الرئيسية/شروحات الكتب/عقيدة السلف للصابوني/(11) قوله “ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) قوله “ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الحادي عشر

***    ***    ***    ***

– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلين نبيِّنَا محمّد عليه مِن ربِّه أفضلُ صلاة وأتمُّ تسليم. أمّا بعد: فقالَ الإمامُ أبو عثمان اسماعيلُ بن عبد الرحمنِ الصّابوني -رحمه الله تعالى- وغفرَ له ولشيخِنا وللحاضرين:
مِن مذهبِ أهلِ الحديثِ: أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ ومعرفةٌ، يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصيةِ. قال محمد بن علي بن الحسنِ بن شقيقٍ: سألتُ أبا عبدِ الله أحمدَ بن حنبل -رحمَه الله- عن الإيمانِ في معنى الزيادةِ والنقصانِ، فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثنا حمادُ بن سلمةَ، قال: حدثنا أبو جعفرٍ الخطمي عن أبيه، عن جدِّه، عن عُمير بن حبيبٍ قال: الإيمانُ يزيدُ وينقصُ فقيل: وما زيادتُه وما نقصانُه؟ قال: "إذا ذكرنا الله فحمِدْنَاه، وسبَّحناه فتلك زيادَتُه، وإذا غفلنا، وضيَّعنا، ونسِينا، فذلك نقصانُه".
– الشيخ:
الله المُستعان
– القارئ: أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المُزكَّى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عمرو الحيري، قال: حدثنا محمدُ بن يحيى الذُّهلي، ومحمد بن إدريس المكي، وأحمد بن شدادٍ الترمذي، قالوا: حدثنا الحُميدي، قال: حدثنا يحيى بن سُليم: سألت عشرةً من الفقهاءَ عن الإيمانِ فقالوا: "قولٌ وعملٌ" سألتُ هشام بن حسان فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألتُ ابن جريج فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت سفيان الثوري فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت المثنى بن الصباح فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألتُ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت محمد بن مسلم الطائفي فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت فضيل بن عياض فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت نافع بن عمر الجُمحي فقال: "قولٌ وعملٌ" وسألت سفيان بن عيينة فقالَ: "قولٌ وعملٌ".
وأخبرنا أبو عمرو الحيري، قال: حدثنا محمدُ بن يحيى ومحمدُ بن إدريس، وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: "الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيدُ وينقصُ" فقال له أخوه إبراهيمُ بن عيينة: أبا محمد تقولُ: ينقصُ؟! فقال: "اسكتْ يا صبي، بلى ينقصُ حتى لايبقى منه شيءٌ".
وقال الوليد بن مسلم: سمعتُ الأوزاعي ومالكًا وسعيدَ بن عبد العزيز يُنكرون على مَن يقولُ: "إقرارٌ بلا عملٌ" ويقولون: "لا إيمانٌ إلا بعملٍ" قلتُ: "فمَن كانت طاعاته وحسناتُه أكثرُ فإنه أكملُ إيمانًا ممن كان قليلَ الطاعةِ كثيرَ المعصية والغفلةِ والإضاعة".
وسمعتُ الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعتُ أبا بكر محمد بن أحمد بن باكويه الجلاب يقول: سمعتُ أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعتُ أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: "يا أحمد، إنكم تُبغضون هؤلاء القوم جهلًا، وأنا أُبغضهم عن معرفة، إن أوَّلَ أمرهم لا يرون للسلطانِ طاعةً، والثاني: إنه ليس للإيمانِ عندهم قدرٌ، واللهِ لا أستجيزُ أن أقول: إيماني كإيمانِ يحيى بن يحيى، ولا كإيمانِ أحمدَ بن حنبل، وهم يقولون: إيمانُنا كإيمانِ جبرائيلَ وميكائيلَ"
وسمعتُ الحاكمَ يقول: سمعتُ أبا جعفرَ -محمدَ بن صالح بن هانيء-

– الشيخ:
هذا ثمرة ُ.. الإيمانُ لا يزيدُ ولا ينقصُ، أن يكون العباد، أن يكون إيمان الناس أو الخَلقِ سواء، يعني لا يزيدُ ولا ينقص، ومذهبُ أهل السّنّة والجماعة في هذا أدلتهُ ولله الحمد ظاهرة مِن القرآن والسّنّة. الإيمانُ اسمٌ شامل: الاعتقاداتُ وأعمالُ القلوبِ وأعمالُ الجوارح. وقد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الإيمانُ بضعٌ وستونَ شعبة) كلُّ شرائعِ الإسلام شُعبُ الدّين، إماطةُ الأذى عن الطريق من الإيمانِ، الحياءُ شعبةٌ من الإيمان، الحياءُ والصبرُ والعفوُ والحِلْم كلها إيمانٌ، سبحان الله العظيم!
 
– القارئ: وسمعتُ الحاكم يقولُ: سمعتُ أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئءٍ يقولُ: سمعتُ أبا بكرٍ محمد بن شعيب يقولُ: سمعتُ إسحاقَ بن إبراهيم الحنظلي يقولُ: قدمَ ابن المبارك الرَّي فقالَ له رجلٌ من العِباد الظنُّ به أنه يذهبُ..
– الشيخ:
من؟ رجلٌ؟
– القارئ: رجلٌ من العِباد
– الشيخ:
من العُبّاد
– القارئ: فقامَ إليه رجلٌ من العُبّاد، الظن به أنه يذهبُ مذهبَ الخوارج، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرقُ ويشربُ الخمرَ؟ فقال: لا أُخرجه من الإيمانِ، فقال: يا أبا عبدِ الرحمن على كبرِ السنِّ صِرٍتَ مُرجئًا؟ فقال: لا تقبلني المُرجِئَة. المرجئةُ تقول: حسناتُنا مقبولةٌ، وسيئاتُنا مغفورةٌ، ولو علمتُ أني قُبلت مني حسنةٌ لشهدتُ أنِّي في الجنة، ثم ذكرَ عن أبي شوذبٍ عن سلمةَ بن كهيلٍ، عن هذيل بن شرحبيل قال: قال عمر -رضي الله عنه-: "لو وُزن إيمانُ أبي بكرٍ بإيمانِ أهلِ الأرضِ لرجَحَ".
سمعتُ أبا بكرٍ محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني يقول: سمعتُ يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعتُ محمد بن إسحاقَ بن خزيمةَ يقول: سمعتُ الحسين بن حرب أخا أحمد بن حرب الزاهد يقولُ: "أشهدُ أنَّ دينَ أحمدَ بن حرب الذي يدينُ الله به أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقصُ"
ويعتقدُ أهلُ السّنّةِ أنَّ المؤمن وإن أذنبَ ذنوبًا كثيرةً صغائرَ وكبائرَ، فإنّه لا يكفرُ بها، وإن خرجَ عن الدنيا غير تائبٍ منها، وماتَ على التوحيدِ والإخلاصِ، فإنَّ أمرَهُ إلى اللهِ -عز وجل- إن شاءَ عفا عنه، وأدخلَه الجنةَ يومَ القيامة سالمًا غانمًا، غير مُبتلىً بالنارِ ولا مُعاقَبًا على ما ارتكبَه واكتسبه، ثم استصحبَه إلى يوم القيامةِ من الآثامِ والأوزارِ، وإن شاءَ عاقبه وعذبَه مدةً بعذابِ النار، وإذا عذبه لم يُخلِّدْهُ فيها، بل أعتقَه وأخرجهُ منها إلى نعيمِ دارِ القرار.

كان شيخنا سهل بن محمد -رحمه الله- تعالى يقولُ: "المؤمنُ المذنبُ وإن عُذِّبَ بالنار فإنه لا يُلقى فيها إلقاءَ الكفار، ولا يبقى فيها بقاءَ الكفار، ولا يشقى فيها شقاءَ الكفارِ، ومعنى ذلك: أنَّ الكافر يسحَبُ على وجهِه إلى النار، ويُلقى فيها منكوسًا في السلاسلِ والأغلالِ والأنكالِ الثقال، والمؤمنُ المُذنبُ إذا ابتُلِي في النارِ فإنَّه يدخلُ النار كما يَدخل المجرمُ في الدنيا السّجن على الرِجْل من غير إلقاءٍ تنكيسٍ. ومعنى قولِه: "لا يُلقى في النارِ إلقاءَ الكفار" أنَّ الكافرَ يُحرق بدنُه كله، كلما نضجَ جلدُه بُدِّل جلدًا غيرَه..
– الشيخ:
أعوذ بالله من النار
– القارئ: ليذوقَ العذابَ كما بيَّنَه الله في كتابه في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ [النساء:56]
وأما المؤمنون فلا تلفحُ وجوهَهم النارُ، ولا تحرقُ أعضاءَ السجودِ منهم، إذ حرَّم الله على النارَ أعضاءَ سجوده. ومعنى قوله: "لا يبقى في النارِ بقاءَ الكفار" أنَّ الكافرَ يُخَلَّدُ فيها ولا يخرجُ منها أبدًا، ولا يُخلِّد الله من مُذنبي المؤمنين في النارِ أحدًا. ومعنى قوله: "لا يشقى بالنارِ شقاءَ الكفارِ" أنَّ الكفارَ يُؤيَّسون فيها من رحمةِ الله، ولا يَرجون راح بحالٍ، وأما المؤمنونَ فلا ينقطعُ طمعُهم من رحمةِ الله في كلِّ حالٍ، وعاقبةُ المؤمنين كلهم الجنةَ، لأنهم خُلقوا لها، وخُلقت لهم فضلًا من الله ومِنَّةً.
واختلفَ أهلُ الحديث في تركِ المسلمِ صلاةَ الفرضِ مُتعمِّدًا..
– الشيخ:
إلى هنا يا أخي
الله المستعان، في هذه الجملة يذكر الشيخُ -رحمه الله- مذهبَ أهل الحديث وهم أهل السُّنَّة في الإيمان وفي مُرتكب الذنوب، ومذهبهم مشهور ومُقرَّرٌ ولا إشكالَ فيه، فالإيمانُ عندهم اسمٌ لجميع أمورِ الدين الظاهرةِ والباطنة، قولٌ وعملٌ، قولُ القلب واعتقادُه وعملُ القلب، وقولُ اللسان وعملُ الجوارح، كلُّ ذلك من الإيمان، فالتّصديقُ لما في القلبِ من أعمالٍ من انقيادٍ، وحبٍّ، وخوفٍ، ورجاءٍ، وتوكلٍ، وماذا ينطقه اللسانُ من الشهادتين، ومن الذِّكرِ بأنواعه، وأعمالِ الجوارح: كالصّلاة، والصّيامِ، وأعمال الحجِّ، والجهادِ، وبرّ الوالدين، كلّها من الإيمانِ داخلةٌ في مُسمَّى الإيمان، وهو يزيد وينقص ُكمًا وكيفًا، التصديقُ يقوى ويضعف واليقينُ يقوى ويضعُف، وأعمالُ القلوب .. الخوف، فليس كلّ الناس خوفُهم على درجةٍ، أو حبُّهم لله على درجةٍ، وتوكلهم على درجة، لا. بل بينَهم من التفاوتِ ما لا يعلمُه إلا الله.
كذلك أهلُ السّنّة والجماعة يقولونَ بأنَّ مُرتكِبَ الكبيرة لا يخرجُ من الإيمان، فضلًا عن أن يدخل في الكفرِ خلافًا للخوارجِ الذين يُكفّرون بالذنوب، والمعتزلة الذين يُخرجُون العاصي من دائرةِ الإيمان، ثم يتفقون على تخليدِه في النار، وأمّا أهلُ السنة فيقولون أنَّ العاصي أو مُرتكب الكبيرة في الدنيا مؤمنٌ ناقصُ الإيمان أو فاسقٌ، وأما في الآخرةِ فهو تحت مشيئةِ الله إن شاءَ اللهُ غفرَ له، وإنْ شاءَ عذَّبه، وإنْ عذَّبَهُ لم يُخلِّدْهُ في النار، هذا كلّه متفقٌ عليه بين أهلِ السّنّة والجماعة وللهِ الحمد والمنّة.
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة