بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلين، قال الإمامُ الصّابوني -رحمه الله- وغفرَ له ولشيخنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين:
ويُثبت أصحاب الحديث نزولَ الربِّ -سبحانه وتعالى- كلَّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا، مِن غير تشبيهٍ له بنزولِ المخلوقين، ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ، بل يُثبتون ما أثبتَه رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- وينتهون فيه إليه، ويُمِرُّونَ الخبرَ الصّحيح الواردَ بذكرِه على ظاهرِه، ويَكِلُونَ علمَه إلى الله. وكذلك يُثبتون ما أنزلَه الله..
– الشيخ: يُثبِتونه على ظاهره، وما ظاهره؟ ظاهرُه النزولُ الذي هو قربٌ ودنوٌّ من علوٍّ، يُثبتونه على ظاهرِه بالمعنى المعروف، فالنزولُ معلومٌ كما قالَ الإمامُ مالك: "الاستواءُ معلومٌ".
نقولُ هنا: لو قال لنا قائل: كيف ينزل؟ فالجواب هو: جوابُ الإمامِ مالك. نقول له: النزولُ معلوم، النزولُ معروف، النزولُ خلافُ الصّعود، النزولُ معلومٌ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، وقولُ – الشيخ: يُفوِّضونَ علمَه أو علمَ معناه إلى الله، هذا في الكيفيّة لا في معنى ومدلولِ اللفظ، أعد الجملة.
– القارئ: ويُثبتُ أصحاب الحديث نزولَ الرّبِّ -سبحانه وتعالى- كلَّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا، مِن غير تشبيهٍ له بنزولِ المخلوقين، ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ، بل يُثبتون ما أثبتَه رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- وينتهون فيه إليه، ويُمِرُّونَ الخبرَ الصّحيح الواردَ بذكرِه على ظاهرِه، ويَكِلُونَ علمَه إلى الله..
– الشيخ: علمه هذا علمُ ما خرجَ عن المعنى، أو زادَ عن المعنى، فهو علمُ الحقيقةِ والكيفية.
– القارئ: وكذلك يُثبتون ما أنزله الله -عزَّ اسمُه- في كتابِه، مِن ذكر المجيءِ والإتيانِ المذكورَين..
– الشيخ: نزولُ الربِّ استفاضتْ فيه النّصوصُ، يعني قيل أنَّه من المُتواتر، رواه جمعٌ كثيرٌ من العلماء -رضوان الله عليهم- والنزولُ صفةٌ فعليةٌ، لأنّه يكونُ بمشيئته -سبحانه وتعالى- فهو ينزلُ إذا شاءَ متى شاءَ -سبحانه وتعالى-.
– القارئ: وكذلك يُثبتون ما أنزله الله -عزَّ اسمه- في كتابِه، من ذكرِ المجيءِ والإتيانِ المذكورين في قوله عزّ وجلّ: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة:210] وقوله عزّ اسمه: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:21]
قرأتُ في رسالةِ الشّيخ "أبي بكر الإسماعيلي" إلى أهل جَيْلَان أنَّ اللهَ -سبحانه- ينزلُ إلى السّماءِ الدّنيا على ما صحَّ به الخبرُ عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وقد قال الله عزّ وجلّ: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [البقرة:210] وقال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:21] ونؤمن بذلكَ كلِّه على ما جاءَ بلا كيفٍ.
فلو شاءَ -سبحانه- أن يبينَ لنا كيفيّةَ ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمَه، وكففْنَا عن الذي يتشابه، إذْ كُنَّا قد أُمرنا به في قولِه عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]
أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: سمعتُ أبا حامد بن الشرقي يقول: سمعتُ حمدان السّلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديثُ الذي ترويه عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدّنيا) كيف ينزلُ؟ قال: قلتُ: أعزَّ الله الأميرَ، لا يُقال لأمرِ الرّبِّ كيف؟ إنّما ينزلُ بلا كيف!
– الشيخ: "بلا كيف" يعني بلا كيفيّةٍ معلومةٍ ومعقولةٍ وإلا فلنزولِه كيفيةٌ هو يعلمها. ولهذا قالَ الأئمةُ: الكيفُ غير معقول، يعني غير معقولٍ لنا، إذًا فيه كيف، وإذا قال السّلف: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف" أي: بلا تكييفٍ وتحديدٍ لهيئة هذه الصّفاتِ، ولا سؤالٍ عن ذلك، بلا كيفٍ.
– القارئ: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدْل حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي قال: حدثني جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن محبوب قال: حدثنا أحمد بن حمويه قال: حدثنا أبو عبد الرّحمن العسكي قال: حدثنا محمد بن سلام قال: سألتُ عبد الله بن المبارك عن نزولِ ليلةِ النصفِ من شعبان، فقال عبد الله: "يا ضعيفُ، في كلّ ليلةٍ ينزلُ"، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: "ينزلُ كيف شاءَ".
وفي رواية أخرى لهذه الحكايةِ: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: "إذا جاءَكَ الحديثُ عن رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلّم- فاخضعْ له".
سمعتُ الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعتُ أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعتُ إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعتُ أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبا عبد الله الرباطي يقول: حضرتُ مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضرَ إسحاق بن إبراهيم -يعني: ابن راهويه- فسُئِلَ عن حديث النزول: أصحيحٌ هو؟ قالَ: "نعم". فقال له بعض قوَّاد عبد الله: يا أبا يعقوب! أتزعمُ أنَّ الله تعالى ينزلُ كل ليلة؟ قال: نعم. قال: كيف ينزلُ؟ فقال له إسحاق: "أَثْبِتْهُ فوق حتى أَصِفَ لك النّزول"، فقالَ الرّجل: أثبَتُّه فوق، فقال إسحاق: "قال الله -عزَّ وجل-: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! هذا يوم القيامة. فقال إسحاق: أعزَّ الله الأمير، ومن يجيءُ يوم القيامة من يمنعْه اليوم؟!
وخبرُ نزولِ الرّبِّ كلّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا خبرٌ مُتَّفقٌ على صحته، مُخرَّجٌ في الصّحيحين من طريقِ مالك بن أنس عن الزهري عن الأغرّ،ِ وأبي سلمة عن أبي هريرة. أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد قال: حدثنا أبو مصعب، قال: حدثنا مالك. ح، حدثنا أبو بكر بن زكريا قال: حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان، قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: وفي ما قرأتُ على ابن نافع وحدثني مطرف عن مالك. ح، وحدثنا أبو بكر بن زكريا، قال: أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن باكويه قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالكٍ، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن َّرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ينزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى في كلِّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ ومَن يسألني فأعطيَه؟ ومَن يستغفرني فأغفرَ له؟)
ولهذا الحديث طرق إلى أبي هريرة: رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ح، ورواه يزيد بن هارون وغيره من الأئمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
ومالكٌ، عن الزهريِّ، عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ. ومالكٌ، عن الزهريِّ، عن سعيدٍ بن المسيب، عن أبي هريرة. وعبيدُ الله بن عمر، عن سعيدٍ بن أبي سعيدٍ المقبري، عن أبي هريرة. وعبدُ الأعلى بن أبي المساور وبشيرُ بن سليمان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة. ورُوي هذا الخبر من غير طريق أبي هريرة، رواه نافعٌ بن جبير بن مطعم، عن أبيه. وموسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادةَ بن الصامت. وعبدُ الرحمن بن كعبٍ بن مالك، عن جابرِ بن عبد الله. وعبيدُ الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب. وشريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود. ومحمدٍ بن كعبٍ، عن فُضالةَ بن عبيد، عن أبي الدرداء. وأبو الزبير، عن جابر، وسعيدٍ بن جبير، عن ابن عباس.
وعن أم المؤمنين عائشةَ وأم سلمةَ -رضي الله عنهما- وهذه الطرقُ كلُّها مُخرَّجة ٌبأسانيدِها في كتابِنا الكبيرِ المعروف بِالانتصار.
وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا مضى نصفُ الليلِ أو ثلثاهُ ينزلُ اللهُ إلى السّماءِ الدّنيا فيقولُ: هل مِن سائلٍ فيُعطَى؟ هل مِن داعٍ فيُستجَابُ له؟ هل مِن مُستغفِرٍ فيُغفَرُ له؟ حتى ينفجرَ الصبحُ)
وفي رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي: (ثم يبسطُ يديه فيقولُ: مَن يُقرِضُ غير عدومٍ ولا ظَلُوم)
وفي رواية أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللهَ ينزلُ إلى السّماءِ الدّنيا في ثلثِ الليلِ الأخيرِ فيُنادي: هل مِن سائلٍ فأُعطيَه؟ هل مِن مُستغفرٍ فأغفرَ له؟ فلا يبقى شيءٌ فيه الرّوحُ إلا علمَ به إلّا الثّقلين الجنُّ والإنس، قال: وذلك حين تصيحُ الدّيوك، وتنهقُ الحميرُ، وتنبَحُ الكلاب) وفي روايةِ موسى بن عقبة..
– الشيخ: هذا اللفظُ فيه نظرٌ، آخرُ الليل ما هو وقتٌ، مِن الممكن أن تنبح الكلابُ في أولِ الليل وآخرِ الليل، وأمّا نهيقُ الحمير فما هو معروفٌ، إيش قال المُحقِّقُ على هذا اللفظِ؟
– القارئ: قال: أولُ الحديث إلى قوله: (فأغفرَ له) أخرجَه الإمامُ أحمد في "المسند"
– الشيخ: يعني أصلُ الحديثِ في الصّحيحين، لكن بعضُ الزّياداتِ وبعض الألفاظ فيها نظرٌ.
– القارئ: قال: أما آخرُ الحديثِ فلم أجدْ تخريجًا له..
– الشيخ: أين؟
– القارئ: مِن بعد (فأغفرَ له)
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: من قوله: (فلا يبقى شيءٌ فيه الروحُ إلا علمَ به)
– الشيخ: فيه نكارةٌ ظاهرة، الله أعلم
– القارئ: وفي روايةِ: موسى بن عقبة، عن إسحاقَ بن يحيى، عن عبادةَ بن الصّامت زياداتٌ حسنةٌ، وهي التي أخبرنَا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المُهلبي قال: أنبأنا عبد الله بن محمد الرّازي، قال: أنبأنا أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد، قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن المبارك-..
– الشيخ: لعلك تقفُ على هذا، يريد أن يسوقَ زياداتٍ كما يقول.