بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّابع والخمسون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنه فسيحَ جِنانهِ..
– الشيخ: آمين، وسائر علماء المسلمين والصالحين
– القارئ: في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآنِ الكريم":
القاعدة الثامنة والخمسون:
إذا أرادَ الله إظهارَ شَرفَ أنْبيائهِ وأصفيائهِ بالصّفاتِ الكامِلة..
– الشيخ: إذا أراد الله..
– القارئ: إذا أرادَ الله إظْهارَ شَرفَ أنْبيائهِ وأصفيائهِ بالصّفاتِ الكامِلة أراهُمْ نَقْصَها في غَيْرهم مِنَ المُسْتَعدِّينَ لِلكَمال، وذلكَ في أمورٍ كَثيرة وَردتْ في القرآنِ، مِنْها:
– الشيخ: لا إله إلّا الله، هذا يقولون: والشيءُ يُعرَفُ بضدِّه والضدُّ يُظْهِرُ حُسْنهُ الضِدُّ، وبِضدِّها تَتَبيَّنُ الأشياءُ، لعلَّ هذا أنّهُ يَعني ذَكرهُ تَعالى لأخلاق وسِيَرِ الطُّغاة وأنواع طوائِف الضّلال، ذِكْرُهُ تَعالى لِسِيَرِهم وأحوالِهم هو مِمّا يُظهِرُ فَضلَ أنْبياءِ الله ورُسلهِ، فأعداءُ الله مُفْسِدون، مُفْسِدونَ في الأرضِ، وأولياءُ الله مُصْلِحون، هُم المُصْلِحونَ في الأرضِ.
فإذا ولّيَ على بَعْضِ المُسْلمين والياً صَالحاً أقامَ فيهم العَدل، وأدَّى الحقوقَ ثمَّ حدَثَ بعدَ ذلكَ تغيُّرٌ فإنّهُ يُعرفُ فَضلُ الأول، فَضْلُ الصَّالح المُصلِح، فَيَظْهر يَعني بِتَولّي هذا الشّرير المُفسِد، يُظْهِرُ الله فَضلَ العباد الصّالحين والولاةِ العادِلين، كأنَّ هذا هو مَعْنى القاعِدة، الله أكبر.
– القارئ: أحسن الله إليك، وذلكَ في أمورٍ كثيرةٍ وَردتْ في القرآن، مِنها:
لمّا أرادَ إظهارَ شَرفِ آدمَ على المَلائِكة بالعِلم، وعلَّمَه أسماءَ كلَّ شيءٍ ثمَّ امْتَحنَ الملائِكة فَعَجزوا عَن مَعْرِفَتها، فَحينَئِذٍ نَبّأهم آدمُ بِها، فَخَضعوا لِعِلمهِ، وعَرفوا فَضلهُ وشَرفه.
ولمّا أرادَ الله إظهارَ شَرفِ يوسُف في سِعةِ العِلمِ والتّعبيرِ رأى المَلِكُ تِلكَ الرؤيا، وعَرضَها على كُلَّ مَن لهُ عِلمٌ بِها ومَعرفِة فَعَجزوا عَن مَعْرِفَتِها، ثمَّ بعدَ ذلكَ عَبَّرها يوسُف عليهِ السلام ذلكَ التّعبير العَجيب، الذي ظَهرَ بهِ مِن فَضْلهِ وشَرفهِ وتَعْظيمِ الخَلقِ لهُ شيءٌ لا يُمْكنُ التّعبيرُ عَنهُ.
– الشيخ: عليه السلام
– القارئ: ولمّا عارَضَ فِرْعونُ الآيات التي أُرْسِلَ بِها موسى، وزَعمَ أنّهُ سَيأتي بِسحرٍ يَغْلِبه، فَجمعَ كلَّ سحَّارٍ عَليمٍ مِن جَميعِ أنْحاءِ المملَكةِ، واجْتَمعَ النّاسُ في يومِ عيدِهم وألقى السَّحرةُ عِصِيَّهم وحِبالَهم في ذلكِ المَجْمعِ العَظيم، وأظهَروا للنّاسِ مِن عَجائِب السِّحر، سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116]، فَحينَئذٍ ألقى موسى عَصاهُ، فإذا هي تَلْقَفُ وتَبْتَلعَ بِمَرْأى النّاسِ جَميعَ حِبالِهم وعِصيِّهم، فَظَهرتْ هذه الآيةُ الكُبرى، وصارَ أهلُ الصَّنعةِ أوّلَ مَن خَضعَ لَها ظاهِراً وباطِناً.
– الشيخ: رَحِمَهم الله ورَضيَ عَنهم، السَّحرة وَقعوا ساجِدين، أشرقّ الإيمانُ في قُلوبِهم وعَرفوا أنّهم كانوا على باطلٍ، وأنَّ ما جاءَ بهِ موسى هو الحقُّ حتى قالوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:121-122]
– القارئ: ولمّا نَكصَ أهلُ الأرضِ عَنْ نُصرةِ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتَمَالأ عليهِ جَميعُ أعدائهِ، ومَكروا مَكْرَتَهم الكُبرى للإيقاعِ بهِ، نَصرهُ الله ذلكَ النصرَ العَجيب، فإنَّ نصْرَ المُنفردِ الذي أحاطَ بهِ عَدوّهُ الشّديدُ حَرَدَّهُ..
– الشيخ: حَرْدَهُ
– القارئ: حَرْدَهُ القويُّ مَكْرَهُ، الذي جَمعَ كلَّ كَيدهِ ليُوقِعَ بهِ أشدَ الأخَذات وأعظمَ النِّكايات، وتُخَلّصهُ وانْفِراجَ الأمرِ لهُ، مِن أعظمِ أنواعِ النّصر.
كما ذكرَ الله هذه الحال التي عاتَبَ بِها أهلَ الأرضِ، فقالَ: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة:40]
وقريبٌ مِن هذا نَصْرهُ لهُ يومَ حُنَين، حيثُ أُعجِبَتِ النّاسُ بِكَثرتِهم، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهم شيئا وضاقتْ عَليهم الأرضُ بِما رَحُبتْ ثمَّ وَلَّوا مُدْبِرين، وثَبَتَ صلّى الله عليه وسلّم فأنزلَ الله عليهِ سَكينَتهُ ونَصرَهُ في هذه الحالةِ الحَرِجة، فَكانَ لهذا النصر مِنَ المُوقِع الكَبير..
– الشيخ: من المَوقع
– القارئ: مِنَ المَوقِعِ الكَبير ما لا يُعبَّرُ عَنْهُ، وكذلكَ ما ذَكرهُ الله مِنَ الشّدائِد التي جَرتْ على أنْبيائهِ وأصفيائهِ، وأنّهُ إذا اشْتدَّ البأسُ، وكادَ أنْ يَسْتَولي على النفوسِ اليأسُ، أنْزَل الله فَرجهُ ونَصْرهُ ليَصيرِ لذلكَ مَوقِعٌ في القلوبِ..
– الشيخ: ليصير لذلك؟
– القارئ: ليَصيرَ لِذلكَ مَوقِعٌ في القلوبِ وليَعْرِفَ العبادُ ألطافَ عَلَّامِ الغُيوب، ويُقاربُ هذا المَعنى..
– الشيخ: هذا يُشير إلى ما جاءَ في مِثل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] تَعْبير عَن اسْتِبْطائِهم النّصر، مَتى نَصرُ الله؟، جاءَ الرّد: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]
وفي الحديثِ: (وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرب) الفَرج مِنَ الله يَأتي بَعدَ اسْتِحْكامِ الشِّدَّةِ ليكونَ مَوقِعهُ في النّفوسِ عَظيماً، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110] جاءَهمْ نَصْرُنا، يُشْبهُ هذا إذا وَقعَ في النّاسِ الجدْبُ الشّديد، ومَضى عَليهم سنين، والأرضُ مُكْفَهرَّةٌ وخاشِعة وميّتة، ثمَّ جاءَ الغَيث، كانَ لهُ وَقْعٌ في النّفوسِ، يَأتي هذا فيما يَتَعلّق بالأمورِ الكونيّة المَحِضة، وفي الأمورِ الشّرعية الكونية.
– القارئ: أحسن الله إليك، ويُقاربُ هذا المَعنى: إنْزالُهُ الغيثَ على العبادِ، بعدَ أنْ كانوا مِن قَبْلِ أنْ يُنزَّل عَليهم مِن قَبْلهِ مُبْلِسِينَ، فَيَحْصُل مِن آثارِ رَحْمةِ الله والاسْتِبْشارِ بِفَضْلهِ، ما يَمْلأُ القلوبَ حَمْدَاً وشُكراً وثَناءً على الباري تَعالى..
– الشيخ: لا إله إلّا الله، هذا بالنسبة للمؤمِنين، أمّا الجّاهلونَ والكافِرون فلا يَزيدُهم إلّا غروراً وفخراً، شأنُ الإنسانِ الكَفور، إنْ أصابتهُ سرَّاءَ أشِرَ وبَطِرَ، وإنْ أصابتهُ ضرَّاءَ جَزعَ وسَخِطَ وكَفرَ، وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود:9-10]
لكن المؤمِن كما جاءَ في الحديثِ: (إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ).
– القارئ: أحسن الله إليك، وكذلكَ يُذَكِّرَهم نِعَمهُ بِلَفْتِ أنْظارِهم إلى تَأمّلِ ضِدِّها، كقولهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:46]، وكذلك: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [القصص:71] الآيات.
وتلمَّحَ على هذا المَعنى قِصّةَ يَعْقوبَ وبَنيهِ: حينَ اشْتَدَّتْ بِهم الأزمة ودَخلوا على يوسُف، وقالوا: مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يوسف:88]، ثمَّ بعدَ قَليلٍ قالَ: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف:99]، في تِلكَ النّعمة الواسِعة والعَيشِ الرّغيد والعزِّ المَتين، والجاهِ العَريض فَتَباركَ مَن لا يُدْرِك العبادُ مِن ألطافهِ ودَقيقِ بِرِّهِ أقلَّ القَليل.
– الشيخ: الحمد لله الحمد لله، على الإنسانِ أنْ يَتَدبَّرَ نِعَم الله عليهِ دَقيقها وجَليلها حتّى يَشْكرَ ربّهُ، ويَعْتَرفَ بِفَضْلهِ سبحانهُ وتَعالى، أي أمرٌ تُمارِسهُ وتُزاولهُ، ثمَّ تَصِل إلى مَطْلوبِك، لا تَنْسُب هذا إلى السّبب، إلى حَولِكَ وقوّتِك وإلى الأسباب التي قَدرت عَليها، لا، بل بادِرْ بِحَمدِ الله، احْمَدِ الله الذي هَداكَ وأوصَلكَ إلى مَطْلوبِك، لا تكنْ مِنَ الغافِلين، كُنْ مِنَ الذّاكرين الله، المُتذكّرينَ لِفَضلهِ، المُتذكِّرين لِنِعَمهِ، المُتذكِّرينَ لألطافهِ، لا إله إلّا الله.
– القارئ: أحسن الله إليك، ويُناسبُ هذا مِن ألطافِ الباري: أنَّ الله يُذكِّرُ عِبادهُ أثناءَ المَصائِبِ ما يُقابِلُها مِنَ النِّعَم، لئلّا تَسْتَرْسِل النّفوسُ للجَزع، فإنّها إذا قابَلتْ بينَ المصائِب والنِّعَمِ خفَّتْ عليها المَصائِب، وهانَ عليهِ حَمْلُها، كما ذكّر الله المؤمنينَ حينَ أُصيبوا بِأُحدٍ ما أصابوا المُشْرِكينَ بِبَدرٍ، فقال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165]، وأدخل هذه الآية في أثناء.
– الشيخ: حَصَلتْ لَكم المُصيبة في أُحدٍ بأن قُتِلَ مِنْكُم مَن قُتل، قيلَ سَبْعون، فَقَدْ أصبْتُم في بدرٍ مِثْلَيها ولله الحمد، قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، ولو أنَّ الإنسانَ اسْتَعْمَل أو سَلكَ هذا الطريق مِنَ الموازنة، هذا اسْمه موازنة بين النِّعم والمصائِب.
يا أخي تذكَّرْ، اعْرِض ما أنعمَ الله بهِ عليكَ في عُمرِك، وما ابْتُليتَ بهِ مِنَ بَعضِ المصائِب، يَعني إذا تأمّلَ الإنسانُ مِثلَ هذا المَعنى يَجْد النّسبة جِداً ضَئيلة، مرَّتْ عليهِ مَصائِب، ولكنْ وازِن بَينها وبينَ النِّعمِ التي أنْعمَ الله بِها عَليك، لكَ سنين وأنتَ طيّب وصَحيح ومُعافَى، ثمَّ أصابتكَ عِلَّةٌ يمكنْ تَسْتَغْرق أيام أو بَعضَ الشّهور، فهذه لا تُساوي شيئاً بالقياسِ إلى ماضي حَياتِك وأنتَ مُمَتَّعٌ بالصِّحة والعافية.
– القارئ: أحسن الله إليك، وأدْخَلَ هذه الآيةَ في أثْناءِ قِصّةِ أُحدٍ، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123]، ويُبَشّرُ عَبْدهُ بالمَخرجِ مِنْها حينَ تُباشِرهُ المصائِب، ليكونَ هذا الرجاءُ مُخَفّفاً لِما نَزلَ مِنَ البلاءِ، قالَ تَعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15]، وكذلكَ رؤيا يوسُف إذا ذَكرها يَعْقوبُ رَجا الفرجَ، وهبَّ على قلبهِ نَسيمَ الرجاءِ، ولهذا قال: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87]
وكذلكَ قولهُ تَعالى لأمِّ موسى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]
وأعظمُ مِن ذلكَ كُلِّه: أنَّ وَعْدَ الله لِرُسُلِه بالنصرِ وبِتَمامِ الأمرِ هوَّن عَليهم المشقَّات وسَهَّل عليهم الكَريهات، فَتَلقّوها بِقُلوبٍ مُطْمَئِنة وصُدورٍ مُنْشَرِحة، وألطافُ الباري فوقَ ما يَخْطُرُ بالبالِ، أو يَدورُ في الخيال.
– الشيخ: هذا وإن كانَ يُقارِن هذه الطّمأنينة وحُسنّ الظنِّ وحُسنَ الأمل، يُقارِنُها بِما تَقْتَضيهِ الجِبِلَّةُ البَشرية، مَهْما كانَ الإنسانُ صالِحاً ومُتوكّلاً فإنّهُ يَجْد مَشقّة فيما يُصيبهُ مِن أذى الأعداء، أو مِنَ المرضِ الذي يُبْتَلى بهِ، يَجْد المشقَّة، لكن وإنْ كانَ في قَلْبهِ ما فيهِ مِن حُسنِ الظن بالله والرّجاء، فَكُلُّ شيء … فإيمانهُ وتَوكّلهُ على الله يُوجِبُ لهُ حُسْنَ الظنْ وقوّة الرّجاء، وما يُبْتَلى بهِ مِنَ العِلَلِ والمَصائِب، يُوجِبُ لهُ الأسى والأسف والألم، وقدْ يَنْتَهي بهِ الأمرُ إلى أنّهُ يَبْكي، إلى أنَّهُ يَكون عِنْدهُ ضَجرٌ وقلقٌ، لابد هذه الطّبيعة البَشريّة، آثارُها ومُقْتَضياتُها، وللمعاني الإيمانيّة والعلمية يَعْني مُقْتَضَياتُها.
– القارئ: أحسن الله إليك، القاعدة التاسعة والخمسون..
– الشيخ: حسبُكَ يا أخي
– القارئ: أحسنَ الله إليك.