بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس السّادس عشر
*** *** *** ***
القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، قال المصنّف -رحمه الله تعالى وغفرَ له، ولشيخنا، وللحاضرين، ولجميع المسلمين:
ويرى أصحابُ الحديثِ الجمعةَ والعيدين وغيرهما من الصلواتِ خلفَ كلِّ إمامٍ مسلمٍ برَّا كان أو فاجرًا. ويرون جهادَ الكفرةِ معهم وإن كانوا جورةً فَجَرَةً، ويرون الدعاءَ لهم بالإصلاحِ والتوفيقِ والصلاحِ، ولا يرون الخروجَ عليهم بالسّيفِ وإن رأوا منهم العدولَ عن العدلِ إلى الجورِ والحيفِ. ويرونَ قتالَ الفئةِ الباغيةِ حتى ترجعَ إلى طاعةِ الإمامِ العدلِ. ويرونَ الكفَّ عما شجرَ بين أصحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
الشيخ: إلى هنا، هذه مسائلُ كثيرةٌ، هذا في بيانِ منهجِ أهل السّنّة، المنهجِ العملي، ومِن ذلك أنَّهم يرونَ صلاةَ الجمعةِ، وإقامة الجمعةِ، والعيدين، وإقامةَ الجهادِ، والصّلاةَ خلفَ الأئمةِ، الصّلاة، صلاة الجمعة والعيدين وغيرهما مع الولاة، أبرارًا كانوا أو فجّارًا، ما دامَ أنه مسلم، المسلمُ صلاتُه صحيحةٌ، ولو كان عاصيًا، ولو كان فاسقًا، ولو كان جائرًا. هذا مع الولاةِ الأئمةِ، أمّا أئمةُ المساجدِ فلا ينبغي الصلاةُ خلفَ مَن عُرف فِسقُه، بل إذا أمكنَ الصلاةُ خلف غيره فهذا هو الذي ينبغي، إذا لم يكن إلا هذا الإمامُ، فلا تُترك الجماعةُ من أجل فِسق الإمامِ، وتركُ إقامةِ الجُمَعِ والأعيادِ لفسْقِ الإمامِ أو جورِه هو طريقُ أهلِ البدعِ، أمّا الصّحابةُ -رضوان الله عليهم- ومَن بعدَهم فقد كانوا يُصلُّون خلف بعضِ الولاةِ، كفلانٍ وفلانٍ ومنهم الحَجاج.
وكذلك الجهادُ، أهل السنّة يرون إقامةَ الجهاد مع الأمراء وإن كان منهم جورٌ، ما دام أنَّ الجهاد مشروعٌ، يعني قتالَ الكفار بقطعِ النظر عن نيّةِ الأمير، فقد يكون من نيّته أنّه يريدُ بسط نفوذٍ أو شيئًا منه، لكن مادام أنه جهادٌ للكفارِ فلا يُترك الجهادُ لفجورِه.
وكذلك الحجُّ، الحجُّ كان يحتاجُ إلى تنظيمٍ وإلى كذا، وقيادةٍ ويسير الناس، فلا يُترك الحج من أجل معصيةِ الأمير، أميرِ الحج، لأن الحجَّ مشروعٌ والجهاد مشروعٌ والحمد لله، فإذا أحسنَ الناس فأحسنْ معهم كما يقولُ "أمير المؤمنين" وإن أساؤوا فاجتنبْ إساءَتهم، فقط اجتنب معصيتهم، الله أكبر، لا إله إلا الله.
القارئ: ويرون الكفَّ عمَّا شجرَ بين أصحابِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتطهيرِ الألسنةِ عن ذكرِ ما يتضمّنُ عيبًا لهم ونقصًا فيهم. ويرون الترحّمَ على جميعِهم والمُوالاةَ لكافَّتهم. وكذلك يرونَ تعظيمَ قدرِ أزواجه -رضي الله عنهنَّ- والدّعاءَ لهنَّ ومعرفةَ فضلِهن والإقرارَ بأنَّهُنَّ أمهاتُ المؤمنين. ويعتقدون ويشهدونَ أنَّ أحدًا لا تجبُ له الجنةُ، وإن كان عملُه حسنًا، وطريقُه مُرتضىً..
الشيخ: قِفْ على هذا، "ويشهدونَ" المقصودُ أيضًا من مذهب أهل السنّةِ والجماعة أنَّهم يُمسكون عن الخوضِ فيما جرى بين الصّحابة من اختلافٍ أو قتالٍ، بل يعني كما قالَ بعضُهم يعني أمورٌ طهّرَ الله منها أيدينا، فعلينا أن نُطهِّر ألسنَتنا. فمِن منهجِهم تركُ الخوض في هذه الأمور لأنها تُوغِرُ الصدور، وتُوجب إساءة الظن في بعض الصحابة، هذا مشروعٌ في غيرهم فكيفَ بهم؟
إمساكٌ يعني مساوئِ الناس إلا على سبيلِ الإصلاح، لكن أمورٌ جَرَتْ ومضَتْ فلا حاجة إلى الخوضِ فيها ولا منفعة، والصّحابة لهم فضلٌ عظيم وشأنٌ عظيم، فيجب البعدُ عن كل ما يُوغِرُ ويُفسد النظرَ إليهم، ويُفسد يعني القلوب، ويُكدِّرُ صفو محبتهم رضوان الله عليهم، ولهذا يقول الإمام ابن تيمية: "مِن أصول أهل السُّنَّة سلامةُ قلوبهم وألسنتهم لأصحاب الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ويعملون بقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:10] الآية"
كذلك مِن منهج أهل السّنّة والجماعة الدعاءُ لأصحابِ رسول الله، الدعاءُ لهم والترضِّي عنهم والترحُّمُ عليهم، وكذلك أمهات المؤمنين، الاعترافُ بفضلهن، وإنزالُ كلٍّ مِن الصّحابة وأزواج النبي منزلته، يعني هذا كلهُّ مُوجَبُ الإيمان بما أخبرَ الله به في كتابه، وما أخبرَ به الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كذلك من ثمراته إنزالُ كُلٍّ منزلتَه، أبو بكر أفضلُ الصّحابة، عمرٌ، ثم كذا ثم بقية العشرة، وكذلك أمهاتُ المؤمنين، أزواجُ النبي وهُنَّ زوجاته في الآخرة، وأفضلُهنَّ فلانة "عائشة وخديجة" كلُّ هذا ثمرةُ التصديق بما جاءَ في الكتابِ والسنّة.