بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الثّاني عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، قال الإمامُ أبو عثمان اسماعيل الصّابوني -رحمَه الله تعالى- وغفرَ له ولشيخنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين:
واختلفَ أهلُ الحديث في تركِ المسلم صلاةَ الفرض مُتعمِّدًا، فكفَّرهُ بذلك أحمد بن حنبل وجماعةٌ من علماء السّلف -رحمهم الله- وأخرجوه به من الإسلامِ للخبرِ الصحيح: (بين العبدِ والشِّرْكِ تركُ الصّلاة، فمَن تركَ الصّلاة فقد كفرَ) وذهبَ الشّافعيُّ وأصحابه وجماعةٌ من علماءِ السلف -رحمةُ الله عليهم أجمعين- إلى أنّه لا يكفرُ ما دامَ معتقدًا لوجوبها، وإنّما يستوجبُ القتل كما يستوجبُهُ المرتدُّ عن الإسلام، وتأوَّلوا الخبرَ (مَن تركَ الصّلاةَ جاحدًا لها..
– الشيخ: وتأوَّلُوا الخَبَرَ
– القارئ: (مَن تركَ الصّلاةَ جاحدًا لها..)
كما أخبرَ -سبحانه- عن يوسف -عليه السلام- أنه قالَ: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [يوسف:37] ولم يكُ تلَبَّسَ بكفرٍ ففارقَه ولكن تركَه جاحدًا له.
ومن قولِ أهلِ السنةِ والجماعة في أكسابِ العبادِ أنَّها مخلوقةٌ لله تعالى، لا يمترونَ فيه، ولا يَعُدُّون من أهلِ الهدى ودينِ الحقِّ من يُنكِرُ هذا القولَ وينفيه، ويشهدون أنَّ الله تعالى يهدي من يشاءُ لدينه ويُضلُّ من يشاءُ عنه، لا حجةَ لمن أضلَّه الله عليه، ولا عُذْرَ له لديه. قال الله عز وجل: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149] وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة:13] الآية. وقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ [الأعراف:179] الآية. سبحانَه خلقَ الخلقَ بلا حاجة إليهم، فجعلَهم فريقين، فريقًا للنعيم فضلًا، وفريقًا للجحيمِ عدلًا، وجعلَ منهم غويَّا ورشيدًا، وشقيًا وسعيدًا، وقريبًا من رحمته، وبعيدًا، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:33] أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين [الأعراف:54]
قال عز وجل: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُون[الأعراف:30] وقال: أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ [الأعراف:37] قال ابن عباس: هو ما سبقَ لهم من السعادةِ والشقاوة.
أخبرنا أبو محمد المخلدي، قال: أخبرنا أبو العباس السِّراج، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو الصّادقُ المصدُوق: (إنَّ خلْقَ أحدِكم يُجمَعُ في بطنِ أمه أربعين يومًا، ثم يكونُ علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يبعثُ الله إليه الملكَ بأربعِ كلمات، رزقَه، وعملَه، وأجلَه، وشقيٌّ أو سعيد، فو الذي نفسي بيده إنَّ أحدكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنة حتى ما يكون بينَه وبينَها إلا ذراعٌ، ثم يُدركه ما سبقَ له من الكتاب، فيعملُ بعمل أهل النارِ فيدخلُها، و إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النارِ حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، ثم يدركُه ما سبقَ له في الكتاب، فيعملَ بعملِ أهلَ الجنةَ فيدخلُها)
وأخبرنا أبو محمد المخلدي، قال: أنبأنا أبو العباس السراج، قال: حدثنا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي وهو ابن رهويه، قال: أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حمّاد بن سلمة بن هشام عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ الجنة، وإنَّه لمكتوبٌ في الكتابِ أنّه مِن أهلِ النار، فإذا كان عند موتِه تحوَّلَ فعملَ بعمل أهل النارِ، فماتَ فدخلَ النار، وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعمل أهلِ النار، وإنه لمكتوبٌ في الكتابِ أنه من أهلِ الجنة، فإذا كان قبلَ موته عملَ بعملِ أهلِ الجنة، فماتَ فدخلَ الجنة)
ويشهدُ أهلُ السنة..
– الشيخ: يوجد تخريجٌ على هذا الحديث؟
– القارئ: قال: أخرجَه الإمام أحمدُ في مسنده
– الشيخ: إيش تقول؟
– القارئ: قال: أخرجَه الإمام أحمدُ في مسنده
وقالَ أبو بكر الخيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وبعضُ أسانيدَيهما رجالُه رجالُ الصحيحِ..
– الشيخ: على أيّ حال المعنى ثابت في حديث ابن مسعود وغيره، هاتان مسألتان، مسألة أشار إليها وقال إنّ أهل السّنّة اختلفوا فيها وهو حكم تارك الصلاة، والأئمة مختلفون في تارك الصّلاة؛ فمنهم مَن يرى ويقول: مَن تركَ صلاةً واحدة فإنّه يكفر، ونَسب هذا إلى الإمام أحمد، وهذه إحدى الروايتين عنه، الرواية المشهورة التي يعني عليها المذهب أنّه لا يكفر، مَن ترك الصّلاة كسلًا، أمّا مَن تركها جاحدًا فهذا لا كلام فيه.
الجاحد لشرائع الإسلام أو لشريعة واحدة هذا مكذّب كافر مكذّب بالتكذيب مُكذِّبٌ للهِ ورسولِه، وجمهورُ العلماء على أنّه لا يكفرُ، حكى بعضُهم إجماعَ الصّحابةِ على ذلك واستدلُّوا بحديثِ بريدةَ وحديثِ جابر على من يقولُ بكفرِ تاركِ الصلاة.
ولشيخِ الإسلام منهجٌ طيب وهو التفريقُ بين التاركِ التّرك الكُلِّي المُعرِض عن فعلِ الصّلاة، ومن مثل حال كثيرٍ مِن المسلمين، هو لا يتركُ الصّلاة ولكنّه غير مُحافِظ عليها، يُصلِّي ويُخلِّي ويُؤخِّر الصّلاة عن وقتها، فعندهم هذا ليس بكافرٍ، وإنّما الكافر هو الذي يُصِرُّ على تركها، وهذا فيه توسُّطٌ، والله أعلم.
والمسألة الثانية الكبيرة وهي مسألةُ عقيدةِ أهل السّنّة والجماعة في أكسابِ العباد أو أفعال العباد، فعندَ أهل السّنّة أنَّ أفعالَ العباد مخلوقة لله وواقعة بمشيئته وبقدرتِه وهي من جملة مخلوقاته، فإنه لا خروجَ لشيءٍ في هذا الكون عن مُلكه وعن مشيئته وعن قدرته وعن ملكه، خلافًا للقدرية الذين يقولون: إنَّ العبد يخلق فعله وإن أفعال العباد تصدُرُ عنهم بمحضِ مشيئتهم وقدرتهم، وأنه لا تعلُّق لمشيئتِه أو قدرتِه في أفعالهم، فلا يملكُ أن يجعل العاصي مُطيعًا أو المُطيع عاصيًا أو المؤمن كافرًا أو الكافرَ مؤمنًا، وهذا يتضمنُ تعجيزَ الربِّ -سبحانه وتعالى- وتنقُّصَهُ.
وأمّا أهلُ السنة فيقولون: إنَّ اللهَ على كلّ شيءٍ قدير، ومِن ربوبيته أنّه الذي يُعطي ويمنعُ، ويخفض ويرفعُ، ويضلُّ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء، له الحكمةُ البالغة، فهو يُضِلُّ مَن يشاء بعدله، ويهدي من يشاء بفضله، وله الحكمة البالغة في هذا وهذا -سبحانه وتعالى- والشأنُ في الهدى والضلال كسائرِ الأمور الأخرى كلها راجعةٌ إلى مشيئته وقدرتِه وحكمته -سبحانه وتعالى- والله أعلم. إلى هنا.. هات ما عندَك يا ابراهيم.
– طالب: أحسن الله إليك، نعم، تفسير قوله تعالى: اللهُ الصَّمدُ قال … هو السيد الذي انتهى سؤدُده. أشكلتْ عليَّ؟
– الشيخ: يعني الذي بلغَ الكمالَ، انتهى يعني: "بلغَ الكمال"
– طالب: هو السيد، الصحيح يُطلق السيدُ على المخلوق؟
– الشيخ: جائز السيد، العبد يقال لمالكه سيد، لا تقل أطعم ربك … ولكن قل سيّدي ومولاي، والرسول يقول للأنصار: (قوموا إلى سيّدكم) لكن استخدامها مع كلّ أحدٍ، الآن مُبتذَلة عند الكثيرين: "سيد، يا سيد تعال، يا سيد اسمع، يا سيد" وانظر هؤلاء الببغاوات في الإعلام "سادتي، سيداتي وسادتي" كلّهم، كلّ المستمعين سادةٌ لهم، سيداتي وسادتي، هم يتكلمون بما لا يعقلون.