الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(37) القاعدة الحادية والثلاثون: قوله “ربوبية الله في القرآن على نوعين عامة وخاصة”

(37) القاعدة الحادية والثلاثون: قوله “ربوبية الله في القرآن على نوعين عامة وخاصة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّابع والثّلاثون

***     ***     ***     ***

– القارئ: أحسن الله إليك، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمُسْتَمعين..
– الشيخ:
والمُستمعِين، جزاك الله خيراً
– القارئ: قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي -رحمهُ الله تعالى-: أصولٌ وقواعدُ في التفسير:
القاعدةُ الحادية والثلاثون: رُبوبيّةُ الله في القرآنِ على نَوعينْ: عامةٌ وخاصّة، كَثُرَ في القرآنِ ذِكْرُ رُبوبيّةُ الربِّ
لعبادهِ ومُتعلَّقاتِها ولَوازِمِها، وهي على نَوعين: رُبوبيّةٌ عامة، تَدْخلُ فيهِ المخلوقاتُ كُلّها؛ بَرُّها وفاجِرُهَا.

– الشيخ: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، هذه رُبوبيّةٌ عامّة، فالله ربُّ كُلِّ شيء، هو ربُّ النّاسِ، ربُّ النّاسِ كُلِّهم، ربُّ السّمواتِ والأرضِ ومَن فيهنَّ وما فيهِنَّ، فهذه رُبوبيّةٌ عامة، تَتَضمَّنُ المِلْك، والمُلْكَ والتدبير، تَتَضمّنُ القُدرةَ على كُلِّ شيء، وتَدبيرِ الأمر.

– القارئ: أحسن الله إليك، بلْ مُكلَّفُوها وغَيرِ المُكلَّفين..
– الشيخ:
المُكلَّفون مِثل الجِن والإنس، وغيرُ المُكلَّفين مِثل البهائِم
– القارئ: حتى الجماداتُ، وهي أنّهُ تَعالى المُنفردُ بِخَلْقِها ورزقها وتَدْبيرِها، وإعْطائِها ما تَحْتاجهُ أو تَضطرُّ إليهِ في بَقائِها، وحُصولُ مَنافِعها ومَقَاصِدها، فهذه التربيةُ لا يَخْرجُ عَنها أحد..
– الشيخ:
فهذه
– القارئ: فهذه التربية..
– الشيخ:
التربية؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك
– الشيخ:
أو الربوبيّة
– القارئ: فهذه التربيةُ لا يَخْرجُ عَنها أحد
– الشيخ:
عندك "التربية"؟
– طالب: "التربية" نعم
– الشيخ: إي تمشي؛ لأنَّ الربوبيّة تَتضمّنُ التربية، نعم

– القارئ: والنوع الثاني: في تَرْبيتهِ لأصفيائهِ وأوليائهِ، فيُربِّيهِم بالإيمانِ الكامِل، ويُوفِّقُهم لِتَكْميلهِ ويُكمِّلهمْ بالأخلاقِ الجميلة، ويَدْفعُ عَنهم الأخلاقَ الرّذيلة، ويُيسّرهم لليُسرى ويُجنّبَهم العُسرى.
وحَقيقَتُها: التوفيقُ لكلِّ خيرٍ، والحفظِ مِن كُلِّ شَر، وإنالةِ المحبوباتِ العاجلةِ والآجلة، وصَرفِ المَكروهاتِ العاجلةِ والآجلة..
– الشيخ:
يا الله يا الله، نعم
– القارئ: فَحيثُ أُطلِقتْ رُبوبيتّهُ تعالى فإنَّ المرادَ بِها المعنى الأول، مِثلُ قولهِ: رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، ونحو ذلك.
وحَيثُ قُيِّدتْ بِما يُحبّهُ ويَرضاهُ، أو وقعَ السؤالُ بِها مِنَ الأنبياءِ وأتْبَاعِهم، فإنَّ المرادَ بِها النوعُ الثاني، وهو مُتضمِّنٌ للنوعِ الأول؛ ولهذا تَجدُ أسئلةَ الأنبياءِ وأتْباعِهم في القرآنِ بِلفظِ الرُبوبيّة غالباً، فإنَّ مَطالِبهم كُلُّها داخلةٌ تَحتَ رُبوبيتّهِ الخاصة.
لِيَلحظَ العبدُ هذا المعنى النّافِع، ونَظيرُ هذا المعنى الجليل: أنَّ الله أخبرَ في عِدّةِ آياتٍ أنَّ الخلقَ كُلّهم عِبادهُ وعَبيدهُ: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً 
[مريم:93]، فَكُلّهم مَمَاليكُهُ، وليسَ لهمْ مِن المُلكِ والأمرِ شيء.
ويُخبرُ في بعضِ الآياتِ أنَّ عِبادهُ بَعضَ خَلقهِ كقولهِ: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً 
[الفرقان:63]، ثمَّ ذكرَ صِفاتَهم الجليلة أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، وفي قراءة: عِبَادَهُ، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، فالمرادُ بِها بهذا النوعِ مَن قاموا بعبوديةِ الله، وأخْلَصوا الدِّينَ على اختلافِ طَبَقاتِهم.
فالعبوديّةُ الأولى: يَدْخلُ فيها البرُّ والفاجرُ، والعبوديّةُ الثانية: صِفةُ الأبرار.
ولكنَّ الفرقَ بينَ الربوبيّةِ والعبوديّة: أنَّ الرُّبوبيّةَ وَصْفُ الربِّ وفعلَهُ، والعبوديَّةُ وَصْفُ العبيدِ وفِعْلِهم.
– الشيخ:
انتهى؟
– القارئ: انتهى، أحسن الله إليك
– الشيخ: تَضمّنَ هذا الكلام التنبيه إلى أنَّ الربوبيّة كما تكونُ عامةً وخاصة، الرُّبوبيّة العامة هي المُتعلّقة بِجميعِ الموجودات، فالله ربُّ كُلِّ شيءٍ ومَليكه، وهو خالقُ كُلِّ شيء، وهو المُدبِّرُ للأمرِ بِما تَقْتَضيهِ حِكْمتهُ ومَشيئتهُ، ورُبوبيّةٌ خاصة، ما يَتَضمّن الرّحمة والإكرام والتوفيق، وهي رُبوبيتهُ لخاصّتهِ، لأنبيائهِ وأوليائهِ، وهذه الرُّبوبيّة الخاصة تارةً تأتي أيضاً فيها عُموم لِعبادِ الله الصّالحين، مِنَ الأنبياءِ والمؤمنين، وتارةً تأتي خاصة مثل: فَلَا وَرَبِّكَ، هذه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ[النساء:65]، أيضاً الرُّبوبيّة الخاصة فيها خُصوصيَّةٌ أخرى، فَرُبوبيّتهُ لأوليائهِ عُموماً هذه ربوبيّةٌ خاصة، ولكنْ أيضاً عِبادهُ الصّالحونْ هم على مراتِب، فَكُلّما كانَ يعني أكملَ إيماناً وتوحيداً وتقوى كانّ لهُ مِنَ الرّبوبيّة ما يُناسِب ذلك، الله أكبر.
ويُنبِّهُ الشيخ إلى أنّهُ كما أنَّ الرُّبوبيّة نوعان أو تَنْقَسمُ، كذلكَ العبودية:
عُبوديّةٌ عامة: وتَشْملُ جَميعَ المخلوقات، كُل مَن في السّمواتِ والارض، كُلُّهم عَبيدهُ؛ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93] فهذه عُبوديّةٌ عامة، يَدْخلُ فيها الكفّار، الكفّار كُلّهم عَبيد.
وعُبوديَّةٌ خاصّة: تَخْتصُّ بأولياءِ الله، مِنَ الملائِكة، الملائِكة عِبادٌ مُكْرَمونْ، يَعني همْ مِن أهلِ العبوديّة الخاصة، الأنبياءُ مِن أهلِ العبوديّة الخاصّة: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص:45]، والله تعالى ذكرَ نبيّهُ في صِفةِ العبوديّة في مواضِع، في مَقامِ التحدّي، ومَقامِ الدّعاء، وفي مَقام الإسراء، وفي مَقاماتْ، وفي مَقامِ النِّذارة، فهو عبدُ الله ورسولُهُ، وعيسى عليهِ السّلام عبدُ الله ورسولُهُ، فالأنبياءُ كُلُّهم عبادُ الله ورُسُلِه، فهذه عُبوديّةٌ خاصة، وأهلُ العبوديّة الخاصة أيضاً همْ على مَراتِب، فَبَعْضُهم أكملُ عُبوديّةً مِن بَعض، فالعبدُ مِنَ العبوديّة العامة، عبدٌ بمعنى مُعبَّد مُذلَّل؛ لأنّها عبوديةٌ قَهْريَّة، والعبدُ مِنَ العبوديّة الخاصة، عبدٌ بِمعنى عابد؛ لأنّهُ خاضعٌ وطائعٌ للهِ اختياراً، أمّا العبدُ بِمعنى العبوديّة العامة فهو عبدٌ بِمعنى مُعبَّد، فإذا قُلنا أنَّ الكفّار عبيدُ الله فهو بِمعنى أنّهم مُعبَّدون، مُذلَّلون، مَقهورون، مُدبَّرون، إذا قلنا: المؤمنونَ عَبيدُ الله، والأنبياءُ عِبادُ الله فهو بِمعنى أنّهم عابدونَ خاضِعونَ مُنْقادُونَ طائِعونَ لله.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه