بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
شرح كتاب (خَلْق أفعالِ العبادِ) للإمام البخاري
الدّرس السّادس
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وباركَ على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه "خلقُ أفعالِ العبادِ":
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَيَدَّعِيهِ كُلٌّ لِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ بِثَابِتٍ كَثِيرٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَرُبَّمَا لَمْ يَفْهَمُوا دِقَّةَ مَذْهَبِهِ.
بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا سِوَاهُ فهو مَخْلُوقٌ، وَأَنَّهُمْ كَرِهُوا الْبَحْثَ وَالتَّنْقِيبَ عَنِ الأَشْيَاءِ الْغَامِضَةِ، وَتَجَنَّبُوا أَهْلَ الْكَلاَمِ، وَالْخَوْضَ وَالتَّنَازُعَ إِلاَّ فِيمَا جَاءَ فِيهِ الْعِلْمُ، وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قال أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَوْمًا يَتَدَارَؤُونَ فَقَالَ: (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلاَ تَضْرِبُوا بَعْضَهُ بَعْضًا، مَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا، وَمَا لاَ، فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَكُلُّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فنوله أَنْ يَكِلَهُ إِلَى عَالِمِهِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْمُتشَابِهَاتِ إِلاَّ مَا بُيِّنَ لَهُ)
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-ا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ [آل عمران:7] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاحْذَرُوهُمْ)
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، -رضي الله عنه-: "مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لاَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنْ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]"
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، والأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ هَذَا.
وَاعْتَبِرْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
– الشيخ: إش قالَ المُحقِّق عليها؟
– القارئ: أخرجَه البخاري في "أحاديث الأنبياء" ومسلم في "الجهاد والسِّيَرْ" من حديث "عبد الله بن مسعود" ولفظُه عند البخاري، قالَ عبد الله: (كأني أنظرُ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء ضربَهُ قومه وأدمَوه وهو يمسح الدم عن وجهِه ويقول: اللهم اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
قال ابن حجر: لم أقفْ على اسمِ هذا النبيِّ صريحاً، ويحتمل أن يكون نوحٌ عليه السلام، ثم ذكر أثراً عن عُبيد بن عُمر، ثم قال: "وإن صحَّ ذلك فكأن ذلكَ في ابتداءِ الأمرِ، ثمَّ لمّا يَئِسَ منهم قال: رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]". وقد ذكر مسلمٌ بعد تخريجِ هذا الحديثِ حديثَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في قصةِ أُحد: (كيف يفلح قومٌ دَمَوا وجه نبيهم فأنزل الله)
– الشيخ: دَمَوا؟
– القارئ: نعم، دَمَوا
– الشيخ: … الله أعلم، كيف!
– القارئ: يفلح قومٌ دَمَوا..
– الشيخ: حديث ابن مسعود كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً.
– القارئ: بعد قليلٍ قال: فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] ومن ثَمَّ قال القرطبي: إن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- هو الحاكي والمحكي، وأما النووي فقال..
– الشيخ: عجيب..!
– القارئ: وأما النووي فقال: هذا النَّبِيُّ الذي جرى له ما حكاه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- من المُتقدِّمين، وقد جرى لنبينا نحو ذلك يوم أُحد. انتهى.
– الشيخ: الله المستعان، المُعتمَد أنه على ظاهرِ الحديث، أنَّ الرسولَ يحكي، ليس يُخبِرُ عن نفسه، ليس يحكي عن نفسه، والقرطبي جعلَه هو الحاكِي والمَحكِي.. معنى كلامِه أنَّ الرسول يُخبر عن نفسه، وأنه هو الذي ضربَه قومُه فصارَ يمسحُ الدمَ عن وجهِه، إلى آخره.
– طالب: في البخاري -أحسن الله إليكم- قال: واعتبر بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
– الشيخ: ايش؟
– طالب: حتى البخاري في صنيعِه كأنه ينسبُه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
– الشيخ: هذا هو هذا الذي أوجبَ الإشكال، أرادَ أن هذا شيء تكلَّمَ به الرسول بس، نعم بعده.
– القارئ: أحسن الله إليك، (وَإِذَا رَأَيْتَ هَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأَيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَذَرْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ).
حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارَيَةَ اللَّخْمِيُّ قال: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا) نَحْوَهُ.
– الشيخ: إلى هنا يا شيخ؟
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: حسبك.