بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الخامس والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي -رحمهُ الله تعالى- وأسكنهُ فسيحَ جنانهِ: أصولٌ وقواعدُ في التفسير: القاعدة التاسعة والعشرون:
في الفوائدِ التي يَجْتَنيها العبدُ في مَعْرفتهِ وفَهْمهِ لأجناسِ عُلومِ القرآن، وهذه القاعدةُ تَكَادُ تَكونُ هي المقصودُ الأعظمُ في علمِ التفسير..
– الشيخ: أعد، أعد يا شيخ، القاعدة
– القارئ: في الفوائدِ التي يَجْتَنيها العبدُ في مَعْرفتهِ وفَهْمهِ لأجناسِ علومِ القرآن.
وهذه القاعدةُ تَكادُ تَكونُ هي المقصودُ الأعظمُ في علمِ التفسير، وذلكَ أنَّ القرآنَ مُشتمِلٌ على علومٍ مُتَنوّعة، وأصنافٍ جَليلة مِنَ العلوم.
فعلى العبدِ أنْ يَعرفَ المقصودَ مِنْ كلِّ نوعٍ مِنْها، ويَعْملُ على هذا، ويتَّبعُ الآياتِ الواردة فيهِ، فَيحصُلُ المرادُ مِنْها: عِلماً وتَصْديقاً وحالاً وعَملاً.
فأجلُّ علومِ القرآنِ على الإطلاق: عِلمُ التوحيدِ، وما للهِ مِن صفاتِ الكمالِ، فإذا مرَّتْ عليهِ الآياتُ في تَوحيدِ الله وأسمائهِ وصِفاتهِ أقبلَ عَليها، فإذا فَهِمَها وفَهِمَ المرادَ بِها أثْبَتها لله على وجهٍ لا يُماثلهُ فيهِ أحد، وعَرَفَ أنّهُ كما ليسَ لله مثيلٌ في ذاتهِ فَليسَ لهُ مَثيلٌ في صفاتهِ، وامتلأ قَلبهُ مِن مَعرفة ربّهِ وحُبّه بِحسبِ عِلمهِ بِكمالِ الله وعَظمتهِ.
فإنَّ القلوبَ مَجْبولةٌ على مَحبّة الكمال، فَكيفَ بِمنْ لهُ كلُّ الكمالِ؟ ومِنهُ جَميعُ النعمِ الجِزَال.
ويَعْرفُ أنَّ أصلَ الأصولِ هو الإيمانُ بالله، وأنَّ هذا الأصل يَقْوى ويَكْمُلُ بحسبِ مَعْرفةِ العبدِ بِربّهِ، وفَهْمهِ لمعاني صِفاتهِ ونُعوتهِ وامتلأ القلبُ مِن مَعْرفَتِها ومَحَبَّتِها، وأيضاً يَعْرِفُ أنّهُ بِتَكْميلهِ هذا العلم تَكْمُلُ عُلومهُ وأعماله. فإنَّ هذا هو أصلُ العلمِ وأصلُ التعبُّدِ.
ومِن علومِ القرآن: صِفاتُ الرُّسلِ وأحوالِهم، وما جَرى لَهم وعَليهم، معَ مَن وافَقَهُم وخالَفَهُم، وما هم عليهِ مِنَ الأوصافِ الرّاقية.
فإذا مرَّتْ عليهِ هذه الآياتُ عَرفَ بِها أوصافَهم وازْدادتْ مَعْرِفتهُ بِهم ومَحَبّتِهم، وعَرفَ ما همْ عليهِ مِنَ الأخلاقِ والأعمالِ خُصوصاً إمامُهم وسَيّدهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم..
– الشيخ: اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك عليه
– القارئ: فَيَقْتَدي بأخلاقِهم وأعمالِهم بِحسبِ ما يَقْدرُ عليه، ويَفْهم أنَّ الإيمانَ بِهم تَمَامهُ وكَمالهُ: مَعْرفته..
– الشيخ: أنَّ
– القارئ: أحسن الله إليك، ويَفْهمُ أنَّ الإيمانَ بِهم تَمامهُ وكَمالهُ: مَعْرفتُهُ التامّةُ بأحوالِهم ومَحَبّتِهم واتباعِهم، وفي القرآنِ مِن نُعُوتِهِمُ الشيءُ الكثير الذي يَحْصلُ بهِ تَمامُ الكِفاية. ويَسْتفيدُ أيضاً الاقتداءَ بِتَعْليماتِهم العالية وإرشاداتِهم للخلقِ وحُسْنِ خِطابِهم..
– الشيخ: اللهم صلِّ عليهم
– القارئ: ولُطْفِ جَوابِهم وتَمامِ صَبْرهم، فليسَ القصدُ مِن قِصَصِهمْ أنْ تكونَ سَمَرَاً!! وإنّما القصدُ أنْ تكونَ عِبَرَاً.
ومِن علومِ القرآنِ: عِلمُ أهلِ السعادةِ والخيرِ وأهلُ الشَّقاوةِ والشر. وفي مَعْرفتهِ لَهم ولأوصافِهم ونُعوتِهم فوائد:
الترغيبُ في الاقتداءِ بالأخيار، والترهيبُ مِن أحوالِ الأشرارِ، والفُرقانِ بينَ هؤلاءِ وهؤلاء، وبين (وبيان) الصفاتِ والطُرقِ التي وَصَلَ بِها هؤلاءِ إلى دارِ النعيم، وأولئكَ إلى دارِ الجحيم، ومَعْرفةُ هؤلاءِ الأتقياءِ مِنَ الإيمان، ومَحبّةُ هؤلاءِ الأتقياءِ مِنَ الإيمان، كما أنَّ بُغْضَ أولئكَ مِنَ الإيمان.
وكُلّما كانَ العبدُ أعرفُ لأحوالهم (بأحوالِهم) تَمكّنَ مِن هذه المقاصِد.
ومِن علومِ القرآن: عِلمُ الجزاءِ في الدنيا والبرزخِ والآخرةِ على أعمالِ الخير.
– الشيخ: قف على هذا يا أخي، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، مَدارُ علومِ القرآنِ على العقائدِ، وعلى التّشريع، مَدَارُها على الإيمانِ والعملِ الصالح، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ قيلَ الهُدى: هو العلمُ النافِعُ، فيدخلُ فيهِ جَميعُ ما في القرآنِ مِنَ الاعتِقاداتِ، ما يَجبُ الإيمانُ بهِ مِن أسماءِ الله وصِفاتهِ، والخبرُ عَن اليومِ الآخر، وما كانَ وما يَكونْ، كلُّ هذا داخِلٌ فيما يَجبُ مِنَ الإيمانِ والأعمالِ الصّالحة، تُذكَرُ مُجملَةً، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ … مُفصَّلةً، صلاة وزكاة، وصوم وحج وجِهاد وإحسان وبِر.
قيلَ الهُدى هو العلمُ النافع، ودينُ الحقِّ هو العملُ الصالح، هذانِ هُما مَدارُ علومِ القرآن، عُلومُ القرآنِ تَرْجعُ إلى هذين الأصلين، وكلٌّ مِنْهما لهُ تَفْصيلات ولهُ تَفْريعات.
تقرأُ الفاتحةَ تَجدُ فيها هذين الأمرين، لكنْ بإجمالٍ واختصار، الآياتُ الثلاث الأولى في صفاتِ الربِّ سُبْحانهُ وتعالى، والآيةُ الرابعة فيما يَجبُ على العبدِ مِن توحيدِ الله، عِبادةً واسْتِعانةً، والرابعة، أو الخامسة فيها توجُّهٌ إلى الله بِطَلبِ الهداية، وفيها بيانُ أنَّ الصِّراطَ المُسْتَقيم هو صِراطُ النبيِّينَ والصِّدِّيقين والشُّهداء والصالحين.