الرئيسية/شروحات الكتب/عقيدة السلف للصابوني/(9) قوله “قال دخلت على عمر بن عبد العزيز، فجعلت أنظر إليه نظرا شديدا”

(9) قوله “قال دخلت على عمر بن عبد العزيز، فجعلت أنظر إليه نظرا شديدا”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس التّاسع

***    ***    ***    ***
 
القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، قال الإمامُ أبو عثمان الصّابوني -رحمه الله تعالى-:
أخبرنا أبو عبدِ الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباسِ المعقلي قال: حدثنا أحمدُ بن عبدِ الجبار العُطاردي قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الرحمن الضُبيِّ، عن القاسمِ بن عروة، عن محمد بن كعبٍ القرظي قال: دخلتُ على عمرَ بن عبد العزيز فجعلتُ أنظر إليه نظرًا شديدًا، فقال: إنك لتنظرُ إلي نظرًا ما كنت تنظرُه إليَّ وأنا بالمدينة، فقلت: لتعجُّبي، فقال: ومِمَّ تتعجب؟ قال: قلتُ: لما حالَ من لونك، ونحلَ من جسمك، ونَفَى من شعرِك..
الشيخ:
نَفَى ؟
القارئ: هكذا مكتوبةٌ !
الشيخ:
يمكن يعني أن شعره تساقط
القارئ: المُحقِّقُ ذكرَ أن النسخَ فيها اختلافٌ
الشيخ:
أو يمكن أنَّ شعرَه يتساقطُ، معك إيش قال المُعلق؟
القارئ: قال في بعض النّسخ هذا كلام المُحقِّق يا شيخ: "نَقَى" بالقاف، قال: ولعله تصحيفٌ من "نفَى" ونقلَ عن ابن منظورٍ في "لسان العرب" وابنِ الأثير في "النهاية".. أنَّ معناه معنى "نفى": ثارَ وذهبَ وشعثَ وتساقطَ.
قال: كيفَ ولو رأيتَني بعد ثلاثةٍ في قبري، وقد سالَتْ حدقتَاي على وجنتيَّ، وسالَ منخراي في فمي صديدًا، كنتَ لي أشدُّ نَكِرَةً..
الشيخ:
كنتَ أشدَّ لي نُكْرةً
القارئ: أحسن الله إليك، كنتَ أشدَّ لي نُكْرةً، حدثني حديثًا كنتَ حدَّثتنيه عن عبد الله بن عباس قال: قلت: حدثني عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-ما يرفع الحديث إلى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-
الشيخ:
الله المستعان، عجيبٌ أمرُ الإنسان والله! إن أمره لعجيب! سبحان الله! يعرفُ الإنسان أنه سيؤولُ إلى هذه الحال لكن ما يستحضر هذا ويستشعره. كل مسلمٍ، بل كل إنسانٍ يعرف أن مآلُه إلى أن يكونَ في هذه الحالِ، إذا أُودع قبرُه تغيرت حاله وتغير جسمُه، وسالَت حدقتاه وسالَ ما في أنفه، وصار جسمه يعني صارَ على الإجمال جيفةً ونتنًا، عجيب الأمر! آمنا بالله.
لكن المؤمنُ يرجو أنَّ الله يرحمُه ويُكرمه ويخاف عذابَ الله، ويستعيذُ بالله من عذابِ القبر، ويسألُ الله الجنةَ، والنجاةَ من النار، وأما الشقيُّ الكافرُ والغافلُ فهو لا يهتم بشيءٍ من ذلك، والكافرُ لا يؤمن بالله ولا باليومِ الآخرِ يعدُّون هذا نهاية الإنسان، أن يُدفَنَ في هذا الترابِ ولهذا يقولُ أهلُ العلم يُنبِّهون إلى أنَّ عبارةَ: "أنَّ القبرَ هو المثوى الأخيرُ" غلطٌ، ليس هو المثوى إنما هي محطَّة على ما قال.
 
القارئ: قال: قلتُ: حدثني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يرفع الحديث إلى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّ لكلِّ شيءٍ شرفًا، وأشرفُ المجالسِ ما استُقبلَ به القبلة، لا تُصلُّوا خلفَ نائمٍ ولا مُحدِثٍ، واقتلوا الحيةَ والعقربَ وإنْ كنتم في صلاتِكم، ولا تستُروا الجدرَ بالثّيابِ، ومَن نظرَ في كتابِ أخيه بغيرِ إذنه، فإنّما ينظرُ في النار. ألّا أُنبِّئكم بشرارِكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الذي يجلدُ عبدَه، ويمنعُ رِفْدَهُ، وينزلُ وحده. أفلا أنبّئكم بشرٍّ مِن ذلك؟ الذي يُبغِضُ الناسَ ويُبغضونه. أفلا أنبّئكم بشرٍّ مِن ذلك؟ الذي لا يُقيل عثرةً، ولا يقبل معذرةً، ولا يغفرُ ذنبًا. أفلا أُنبّئكم بشرٍّ من ذلك؟ الذي لا يُرجى خيرُه، ولا يُؤمنُ شرُّه. مَن أحبَّ أن يكونَ أقوى النّاس فليتوكلْ على الله، ومَن أحبَّ أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدِ الله أوثقَ منه بما في يد غيره، ومَن أحبَّ أن يكون أكرمَ الناس فليتَّقِ الله. إنَّ عيسى -عليه الصّلاة والسّلام- قامَ في قومه فقال: يا بني إسرائيل! لا تكلَّموا بالحكمةِ عندَ الجُهالِ فتظلموها، ولا تمنعوها أهلَها فتظلمُوهم، ولا تظلموا ولا تُكافئوا ظالمًا فيبطلُ فضلُكم عندَ ربِّكم، الأمرُ ثلاثةٌ: أمرٌ بيِّنٌ رشده فاتَّبعوه، وأمرٌ بيِّنٌ غيُّه فاجتنبوه، وأمرٌ اختلفتم فيه فكِلُوهُ إلى الله عز وجل)
ويؤمن أهل الدينِ والسنة..
الشيخ:
إلى هنا. إيش يقول أول الكلام، حدِّثْني عن..
القارئ: قال: حدِّثْني حديثًا كنتَ حدَّثتنيه عن عبد الله بن عباس قال: قلت: حدَّثَني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يرفعُ الحديثَ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قال..
الشيخ:
إيش قال المحقق عليه؟
القارئ: قال: أخرج بعضًا عن محمد
الشيخ:
معانيه لها شواهدٌ من السنةِ، لكن كونَ الحديث بهذا السياقِ مرفوعٌ فيه بحثٌ. نعم، اش يقول؟
القارئ: ذكرَ يا شيخ كما ذكرتَ جملًا من الحديثِ لها شواهد..
الشيخ:
شواهدُ من القرآن..
القارئ: في آخره قال: ولم أجد الطريقَ الذي روى به المؤلفُ هذا الحديث ضمن طرق سابقة وقد تقدم أنَّ رجالَ طريق المؤلف فيهم ضُعفاء.
الشيخ:
على أيِّ حالٍ فيه حِكَمٌ، منه ما هو حِكَمٌ مشهورةٌ ومنها ما لها شواهدُ من السنةِ ومن القرآنِ، أخلاقٌ فيها أخلاقٌ.
 
القارئ: أحسنَ الله إليك، ويؤمنُ أهل الدّينِ والسّنةِ بالبعثِ بعد الموتِ يومَ القيامة، وبكلّ ما أخبرَ اللهُ -سبحانه- به مِن أهوالِ ذلك اليومِ الحقِّ، واختلافِ أحوال العبادِ والخلق فيما يرونه ويلقونَه هنالك في ذلك اليوم الهائل، من أخذِ الكتب بالأيمانِ والشمائل، والإجابةِ عن المسائل، إلى سائرِ الزّلازلِ والبلابلِ الموعودةِ في ذلك اليومِ العظيم، والمقامِ الهائل من الصراطِ والميزان، ونشرِ الصّحف التي فيها مثاقيلُ الذَّرِّ من الخيرِ والشرِّ وغيرهما..
الشيخ:
لا إله إلا الله، اللهُ المُستعان
القارئ: ويؤمن أهلُ الدّين والسّنّة بشفاعةِ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لمُذنبي أهلِ التوحيد، ومُرتكبي الكبائر، كما ورد به الخبرُ الصحيحُ عن رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
أخبرنا أبو سعيدٍ بن حمدون قال: أنبأنا أبو حامد بن الشرقي قالَ: حدثنا أحمدُ بن يوسفَ السلمي قال: حدثنا عبد الرزاقُ قال: أنبأنا معمر، عن ثابتٍ، عن أنسٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(شفاعتِي لأهلِ الكبائرِ مِن أمّتي)
وأخبرنا أبو علي زاهرُ بن أحمد قال: أنبأنا محمدُ بن المسيب الأرغياني قال: حدثني الحسنُ بن عرفة قال: حدثنا عبدُ السلام بن حرب الملائي، عن زيادٍ بن خثيمةَ، عن نعمانَ بن قُراد، عن عبدِ الله بن عمر -رضي الله عنهما- قالَ: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (خُيِّرتُ بين الشّفاعةِ وبين أن يدخلَ شطرُ أمّتي الجنّة فاخترتُ الشّفاعةَ لأنّها أعمُّ وأكفَى، أترونَها للمؤمنينَ المتقين، لا، ولكنّها للمُذنبين المُتلوثين الخطَّائين)
أخبرنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو العباس السّراج قال: حدثنا قتيبةُ بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز بن محمدٍ الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، ح. وأخبرنا أبو طاهرٍ بن خزيمةَ أخبرنا جدي الإمامُ محمدُ بن إسحاقٍ بن خزيمة، قال: حدثنا علي بن حَجَر..
الشيخ:
"ابن حجر" مشكولة؟
القارئ: لا، ما شُكِّلَتْ
الشيخ:
الأكثر أنه: ابن حُجْر
القارئ: أحسنَ الله إليك، قال: حدثنا علي بن حُجْر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "يا رسول الله من أسعدُ الناس بشفاعتِك يوم القيامة؟" فقال: (لقد ظننتُ أن لا يسألُني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوّلَ منك، لِمَا رأيتُ من حرصِكَ على الحديثِ، إنَّ أسعدَ الناس بشفاعتي يومَ القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا مِن قبلِ نفسِه)
ويؤمنون بالحوضِ والكوثرِ..
الشيخ:
إلى هنا. على كلّ حال ذكرَ المؤلف أنَّ من عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ الإيمانُ بالبعث المشهورِ وهذا أصلٌ من أصولِ الإيمان، والإيمان بالبعثِ هو جزءٌ من الإيمان باليومِ الآخر لكن هو الذي وقعَ فيه النزاع بين الرسل وأممهم، البعثُ هو الذي كذَّبَ به الكافرون ومن كذَّبَ بالبعث كذَّبَ بكل ما أخبرت به الرّسلُ مما يكون، فلا يُؤمن بجنةٍ، ولا نارٍ، ولا حسابٍ، ولا جزاءٍ، ولا شيءٍ، فأصلُ الإيمان باليوم ِالآخر هو الإيمان بالبعث ولكن الإيمان باليوم الآخر يدخل فيه كلّ ما يكون بعد الموت، فيدخل فيه الإيمان بفتنة القبر وعذاب القبر ويدخل فيه الأمر الكبير الإيمان بالبعث، بعثُ الناس من قبورهم هذا هو الذي فصَّلَ الله فيه الخبر عنه في آيات كثيرة؛ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ*ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-15]
ومن أسماء القيامة "يوم البعث" فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الروم:56] وذكر الله صفة البعث: ثم نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68] إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ*يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ [ق:43-44] تتشقق الأرض نباتًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا*ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [نوح:17-18] مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ [طه:55] ومنها آيات سبحان الله كثيرة، كثيرة جدًا في القرآن، تقرير المعاد، الإخبار عن البعث زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن:7]
ويُعبّر عن يوم القيامة بالساعة، وبيوم النشور، ويوم القيامة وله أسماء، وحديث وذِكْرُ البعث والنشور وما يكون في ذلك اليوم في القرآن واسع، واسع، بل فيه سور، سور كاملة من أولها إلى آخرها في البعث: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [القيامة:1] إلى آخرها إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ [الانفطار:1] إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [الانشقاق:1] إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] كلها سبحان الله!
وذكر أيضًا ما يجبُ الإيمانُ به مما يكون يوم القيامةِ الشّفاعةُ، شفاعةُ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لأهل الكبائرِ من أمته، وحديثُ الشفاعة متواترٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه يشفعُ لأهل الكبائر من أمته، وأنها نائِلةٌ -إن شاء الله- مَن ماتَ لا يُشرك به شيئًا وفي حديث أبي هريرة: "من أحقُّ الناس بشفاعتك" قال: (مَن قالَ لا إله إلا الله خالصًا مِن قلبه وفي لفظٍ "من قِبَلِ نفسه") كما هنا، والله أعلم.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة