بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّمَ على نبيّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرينَ وللمُسْتَمعين.
– الشيخ: آمين
– القارئ: قالَ الشيخُ ابن سِعدي -رحمهُ الله تعالى- في كتابهِ "أصولٌ وقواعدٌ في تفسيرِ القرآنِ الكريم":
القاعدة الخامسة والعشرون: حدودُ الله قدْ أُمِرَ بِحِفْظِها ونهى عَنْ تَعدِّيها وقُرْبَانِها قال تعالى: وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ [التوبة:112], وقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229] وقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]
أمّا حدودُ الله: فهيَ ما حدّهُ لعبادهِ مِنَ الشّرائعِ الظاهرةِ والباطنة، التي أمَرَهُم بِفِعْلِها، والمحُرّمات التي أمَرَهُم بِتَرْكِها، فالحفظُ لها أداءُ الحقوقِ اللازمة، وتركُ المحرّماتِ الظاهرةِ والباطِنة.
ويَتَوقّفُ هذا الفعلُ وهذا التركُ على مَعْرِفة الحدود على وَجْهِها، لِيَعْرِفَ ما يَدْخل في الواجباتِ والحقوق، فَيُؤدّيها على ذلكَ الوجه كاملةً غيرَ ناقِصة، وما يَدْخلُ في المحرّماتِ ليَتمكّنَ مِنْ تَرْكِها، ولهذا ذمَّ الله مَنْ لمْ يَعْرِف حُدودَ ما أنْزِلَ على رسولهِ، وأثنى على مَنْ عَرفَ ذلك.
وحيثُ قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229] كانَ المرادُ بِها: ما أحلّهُ لعبادهِ، وما فَصّلهُ مِنَ الشّرائع. فإنّهُ نهى عَنْ مجاوزتها وأمرَ بِمُلازَمَتِها. كما أمرَ بِمُلازَمة ما أحلّهُ مِنَ الطعامِ والشّرابِ واللباسِ والنكاح، ونهى مِنْ تعدّي ذلكَ إلى ما حرّمَ مِنَها من الخبائِث.
وكما أمرَ بِملازمة مَا شرعهُ مِنَ الأحكامِ في النكاحِ والطّلاقِ والعِددِ وتوابعِ ذلك، ونهى عَنْ تَعدّي ذلك َإلى فعلِ ما لا يجوزُ شَرْعاً. وكما أمرَ بالمحافظةِ على ما فصّلهُ مِنْ أحكامِ المواريثِ ولُزومِ حَدّه, ونهى عَنْ تعدّي ذلك، وتوريثِ مَنْ لا يَرِث، وحِرْمانِ مَنْ يَرِث، وتَبْديلِ ما فَرَضهُ وفَصّلهُ بغيرهِ.
وحيثُ قالَ تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] كانَ المرادُ بذلكَ: المحُرمات. فإنَّ قولهُ: فَلا تَقْرَبُوهَا نَهْيٌ عَنْ فِعْلِها، ونهيٌ عَنْ مُقَدِّماتِها وأسبابِها الموصلةِ إليها والمُوقعةِ بِها.
كما نَهاهُم عَنِ المحرّماتِ على الصّائمِ، وبيّنَ لهم وقتَ الصيام فقال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا. وكذا حَرّمَ على الأزواجِ أنْ يأخذوا ممّا آتوا أزواجهم إلّا أنْ يأتينَ بِفَاحِشةٍ مُبيّنة، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} وكما بيّنَ المحرماتِ في قولهِ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء: 32] وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:34]
فالخيرُ والسّعادةُ والفلاحُ في مَعْرفةِ حُدودِ الله، والمحافظة عليها, كما أنَّ أصلَ الشرِّ وأسبابِ العقوبات الجهلُ بِحُدودِ الله، أوتركِ المحافظةِ عليها أو الجمعُ بينَ الشّرينِ. والله أعلم.
– الشيخ: أحسنت.