الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(43) تتمة القاعدة التّاسعة والثّلاثين: قوله “ومن ذلك قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(43) تتمة القاعدة التّاسعة والثّلاثين: قوله “ومن ذلك قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّالث والأربعون

***     ***     ***     ***

 

– القارئ: أحسن الله إليك، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى وأسكنهُ فسيحَ جِنانهِ، أصول وقَواعد في تَفْسيرِ القرآنِ الكريم:
القاعدة التاسعة والثلاثون: في طريقةِ القرآنِ في أحوالِ السّياسةِ الداخلية والخارجية..
– الشيخ:
قرأنا هذه؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: قرأنا شيئا منها..
– القارئ: نعم أحسن الله إليك، ثمَّ قالَ رحمهُ الله تعالى: ومِن ذلكَ قَولهُ تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]
– الشيخ: إمم، تماماً
– القارئ: فهذه الآيةُ نَصٌّ صَريحٌ بوجوبِ الاستعدادِ للأعداءِ بِما اسْتَطاعهُ المُسلمونَ مِن قوّة عَقليّة، ومَعْنويّة وماديّة، مِمّا لا يُمْكنُ حَصْرُ أفرادهِ، وفي كُلِّ وَقتٍ يَتَعيَّنُ سلوكٌ ما، يُلائِمُ ذلكَ الوقتْ..
– الشيخ:
لا، لا، سلوكُ ما

– القارئ: سلوكُ ما يُلائِمُ ذلكَ الوقتَ ويُناسبهُ، ومِن ذلكَ قَولهُ تَعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: من الآية 71]
– الشيخ: المهم قوله تعالى: أَعِدُّوا لَهُمْ [الأنفال: من الآية60] واضحةُ الدّلالة، أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم، ْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فهذه جاريةٌ على معنى قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: من الآية16]، فإعدادُ القوّة للجهادِ في سَبيلِ الله ودَفعِ شَرِّ الأعداءِ، أَعِدُّوا لَهُمْ، لَهُمْ، أعِدُّوا لَهُمْ للكُفّارِ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قوّةٍ لِجهادهم ابتداءً لِيَدْخلوا في الإسلامِ، أو يَخْضَعوا لِسُلطانِ المسلمين، أو لِدفعِ شرِّهم، إنْ بَدؤوا بالحربِ والعِداءِ أعِدُّوا لهم، هيِّئُوا لهم ما اسْتَطَعْتُم مِن قوّة بحسب.
وكما قال شيخنا: هذا يَعْني يُراعى في كُلِّ زمانٍ بِحَسبه، ولكن جاءَ في الحديثِ الصّحيح: (أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ) الرَّمْي هو القوّة، الرَّمْي أبْلَغُ مِنَ الضربِ بالسيف؛ لأنَّ الرَّمْي فيهِ إيصالُ أسبابِ الكَسب في العدو من بُعْد، وكانَ المسلمونَ يُجاهِدونَ بالسُّيوف والسِّهام، يُحارِبونَ بِهذا وهذا، ولو أنَّ المسلمينَ عَمِلوا بِمعنى هذه الآية، وأعدُّوا ما يَسْتَطِيعون حتّى ولو لمْ يَبْلغوا مَبلغَ الكُفّار في صُنعِ الأسلحة، لو عَمِلوا ما يَسْتَطيعون حتّى ولو كانتْ ضَعيفة وقَليلة، لكانَ لها أعظمُ الأثرِ في صدِّ عُدوانِ الكافرين، وفي إرهابِ الكافِرينْ.
ومِن أعظمِ العُدَدِ فيما مَضى "الخيل"؛ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ [الأنفال: من الآية60] وإرهابُ الكُفّارِ مَطْلَب، حتى يَكونَ المسلمونَ يَعْني لَهُمْ مَنْزِلة، يَخَافُهمْ الأعداء، يقولُ صلّى الله عليه وسلّم: " نُصِرْتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شَهْرٍ"، يعني أنَّ الله يُلْقي الرُّعبَ في قُلوبِ الكافرين وإنْ بَعُدتْ أرضُهم عَن المسلمين، وإنْ بَعُدتْ أرضهم مِنَ المسلمين، فإنّهم يَخَافونَهم وإنْ كانَ بَينهم وبينَ المسلمين مَسيرة شَهر، الله المستعان لا إله إلّا الله.
وقدْ ابتُلِيَ المسلمونَ في هذا العصرِ بِما جَرى على أيدي الكُفّار مِن القوّاتِ العُدْوانيّة، قوات، والأسلِحة كما يُسمُّونَها، إي صَدقوا، إنّها أسلحةُ الدّمار، أسلحةُ الدّمارِ صارتْ في أيدي الكُفّار الظّالمين، الكُفّار الآن ظالمونَ كُلَّ أنواعِ الظلم، الظلمُ بالكفرِ، وظُلم الخَلق بالعدوانِ عَليهم والتسلّط، وظُلمِ أنْفُسهم بأنواعِ المعاصي والفجور، فَهُمْ جامعونَ لأنواعِ الظلم، أعوذ بالله، لا إله إلّا الله، يَفْعَلُ ما يَشاء ويَحكُمُ ما يُريد.

– القارئ: أحسن الله إليك، ومِن ذلكَ قولهُ تَعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، ونَحْوهِا مِن الآياتِ التي أرْشدَ الله فيها إلى التحرّزِ مِنَ الأعداءِ، فَكُلُّ طريقٍ وسببٌ يُتحرَّزُ بهِ مِنَ الأعداءِ فإنّهُ داخلٌ في هذا، ولِكُلِّ وقتٍ لُبُوسُهُ، ومِن عجيبِ ما نَبّهَ عليه القرآنُ مِن النظامِ الوحيد، أنَّ الله عاتبَ المؤمنينَ بِقَولهِ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]، فأرشدَ عبادهُ إلى أنّهُ يِنْبَغي أنْ يَكونوا بحالةٍ مِن جَريانِ الأمورِ على طَريقها، لا يُزَعْزِعَهم عَنها فَقْدُ رئيسٍ وإنْ عَظُمْ.
وما ذاكَ إلّا بأنْ يَسْتَعدّوا لكُلِّ أمرٍ مِن أمورِهم الدينيّة والدنيويّة بِعُدَّةِ أُناس، إذا فُقِدَ أحَدُهم قامَ بهِ غَيره، وأنْ تَكونَ الأمّة مُتوحِّدَةٌ في إرادَتِها وعَزْمِها ومَقَاصِدِها وجَميعِ شُؤونِها..
– الشيخ:
لا إله إلّا الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، الله المُستعان.
– القارئ: قَصْدُهم جَميعاً أنْ تَكونَ كَلِمَةُ الله هي العُليا، وأنْ تَقومَ جَميعُ الأمورِ بِحَسبِ قُدْرَتِهم.
وقالَ تَعالى.
– الشيخ:
لا إله إلّا الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا إله إلّا الله، وقَدْ عَظُمَ التفريطُ في هذه الأمورِ قَديماً وحَديثاً، عَظُمَ التفريطُ في أوامرِ الله ونَواهيهِ، فضيَّعَ كثيرٌ مِنَ المسلمينَ الواجبات، الحُكوماتُ والشعوب الغالبُ عَليهم التفريطُ فيما أوجبَ الله عَليهم، ومِن ذلكَ واجبُ الجهادِ وما يَلْزمُ لهُ مِنَ الإعدادِ، وما يَجْبُ مِن الأخذِ بأسبابِ الوقايةِ وهو الحَذَر، خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [النساء:71]، ومردُّ هذا كُلّه هو الابْتِلاء.
كُلُّ ما يَجْري في هذا الوجود فلِلَّهِ الحِكمةُ البالغةُ فيهِ، ومِنْ أظهرِ الحِكَمِ ابتلاءُ الخَلقِ بَعْضُهم بِبَعضْ، ابْتُلىَ الكُفّارُ بالمسلمينْ والمسلمونَ بالكُفّار: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ [الأنعام:53]، ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [محمد:4]

– القارئ: أحسن الله إليك، وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، أي: اتْقوا غَضَبهُ وعِقابَهُ بالقيامِ بِما أمرَ بهِ مِن كُلِّ ما فيهِ الخيرُ والصّلاحُ لكمْ جَماعةً ومُنْفَرِدين، فَكلُّ مَصْلحةٍ أمرَ الله بِها وهي مُتوقِّفةٌ في حُصولِها أو في كَمالِها على أمرٍ مِنَ الأمورِ السّابقةِ أو اللاحِقة، فإنّهُ يَجِبُ تَحْصيلُها بِحَسبِ الاستِطاعة، فلا يُكلِّفُهم الله ما لا يُطِيقونْ.
وكذلكَ كُلُّ مَفْسدةٍ ومَضرَّةٍ لا يُمْكنُ اجْتِنابُها إلّا بِسلوكِ بَعضِ الطرقِ السّابقةِ أو اللاحقة فإنّها داخلةٌ في تَقْوى الله تَعالى، وذلكَ أنَّ لازمَ الحقِّ حقٌّ، والوسائِلُ لها أحْكامُ المقاصِدْ.

– الشيخ: فَمَا لا يَتِمُّ، في الأصول: "مَا لا يَتِمُّ الواجبُ إلّا بهِ فَهو واجِبْ"
– القارئ: ومِن ذلكَ الآياتُ الجامِعةُ في السِّياسةِ قَولهُ تَعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]
– الشيخ: قِفْ على هذه الآية
– القارئ: أحسن الله إليك.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه