الرئيسية/شروحات الكتب/خلق أفعال العباد للبخاري/(1) مقدمة الكتاب “قوله باب ما ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يبدلوا كلام الله عز وجل”
sharefile-pdf-ofile-word-o

(1) مقدمة الكتاب “قوله باب ما ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يبدلوا كلام الله عز وجل”

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
شرح كتاب (خَلْق أفعالِ العبادِ) للإمام البخاري
الدّرس الأوّل

***    ***    ***    ***
 
– الشيخ: هذا الكتابُ مشهورٌ معروفٌ للإمامِ "البخاري" ذكرَ فيه آثارًا كثيرة، ورواياتٍ يُستدلُّ بها على أنَّ أفعال العبادِ مخلوقةٌ لله خلافًا للقدرية المُعتزلة الذين يقولون إنها خلقٌ لهم، فالكتابُ يدور على هذا المعنى.
وتعرَّضَ فيه لمسألةِ اللفظِ والتلفظِ بمسألةِ كتاب الله، وهذا أيضًا ضمَّنَ معناه كتابُ "التوحيدِ من الجامع الصحيح" وقد عقدَ تراجمَ عديدة تتضمنُ هذا المعنى، وتتضمنُ تقريرَ وإثباتَ خلقِ أفعالِ العباد، وعلى منهجِ الأئمةِ -رحمهم الله- المُتقدمين، لا يُقدمونَ لمُؤلَّفاتِهم، يبدأ بالتأليف كما فعلَ هذا في صحيحه في "الجامع الصحيح" وكما صنعَ غيرُه من الأئمة -أو كثيرٌ من الأئمة- يُصنفون ويذكرونَ ما أرادوا ذكرَه بسياقاتٍ -بذكرِ الرواياتِ مُسندةً- ولا يُقدمون لذلك مُقدِّماتٍ. اقرأ.

– القارئ: الحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربلي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الإمام -رضي الله عنه- سنة ست وخمسين ومائتين. بابُ مَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِلْمُعَطِّلَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلِوا كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَشَيخَتنَا مُذُ سَبْعِينَ سَنَةً، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، يَقُولُونَ: "الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ"
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْقَارِئُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: "أَبْلِغْ أَبَا فُلَانٍ الْمُشْرِكَ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِ" كَانَ يَقُولُ: "الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ".

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ أَضْحًى، وَقَالَ: "ارْجِعُوا فَضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَمَّا يَقُولُ الجعد بْنُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَذبَحَهُ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ قُتَيْبَةُ..
– الشيخ:
هذه القصةُ رواها الأئمةُ، واستشهدُوا بها، وأثنَوا بها على خالدٍ القَسْري، وظهرَ بعض المعاصرين يزعمُ أنَّها لم تثبتْ! على كلِّ حالٍ ثبتتْ أو لم تثبُتْ، فإنها لا ينبني عليها شيءٌ، إلَّا أنَّ مضمونَها حقٌّ وهو إنكارُ قولِ جعدٍ، وهذا ممَّا أطبقَ عليه أهلُ السنةِ وأنَّ ما زعمَه "الجعدُ بن درهم" من أعظمِ البدعِ المنكرةِ التي ظهرت في الأمة.

– القارئ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ قُتَيْبَةُ: "بَلَغَنِي أَنَّ جَهْمًا كَانَ يَأْخُذُ الْكَلَامَ مِنَ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ..
– الشيخ:
هذا شيخُه، يعني: "الجعدَ بن درهم" شيخُ جهمٍ.
– القارئ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ يُوسُفَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا تَقُولُ فِي قَوْمٍ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: "أَمِنَ الْيَهُودِ؟" قَالَ: لَا، قَالَ: "فَمِنَ النَّصَارَى؟" قَالَ: لَا، قَالَ: "فَمِنَ الْمَجُوسِ؟" قَالَ: لَا، قَالَ: "فَمِمَنْ؟" قَالَ: مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، قَالَ: " لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مَخْلُوقٌ، يَقُولُ اللَّهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1] فَاللَّهُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، وَالرَّحْمَنُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، وَالرَّحِيمُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، وَهَذَا أَصْلُ الزَّندقَةِ، مَنْ قَالَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ "
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: " الْجَهْمِيَّةُ الزَّنَادِقَةُ إِنَّما يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. وَحَلَفَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، بِالِلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَنْ قَالَ: "إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ"
وَقِيلَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، إِنَّ قَوْمًا بِبَغْدَادَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ: "وَيْلَكَ مَنْ قَالَ هَذَا؟ عَلَى مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ لَعْنَةُ اللَّهِ وَهُوَ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، وَلَا تُجَالِسُوهُمْ"

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ". وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: "الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ جبريلُ، مَا يُجَادِلُونَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ". وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ..
– الشيخ:
هذا كله مبنيٌّ على التأصيلِ الذي أوحى به الشيطان إليهم وهو نفيُ صفات الربِّ –سبحانه وتعالى- نفيُ كلامِه، أنه لا يتكلمُ، لا يقومُ به الكلامُ، ونفيُ العلوِّ هاتانِ الصفتان هي من فروعِ نفيِ الصفاتِ ،ولهذا أهلُ السنة حشدوا الحججَ العقليةَ والحججَ الشرعيةَ على بطلانِ هذا المُنكرِ العظيم، وردِّ هذه البدعةِ الشنعاءِ -بدعة الجهمية بدعة التعطيل- فمن فروعِها القولُ بأنَّ القرآن مخلوقٌ لأنه إذا كان -كما يزعمون- لا يتكلمُ ولا يقوم به الكلامُ بل لا تقومُ به أيُّ صفةٍ فهذا الكلامُ مخلوقٌ كغيره من المخلوقاتِ، القرآن يكون مفعولًا وبهذا يصبحُ مثلَ كلام الناس، كما أن كلامَ الناس مخلوقٌ، حتى يقول هؤلاء: إنَّ الله لمَّا كلَّمَ موسى من الشجرة معناه: خلقَ كلامًا في الشجرة طردًا لمذهبِهم.
 
– القارئ: وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا [طه:14] مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا يَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ" وَقَالَ أَيْضًا:
فَلَا أَقُولُ بِقَوْلِ الْجَهْمِ إِنَّ لَهُ *** قَوْلًا يُضَارِعُ قَوْلَ الشِّرْكِ أَحْيَانَا
وَلَا أَقُولُ تَخَلَّى مِنْ بَرِيَّتِهِ    *** رَبُّ الْعِبَادِ وَوَلَّى الْأَمْرَ شَيْطَانَا
مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَجَبُّرِهِ ***  فِرْعَوْنُ مُوسَى وَلَا فِرْعَوْنُ هَامَانَا
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: "لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ إِنَّهُ فِي الْأَرْضِ هَهُنَا، بَلْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"، وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: "فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ" وَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: "أَبطنُكَ خَالِيًا مِنْهُ؟ فَبُهِتَ الْآخَرُ"..
– الشيخ:
هذا من احتجاج أهل السنةِ على القائلينَ بالحلولِ، وأنه تعالى في كل مكانٍ، كما وردَ هذا المعنى في كتاب "الردِّ على الجهميةِ والزنادقة" للإمامِ أحمد يقول: "أنَّ قولَهم يتضمنُ أن يكون اللهُ بذاتِه في الحشوش وفي بطونِ الحيوانِ والإنسان" 
 
– القارئ: وَقَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ". وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: "الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ". وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: "الْجَهْمِيَّةُ شَرٌّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ". وَقَالَ ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ: "تَرَكَ جهْمٌ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ، فَخَاصَمَهُ بَعْضُ السُّمَنِيَّةُ، فَشَكَّ فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يُصَلِّي قَالَ ضَمْرَةُ: وَقَدْ رَآهُ ابْنُ شَوْذَبٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبي سَلَمَةَ: "إِنَّ كَلَامَ جَهْمٍ صِفَةٌ بِلَا مَعْنًى، وَبِنَاءٌ بِلَا أَسَاسٍ، وَلَمْ يُعَدَّ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ". وَقَدْ سُئِلَ جَهْمٌ عنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَالَ: "عَلَيْهَا الْعِدَّةُ". فَخَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ بِجَهْلِهِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]" وَقَالَ عَلِيٌّ: "ما الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا أَكْفَرُ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ"، وَقَالَ: "احْذَرْ مِنَ الْمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ … الزَّنْدَقَةَ، وَأَنَا كَلَّمْتُ أُسْتَاذَهُمْ جَهْمًا فَلَمْ يُثْبِتْ لِي أَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلَهًا".
وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ يُسَمِّيهِمْ زَنَادِقَةَ الْعِرَاقِ، وَقِيلَ لَهُ: سَمِعْتَ أَحَدًا يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ: "هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةُ وَاللَّهِ، لَقَدْ فَرَرْتُ إِلَى الْيَمَنِ حِينَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يُكَلِّمُ بِهَذَا بِبَغْدَادَ فِرَارًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ"، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ..
– الشيخ:
إلى آخره.. سياقاتٌ مُستمرة، على كلِّ حال هذه قضيةٌ كبيرة صارت بلاءً على هذه الأمةِ، وافترق الناس فيها فرقًا فهدى الله من شاءَ من عباده.
فتنةُ القولِ بخلق القرآن أو بدعةُ القولِ بخلقِ القرآن. الصحابةُ -رضوان الله عليهم- لم يفتنوا كلهم على إجراء النصوص على ظاهرها يقولون القرآن كلام الله حتى يسمع كلام الله ما عندهم شيء عادي وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة:6] يريدون أن يبدلوا كلام الله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] ثم ظهرت بدعةُ التعطيل، وتفرعَ عنها القولُ بخلقِ القرآن، واعتنقَها بعضُ أصحابِ النفوذ فحملوا الناس على هذا القولِ الباطل، فصارت محنةً على المسلمين، ثم إنَّ الناسَ بعد ذلك تشعبت مذاهبهم في هذا الأمر، يعني مسألة كلام الله من المسائل الكبيرة التي افترقَتْ فيها الأمة، ولهذا مذاهبُ الناس في كلامِ الله كثيرةٌ.
للطوائفِ المعروفة ستةُ مذاهب: مذهب الجهمية وهو مذهب المعتزلة، مذهب الكلابية، مذهبُ الأشاعرة، ومذهب الاتحادية الملاحدة، وتفرَّع عنها مسائلُ وإشكالاتٌ وكلامٌ في الحرفِ والصوتِ، وأصلُ الموضوعِ واضحٌ مُشرقٌ بيِّنٌ ولله الحمد، لكن إذا أُلقيت الشُّبهاتُ هذا كله من وحيِ الشيطان، أوحى به إلى بعض الضُلالِ، فتكلَّمَ به ودعا إليه، وحسَّنَه من تلقَّفَه من جهلةِ الناس، والشيءُ المعلومُ بالضرورة أنَّ كلامَ الله مُنزَّلٌ غيرُ مخلوقٍ، بل هو كلامٌ تكلمَ به، والله يتكلمُ والقرآنُ كلامُ الله، حروفُه ومعانيه، وسيأتي أيضًا أنَّ من المذاهبِ الباطلةِ مذهبُ الواقفةِ الذين يقول أحدهم: "أنا لا أقولُ القرآنُ مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوقٍ، هذا هروبٌ واحتيالٌ، هروبٌ من الاعترافِ بالحقيقةِ، فالذي يقول: "أنا لا أقولُ مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوقٌ" حكمُه حكمُ من يقول: "إنَّه مخلوقٌ" سيأتي والله أعلم.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة