الرئيسية/شروحات الكتب/عقيدة السلف للصابوني/(15) قوله “ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي”

(15) قوله “ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الخامس عشر

***    ***    ***    ***

– القارئ: الصّلاة والسّلامُ على أشرفِ الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد عليه أفضلُ الصّلاة وأتمُّ التّسليم، أمّا بعدُ؛ فقالَ الإمام اسماعيلُ الصّابوني -رحمه الله تعالى- وغفرَ له ولشيخِنا وللحاضرين ولجميع المسلمين:

ويشهدونَ ويعتقدونَ أن أفضل أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أبو بكرٍ ثم عمرَ ثم عثمانَ ثم علي. وأنَّهم الخلفاءُ الرّاشدون الذين ذكرَ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- خلافَتهم بقوله فيما رواه سعيدُ بن جهمان عن سفينة: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) وبعد انقضاءِ أيامهم عادَ الأمرُ إلى المُلْكِ العضوض على ما أخبرَ عنه الرسولُ -صلّى الله عليه وسلّم-

ويُثبت أصحابُ الحديثِ خلافةَ أبي بكر -رضي الله عنه- بعدَ وفاةِ رسولِ الله -صلّى الله عليه وسلّم- باختيارِ الصّحابة واتفاقِهم عليه، وقولُهم قاطبةً: "رضيَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا فرضينَاه لدنيانا" يعني أنَّه استخلفَه في إقامةِ الصّلواتِ المفروضاتِ بالناسِ أيامَ مرضِه، وهي الدين، فرضينَاه خليفةً للرسولِ -صلّى الله عليه وسلّم- علينا في أمورِ دنيانا، وقولُهم: "قدَّمكَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فمَن ذا الذي يُؤخِّرُك؟" وأرادوا أنه -صلى الله عليه وسلم- قدَّمَك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلَّينا وراءَك بأمره، فمَن ذا الذي يُؤخِّرُك بعد تقديمِه إياك؟

وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يتكلَّمُ في شأنِ أبي بكرٍ في حالِ حياته، مما يُبيِّنُ للصحابةِ أنَّه أحقُّ الناسِ بالخلافةِ بعدَه، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانِه، وارتفعُوا به وارتفقُوا حتى قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "واللهِ الذي لا إله إلا هو، لولا أنَّ أبا بكر اُستُخلف لمَا عُبد اللهُ" ولمَّا قيل له: مه يا أبا هريرة! قامَ بحجةِ صحةِ قوله، فصدَّقُوه فيه وأقرُّوا به.

ثم خلافة عمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه وأرضاه- باستخلافِ أبي بكرٍ -رضي الله عنه- إيَّاه، واتفاقِ الصحابة عليه بعدَه، وإنجازِ اللهِ -سبحانه- بمكانِه في إعلاء الإسلام وإعظامِ شأنه وعدَه.
ثم خلافةُ عثمانَ -رضي الله عنه- بإجماعِ أهلِ الشورى، وإجماعِ الصحابةِ كافة، ورضاهم به حتى جُعِلَ الأمرُ إليه.

ثم خلافةُ عليٍّ -رضي الله عنه- ببيعةِ الصحابة إيَّاه، عرفَه ورآه كلٌّ منهم -رضي الله عنه- أحقَّ الخلق وأولاهم في ذلك الوقتِ بالخلافةِ، ولم يستجيزُوا عصيانَه وخلافَه، فكان هؤلاء الأربعةُ الخلفاءُ الراشدين الذين نصرَ الله بهم الدين، وقهرَ وقسرَ بمكانهم المُلحدين، وقوَّى بمكانهم الإسلام، ورفعَ في أيامهم للحقِّ الأعلام، ونوَّرَ بضيائهم ونورِهم وبهائِهم الظلامَ، وحقَّقَ بخلافتِهم وعدَه السابقَ في قولِه -عزَّ وجل-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ [النور:65] الآية.

وفي قوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح:29] فمَن أحبَّهم وتولَّاهم، ودعا لهم، ورعَى حقهم، وعرفَ فضلَهم فازَ في الفائزين، ومن أبغضَهم وسبَّهم، ونسبَهم إلى ما تنسبه إليهم الروافضُ والخوارجُ -لعنَهم الله- فقد هلكَ في الهالكين. قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبُّوا أصحابي، فمَن سبَّهم فعليهِ لعنةُ الله) وقال: (ومَن أَحبَّهم فبِحُبي أُحِبُّهم، ومَن أَبغَضَهم فبِبُغضي أَبغَضَهم، ومَن آذاهُم فقد آذاني، ومَن سبَّهم فعليه لعنةُ الله) ويرى أصحابَ الحديث..

– الشيخ: إلى هنا يا أخي. على كلّ حال مِن المسائل المُقَرَّة عند أهل السنّة الإيمان بفضله والخلفاء الراشدين الأربعة، وأنهم أفضل الصحابة على ترتيبهم في الخلافة، وأفضل الأمة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، هذا باتفاق الصّحابة، ثم عليّ على خلافٍ قديم، وكان هناك بعض الاختلاف، من الناس من يُفضِّلُ عليًّا على عثمان، ومنهم من يُقدِّمُ عثمانَ، ومنهم مَن توقَّفَ، يقول شيخ الإسلام: "ثم استقرَّ أمرُ أهلِ السنّةِ على تقديمِ عثمان". فاستقرَّ أنَّ أفضلَ الصّحابةِ بعدَ رسولِ الله الخلفاءُ الراشدون، وهم في الفضلِ على ترتيبِهم في الخلافةِ.

كما أنَّ مِن عقيدةِ أهل السنّةِ والجماعةِ أنَّ الأحقَّ بالأمرِ بعدَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكرٍ ثم عمر، ثبتتْ خلافةُ أبي بكرٍ بنصوص ٍمُتعددة حُفظت عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- ثم باتفاقِ الصحابةِ عليه، اتفقُوا عليه في السَّقيفة، لمَّا اجتمعوا في السقيفة، أجمعُوا على مُبايَعته فبايعُوه، فنفعَ الله في خلافتِه، ولما انفلتَ الأمرُ، وارتدَّ مَن ارتدَّ مِن الأعرابِ، ومن الأطرافِ، قيّضَ الله أبا بكرٍ بما أعطاه من الشجاعة والقوةِ بالله، فجهَّزَ الجيوش لقتال المُرتدين، فردَّ الله به كيدَ الكائدين، وقيل نزلت فيه قوله، نزلَ في شأنه قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة:54]

ثم من بعدِ أبي بكر: عمرٌ فهو أحقُّ الناسِ بذلك، وقد ثَبَتت خلافته بعهدٍ من أبي بكرٍ، ولا ريبَ أنه أحقُّ الناس بالأمرِ بعد أبي بكرٍ ثم عثمانَ ثم عليّ، أمَّا الثلاثةُ فقد ثبتت خلافتُهم بالإجماعِ "بإجماع الصحابة"
أمّا عليٌّ فصارَ في عهده خلافٌ وانقسامٌ، وامتنعَ عن مُبايعتهِ أهلُ الشام وصارَ ما صار، لكن باتفاق أهلِ السّنَّةِ أنَّه أحقُّ بالأمرِ، حتى أنَّ أهلَ الشامِ لا ينازعونَ في ذلك، ولكن امتنعُوا من البيعةِ بتأويلٍ وبشبهاتٍ أوجبتْ لهم الامتناعَ والتوقفَ، أما أنَّ عليًّا هو الأحقُّ بالأمرِ فهذا لا نزاعَ فيه بينَ الصحابةِ -رضوان الله عليهم- والله أعلم.

 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة