بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
شرح كتاب (خَلْق أفعالِ العبادِ) للإمام البخاري
الدّرس السّابع
*** *** *** ***
– القارئ: أحسن الله إليك، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
(وَإِذَا رَأَيْتَ هَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأَيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَذَرْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ). حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارَيَةَ اللَّخْمِيُّ قال: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا) نَحْوَهُ.
قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44] وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء:225] وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ، يَقُولُ: "مَا اغْتَبْتُ أَحَدًا مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ الْغِيبَةَ تَضُرُّ صَاحِبُهَا". حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ..
– الشيخ: لا إله إلا الله، يقول إيش؟ مَا اغْتَبْتُ
– القارئ: مَا اغْتَبْتُ أَحَدًا مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ الْغِيبَةَ تَضِرُّ صَاحِبُهَا..
– الشيخ: الغيبة دلَّ على تحريمها الكتاب والسنة وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ [الحجرات:12] الآية. قال عليه الصلاة والسلام: (إِيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ) فلا ينبغي التهاونُ بأمرِ الغيبة، وفسَّرَها الرسولُ أوضحَ تفسير: (ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكرَه) تذكر أخاك المسلم بما يكره، تذكره في خلقه أو خُلقه أو فعلِه أو تصرفاته، ذكرك أخاك بما يكرهُ، فيجب على المسلم أن يحفظ لسانَه عن عرضِ أخوانه المسلمين، وجاءَ في الحديثِ التحذيرُ، وقرْنُ العرضِ بالدمِ والمال: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)، (إِنَّ دِمَاءَكُم وَأَمْوَالَكُم وَأَعْرَاضَكُم..)
– القارئ: أحسن الله إليك، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رضي الله عنه- قال: قال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ)
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: أخبرنا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، -رضي الله عنه-، قَالَ: "اجْتَمَعَ عندَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدهم: أَتَرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ [فصلت:22]"
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "عَجَبًا لِلتَّاجِرِ كَيْفَ يَتَّجِرُ؟" قَالَ يَحْيَى: يَصْدُقُ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: حَتَّى دَخَلَ مَعِي يَحْيَى فِي التِّجَارَةِ فَقَالَ لِي: يَا أَخِي مَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَدْ رَابَنِي.
قَالَ محمد: فَذَكَرْتُهُ لِحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: الآنَ حِينَ فَقُهَ.
– الشيخ: الله المستعان، يعني يظهر أنه إذا أدركَ الإنسان أخطاءَه وعيوبَه وذنوبَه كان هذا من فقهِه، أما الغافلُ والجاهلُ فأنه لا يذكر، يقترفُ الذنوب وهو لا يشعرُ وهذا يقعُ كثيرًا، كثيرٌ من الناس يقعُ في أخطاءٍ قولية أو فعليةٍ وهو لايدري، وكأنه لم يفعلْ شيئًا، ومن ذلك الغيبة، نسألُ الله العافية.
على كلِّ حالٍ، كلُّ هذه الآثارُ والروايات كلها يُدلِّل بها المؤلفُ على أنَّ أفعالَ العبادِ وأقوالِهم هي من أفعالِهم، الأقوالُ هي من الأفعالِ في الخيرِ والشر، أقوالُ الإنسانِ بلسانِه هي من أفعالِه في الخيرِ والشر، والله خالقُ العباد وخالقُ أفعالِهم وأقوالهم.
– القارئ: أحسن الله إليك، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَصْلُحُ فِيهِ إِلاَّ بِالَّذِي كَانَ يُنْهَى عَنْهُ، التعرُّبُ بعد الهجرة"..
– الشيخ: الله المستعان، الله المستعان.
– القارئ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَالْقَ بِهَذَا أَهْلَ الْعِلْمِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ فَيَتَفَرَّقُوا كَتَفَرُّقِ أَهْلِ الْبِدَعِ: إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ [الأنعام:159]
– الشيخ: فَرَّقُوا
– القارئ: النسخة فيها فَارَقُوا.
– الشيخ: … فَارَقُوا
– طالب: في قراءة، أحسن الله إليك
– الشيخ: زين. قراءة من؟
– القارئ: وهي قراءة حمزة والكسائي إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159] وَيُذْكَرُ عَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "هِي فِي هَذِهِ الأُمَّةِ".
حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ وُهْيبٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، أَنَّهُ لاَ يَبِيعُ كِتَابَ اللهِ وإِنَّمَا يَبِيعُ عَمَلَ يَدَيْهِ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ..
– الشيخ: الذي يبيع المصحف لا يبيع كتابَ الله يُؤثر عليه الدنيا، ليس ممن يشتري آياتِ الله، أو يشتري بآياتِ الله ثمنًا قليلًا، يبيعُ عملَ يديه من كتابةٍ وورقٍ وتجليدٍ وكذا، ولكن الذين قالوا بتحريمِ بيع المصحفِ يعني وجدوا فيه شيئًا، يعني في الصورةِ الظاهرةِ، آثرَ الثمنَ على المصحفِ، أخذ الثمنَ وبذلَ المصحفَ، فقولُه "إِنَّمَا يَبِيعُ عَمَلَ يَدَيْهِ" هذا صحيحٌ، وهذا توجيهٌ لقولِ من يقولُ: يجوزُ بيع المصحف، وهو الصحيحُ.
– القارئ: أحسن الله إليك، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلاَ تَبِعْ". وَقَالَ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ مَوْلَى سَعْدٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: "لاَ نَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا مُتَّجَرًا، وَلَكِنْ مَا عَمِلَتْ يَدَاكَ فَلاَ بَأْسَ".
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عنه- قَالَ: كان لاَ يُرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ الْمُصْحَفَ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مُصْحَفًا هُوَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَادَلَ الْمُصْحَفُ بِالْمُصْحَفِ، فَرُخِّصَ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: ما انتهى موضوع المصحف؟
– القارئ: ما انتهى
– الشيخ: طيب المحقق تكلمَ بشيء عن المسألة في الفقه؟
– القارئ: أي
– الشيخ: في شيء تعليق؟
– القارئ: أي نعم
– الشيخ: اي، ايش قال؟
– القارئ: قال: والمعنى أنَّ بيع المُصحَفِ جائزٌ، وذلك لأنه إنما باعَ مقابلَ عملَ يديه، والعملُ جهدٌ وتعب يستحقُّ مقابلَه الأجرة، وسيأتي ذكر الخلاف في حُكْمِ بيع المصحف.
– الشيخ: بس خليك حتى يأتي، محمد.
– طالب: حاضر
– الشيخ: ايش عندك؟
– طالب: في جوامع الأخطاء
– الشيخ: لا إله إلا الله، نعم اقرأ يا..
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، بعد ما ذكرَ المُحقق ما قرأه الأخ عبد الله قال: "والشاهدُ منه هو أنَّ أفعالَ العبادِ أعمالٌ لهم تُنسَبُ إليهم، ومن ذلك كتابة المصحف بخطِّ اليدِ، وهكذا القراءةُ والتلاوةُ تدلُّ على أنَّ أعمالَ العبادِ مخلوقةٌ للهِ تعالى".
– الشيخ: هذه الآثار تدلُّ على أن هذه الأمور أعمالٌ للعباد، لكن الدليل على خلق أفعال العباد، على الخلق أدلة أخرى، نفس الآثار هذه تدل على أن الكتابةَ والخط وعمل الإنسان في الصناعةِ كلّها أفعالٌ للعباد، لكن ليست هي الدليل على أنَّ أفعالَ العبادِ مخلوقةٌ.
الدليل على، النصوص من القرآن والسنة وأنَّ اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ وقوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16] وما أشبهها، ومثل ما يستدلون بـ خَلَقكُم وما تعمَلُون [الصافات:96] على أحد ِالتفسيرين أو الوجهين في تفسيرها.
لكن البخاري يسوقُ هذه الآثار على إن الأقوالَ وتصرفاتِ الإنسانِ وعمله بيديه ومشيه وسائر التصرفات كلّها داخلةٌ في أفعالِه، واللهُ خالقُ العباد وخالقُ قدرتهم وخالقُ أفعالِهم، سبحان الله العظيم.