بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (عقيدة السَّلف وأصحاب الحديث) للإمام الصّابوني
الدّرس الثّامن عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، قال المصنّف -رحمه الله وغفرَ له ولشيخِنا وللحاضرين ولجميعِ المسلمين-:
ويعتقدونَ أنَّ الله خلقَ الشياطين، يُوسوسون للآدميين، ويقصدون استزلالَهم، ويترصَّدُون لهم، قال الله عز وجل: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121] وأنَّ اللهَ تعالى يُسلِّطُهم على من يشاءُ، ويعصمُ من كيدِهم ومكرِهم من يشاءُ، قال الله -عز وجلّ-: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الإسراء:64] وقال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل:100] الآية.
ويشهدونَ أنَّ في الدّنيا سِحرًا وسَحَرَة، إلّا أنَّهم لا يضرُّون أحدًا إلا بإذنِ الله، قال تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ومن سحرَ منهم واستعملَ السِّحرَ، واعتقد أنه يضرُّ أو ينفعُ بغير إذنِ الله تعالى فقد كفرَ. وإذا وصفَ ما يكفرُ به استُتيب، فإن تابَ وإلا ضُربت عنقُه، وإذا وصفَ ما ليس بكفرٍ أو تكلَّمَ بما لا يُفهَم نُهي عنه فإن عادَ عُزِّرَ. وإن قالَ: السّحرُ ليس بحرامٍ، وأنا أعتقدُ إباحتَه وجبَ قتلَه، لأنه استباحَ ما أجمعَ المسلمون على تحريمِه. ويُحرِّم أصحابُ الحديثِ المُسكرَ مِن الأشربةِ..
– الشيخ: إلى هنا، يقول المؤلف -رحمه الله- أنَّ مِن عقيدةِ أهلِ السنَّةِ أنَّ وجودَ الشّياطين، شياطين الجِن، وهذا فرعٌ من فروع الإيمانِ بوجودِ الجنِّ، فالجِنُّ عالمٌ من عالم الغيب، وهم مع الناس على هذه الأرض، ولهم خصائصُهم وطباعهم، ويتمثَّلون ويراهم الناس، إذا تمثَّلوا هذا أمرٌ معلوم، وهم لهم يعني مُكلَّفون مُتعبَّدون والآيات في هذا كثيرةٌ، ومُتوعَّدون، والآيات والشواهد على هذا كثيرةٌ من الكتاب والسُّنَّة، ولكن الجِنَّ منهم الصالح، ومنهم الكافرُ، ومنهم الشياطين المُسلَّطين على بني آدم، فما مِن مولود يُولد إلا ويُولد له قرين يُلازمه، يُوسوس له ويُزيِّنُ له الباطلَ ويدعوه إليه.
والمعروفُ أنَّ الجِنَّ هم ذريةُ إبليسَ، فإبليسُ هو أبو الجنِّ صالحُهم وفاسدُهم وطالحُهم، كما أنَّ آدمَ هو أبو الإنسِ، ولكن كلُّ هؤلاءِ الشياطين هم كفارٌ، الشياطينُ الذين يُقارنون الناس ويُوسوسون لهم، هؤلاء هم شِرَارُ الجن شياطين، اسمهم شياطين والله سمّاهم أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83] إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27]
ويذكرُ بعضُ أهل السّنّة كما هنا الإيمانَ بوجود الجنِّ وبالشّياطين ردًا على ما يقولُه بعضُ أهل الكلام: إنَّ الشّياطين الذين يُضلّون النّاسَ ليسوا أشياء قائمةً بأنفسها، وإنّما هي قوى الشّر، كما أنَّ الملائكةَ الذين يُزيِّنُون للإنسان الخير ويدعونه إليه، كما جاء في الحديث: (إنّ للمَلَك في القلب لَمَّة وللشيطان لَمَّة) فلمَّةُ الملَكِ يعني وعدٌ بالخير، أو كما جاء بالحديث، يقول: ماهي إلا قوىً خيِّرةٌ، قوى خير هي من طبعِ الإنسان، ليست أشياءَ قائمةً بأنفسِها، والتعبيرُ عنها بشياطين، والتعبيرُ عنها بالملائكة، هذا كلّه يعني من أنواعِ المجاز -كما يقولون- هذا في كثيرٍ من الأمورِ الغيبيةِ يتأوّلونَ على خلافِ ظاهرِها.
ولا شكَّ أنَّ هذا قولٌ باطلٌ مُناقِضٌ لصريح الأدلة، فالأدلة تدلُّ على أنَّ الشياطينَ والجِنَّ بشكلٍ عام إنهم عالمٌ مُتميز، وهم كما ذُكِرَ بسورةِ "الجن" منهم ومنهم، منهم الصّالح، ومنهم دون ذلك، ومنهم الفاسق، ومنهم الكافر. فهذا هو المُوجب للنصِّ على أنَّ من عقيدة أهلِ السنّة والجماعة الإيمانُ أو اعتقاد وجود الشياطين، الشياطينُ لهم حقيقةٌ، ما هم مجرد أعراض تكون في بني آدم، بل لهم حقيقةٌ، الشيطانٌ مُسلَّطٌ على الإنسان مُبتلىً به، ولكن مَن آمن بالله ورسلِه وتوكَّلَ عليه، فالله تعالى يعصمه، فأكثر ما يتسلطُ الشياطينُ على الكفار كما في الآية: أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83] وأما أهلُ العلمِ والإيمانِ فإنَّهم إذا مسّهم طائفٌ من الشيطان: تذكروا وهم يتحصنون، واللهُ أمدَّ المؤمنين بأسبابٍ تُحصِّنَهُم، تُحصِّنَهُم من شرِّ هؤلاء الشياطين، من التعوُّذات والأذكار والأدعية، ولله الحمد، في كلّ الأحوالِ في مدخلِ الإنسان، ومخرجِه، وطعامه، وشرابه، ولباسه، فهذا الذكرُ يعصمُه الله به من شرِّ الشيطان، الله أكبر، والحمد لله.
كذلك مِن عقيدة أهل السنّة والجماعة الإيمان بوجود السِّحْرِ، إنَّ السِّحر له حقيقةٌ –موجود- والآيات في هذا معروفةٌ، كما في سورةِ "البقرة" وكذلك في "قصة موسى" وهو نوعان: سحرٌ تخييلي على الأبصار، يعني ما له حقيقةٌ كما يظهرُ، فلما ألقَوا، الآيات التي فيها: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فلمّا أَلْقُوا [طه:65]
– طالب: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاس [الأعراف:116]
– الشيخ: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاس لا آية أخرى: وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى [طه:65-67] الآية.
وفي الآية الأخرى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] فهذا السحرُ تخييليٌّ، سَحَرَة فرعون سحرهم تخييلي.
ويوجد السّحرُ الحقيقي: وهو السّحرُ الذي يُغير في مِزَاجِ الإنسان ويُؤثِّرُ على يعني نفسيته، وعلى عواطفِه فيُفرِّق بين المرء وزوجه، كما قال الله: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] ولكن لا يصلُ هذا السّحر الحقيقيُّ إلى قلبِ الأعيانِ كما يُوهِمُه بعضُ ما يُذكر في الأخبارِ عن السحرةِ، لا يقلبُ الأعيان، لا يصل إلى قلبِ الخزف والتراب ذهبًا، ما هو إلا تخييلٌ، ولا يصل إلى قلبِ الإنسان إلى حيوان، هذا لا يقدِرُ عليه إلا الله، والله المُستعان. هاتِ ما عندك من أسئلة.
– طالب: هل يصلُ إلى القتلِ؟
– الشيخ: سبحان الله! نعم يصلُ إلى القتلِ وإلى فسادِ العقل، نسألُ الله ردَّ البلاءِ
– طالب: … هل يُشترط الاعتقادُ في الكفر؟
– الشيخ: لا هناك بحثٌ عندَ أهل العلم، والمؤلفُ شافعيٌّ، والمعروفُ أن الإمام الشافعي أنه يُفصِّل، يُقال إذا أُخِذَ السّاحر يُقال له صِفْ لنا سحرك، فإن ذكر -صريح في كلامِه الصابوني رحمه الله- ما يتضمنُ الشِّركَ، كان ذلك كفرًا، وإن لم يكن فيه شركٌ كان معصيةً.
وظاهرُ الآثارِ عن الصّحابة أنَّ حُكْم السّاحر القتل، كما جاءَ عن ثلاثة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر، وابنتُه، وجندبُ بن عبد الله، كما ذكرَ الشيخ محمد في كتاب "التوحيد"
– طالب: أحسن الله إليكم، هل يوجدُ سحرٌ بدون كفرٍ؟
– الشيخ: ما أدري؟ هذا شيءٌ آخر، لا تسألْني.