الأمورِ الخبرية والأمورِ الحُكمية داخلةٌ فيها.
وأمّا النوعُ الثاني: وهو المقصودُ هنا، فإنّهُ دعا عبادهُ في آياتٍ كثيرة إلى التفكُّرِ في خَلقِ السماواتِ والأرض، وما خَلقَ الله فيها مِنَ العوالمِ، وإلى النظرِ فيها.

وأخبرَ أنّهُ سخَّرها لمصالِحنا ومنافِعنا، وأنّهُ أنزلَ الحديدَ فيهِ بأسٌ شديد ومنافعُ للناسِ.
– الشيخ:
لا إله إلا الله، لكن التفكّر الذي أرشدنا الله إليهِ في العوالمِ والموجودات المقصود الأول، المقصودُ الأول هو الاهتداءُ بهذه الآيات، إلى معرفة الرب، معرفتهُ سبحانهُ بربوبيتهِ وإلهيتهِ وقُدرتهِ وحِكمتهِ ورحمتهِ، وفي ذلكَ قال الله: الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً [آل عمران:191] يتفكَّرونَ فيها، فيعلمونَ أنَّ الله لم يَخلق هذا العالم عبثاً ولا لَعِباً، بل خلقهُ بالحق، رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران:191] خِلافَ ما يظنُّهُ الكفّار قال الله: وَمَا خَلَقنَا السَّمَاء وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص:27]
فالذين كفروا يَظنّونَ أنَّ هذا العالم ليسَ له غاية، ليسَ لوجودهِ غاية ولا حكمة، فإمّا أن يكونوا جاحدينَ لخالقهِ، وإمّا أن يكونوا جاهلينَ وجاحدينَ لحكمتهِ، لحكمةِ خالقهِ سُبحانهُ وتعالى؛ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]
هذا هو المقصودُ الأول مِن توجيهِ العبادِ إلى التفكُّرِ، أَوَلَم يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيءٍ وَأَن عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقتَرَبَ أَجَلُهُم [الأعراف:185]
أمّا التفكّر في المنافعِ، هذا أمرٌ آخر، يعني يُمكن أن نُسمِّيه أمرً ثانوي، ليسَ هو المقصودُ الأعظم، حتى ما يُذكّرنا الله بهِ مِنَ التفكُّرِ في نِعمهِ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنَا مِنهُ خَضِرًا [الأنعام:99]، هذا كُلّه ذكرهُ الله، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ، يَهتدون بِما يُشاهدونهُ مِن هذه الآيات إلى حِكمتهِ سُبحانهُ ورحمتهِ بعبادهِ، خلقَ لعبادهِ أنواعَ المنافع مِن بَهيمةِ الأنعام، ومِنَ الأشجارِ، ومنَ المياهِ والأنهار، وخَلَقَ البحرَ تأكُلونَ مِنهُ لحماً طريّاً.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، وأنّهُ أنزلَ الحديدَ فيهِ بأسٌ شديد ومنافعُ للنّاس: وَسَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ جَمِيعاً مِنهُ [الجاثية:13 ونبَّهَ العقولَ على التفكّرِ فيها، واستخراجِ أنواعِ العلومِ والفوائد مِنها.
وذلكّ أننا إذا فَكّرنا فيها، ونَظرنا حالها وأوصافَها وانتِظامها، ولأيّ شيءٍ خُلقت ولأيّ فائدةٍ أُبقيت؟ وماذا فيها مِنَ الآياتِ وما احتوت عليهِ مِنَ المنافع؟ أفادنا هذا الفِكرُ فيها عِلمينِ جليلين؛ أحدهما: أنّنا نَستدلُّ بِها على ما للهِ مِن صفاتِ الكمالِ والعَظمة.

– الشيخ: هذا هو الثمرة الأولى، أو العلم الأول
– القارئ: وما لهُ مِنَ النِّعم الواسعة والأيادي المُتكاثرة، وعلى صِدقِ ما أخبرَ بهِ مِنَ المَعاد والجنة والنار، وعلى صِدقِ رُسُلِه وحقيَّةِ ما جاءوا به.
وهذا النوعُ قد أكثرَ منهُ أهلُ العلمِ، وكلٌّ ذكرَ ما وصلَ إليهِ عِلمهُ، فإنَّ الله أخبرَ أن َّالآياتِ إنّما يَنتَفِعُ بِها أولو الألبابِ. وهذا أجلُّ العَلَمين وأعلاهُما، وأكمَلُهما.
– الشيخ:
العِلمين
– القارئ: العِلمين وأعلاهما، وأكملهما.
والعلم الثاني: أننا نتفكَّرُ فيها ونَستخرجُ مِنها المنافع المُتنوعة، فإنَّ الله سخّرها لنا، وسلَّطنا على استخراجِ جميعِ ما لنا فيها مِنَ المنافعِ والخيراتِ الدينية والدنيوية، فسخَّرَ لنا أرضَها لِنَحرُثها ونَزرُعها ونَغرِسها، ونَستَخرجَ معادِنَها وبركتِها، وجعلها طوعُ علومِنا وأعمالِنا لنَستخرجَ مِنها الصناعات النافعة، فجميعُ فنونِ الصناعاتِ على كَثرَتها وتنوُّعِها وتفوُّقها، لاسيما في هذه الأوقاتِ، كلُّ ذلكَ داخلٌ في تَسخيرها لنا، وقد عَرفتَ الحاجة بل الضرورة.

– الشيخ: الله أكبر، لكن تَسخيرُها لنا هو ابتلاءٌ لنا، هو ابتلاءٌ، فالمؤمنونَ أولو البصائرِ يَستثمرونَ هذه النِّعَمَ، وما سخّرهُ الله في تحقيقِ العبوديةِ لله، وتكون يعني وسائِل مُعينةً لهم على الغاية التي خَلَقهُم الله لها، وأمّا الكفّارُ فهم قد أخذوا مِن هذا بالنصيبِ الأعظم، في بابِ، يعني نصيب التفكُّر لاستخراجِ المنافع التي تتضمّنها، وتَشتمل عليها هذه المخلوقات أرضيةً أو هوائية، ولكنّهم قد حُرمُوا، قد حُرِموا يعني العلمَ النافع وهو العلمُ الأوّل الذي أشارَ إليهِ الشيخ، فأفهَامُهم قاصرةٌ على المعنى الثاني، على المنافعِ المادية، يعني هذه الأشياء ماذا تُنتج، ماذا يحصل ماذا، فأرادَ الله أن يكونَ للبشرية في هذا تفوُّقٌ هائل وقُدَرٌ عجيبة، ولكن مُعظَمُها، مُعظَمُها يعني ابتُلِيَ بهِ الكفّار، وجرى على أيديهم، وصارَ فِتنةً لهم، أوجبت لهم التّمادي في الكفرِ والغرور، وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُملِي لَهُم خَيرٌ لِّأَنفُسِهِم إِنَّمَا نُملِي لَهُم لِيَزدَادُوا إِثمًا [آل عمران:178]، وأوجبَ لجَهَلةِ المسلمينَ الإعجابُ بالكفّارِ والإطراءُ والانبهار وكذا.
أمّا أهلُ العلمِ وأهلُ البصائرِ مِنَ العلماءِ أو مِنَ العامة، فإنّهم لا يُقيمونَ لهذه الحضارةِ وزناً ولا تُوجِب لهم الإعجابَ بالكفارِ، بل هم يُبغِضُونَ الكفّار ويَعرِفونَ أنّهم كما وصفهم الله: كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ [الأعراف:179]، ولو بلغوا ما بلغوا في العلم والرُّقِيِّ وما يُسمّى بالتقدُّمِ.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، كلُّ ذلكَ داخِلٌ في تَسخيرهِ لنا، وقد عَرفتَ الحاجة بل الضرورةُ في هذه الأوقاتِ إلى استنباطِ المنافعِ مِنها، وتَرقيةُ الصنائعِ إلى ما لا حدَّ لهُ، وقد ظهرَ في هذه الأوقاتِ مِن موادِّها وعَناصِرها أمورٌ فيها فوائدُ عظيمةً للخلق.
– الشيخ:
الله أكبر، صحيح، منافعُ عظيمة ولكن ما تَتِم، إن استعانَ المسلمونَ بِها على الخيرِ صارت خيراً عظيماً، مثل هذا الجوال الذي في أيديكم، سبحان الله، عظيمُ النفعِ، عظيمُ الضررِ، وهذا مردُّهُ الاستعمال مثل المال، المال خير لكنّه خيرٌ لِمن يكون، خيراً لِمن أحسنَ في كسبهِ وفي صَرفِه، وشرٌّ على مَن أساءَ في المالِ كَسباً وإنفاقاً، وهكذا هذه الآلات، مَن أحسنَ استِعمالها على وفقِ شرعِ الله انتفعَ بهِ، وصارت نافعةً لهُ في الحاضرِ والآجل، وإن أساءَ الاستعمال صارت وبالاً عليهِ وشراً عليهِ في العاجلِ والآجل، وتدبّروا ذلكَ مِن حالِ النّاس تجدونهُ كذلك.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، وقد ظهرَ في هذه الأوقاتِ مِن موادّها وعناصرها أمورٌ فيها فوائدُ عظيمةٌ للخلق..
– الشيخ:
صحيح
– القارئ: وقد تقدَّمَ لنا في قاعِدة اللازم: أنَّ ما لا تتمُّ الأمورُ المطلوبةُ فهو مَطلوب..
– الشيخ:
نعم، ما لا تتمُّ إلّا بهِ، ما لا تتمُّ الأمورُ المطلوبة إلّا بهِ فهو مطلوب.
– القارئ: وهذا يدلُّ على أنَّ تعلُّمَ الصِّناعاتِ والمُخترعاتِ الحادثة مِنَ الأمورِ المطلوبةِ شرعاً، كما هي مطلوبةٌ لازمةٌ عقلاً، وأنّها مِنَ الجهادِ في سبيلِ الله، ومِن علومِ القرآن.
فإنَّ القرآنَ نبَّه العبادَ على أنّهُ جعلَ الحديدَ فيهِ بأسٌ شديد ومنافعُ للنّاس، وأنّهُ سخّرَ لهم ما في الأرضِ، فعليهم أن يَسعوا لتحصيلِ هذه المنافعِ مِن أقربِ الطرقِ إلى تَحصيلِها.

– الشيخ: والاستعانة بِها على عبادة الله، الاستعانة بِها على إقامةِ أمرِ الله.
– القارئ: أحسن الله إليك، وهي معروفةٌ بالتجارُب، وهذا مِن آياتِ القرآن، وهو أكبرُ دليلٍ على سَعَةِ عِلمِ الله وحِكمَتهِ ورحمتهِ بعبادهِ، بل، بأن أباحَ لهم جميعَ النِّعم، ويسَّرَ لهم الوصولَ إليها بطرقٍ لا تَزالُ تَحدُثُ وقتاً بعدَ وقت.
وقد أخبرَ في عِدّة آياتٍ أنّهُ تذكرةٌ يتذكَّرُ بهِ العباد كلُّ ما يَنفَعُهم فَيَسلِكُونهُ، وما يَضرُّهم فَيَتركونهُ، وأنّهُ هِدايةٌ لجميعِ المصالِح.

– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: انتهت
– القارئ: نعم جزاك الله خير.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه