بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الأوّل
*** *** *** ***
.
القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، قال المصنّف رحمهُ اللهُ تعالى..
– الشيخ: من هو؟
– القارئ: الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرّحمن الصّابوني في "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث":
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والعاقبةُ للمتّقين، وصلّى الله على محمّد، وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: فإنِّي لما وردْتُ آمدَ طبرستانَ وبلاد جَيلان مُتوجهًا إلى بيتِ الله الحرام..
– الشيخ: اقرأ ترجمة الشّيخ كأنّها مختصرة.. هل معك التحقيق؟
– القارئ: أي نعم؟
– الشيخ: مَن هو المحقق؟
– القارئ: المحقق الدكتور "ناصر الجديع"
– الشيخ: تمام، لا، خلّ التّرجمة، أقول طويلة
– القارئ: هي طويلة، أقرأُ نسبَه؟
– الشيخ: لا لا بس [فقط]
بلاد "آمد"
– القارئ: الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والعاقبةُ للمتّقين، وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: فإنّي لما وَرَدْتُ آمِدَ طبرستان وبلاد جيلان..
– الشيخ: آمد، "آمِدَ" بلدٌ يُنسَبُ إليها، يُقال في النّسبة: "آمدي" "الآمدي" لما وردَت آمد طبرستان.
تعليق الشَّيخ على زيارة قبر النَّبي ﷺ
– القارئ: وبلادَ جيلانَ متوجّهًا إلى بيتِ الله الحرام، وزيارةِ قبرِ نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه الكرام-..
– الشيخ: وزيارةُ قبرِه؛ هذه شبهةٌ لزوَّارِ القبورِ أو عُبّادِ القبورِ مِن المُبتدعين، زوَّارُ القبور مِن المُبتدِعين الذين يستسيغونَ السَّفرَ إلى القبورِ -قبور الأنبياء-.
شيخُ الإسلام يقول: إنَّ هذه عبارة يُعبِّرُ بها بعضُ العلماء عن زيارةِ المسجد، لا يريد أنّه سافرَ لزيارة القبر، لكن لمَّا كان مَن يزور ويسافر لزيارة المسجدِ يتبع ذلك زيارةَ القبر: صار بعضُهم يقولُ "لزيارة قبره صلَّى الله عليه وسلَّم"، وإلا فلا يُظنُّ بمثل هذا الشّيخ العالم مِن أهل السُّنَّة، لا يُظَنُّ به أنّه يقصدُ برحلتِه زيارةَ القبرِ دون المسجد، وأنَّ المسجدَ يعني تابعٌ، لا. هذا توجيهُ شيخ الإسلام، ونصَّ عليه.. نعم.
تعليق المحقق على عبارة "وزيارة قبر نبيّه"
– القارئ: سألني إخواني في الدَّينِ أن أجمعَ..
– الشيخ: المحقق علَّقَ عليها لابد..
– القارئ: أي نعم يا شيخ
قال: لعلَّه يقصدُ السَّفرَ إلى مسجدِ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- فإنَّ بعض العلماء يُسمُّونَه السفرَ لزيارة القبرِ، فقد ذكرَ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنَّ طائفة مِن العلماءِ يُسمُّون السّفرَ للصّلاةِ في المسجد زيارةً لقبره، ويقولون: تُستحبُّ زيارة قبره أو السّفر لزيارةِ قبره، ومقصودُهم بالزّيارةِ هو السّفرُ إلى مسجده، وأنْ يفعلَ في مسجده ما يُشرَعُ مِن الصّلاةِ والسّلام عليه، والدّعاء له والثّناءِ عليه. انتهى كلام شيخ الإسلام.
في [يوجد] تكملة -يا شيخ- لكلام شيخ الإسلام، أأكملها؟
– الشيخ: أي
– القارئ: قال: وأمّا السّفرُ لمجرد زيارةِ القبر فغيرُ مشروعٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السّفرُ إلى غير المساجدِ الثلاثة مِن قبرٍ أو أثرِ نبيٍّ ومسجدٍ وغير ذلك ليس بواجبٍ ولا مُستحَبٍّ بالنصِّ والإجماع.
والسَّفرُ إلى مسجدِ نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم- مُستحَبٌّ بالنّصِّ والإجماع، وهذا مُرادُ العلماء الذين قالوا: تُستحبُّ زيارة قبره بالإجماع. فهذا الذي أجمعَ عليه الصّحابةُ والتّابعون ومَن بعدَهم مِن المُجتهدين.
– الشيخ: طيب، تفضل، بعده.
– القارئ: وسألَني إخواني في الدِّينِ أن أجمعَ لهم فصولًا في أصولِ الدّين التي استمسكَ بها الذين مضَوا مِن أئمةِ الدّين، وعلماءِ المسلمين، والسّلفِ الصّالحين، وهدَوا ودَعوا النّاس إليها في كلِّ حين..
– الشيخ: ممكن "هُدُوا" أو "هَدَوا" تصلح، هُدُوا في أنفسهم ودَعَوا، أو هَدَوا ودَعَوا.
– القارئ: أحسنَ الله إليك، وهَدَوا ودَعَوا النّاس إليها في كلّ حين، ونهوا عمّا يُضادّها وُينافيها جملة المؤمنين المصدّقين المتّقين، ووالوا في اتباعِها وعادوا فيها، وبدَّعُوا وكفَّروا مَن اعتقدَ غيرها، وأحرزوا لأنفسِهم ولِمَن دعَوهُم إليه بركتها وخيرها، وأفضَوا إلى ما قدمُوه من ثوابِ اعتقادِهم لها، واستمساكِهم بها، وإرشادِ العبادِ إليها، وحملِهم إيّاهم عليها.
فاستخرْتُ الله تعالى وأثبتُّ في هذا الجزء ما تيسَّرَ منها على سبيلِ الاختصار؛ رجاءَ أن ينتفعَ به أولو الألباب والأبصارِ، والله سبحانه يُحقِّقُ الظّن، ويجزلُ علينا المنَّ بالتّوفيقِ والاستقامةِ على سبيل الرّشدِ والحقِّ بمنِّه وفضلِه.
قلت: وبالله التّوفيق، أصحابُ الحديث -حفظَ الله تعالى أحياءَهم ورحمَ أمواتَهم- يشهدُونَ لله تعالى بالوحدانيّةِ، وللرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالرّسالةِ والنّبوّة، ويعرفونَ ربَّهم -عزَّ وجلَّ- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهدَ له بها رسولُه -صلّى الله عليه وسلّم- على ما وردَت الأخبارُ الصِّحاحُ به، ونقلَت العدولُ الثقاتُ عنه، ويُثبِتونَ له -جلَّ جلاله- ما أثبتَه لنفسه في كتابه، وعلى لسانِ رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- ولا يعتقدونَ تشبيهًا لصفاتِه بصفاتِ خلقه، فيقولون: "إنَّه خلَقَ آدمَ بيديه، كما نصَّ سبحانه عليه في قوله عزّ من قائل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]
ولا يُحرِّفُونَ الكلمَ عن مواضعِه بحملِ اليدين على النّعمتَين أو القوّتَين، تحريف المعتزلة الجهميّة أهلكَهم الله، ولا يُكيِّفونهما بكيفٍ أو تشبيههِما بأيدي المخلوقين، تشبيه المُشبِّهةِ خذلَهم الله، وقد أعاذَ الله تعالى أهلَ السّنّة مِن التّحريف والتّكييف، ومَنَّ عليهم بالتّعريفِ والتفهيمِ، حتى سلكوا سبيلَ التّوحيد والتّنزيه، وتركوا القولَ بالتّعطيل والتّشبيه، واتّبعوا قولَ الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]
وكما وردَ القرآنُ بذكْرِ "اليدين" بقوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة:64] ووردت الأخبارُ الصِّحاحُ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بذكرِ اليدِ كخبرِ مُحاجَّةِ موسى وآدم، وقوله له: (خلقكَ اللهُ بيدهِ وأسجدَ لكَ ملائكتَهُ) ومثلُ قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا أجعلُ صالحَ ذرّيةَ من خلقْتُهُ بيديَّ كمَن قلتُ له كُنْ فكانَ) وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خلقَ اللهُ الفردوسَ بيده) .
وكذلك يقولون في جميعِ الصّفات التي نزلَ بذكرِها القرآن، ووردَت بها الأخبارُ الصِّحاحُ من السّمعِ والبصرِ، والعينِ والوجهِ، والعلمِ والقوةِ والقدرة، والعزةِ والعظمةِ، والإرادة والمشيئة، والقول والكلام، والرّضا والسّخط، والحبِّ والبُغضِ، والفرحِ والضّحكِ، وغيرها مِن غير تشبيهٍ لشيءٍ مِن ذلك بصفاتِ المربوبينَ المخلوقين، بل ينتهونَ فيها إلى ما قالَه الله تعالى، وقالَه رسولُه -صلّى الله عليه وسلّم- مِن غير زيادةٍ عليه ولا إضافةٍ إليه، ولا تكييفٍ له ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تغييرٍ، ولا إزالةٍ للفظِ الخبرِ عمّا تعرفُه العربُ، وتضعه عليه بتأويلٍ مُنكرٍ يُستنكَر، ويَجرُونَ على الظاهرِ، ويَكِلُونَ علمَه إلى اللهِ تعالى، ويُقِرُّونَ بأنّ تأويلَه لا يعلمُه إلا الله، كما أخبرَ الله عن الرّاسخينَ في العلمِ أنَّهم يقولونَه في قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:7]
ويشهدُ أصحابُ الحديث..
المراد بمقولة "أهل الحديث"
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، بس إلى هنا.
لا إله إلا الله، تضمنَ هذا الكلامُ ذِكر السّبب الباعث له على التأليفِ، وهو أنَّهُ كتبَ ذلك استجابةً لبعض إخوانه من طلابِ العلم لعلمهم بأهليَّتِه لذلك، وأنه قصدَ إلى بيان معتقدِ السلفِ الصّالح الذين مضوا على منهج الصّحابةِ والتّابعين ومُعتصمين بكتابِ الله وسنّةِ رسولِه خلافَ ما سلكَه أهلُ الضّلالِ من المُبتدعين.
وبدأَ بذكرِ اعتقادِ أصحابِ الحديث، يعني تعبيرًا عن أهلِ السنّة كما يُروى عن الإمام أحمد أنه لما سُئِلَ عن الفرقة الناجية قال: "إن لم يكونوا أهلَ الحديثِ فلا أدري مَن هم"
أهلُ الحديث يعني العلماء المُعتصمون بما دلَّ عليه القرآن ودلَّ عليه الحديثُ ليس المراد يعني العالِمون بالأخبارِ والأسانيد، هناك مَن يكون عندَه هذا ولا يكون مُلتزمًا بما دلَّتْ عليه هذه الآثارُ وهذه الأخبار.
وبيَّنَ في هذه الجملة اعتقادَ أصحاب الحديث أهل السّنّة والجماعة في صفاتِ الله، وأنّه مذهبُهم في كلّ ما أخبرَ الله به في كتابه، وما أخبرَ به رسولُه هو الإيمانُ والإثباتُ والإقرارُ والإمرارُ، دون تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تشبيهٍ ولا تمثيل، وهذا ولله الحمدُ معروفٌ للجميعِ نسألُ الله أن يُثبِّتَنَا وإيّاكم عليه.