الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(44) تتمة القاعدة التّاسعة والعشرين: قوله “ومن الآيات الجامعة في السياسة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(44) تتمة القاعدة التّاسعة والعشرين: قوله “ومن الآيات الجامعة في السياسة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الرّابع والأربعون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ الله فَسيحَ جِنانهِ، أصولٌ وقَواعدُ في تَفْسيرِ القرآن:
القاعدة: في طريقةِ القرآنِ في أحوالِ السّياسة الداخلية والخارجية
قال رحمهُ الله: ومِنَ الآياتِ الجامِعة في السّياسةِ قَولهُ تَعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، والآيةُ التي بَعْدها.
فالأماناتُ يَدْخلُ فيها أشياءَ كَثيرة..
– الشيخ:
أشياءُ كثيرة.
– القارئ: أشياءُ كثيرة مِن أجَلِّها: الولاياتُ الكبيرة والصّغيرة والمُتوسّطة، الدينيّة والدنيويّة. فَقدْ أمرَ الله أنْ تُؤدّى إلى أهْلِها بأنْ يُجْعَلَ فيها الأكِفَّاءُ لَها..
– الشيخ:
الأكْفَاءُ
– القارئ: الأكْفَاءُ لها..
– الشيخ: شو الفرق بين الأكْفَاء والأكِفَّاء، الله يهديكم؟ يَغْلط فيها كَثيرين..
– القارئ: الأكْفاء أي المُؤهَّلين
– الشيخ: إي أحسنت، والأكِفَّاء العُميان يعني
 
– القارئ: إي أحسن الله إليك، وكلُّ ولاية لها أكْفَاءُ مَخْصوصون.
فهذا الطريقُ الذي أمرَ الله بهِ في الولاياتِ مِن أصْلَحِ الطّرقِ لِصلاحِ جَميعِ الأحوالْ، فإنَّ صَلاحَ الأمورِ بِصلاحِ المُتولِّينَ والرُّؤساءِ فيها والمُدبِّرينَ لَها والعامِلينَ عَليها، فَيَجِبُ تَوْليةُ الأمثلِ فالأمثلْ: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]
فَصلاحُ المُتولِّينَ للولاياتِ الكُبْرى والصّغرى عِنوانُ صَلاحِ الأمّة، وضِدُّهُ بِضِدِّهِ.
ثمَّ أرْشَدهَم إلى الحُكمِ بينَ الناسِ بالعدلِ الذي ما قَامت السّمواتُ والأرضُ إلّا بهِ، فالْعَدلُ قِوامُ الأمورِ وروحُها، وبِفَقْدهِ تُفْسدُ الأمور.

والحكمُ بالعدلِ مِن لازمهِ مَعْرفةُ العدلِ في كُلِّ أمرٍ مِنَ الأمورِ، فإذا كانَ المُتولُّونَ للولاياتِ هُم الكُمَّلُ مِنَ الرجالِ والأكْفَاءِ للأعمال، وَجَرَتْ تَدابيرُهم وأفعَالُهم على العدلِ والسَّدَادِ، مُتَجَنّبينَ للظلمِ والفَساد، تَرقَّتْ الأمّةُ وصَلَحتْ أحوالُها، وتَمامُ ذلكَ في الآيةِ الأخرى التي أمرَ الله فيها بِطاعةِ ولاةِ الأمور، فَهَلْ يوجدُ أكملُ وأعلى مِن هذه السّياسةِ الحَكيمة التي عَواقِبُها أحمدُ العواقِبْ؟

– الشيخ: شيخُ الإسلام رحمهُ الله بَنى كتابهُ السّياسة الشّرعية على هاتينِ الآيتينْ، تَكلّم عَنِ الأمانات، وأنواعِ الأمانات، وهي الولاياتُ والأموال، الأماناتْ: الولاياتُ والأموال.
هذا فيما يَتعلّقُ بِشأنِ الرّاعي معَ الرّعيّة، والأمانات تَشْملُ الأمانات التي بينَ العبدِ وربّهِ، والأمانات التي بينَ الإنسانِ وغَيرهِ مِنَ الناس، يَدْخل في ذلكَ الودائِع وكُل ما يُؤتَمنُ عليهِ الإنسانُ مِن ولايةٍ أو مال، فَيَشْملُ ذلكَ مَنْصبَ الإمامِ الأعظمِ إلى الولاياتِ الصّغيرة، فالرجلُ راعٍ في أهلِ بَيتهِ والمرأةُ راعيةٌ في، ووليُّ اليتيمِ، وما أشبهَ ذلك.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، ومِنَ الآياتِ المُتعلِّقَةُ بالسياسة الشّرعية: جَميعُ ما شَرعهُ الله مِنَ الحدودِ على الجرائمِ، والعُقوباتِ على المُتجرِّئينَ على حُقوقهِ وحقوقِ عبادهِ وهي في غايةِ العدالة والحُسْنِ وردْعِ المجْرِمين والنَّكالِ والتّخويفِ لأهلِ الشرِّ والفَساد، وفيها صيانةٌ لدماءِ الخَلقِ وأموَالهم وأعراضِهم.
والآياتُ التي فيها الأمرُ بالمعروفِ والنّهيُ عَن المنكرِ والتكلّمُ بالحقِّ معَ مَن كانْ وفي أيِّ حالٍ مِنَ الأحوال.
وكذلكَ ما فيهِ مِنَ النّهي عَن الظلمِ فيهِ إرشادٌ للحريّة النافِعة. كذلكَ ما فيهِ مِنَ النهي عَن الظلمِ فيهِ إرشادٌ للحريّة النافِعة التي مَعْناها التكلّمُ بالحقِّ، وفي الأمورِ التي لا مَحْذورَ فيها، كما أنَّ الحدودَ والعقوباتِ والنّهي عَن الكلامِ القَبيحِ والفعلِ القبيح فيها ردُّ الحريّة الباطِلة، فإنَّ ميزانَ الحريّة الصّحيحة النّافعة هو ما أرشدَ إليهِ القرآنْ.

وأمّا إطلاقُ عِنانِ الجَهلِ والظلمِ والأقوالِ الضَّارَّةِ للمجتمعْ، والمُحلِّلَةِ للأخلاقِ، فإنّها مِن أكبرِ أسبابِ الشرِّ والفساد.

– الشيخ: نسأل الله العافية، الحريّة، الحريّةُ مَعْناها الشّرعي هو عِتقُ الرَّقيقِ، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، هذه هي الحريّة، هذا حُر، وهذا عَبد، فَضِدُّ الحريّة العبوديّة، والأصلُ في الإنسانِ أنّهُ حُرٌّ ليسَ بِمَمْلوكْ، والرِّقُّ طارئٌ على الإنسانِ، الرِّقُّ طارئٌ.
وقال العلماء: إنّهُ عَجَزٌ حُكميٌ سَببهُ الكُفر؛ لأنَّ الرّقَّ مَصْدرهُ السَّبْيُ، سبي، يعني سبيُ الكُفّار، سَبْيُ نِسائِهم وذريّاتِهم واتّخاذهم أرقَّاء عندَ المسلمين، وفي ذلكَ سعادةٌ للمَسْبيِّين؛ لأنّهم في الأغلبِ يُسْلِمونَ فَيَسْعَدونْ، يَسْعَدونَ سعادةً عظيمة، فَيكونُ المَسْبيُّ خيرٌ مِنَ الذي لمْ يُسْبى؛ لأنَّ الذي لمْ يُسْبى يَبْقى على حالهِ ويكونُ معَ قومهِ ويَبْقى على كُفْرهِ، وهؤلاءِ في الغالبِ أنّهم يُسْلمونْ فَيَفوزونَ بسعادةِ الدنيا والآخرة، سبحان الله!
والشيخ يُشير إلى الحريّة المُنكَرة التي يَدْعو إليها أهلُ الحضارةِ الحديثة فَيَقولونَ: بالحريّةِ للإنسانْ وأنَّ للإنسانِ أنْ يَتَكلَّمَ ما شاء، يَعْني إلّا فيما يَتَعلَّقُ يِمْكِن ببعضِ الأمورِ المُتعلِّقة بالكِبارِ والرّؤساء، وربّما أيضاً أطْلَقوا العِنان لِمَن شاءَ ليتكلّم.
ولكنْ مِنَ الحريّة المُطْلَقة عِنْدَهم حُريّةُ الاعتقادِ، لكلِّ إنسانٍ أنْ يَعْتَقِد ما شاء، ولهُ أنْ يَفْعلَ ما شاء، يعني مِمّا لا يكونُ فيهِ عُدوانٌ على أحد، يَعْني يَعْتَقِدُ أيَّ دينٍ، ويَفْعلُ ما شاءَ مِنَ الأفعالِ المُحرَّمةِ، يَزْني ويَشْربِ الخَمر ويَفْعل ما يَشْتَهي، إلّا الظلم والعُدوانِ على الناس وسَرِقةِ أموالِ الناس، هذا مَمْنوع، الله المستعان.
والإسلامُ ليسَ بهِ ما يُسمّى "حُريّة الكَلمة"، حُريّةُ الكَلِمة مَعْناها أنّكَ، لكَ أنْ تقولَ ما شِئتْ، لكنْ للإنسانِ أنْ يَتَكلّم، على المسلمِ أنْ يَتَكلّمَ بالحقْ، وعليهِ أنْ يَحْذرَ مِنَ التكلّمِ بالباطِل، فالمسلمُ ليسَ حُرّاً، ليسَ مِن شأنهِ ولا يُسوِّغُ لهُ الإسلامُ أنْ يَقول ما شاء، فليسَ في الإسلامِ حُريّة الكَلمة بهذا الإطلاق.

– القارئ: أحسن الله إليك، وأمّا إطلاقُ عِنانِ الجهلِ والظلمِ والأقوالِ الضَّارَّةِ للمجتمعْ، والمُحلِّلَةِ للأخلاق، فإنّها مِن أكبرِ أسبابِ الشرِّ والفَساد وانْحِلالِ الأمورِ والفَوْضويّة المَحْضة.
فَنتائِجُ الحريّة الصّحيحة أحسنُ النتائِج، ونَتائِجُ الحريّة الفاسدة أقبحُ النتائِج، فالشّارِعُ فَتحَ البابَ للأولى، وأغلَقهُ عَن الثانية.
– الشيخ:
للأولى الكلام بالحق وللحق
 
– القارئ: تَحْصيلاً للمصالحِ ودَفْعاً للمضارِّ والمَفاسِد، والله أعلم.
القاعدة الأربعون: في دَلالةِ القرآنِ على أصولِ الطِّبِّ..

– الشيخ: الله المستعان سبحان الله العظيم، إلى هنا يا شيخ.
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه