الرئيسية/شروحات الكتب/عقيدة السلف للصابوني/(17) قوله “ويعتقدون ويشهدون أن أحدا لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسنا”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(17) قوله “ويعتقدون ويشهدون أن أحدا لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسنا”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس السّابع عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على أشرفِ الأنبياء والمرسلين، قال الإمامُ أبو عثمان الصّابوني -رحمه الله تعالى- وغفرَ له ولشيخنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين:
ويعتقدونَ ويشهدونَ أن أحدًا لا تجبُ له الجنّةُ فإن ْكان عملُه حسنًا، وطريقُه مرتضىً إلّا أن يتفضّلَ الله عليه، فيُوجبها له بمنِّهِ وفضلِه، إذ عمل ُالخيرِ الذي عملَه لم يتيسرْ له إلا بتيسيرِ اللهِ -عزَّ اسمه- فلو لم يُيسِّره له، ولو لم يهدِه لم يهتدِ له أبدًا، قال الله -عزَّ وجل-: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ في آياتٍ سواها. ويعتقدونَ ويشهدونَ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أجَّلَ لكلِّ مخلوقٍ أجلًا..

– الشيخ:
هذه أيضًا من مسائلِ عقيدة أهل السّنّة، وهي أنّهم لا يُوجبون الجنّة لأحدٍ، فلا يجب على الله إلا ما أوجبَه على نفسه، ولا ريبَ أن الله قد أوجبَ على نفسه أن يُدخل المؤمنينَ الجنة، ووعد بذلك وأخبر أنه لا يضيعُ أجرَ المحسنين، لا كما تقول المعتزلة، المعتزلة يُوجِبون على الله بعقولِهم، يقولُ..: يجب على الله أن يُثيب العاملين، أن يُثيب الطائعين، لأنَّ المذاهبَ بعضُها مبنيٌّ على بعضٍ، فهذا جائزٌ على أصلهم أنَّ أفعال العبد من قِبل نفسه، ليس لمشيئةِ الله وقدرته أثرٌ في عمل العبد. فالعلاقةُ بين العبدِ وربِّه علاقة مُعاوَضة، عمِلَ فاستحقَّ الأجرَ وجوبًا، فعندهم جزاءً بِمَا كَانوا يَعْمَلون [الأحقاف:14] الباءُ باءُ العوض، والحقُّ أنّها باءُ السبب، اللهُ يدخل المؤمنين الجنةَ بسببِ أعمالهم، لكنّهم ما دخلوها إلا برحمته، كما قال -صلّى الله عليه وسلم-: (لن يَدخلَ أحد ٌمنكم الجنّةَ بعملِه -أو لن يُدخلَ أحدكم الجنّة عملُه- قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللهُ بفضلٍ منه ورحمة) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-..
 
– القارئ: أحسنَ الله إليك، ويعتقدونَ ويشهدون أنَّ الله -عز وجل- أجَّلَ لكلِّ مخلوق أجلًا، وأن نفسًا لن تموت إلا بإذنِ الله كتابًا مُؤجَّلًا، وإذا انقضى أجلُ المرءِ فليس إلا الموتُ وليس له منه فوتٌ، قال الله عز وجل: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُون [الأعراف:34] وقال: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا [يونس:100]
ويشهدونَ أنَّ مَن ماتَ أو قُتِلَ فقد انقضى أجلُه، قال الله عز وجل: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154] وقال: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78]
ويعتقدون أنَّ اللهَ -سبحانه- خلقَ الشياطين..
– الشيخ:
إلى هنا. هذه المسألةُ ترجعُ إلى الإيمانِ بالقدرِ، وشمولِ القدر، فمِن شروطِ الإيمان: الإيمانُ بالقدر، الإيمان بأن الله قدّر مقاديرَ الخلق، وجعلَ لكلِّ شيءٍ قدرًا، فهو الذي قدّرَ الأقدارَ، وقدَّرَ الآجالَ، كلُّ شيءٍ عندَه، كلُّ شيءٍ عندَه بمقدار: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] فمن حضرَ أجلُهُ ماتَ ولابُدَّ، لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ*وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:10-11] وكذلك لا تتقدَّر، فلا يتقدمُ ما قدَّرهُ الله في حينٍ ما، فإنه لا يتقدمُ عليه ولا يتأخرُ عنه لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]
ومن فروعِ هذا الاعتقادِ أنَّ كلَّ مَن ماتَ، المقتولُ ميتٌ بأجله، يعني هذا الحكمُ عامٌّ في من يموتُ بالأسباب كادَ حتفَ أنفِه، بمرض أو بسكتة أو.. ميتٌ بأجلِه، والمقتولُ ميِّتٌ بأجلِه، خلافًا لما تزعمُه المُعتزلة يقولون: المقتول قد قُطع عليه أجلُه. سبحان الله العظيم! قُطع عليه أجله! معنى هذا أنَّ الله قدّرَ له مائة سنة، فسَطَا عليه المُجرم القاتلُ فقتله وهو بالعشرين، يعني قطعَ عليه -فوَّتَ عليه- ثمانين سنة، هل هذا مقطوعٌ عليه أجلُه؟
وهذا أيضًا فرعٌ من فروعِ قولهم أنَّ أفعالَ العباد خارجةٌ عن قدرةِ الله، فالله تعالى لا يقدرُ على أن يمنعَ هذا القاتلُ لأنَّ فعله بإرادته، فعلُه بإرادتِه المحضة، ليس لقدرةِ الله ولا لمشيئته أثرٌ على هذا الفاعل، كلُّ أفعال العبادِ من حركاتٍ، وهذا القتالُ الذي يجري بين الناس، يعني كلُّ ما يُعدُّ مِن أفعال العباد فليس بمشيئةِ الله ولا بقدرتِه -تعالى الله- وهذا فيه من الطعنِ في ربِّ العالمين، والتنقّصِ له، ما لا يخفى، يعني في هذا نسبةٌ للعجزِ إلى الله أنه عاجزٌ، وفيه إخراجٌ لكثير من الوجودِ عن ملكِه تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة