بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الرّابع عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياء والمرسلين..
– الشيخ: الأسبوع القادم إجازة، معلوم
– القارئ: قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصّابوني-رحمه الله وغفرَ له ولشيخِنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين-:
ويعتقدُ ويشهدُ أصحابُ الحديث أنَّ عواقبَ العباد مُبهَمَةٌ، لا يدري أحدٌ بما يُختم له، ولا يحكمون لواحدٍ بعينه أنّه مِن أهلِ الجنّة، ولا يحكمون على أحدٍ بعينه أنَّه مِن أهلِ النّار، لأنّ ذلك مُغيّبٌ عنهم، لا يعرفون على ما يموتُ عليه الإنسانُ، ولذلك يقولون: "إنَّا مؤمنون إن شاءَ اللهُ" أي: مِن المؤمنين الذين يُختم لهم بخيرٍ إن شاءَ الله.
ويشهدون لِمَن ماتَ على الإسلام أنَّ عاقبته الجنّة فإنَّ الذين سبقَ القضاء عليهم مِن الله يُعذّبون بالنّارِ مدّةً لذنوبهم التي اكتسبوها، ولم يتوبوا منها، فإنّهم يُردُّون أخيرًا إلى الجنّةِ، ولا يبقى أحدٌ في النّارِ من المسلمين، فضلًا مِن الله ومِنَّةً، ومَن ماتَ والعياذُ بالله على الكفرِ فمردُّهُ إلى النّارِ لا ينجو منها، ولا يكون لمُقامِهِ فيها مُنتهَى.
فأمَّا الذين شهدَ لهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مِن أصحابه بأعيانِهم فإنَّ أصحابَ الحديث يشهدون لهم بذلك، تصديقًا منهم للرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- فما ذكرَه ووعدَه لهم، فإنّه -صلّى الله عليه وسلّم- لم يشهدْ لهم بها إلّا بعد أن عرفَ ذلك، والله تعالى أطلعَ رسولَه -صلّى الله عليه وسلّم- على ما شاءَ مِن غيبه، وبيانُ ذلك في قولِه -عز وجل- عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]
وقد بشَّر -صلّى الله عليه وسلّم- عشرةً مِن أصحابه بالجنّة، وهم: أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وطلحةُ والزبيرُ وعبدُالرحمن بن عوف وسعدٌ وسعيدٌ وأبو عبيدةُ بن الجراح، وكذلك قالَ لثابتِ بن قيس بن شماس إنّه مِن أهل الجنّة، قال أنسُ بن مالك: فلقد كان يمشي بين أظهرِنا ونحنُ نقول: إنَّه مِن أهلِ الجنة.
ويشهدون ويعتقدون أنّ أفضل أصحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، في هذه الجملة يذكر المُصنِّف شيئًا من عقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ أصحابِ الحديث أنهم لا يشهدون لمُعيّن بجنة ولا نار إلا من شهدَ له الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعواقب العباد من الغيب، فلا نشهدُ لمُعيَّنٍ بأنه مِن أهلِ الجنّة ولا بأنّه مِن أهلِ النّار، وقوفًا عند حدود الله: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36] لكن مَن شهدَ له الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- وجبَ الإيمانُ بخبره، مَن شهدَ له الرّسول بأنّه مِن أهلِ الجنّة فهو من أهلِ الجنّة، كما أخبرَ، إيمانًا وتصديقًا للرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- فهذا مُقتضى شهادة "أن محمدًا رسول الله" تصديقُه، تصديقه في كلِّ ما أخبرَ به من الغيب، كونَ إنسانٍ في الجنةِ هذا غيبٌ، لكن يُشهَد على سبيل الإجمال أنَّ مَن ماتَ مِن المسلمين فهو في الجنّةِ، ومَن ماتَ مِن الكفارِ على كفره فهو في النّارِ.
على وجه العموم، وعبارة المؤلّف فيها يعني كأن فيها إيهام أنه يُشهد للمُعيّن مَن مات على الإسلام حتى ولو علمنا أن هذا ماتَ على الإسلام، لا نشهد له على وجه التعميم، نحن نقول مَن مات على الإسلام فهو في الجنّة، ومَن مات مِن الكفار مَن مات على الكفر فهو في النّار، على يعني حكمًا عامًا إجماليًا، لا على وجه التعيين والتخصيص، لأنَّ النصوص جاءت عامة فنقول بمُوجبها ونثبت ما دلَّتْ عليه وإنما دلَّتْ على أحكامٍ عامة، ليس فيها تخصيص لمُعيّن فلان أو فلان هذا أو ذاك. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [الإسراء:36]
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]
بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون * والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81-82]
كلُّها نصوصٌ عامّة فيجبُ إجراؤُها على ظاهِرها والإيمانُ بها، وبما دلَّتْ عليه على الوجهِ والمعنى الذي دلَّتْ عليه، واللهُ أعلم، إلى هنا.