الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(38) القاعدة الثّانية والثّلاثون: قوله “إذا أمر الله بشيء كان ناهيا عن ضده”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(38) القاعدة الثّانية والثّلاثون: قوله “إذا أمر الله بشيء كان ناهيا عن ضده”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّامن والثّلاثون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ الله فسيحَ جِنانه، في كتابهِ: أصولٌ وقواعدُ في التفسير:
القاعدة الثانية والثلاثون:
إذا أمرَ الله بشيءٍ كانَ ناهياً عَن ضِدّه، وإذا نَهى عَن شيءٍ كانَ آمراً بِضدّه.
– الشيخ:
هذه قاعدةٌ أصوليّة، قاعدة أصولية: الأمرُ بالشيء نَهيٌ عَن ضِدّه، والنَهيُ عَن الشيء أمرٌ بِضدهِ، هذه قاعدةٌ مُقرَّرةٌ أصولية مَعْقولة، فالأمرُ بالصدقِ نهيٌ عَن الكَذِب، والنهيُ عَن الكذبِ أمرٌ بالصِّدقِ، الأمرُ بالإحسانِ نَهيٌ عَن العُدوان، والنهيُ عَن العُدوانِ أمرٌ بالإحسان، وهكذا، وأحياناً يَأتي الأمرُ والنَهيُ في سياقٍ واحِد؛ وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:142]، فأَمَرَهُ بالإصلاحِ ونَهاهُ عَن الإفساد.

– القارئ: أحسن الله إليك، وإذا أَثْنى على نَفْسهِ أو عَلى أوليائهِ وأصفيائهِ بنَفيِ شيءٍ مِنَ النقائِص كانَ ذلكَ إثباتاً للكَمالِ.
وذلك: لأنّهُ لا يُمْكنُ امتثالُ الأمرِ على وجهِ الكَمال إلّا بِتركِ ضِدِّهِ، فَحيثُ أمرَ بالتوحيدِ والصّلاة والزّكاة والصّومِ والحَجِ وبِرّ الوالدين، وصِلة الأرحام، والعدل، كانَ ناهياً عَن الشركِ وعَن تَركِ الصّلاةِ وتَركِ الزّكاةِ وتَركِ الصّومِ وتَركِ الحَج وعَن العقوقِ والقَطيعة، وحيثُ نَهى عَن الشِّرْكِ والصّلاة.
– الشيخ:
إيش؟!
– القارئ: وحيثُ نَهى عَن الشِّرْكِ والصّلاةِ إلى آخر. هنا سَقْطٌ
– الشيخ: نعم
– القارئ: وحيثُ نَهى عَن الشِّركِ وتَركِ الصّلاة إلى آخرِ المَذكورات.
كانَ آمراً بالتوحيدِ وفِعْلِ الصّلاة إلى آخِرها.
– الشيخ: إلى آخره، إلى آخر المذكورات، صحيح.
– القارئ: نعم، وحيثُ أمرَ بالصبرِ والشّكرِ، وإقبالَ القلبِ على الله إنابةً ومَحبّةً وخَوفاً ورجاءً، كانَ ناهياً عَن الجّزعِ والسُخطِ وكُفرانِ النِّعمِ وإعراضِ القلبِ عَن الله في تعلُّقِ هذه الأمورِ بِغَيره.
وحيثُ نَهى عَن الجّزعِ وكُفرانِ النِّعمِ وغَفلةِ القلبِ، كانَ آمراً بالصّبرِ إلى آخرِ المَذكورات.
وهذا ضَربُ مَثلٍ، وإلّا فَكلُّ الأوامرِ والنّواهي على هذا النمط.

وكذلكَ المَدحُ لا يَكونُ إلّا بإثباتِ الكمالات، فَحيثُ أثنى على نَفْسهِ، وذكرَ تنزُّهِهِ عَن النّقائِص والعيوب: كالنّومِ والسِّنَة واللُّغوبِ والموت، وخَفاءِ شيءٍ في العالمِ مِنَ الأعيانِ والصّفاتِ والأعمالِ وغَيرها، والظُّلم، فَلِتَضَمُّنِ ذلكَ الثناءُ عليهِ بِكمالِ حَياتِه.

– الشيخ: هذه قاعدة أنَّ كذلك، كما في الأمرِ والنَهي، إثْباتُ الشيء نَفيٌ لِضدّهِ ونَفيُ الشيء إثْباتٌ لِضدّهِ؛ لأنَّ الضّدينِ لا يَجْتَمِعانْ، والمَدحُ يكونُ بإثباتِ الكَمالات، بإثباتِ الكَمالاتْ وبِنفي النّقائِص، فإثباتُ الكمالات يَسْتَلزمُ نَفيَ النّقائِص، ونَفيُ النّقائِص يَسْتَلزمُ إثباتَ أضدادِها، إثباتَ أضْدَادِها.
والنفيُ لا يَكونُ مَدْحاً إلّا إذا تَضمّنَ ثُبوتًا، لا يَكونُ مَدْحاً، أمّا النفيُ المَحض الذي لا يَسْتَلزمُ ثبوتاً فَليسَ بِمدحٍ.

– القارئ: أحسن الله إليك، وكَمالُ قَيّوميّتهِ، وقُدرتهِ، وسَعةِ عِلمهِ، وكَمالِ عَدْلهِ وحِكْمَتهِ؛ لأنَّ العَدَمَ المَحض لا كمالَ فيهِ، حتى يُنفَى تَكْميلاً للكمالِ.
وكذلكَ إذا نَفى الله عَن كتابهِ الرّيبَ والاختلافِ والشكِّ والإخبارِ بِخلافِ الواقِع، كانَ ذلكَ لِكمالِ دَلالتهِ على اليقينِ في جَميعِ المَطالِب، واشْتِمَالهِ على الإحكام..
– الشيخ:
على الأحكام
– القارئ: نعم، كانَ ذلكَ لِكمالِ دَلالتهِ على اليقينِ في جَميعِ المَطالِب، واشْتِمالهِ على الأحكام.
– طالب
:
النسخة اللي عندي: اشتمالهِ على الحقِّ في كُلِّ الأحكام
– الشيخ: جيد، أو العدل، يعني لكنْ على الحقِّ أشملْ مِن جِهة الأحكامِ الكونية والأحكامِ الشّرعية.

– القارئ: واشْتِمالهِ على الحقِّ في كُلِّ الأحكام، والانتظامِ التام والصّدقِ الكامِل، إلى غيرِ ذلكَ مِن صِفاتِ كِتابه.
وكذلكَ إذا نَفى عَن رَسولهِ الكَذب، والتقوُّلِ والجنونِ والسحرِ والشِعرِ والغَلطِ ونَحْوها، كانَ ذلكَ لأجلِ إثْباتِ كَمالِ صِدْقِهِ، وأنّهُ لا يَنْطِقُ عَن الهوى، إنْ هو إلّا وَحيٌ يوحَى، ولكمالِ عَقْلهِ ولِزوالِ كُلِّ ما يَقدحُ في كمالِ نُبوّتهِ ورسالتهِ.
– الشيخ:
صلّى الله عليه وسلّم، بأبي وأمي، صلّى الله عليه وسلّم.
– القارئ: فَتَفطّنْ لهذه القاعدة في كُلِّ ما يَمرُّ عَليكَ مِنَ الآياتِ القرآنية في هذه الأمورِ وغَيرهِا، تَنَلْ خيراً كثيراً. والله أعلم.
القاعدةُ الثالثة والثلاثون: المرضُ في القرآنِ -مَرضُ القلوبِ- نَوْعان: مَرضُ شُبُهاتٍ وشُكوك.
– الشيخ:
المرض

– القارئ: المرضُ في القرآنِ -مَرضُ القلوبِ-
– الشيخ: مَرضُ القلوبِ الذي في القرآنِ، يكون التعبير كذا أجمل: مَرضُ القلوبِ الذي في القرآنِ نوعان، نعم.

– القارئ: مرضُ القلوبِ الذي في القرآنِ مَرضٌ نَوعان..
– الشيخ: لا بدون، لا تعيدها، مَرضُ القلوبِ الذي في القرآنِ نَوْعان.
– القارئ: أحسن الله إليك طيب، مرض القلوب
– الشيخ: الذي في القرآن يعني المذكور في القرآن نوعان
– القارئ: الذي في القرآن نوعان، أحسنت أحسن الله إليك، مَرضُ شُبُهاتٍ وشُكوكْ، ومَرضُ شَهواتٍ مُحرَّمات.
والطريقُ إلى تَمْييزِ هذا مِن هذا، معَ كَثرةِ ورودهِما في القرآنِ.
.
– الشيخ: الحقيقة مَرضُ الشهوات يَكادُ يَكون، يَكادُ يَكونُ يعني واضِح في موضعٍ واحِد، فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] هذا مَرضُ الشَّهوة، مَرضُ شَهْوة الزِّنا، أمّا مَرضُ الشُّكوكِ والشُّبُهاتِ هذا كثيرٌ، وهو في المُنافِقين، دائماً، الله يَقول في المنافقين: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة:10]، وقال: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:124-125] وهكذا، فأكثرُ المواضِع التي ذُكِرَ فيها مَرضُ القلوبِ، المَرضُ المُتعلِّقُ بالشُّبُهاتِ، ومِن آثارِ الشُّبهاتِ.

– القارئ: أحسن الله إليك، والطريقُ إلى تَمْييزِ هذا مِن هذا، معَ كَثْرة ورودهِما في القرآنِ، يُدرَكُ مِنَ السِّياق.
فإنْ كانَ هذا السِّياقُ في ذمِّ المُنافقينَ والمُخالفينَ في شيءٍ مِن أمورِ الدّين، كانَ هذا مَرضَ الشّكوكِ والشُّبهاتْ، وإنْ كانَ السِّياقُ في ذِكْرِ المعاصي والمَيلْ إليها كانَ مَرضَ شَهْوة.
ووجهُ انْحِصارِ المَرضِ في هذينِ النوعَين: أنَّ مَرضَ القلبِ خِلافُ صِحّتهِ، وصِحّةُ القلبِ الكاملة بِشَيئينِ: كَمال عِلْمهِ ومَعْرِفَتهِ ويَقِينهِ، وكَمالُ إرادتهِ ما يُحبّهُ الله ويَرْضَاه.

فالقلبُ الصحيحُ: هو الذي عَرفَ الحقَّ واتْبَعه، وعَرفَ الباطلَ وتَرَكَه، فإنْ كانَ عِلمهُ شَكّاً وعِندهُ شُبهاتٌ تُعارضُ ما أخبرَ الله بهِ مِن أصولِ الدّينِ وفُروعهِ، كانَ عِلمهُ مُنْحَرِفَاً وكانَ مَرضَ قَلْبهِ قُوّةً وضَعْفاً.

– طالب: قسوةً
– القارئ: وكانَ مرض قلبه قسوةً.
عندي أحسن الله إليك، وكانَ مَرضَ قَلْبهِ قوّةً وضَعفاً، بحسبِ هذه الشّكوكِ والشُّبهاتْ.
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: وكانَ مَرضَ قَلْبهِ قوّةً وضَعفاً، بحسبِ هذه الشكوكِ والشُّبهاتْ.
وإنْ كانت إرادتهُ.
– الشيخ: لأنَّ مَرضَ القلبِ يَتَفاوتُ بحسبِ المُؤثِّرات، فَمِن النّاس مَن يكونُ مَرضهُ شَديداً، مثل مَرض الشبُّهات أخطرُ مِن مَرضِ الشَّهوات، فَمرضُ الشُّبُهات هو ما أخبرَ الله بهِ عَن المنافِقين ومَن قَرَنَهم بِهم وبالكافرين، ومَرضُ الشَّهواتِ دونهُ، يَعني المُؤمنُ العاصي يُمْكِنْ يُقالُ بهِ مَرضْ مثل: الزّناة، فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، فَمرضُ الشَّهوةِ أخفُّ خَطراً مِن مَرضِ الشُّبْهةِ، وقدْ تَجْتَمعُ الشُّبهةُ والشَّهوةُ وهذا كثير، فالشّهوةُ تَحْمِلُ على تَقبُّلِ الشُّبهة وإثارةُ الشُّبهةِ للوصولِ إلى الغَرضِ، الله قال في الكفار: إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ [النجم:23]

– القارئ: أحسن الله إليك، وإنْ كانتْ إرادتهُ ومَحَبَّتهُ مائلةٌ لشيءٍ مِن مَعاصي الله، كانَ ذلكَ انْحِرافاً في إرادَتهِ ومَرَضاً.
وقدْ يَجْتَمِعُ الأمرانِ فَيكونُ القلبُ مُنْحَرِفاً في عِلمهِ وفي إرَادَتهِ.
فَمِن النوعِ الأول: قَولهُ تَعالى عَن المُنافِقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وهي الشُّكوكُ والشُّبُهاتُ المُعارضةُ لِرسالةِ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة:10]، عُقوبةً على ذلكَ المرضِ النّاتجِ عَن أسبابٍ مُتَعدّدة، كلِّها مِنهم، وهُمْ فيها غَيرُ مَعْذورين.

ونَظيرُ هذا قولهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125]، وكذلك قوله تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ [الحج:53]. فإنَّ مريضَ القلبِ بالشّكوكِ وضَعْفِ العلمِ أقلُّ شيءٍ يُريبُهُ ويُؤثِّرُ فيهِ ويَفْتَتِنُ بهِ.
ومِنَ الثاني: قَولهُ تَعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي

– الشيخ: ومن، ومن
– القارئ: ومن الثاني: قولهُ تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32]، أي: مَرضُ الشّهوة وإرادةٌ لِلْفُجورِ، أقلُّ شيءٍ مِن أسبابِ الافتنانِ يُوقِعهُ في الفتنةِ طَمَعاً أو فِعْلاً.
فكلُّ مَن أرادَ شيئاً مِن معاصي الله فَقَلبهُ مَريضٌ مَرضَ شَهوة، ولو كانَ صَحيحاً لاتَّصفَ بِصفاتِ الأزكياءِ الأبرياءِ الأتقياءِ المَوصوفينَ بِقولهِ:
وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات:7-8]
فَمَن كانَ قَلْبهُ على هذا الوصفِ الذي ذَكرهُ الله، فَلْيَحمدهُ على هذه النعمةِ التي لا يُقاوِمُها شيءٌ مِنَ النِّعم. ولْيَسألِ الله الثباتَ على ذلك، والزّيادةَ مِن فَضلِ الله ورَحْمَتهِ.
– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: انتهى، أحسن الله إليك
– الشيخ: حسبك.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه