الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(42) القاعدة التّاسعة والثلاثون: قوله “في طريقة القرآن في أحوال السياسة الداخلية والخارجية”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(42) القاعدة التّاسعة والثلاثون: قوله “في طريقة القرآن في أحوال السياسة الداخلية والخارجية”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّاني والأربعون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى وأسكنهُ فسيحَ جنانهِ، في رسالتهِ أصولٌ وقواعدُ في التفسير:
القاعدة التاسعة والثلاثون: في طريقةِ القرآنِ في أحوالِ السّياسة الداخليّة والخارجية..
– الشيخ:
لا إله إلّا الله، يقول إيش؟
– القارئ: في طريقةِ القرآنِ في أحوالِ السياسةِ الداخليةِ والخارجية
– الشيخ: القرآن فيه سياسة؟
– القارئ: نعم في أحوال السياسة الداخلية والخارجية
– الشيخ:
أنا أقول القرآن فيهِ سياسة؟، السياسة تَدْبير، تَدْبير وتَنْظيم وأشياء، نقول نعم فيهِ سياسةٌ داخلية وخارجية، مِنها ما يَتَعلَّقُ بالسّياسة العامة وهي سياسةُ الدولة، والدولةُ سياسَتُها تَتعلّقُ بأمرين:
بالرّعيّة وهذه هي السّياسة الداخلية.
وبالكفّارِ وهذه هي السّياسة الخارجية مع الدول، الجهاد والدّعوة، الدّعوةُ إلى الله والجهادُ في سبيلِ الله، وما يَتْبعُ ذلكَ مِنَ العُهودِ، مُعَاهدات، هذا تَتضمّنهُ السّياسةُ الخارجية.
والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عَن المنكر، وإقامةُ الحدودِ، وحفظُ الأمنْ، هذا يَرْجعُ إلى السّياسة الداخلية، وكذلكَ مِنَ السّياسة الشّرعية سِياسةُ الأسرة، سياسةُ الأسرة وهي دائرةٌ ضيّقة، يعني الأسرة، (فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)، فالإمامُ الأعظم راعٍ على الجميعِ، مَسؤولٌ عَن السّياسة الداخلية والخارجية، (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي بَيتهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) وهكذا.
الشيخُ يُريد يَتكلّم عمّا تَضمَّنهُ القرآن مِن أنواعِ السّياسة التي مَدارُها على التدبير والتّنظيم، تَنْظيمِ العلاقاتِ مع القريبِ والبَعيد.
 
– القارئ: طريقةُ القرآنِ في هذا أعلى طَريقة، وأقربَ إلى حُصولِ جَميعِ المصالحِ الكليّة، وإلى دَفعِ المفاسِد، ولو لمْ يَكنْ في القرآنِ مِثلَ هذا النوعِ إلّا قوله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: من الآية159]
– الشيخ: هذه جُزْئيةٌ عَظيمة يَعْني وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، هذا مِنَ السّياسة، الشّورى وهي مَشْروعةٌ للإمامِ الأعظم، ولِمَن دونهُ مِن أهلِ الولايات، نعم، ولو لمْ يَكن.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، ولو لمْ يَكنْ في القرآنِ مثلِ هذا النوعِ إلّا قولهُ تَعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: من الآية159]، وإخبارهِ عَن المؤمنينَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: من الآية38]، فالأمرُ مُفْردٌ مُضافٌ إلى المؤمنين، وفي الآيةِ الأولى: قدْ دَخلتْ عليهِ: [ال] ، المفيدةِ للعمومِ والاستغراق، يعني أنَّ جَميعَ أمورِ المؤمنينَ وشُئونِهم واسْتِجْلابِ مَصالحِهم واسْتِدْفاعِ مَضارّهم، مُعلّقٌ بالشّورى، والتّراود على تَعْينِ الأمرِ الذي يَجْرونَ عليهِ..
– الشيخ:
الذي؟
– القارئ: الذي يَجْرُونَ عليه
– الشيخ: نعم، يجرُونَ
– القارئ: وقَدْ اتّفقَ العُقلاءُ أنّ الطريقَ الوحيد للصّلاحِ الدينيّ والدّنيوي هو طريقُ الشورى، فالمُسْلِمونَ قَدْ أرْشَدهم الله إلى أن يَهْتَدوا إلى مَصالِحهم وكيفيّة الوصولِ إليها بأعمالِ أفْكارِهم.
– الشيخ:
بإعِمالِ.
– القارئ: بإعِمالِ أفكارِهم مُجْتَمعةً، فإذا تَعيَّنت المصلحةُ في طَريقٍ سَلكوهُ، وإذا تَعيَّنت المضرَّةُ في طريقٍ تَركوهُ، وإذا كانَ في ذلكَ مَصْلحةٌ ومَضرَّةً، نَظروا: أيُّها أقْوى وأدلى وأحسنَ عاقِبة، وإذا رأوا أمراً مِنَ الأمورِ هو المصلحة ولكنْ ليستْ أسْبابهُ عتيدةٌ عِنْدَهم ولا لهمْ قُدرةٌ عَليها نَظروا بأيّ شيءٍ تُدرَكُ تِلكَ الأسباب وبأيّ حالةٍ تُنالُ على وَجهٍ لا يَضُر.
وإذا رأوا مَصالِحهم تَتوقّفُ على الاستعدادِ بالفنونِ الحديثة والاختراعاتِ الباهِرة، سَعَوا لذلكَ بِحسبِ اقْتِدَارِهم.

– الشيخ: الله المستعان، لله الأمرُ مِن قَبلُ ومِن بَعد، لله الأمرُ مِن قَبلُ ومِن بَعد، يعني دينُ الإسلامِ ما يَمْنع مِن، بلْ يأمرُ بالأخذِ بالأسبابِ النّافعة (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)، واسْتَعِنْ بالله، لا تُعوِّلْ على حَوْلِك وقوّتِك، بلْ احْرِص واجْتَهِد فيما يَنْفَعُك، يَشْمل ولي الأمر ومَن دونه، والفَرد عليكَ أيّها الفَرد أنْ تَجْتَهِد فيما يَنْفَعُك، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، لكنْ معَ الاستعانةِ بالله والتوكّل عَليهِ والثِّقةِ بهِ والبراءة مِنَ الحولِ والقوّة، كذا، احْرِصْ عَلَى ما يَنْفَعُكَ.
ومَسألة الاختراعات وهذه القُشور اقْتَضَتْ حِكمةُ الله أنْ يَتَفوّق فيها الكُفّار، تَجْري على أيديهم ابتلاءً، للهِ في ذلكَ الحِكمة، المُسْلمونَ اليوم ما لَهمْ نَصيبٌ مِن هذه المُخترَعات، ما لَهمْ نَصيبٌ أبداً، ولا يَعْني نَتيجة تَقْصير ونَتيجة عَجْز، فَكل ما تَجْتَمع عليه هذه الحضارة الحديثة الآن ما للمسلمينَ مِنها إلّا الشيء اليَسير الذي يَتَلقّونه عَن أولئكَ، يَتَلقوّنهُ الآن، الآن بِسببِ هذه الحَضارة الفتَّانة، حضارةٌ فتَّانة، بِسببِ ذلكْ انْصَرَفتْ وجوهُ المسلمينَ مِن غَيرِ بَصيرة إلى الكفارِ إعْجَاباً بِهم، وجَرياً على آثارِهم، وتَشَبُّهاً بِهم فيما لا خَيرَ فيهِ، وما لا نَفَعَ فيهِ، وأفْضَى بِهم الأمرُ إلى أنْ يَبْعَثوا بِشَبابِهم إلى أولئكَ ليَتَلقّوا عَنْهم شيئاً وَفُتَاتاً مِن مُحْتَوياتِ هذه الحَضارة، وهذه الصّناعة الهائِلة، يَتَلقّونَ مِنْهم الشيءَ اليَسير، ورغمَ هذا الابْتِعَاث طولَ السنين في سائرِ بلادِ المسلمينَ ما نَالوا مِنها شيء، يا جودهم!! إنْ صاروا يَسْتَطيعونَ يَسْتَعملونَ هذا الآلات، يَسوق الطّائِرة ولَّا يَسوق السيّارة بس.
عُلِمَ أنَّ على المسلمينَ، أنَّ عِزَّهُمْ مُرتبطٌ بالتمسُّكِ بِدينِهم عقيدةً، وبالتمسُّكِ بدينِهم عَملاً، بِشرائعِ الإسلامِ، ومَا تَيسّر لهم مِن ذلكَ اسْتَعانوا بهِ على طاعةِ الله، لكنْ هَيْهاتَ، اللَّحاقُ بهذه الأمم هذا مُستبعد مِنهم، وعزُّ المسلمينَ مُرْتَبِطٌ باسْتِقَامَتِهم على دينِ الله، وتَحْكيمِ شَرعِ الله، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله.
هذا ابْتِلاء، هذا كُلّهُ يَرْجعُ إلى حِكْمةِ الابتلاء، ولهذا الكُفّارُ يَفْخَرونَ ويَسْخَرون، يَفْخَرونَ بِما أوتوا، ويَسْخَرونَ مِنَ المؤمنين، أنّهم ما نالوا مِن هذا الشيء، وأنّهم سَبَقوهُم وتَقَدَّموا عَليهم، ولكنْ مَهْما كانْ فالمسلمونَ أعزُّ وأكرمُ، أعزُّ وأكرم؛ لأنَّ مَعَهم أعظمُ سَبَبٍ للعزّةِ والكَرامة، وهو اعْتِنَاقُهم واعْتِقَادَهُم دينَ الإسلام، دينُ الإسلامِ الذي هو دينُ الله الذي بَعثَ بهِ رُسُلَه، وخَلقَ الخَلقَ لأجلهِ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهؤلاءِ الكُفّار الذينَ أُوتوا ما أوتوا همْ أخْسَرُ النّاسِ، هم البائِسونَ الخَاسِرون، فَكِبَارُهم طَواغيتٌ ظَلَمة، وجَبابِرة وفَراعِنة، وعامَّتهمْ طِغَامٌ مِثلُ البَهائِم، فبأي ِّشيءٍ يَعْني، فَلِمَ الإعجابُ بِهم؟!
أبداً: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179] هؤلاءِ، هذه الأمَم لا يَعْرِفونَ مَبْدَأً ولا مَعَاداً، ولا يَعْرِفونَ ربّاً، ولا يَعْرِفونَ يَعْني مِمّا يَكْفلُ سَعَادتَهم في هذه الدنيا، فَهُمْ يَعِيشونَ الهمومَ والغُمومَ والحَسرات، وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ [النساء:104]، هذه أمورُ الدُنيا مُشْتَركَة، الآلامُ والمصائِبْ، مُشْتَركة بينَ النَاس بَرّهم وفَاجِرهم، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء:104]
المؤمنُ إذا مَرِض يَحْتَسب بالصبر، ويَرْجو ثوابَ الله، ويَرْجو أنَّ الله يُثِيبهُ على صَبْرهِ وكذا وكذا، وهكذا سَائِرُ المصائِب، وأمّا الكُفّار فَهم لا يَرْجونَ شيئاً، يَعْني ما يُصيُبهم مِنَ المصائِب هو عَذابٌ فَقطْ، عذاب، الله أكبر، الله أكبر، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، نسأل الله، لا حولَ ولا قوّة إلّا بالله.
والتّعبيرُ عَن هذه الأمَم بالأممِ المُتقدّمةِ والأممِ الرّاقية وكذا وكذا، هذه مِنَ الكلماتِ الفاجِرة التي يُبجَّلُ فيها هؤلاءِ ويُعظَّمُ شأْنَهم، لا والله مو مُتقدمة بلْ هي المُتأخِّرة الهابِطة، إيش بعد؟، إيش بعد تَنْظيم نِكاح الذُكران؟!، إيش بعده؟!
خلاص ما بَقيَ مِنَ الإنسانيةِ عِنْدَهم شيء، يَجْعلونَ الزّواج نِكاحُ الرجلِ للرجلِ قانونْ، زواجٌ يَتَزوّجه، إيش بعده؟! يعني تفوَّقُوا على قَومِ لوط، لعنةُ الله عَليهم.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، وإذا رأوا مَصَالِحَهم تَتوقّفُ على الاستعدادِ بالفُنونِ الحَديثةِ والاختراعاتِ الباهِرة، سَعَوا لذلكَ بِحَسبِ اقْتِدَارِهم، ولمْ يَمْلِكْهُمْ اليأسُ والاتِّكالُ على غَيْرهم المُلقي إلى التّهلُكة..
– الشيخ:
الله المستعان، ما عندهم، نعم
– القارئ: أحسن الله إليك، وإذا عَرَفوا ـ وقَدْ عَرَفوا، أنَّ السعيَ لاتفاقِ الكلمة وتَوحيدِ الأمّة هو الطريقُ الأقومُ للقوّة المعنويّة جَدُّوا في هذا واجْتَهَدوا، وإذا رأوا المَصلحة في المُقاومَة والمُهاجَمة أو في المُسالمَةِ والمُدافَعةِ بِحَسبِ الإمْكانِ، سَلَكوا ما تَعيَّنتْ مَصْلَحتهُ فيُقدِمُونَ في مَوْضِع الإقدام، ويُحْجِمُونَ في مَوضعِ الإحْجام، وبالجملة لا يَدَعونَ مَصْلحةً داخلية ولا خَارجية، دقيقةً ولا جَليلة إلّا تَشَاوروا فيها، وفي طَريقِ تَحْصِيلها وتَنْمِيتِها.
– الشيخ:
آمنتُ بالله ورُسله، مُصيبةٌ عَظيمة والله يا إخوان مُصيبة حالةُ المسلمينْ، مُؤْلِمة حالةُ المسلمينْ، الله المستعان، أكثر ما أخذَ المُسْلمونَ مِن نتائجِ هذه الحضارة ما يَظْهر، كما في وسائلِ الإعلامِ مِن إذاعاتٍ وقَنوات، وهذه الأجهزة التي جَاءتْ أخيراً صارتْ في أيْدي الناس يَتَوصَّلونَ بِها إلى كثيرٍ مِنَ الشرِّ والباطِل، فَعلى المسلمِ أنْ يُحسِنَ اسْتِعْمال ما تَيسَّرَ لهُ مِن ذلك، أنْ يُحسِنَ اسْتِعْمَاله ولا يَكون وبالاً عليهِ، وأقلُّ أقلْ مَفاسِد هذه الأجهزة أعني مثل هذه "الجوالات" التي أصْبَحتْ في يَدِ الكبيرِ والصّغير، أقلْ مَفَاسِدها إضاعةُ الوقتِ، أعوذُ بالله، معَ ما تَجِدهُ لهُ مِن أمورٍ سَيئة وأمورٍ مُزعِجة و..
 
– القارئ: أحسن الله إليك، وبالجملةِ لا يَدَعونَ مَصْلحةً داخليّة ولا خَارجية، دقيقةً ولا جَليلة إلّا تَشَاوروا فيها، وفي طَريقِ تَحْصيلها وتَنْمِيتِها ودَفْعِ ما يُضادُّها ويُنْقِصُها.
فهذا النظامُ العجيبُ الذي أرشدَ إليهِ القرآن: هو النظامُ الذي يَصْلُحُ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانْ، وفي كُلِّ أمّةٍ ضَعيفةً أو قويّة، ومِن ذلكَ قَولهُ تَعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]
– الشيخ:
إلى هنا بس
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه