بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس السّادس
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصّابوني -رحمه الله- وغفرَ له ولشيخِنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين، قال بعد أن ذكرَ جملةً مِن رواياتِ أحاديثِ النّزولِ: وفي رواية موسى بن عقبة..
– الشيخ: أنا أرشد الإخوان إلى الاقتصادِ في "الحمدُ لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، قال -رحمه الله-" فقط. والدعاءُ العامُّ والخاصُّ هذا يكونُ في ظهرِ الغيبِ أولى، أرى كثيرًا مِن الإخوان وفَّقهم الله صاروا يلتزمونَ الدّعوات مِن حسنِ ذاتهم ومحبّتهم لإخوانهم، طيب التزام شيءٍ كأنَّه غيرُ مناسبٍ. جزاكَ اللهُ خيرًا.
– القارئ: وإيّاك، وفي روايةِ موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصّامت زياداتٌ حسنةٌ، وهي التي أخبرَنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المُهلَّبي قال: أنبأنا عبد الله بن محمد الرازي قال: أنبأ أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن المبارك- قال: حدثنا فضيل بن سلمان، عن موسى بن عقبة، عن إسحاقَ بن يحيى، عن عبادةَ بن الصامت قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ينزلُ اللهُ -تبارك وتعالى- كلَّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا حتى يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ..
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: (حتى يبقى ثلثُ الليلِ الأخيرِ..
– الشيخ: حين حين، ولو كان موجودًا، "حتى" دائمًا تتصاحب مع "حين"
– القارئ: فيقول: (ألا عبدٌ مِن عبادي يدعوني فأستجيبَ له؟ ألا ظالمٌ لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مُقتَّرٌ عليه رزقه فيدعوني فأرزقَه؟ ألا مظلومٌ يذكرني فأنصرَه؟ ألا ظالمٌ لنفسِه يدعوني فأفُكَّه؟ فيكونُ كذلك إلى أن يطلُعَ الصّبحُ ويعلو على كرسيِّه)
وفي رواية أبي الزبير عن جابر، من طريق مرزوق أبي بكر الذي خرَّجهُ محمد بن إسحاق بن خزيمة مختصرًا. ومن طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر، الذي خرَّجه الحسن بن سفيان في مسنده.
ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ عشيَّةَ عرفة ينزلُ الله فيه إلى السّماءِ الدّنيا فيُباهي بأهلِ الأرض أهلَ السّماء، ويقول: انظروا إلى عبادي شُعْثًا غبرًا ضاحين، جاءُوا مِن كلّ فجٍّ عميق، يرجونَ رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُرَ يومًا أكثر عتقًا مِن النّارِ مِن يومِ عرفة)
وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاءِ بن يسار عن رفاعةَ الجُهني حدَّثَه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالَ: (إذا مضى ثلثُ الليلِ، أو شطرُ الليل، أو ثلثَاه ينزلُ الله إلى السّماءِ الدّنيا فيقول: لا أسألُ عن عبادي غيري، من يستغفرُني فأغفرَ له؟ من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألُني أعطيه؟ حتى ينفجرَ الصبحُ)
أخبرنا أبو محمد المخلَدي قال: أنبأنا أبو العباس السِّراج قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مسلمٍ الأغر قال: أشهدُ على أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ أنَّهما شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أشهدُ عليهما أنهما سمعا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: (إنَّ الله يُمهلُ حتى إذا ذهبَ ثلثُ الليل الأول هبطَ إلى السماءِ الدنيا فيقولُ: هل من مُذنبٍ؟ هل من مُستغفرٍ؟ هل من سائلٍ؟ هل من داعٍ؟ حتى تطلعَ الشمسُ)
أخبرنا أبو محمد المخلبي قال: حدثنا أبو العباس الثقفي قال: حدثنا الحسن بن الصباح..
– الشيخ: "من قالَ" قال عليه شيئًا؟
– القارئ: الحديث المُتقدِّمُ؟
– الشيخ: إي هذا الأخير
– القارئ: رواه الإمام مسلم بلفظ: (حتى ينفجر الفجر) وليس فيه: (هل من مُذنبٍ) ورواه الإمامُ أحمد بإثباتِ: (هل من مُذنبٍ) وزيادة: (هل من تائبٍ) وفي آخره قال: (فقال رجل: حتى يطلعَ الفجرُ؟ قال: نعم). ورواه الدارقطني بدون لفظ: (حتى تطلعَ الشمسُ)
هذا ما ذكرَه يا شيخ
– الشيخ: أحسنتَ.
– القارئ: أخبرنا أبو محمد المَخلبي قال: حدثنا أبو العباس الثقفي قال: حدثنا الحسن بن الصَّباحِ قال: حدثنا شُبَابة بن سِوار عن يونس بن أبي إسحاقٍ عن أبي مسلمٍ الأغر قال: أشهدُ على أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ أنهما قالا: قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الله يُمهلُ حتى إذا كان ثلثُ الليل الأول هبطَ إلى هذه السماءِ، ثم أمرَ بأبواب السماءِ ففُتحت، فقال: هل من سائلٍ فأُعطيه؟ هل من داعٍ فأُجيبه؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من مُضطرٍّ أكشفُ عنه ضرَّه؟ هل من مُستغِيثٍ أغيثُه؟ فلا يزالُ ذلك مكانه حتى يطلعَ الفجرُ في كل ليلةٍ من الدنيا)
أخبرنا أبو محمد المخلدي قال: حدثنا أبو العباس -يعني: الثقفي- قال حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاقَ، عن الأغرِّ، أنه شهدَ على أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ أنهما شهدا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قالَ: (إذا كان ثلثُ الليل نزلَ تباركَ وتعالى إلى السّماءِ الدّنيا فقال: ألا هل مِن مستغفرٍ يُغفر له؟ هل من سائلٍ يُعطى سؤلَه؟ ألا هل من تائبٍ يُتاب عليه)
حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حماد قال: حدثنا أبو إسماعيل بن أبي الظمأ ببغداد قال: حدثنا أبو منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ينزلُ الله تعالى في كلِّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا فيقول: أنا الملكُ أنا الملكُ ثلاثًا من يسألُني فأُعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرُني فأغفر له؟ فلا يزالُ كذلك حتى يطلعَ الفجرُ)
سمعت الأستاذَ أبا منصورٍ على إثْرِ هذا الحديثِ الذي أملاه علينا يقول: "سُئل أبو حنيفةَ عنه فقال: ينزلُ بلا كيفٍ". وقال بعضهم: ينزلُ نزولًا يليقُ بالربوبيةِ بلا كيف من غيرِ أن يكونَ نزولُه مثل نزولِ الخلقِ بالتخلِّي والتملِّي، لأنَّه -جلَّ جلالُه- مُنزَّهٌ أن تكونَ صفاته مثل صفاتِ الخلقِ، كما كان مُنزَّهًا أن تكونَ ذاتُه مثل ذواتِ المخلوقين، فمجيئُه وإتيانُه ونزولُه على حسبِ ما يليقُ بصفاتِه من غير تشبيهٍ وكيفٍ.
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابِ "التوحيد" الذي صنَّفَهُ، وسمعتُ من حفيدِه أبي طاهر -رحمه الله- بابُ: ذكرُ أخبارٍ ثابتةِ السندِ رواها علماءُ الحجاز والعراق في نزولِ الربِّ إلى السماءِ الدنيا كل ليلةٍ، من غير صفةِ كيفيةُ النزولِ مع إثباتِ النزول، فنشهدُ شهادةَ مُقِرٍّ بلسانه مُصدِّقٍ بقلبه، مُستيقنٍ بما فيها من الأخبارِ، من ذكر النزولِ من غير أن نصفَ الكيفيةَ؛ لأنَّ نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يصفْ لنا كيفية نزول خالقِنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزلُ، واللهُ -عز وجلَّ- ولَّى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بيان ما بالمسلمين إليه الحاجةُ من أمرِ دينهم، فنحن مُصدِّقُونَ بما في هذه الأخبارِ من ذكرِ النزول غير مُتكلفين بالنزولِ بصفة الكيفيةِ، إذ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لم يصفْ لنا كيفيةَ النزولِ.
قال أبو عثمان: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ -رحمه الله- قال: حدثنا أبو محمد الصيدلاني..
– الشيخ: يكفي. يقول -رحمه الله- على كلِّ حالٍ، موضوعُ نزولِ الرّبّ -سبحانه وتعالى- يعني ثابتٌ في السُّنةِ المُستفيضةِ عن جمعٍ من الصّحابة فهو خبرٌ غير مدفوع، جاء من طرقٍ كثيرة عن عدد من الصّحابة بألفاظٍ مُختلفة، لكن معظمُ الروايات، وأصحُّ الرّوايات فيها أنَّ ذلك كائنٌ في ثلثِ الليل الآخر، حين يبقى ثلثُ الليل الآخر، جاءت الرواياتُ التي سمعنا بها أنَّ ذلك يكونُ بعد أن يمضي ثلثُ الليلِ الأول، وشيخُ الإسلام ابن تيمية في شرحِه لحديث النزولِ، يعني تكلَّمَ عن بعض هذه الرواياتِ، وحاولَ أن يجمعَ بينها لكن على كلِّ حال، المهم أنَّ الله ينزلُ.
الشّيء المُنكَر هو نفيُ النزول فإنَّ الجهمية والمُعطلة ومن تبعهم ينفون قيامَ الأفعال الاختيارية به، ومن ذلك النزول، فهم لا يُثبتون أنَّ الله ينزلُ، ولكنهم يتأوَّلونَه يُفسِّرونه إمّا بنزولِ ملكٍ أو نزولِ الرحمة، يعني تأويلاتٌ ساقطةٌ، من الذي يقول: "من يدعوني؟" هل يصدر هذا من مَلَكٍ يقول: "من يدعوني؟ من يسألني؟ من يستغفرني؟"
فالصّحابةُ والمؤمنون والذين اتبعوهُم بإحسان تلقَّوا هذه الأخبارَ بالقبول وآمنوا بها، آمنوا أنَّ الله ينزلُ، ينزل حقيقةً، والنزولُ دنوٌّ من علوٍّ، ولذلك فهو من أدلّته، أحاديثُ النزول هي مِن أدلّة علوِّهِ سبحانه وتعالى، والقولُ فيه كالقولِ في الاستواء، فإذا قال لنا قائل: كيف ينزل؟ نقول: النزولُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ، كما قال الإمام مالك لِمَن قال له: كيف استوى؟ فإنَّ جواب الإمام مالك مُحكَمٌ سديد على اختصاره، يعني ممكن أن تُطبِّقَهُ في كلِّ الصفات، واللهُ أعلم.