بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "كتاب الحج" مِن كتاب (عمدة الأحكام)
الدّرس السّابع
*** *** *** ***
الشيخ: الحمدُ لله، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبدِه ورسولِه، وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهداه إلى يومِ الدِّينِ، الحمدُ لله على تيسيرِه لهذه اللقاءاتِ المباركةِ، نسألُ اللهَ أن ينفعنا وإيَّاكم؛ فهي اجتماعاتٌ على خيرٍ، اجتماعاتٌ على طلبِ العلم، العلم الصحيح، العلمُ المستمدُّ من كتابِ اللهِ ومن سنَّةِ رسولِه -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وقد جاءَتْ الأدلَّةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ في فضلِ العلمِ والعلماءِ وأهلِ العلمِ وطلابِ العلمِ، فينبغي أن يُعلَمَ أنَّ المرادَ بالعلمِ في هذه النصوصِ هو العلمُ المستمَدُّ من كتابِ اللهِ ومن سنَّةِ رسولِه، علمُ الوحي، العلمُ الموروثُ، ميراثُ النبوَّةِ، وإنَّما، (وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ).
وزكريا عليه السلامُ يقولُ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[مريم:5-6]، أتراهُ يريدُ من يرثُه مالاً؟ لا، يريدُ ميراثَ العلم وميراثَ النبوَّة، عليهم الصلاةُ والسلامُ.
ومن تيسيرِ اللهِ -سبحانه وتعالى- أنَّ هذه الدورةَ في هذا المسجدِ، يعني قدَّرَ اللهُ ويسَّرَ اللهُ لها الاستمرارَ، ولعلَّ هذه الدورةَ، مدري الرابعة العشرين، نعم يا شيخ فهد؟ ها؟
طالب: … والعشرين.
الشيخ: اللهُ أكبرُ، الحمدُ لله، يعني تعني أربع وعشرين سنةً، وفَّقَ اللهُ الجميعَ، نسألُ اللهَ التيسيرَ، نسألُ اللهَ أن يوفِّقَ القائمينَ عليها بالترتيبِ والتنظيمِ وتهيئةِ الأسبابِ والمعين عليها بكلِّ جهدٍ، والمشاركين فيها.
وقد اخترْتُ لكم في العامِ الماضي لموضوعِ المشاركةِ، اخترْتُ لكم موضوعَ المشاركةِ أحاديث الحجِّ من عمدةِ الأحكامِ، للإمامِ عبد الغنيِّ بنِ عبدِ الواحدِ بنِ سرورِ المقدسيِّ -رحمه الله-، وهو كتابٌ عظيمٌ معروفٌ، انتقاهُ المؤلِّفُ من البخاريِّ ومسلمٍ، وشَرَطَ، شَرَطَ فيه أنْ يكونَ من، أن تكونَ، أو أن يكونَ ما يذكرُه من المتفقِ عليهِ، يعني ممَّا خرَّجَه البخاريُّ ومسلمٌ، وقد يسَّرَ اللهُ أن كتبْتُ فوائدَ على هذه الأحاديثِ، يعني فوائدُ مستنبطةٌ تُقرِّبُ معنى الحديثِ وتُسهِّلُ شرحَ هذه الأحاديثِ.
والمقصودُ من الأحاديثِ دائماً هي ما يدلُّ عليه من المعاني والفوائدِ، على اختلافِ يعني ما تتعلَّقُ بهِ، وأكثرُ ما تتعلَّقُ به فوائدُ، أحاديثِ الأحكامِ تكونُ فوائدُها تتعلَّقُ بالأحكامِ، أحكامِ العباداتِ والمعاملاتِ، أحكامِ العباداتِ وأحكامِ المعاملاتِ، يعني: أحكامِ أفعالِ المُكلَّفين؛ وهذه الفوائدُ المستنبطةُ هي الفقهُ، هي فقهُ الأحاديثِ، الفوائدُ المستنبطةُ هي فقهُ الأحاديثِ.
وقد كانَتْ الدورةُ السابقةُ في الأحاديثِ الأولى من كتابِ الحجِّ، وأظنُّها بلغَتْ خمسةَ عشرَ حديثاً، وانتهيْنا فيما قرأْناهُ في العامِ الماضي إلى بابِ: دخولِ مكَّةَ، فكأنَّنا -وللهِ الحمدُ- كأنَّنا سرْنا إلى أن وصلْنا، إلى أن وصلْنا مكَّةَ، وبقيَ علينا الدخولُ، ونحنُ اليومَ نستعرضُ الأحاديثَ الَّتي ذكرَها المؤلِّفُ في هذا البابِ، بابُ دخولِ مكَّةَ.
ودخولُ مكَّةَ له يعني أحكامٌ وسننٌ، فمن أجلِ ذلك عقدَ المؤلِّفون في أحاديثِ الأحكامِ، والمؤلِّفون في الفقهِ عقدُوا باباً لدخولِ مكَّةَ، كيف يكونُ دخولُ مكَّةَ؟ وما الَّذي دلّتْ عليه السُّنَّةُ في هذا؟
فالرسولُ حجَّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- وبَيَّنَ للناسِ المناسكَ، خرجَ من المدينةِ، ونزلَ بذي الحليفةِ، وأحرمَ هو وأصحابُه، وذلك في حجَّةِ الوداعِ، ومضى حتَّى وصلَ مكَّةَ، وباتَ بذي طُوى، ثمَّ اغتسلَ بذي طُوى، وهو الَّذي يُسمَّى الآنَ في مكَّة يعني "الزاهر" -أظنُّه هكذا-، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه؛ فنقرأُ معَكم في هذا اللقاءِ وفي هذه الدورةِ ما تضمَّنَهُ هذا البابُ من الأحاديثِ، وكذلكَ البابُ الَّذي بعدَه إذا تيسَّرَ إنْ شاءَ اللهُ، واللهُ أعلمُ.
يتفضَّلُ الأخُ حسينُ يقرأُ لنا المقدِّمةَ، نعم، تفضِّل يا أخ حسين.
القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهم اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ والمسلمينَ أجمعينَ.
قالَ المؤلِّفُ –رحمَنا اللهُ وإيَّاهُ وجميعَ المسلمينَ-: بابُ دخولِ مكَّةَ وغيرِهِ.
الشيخ: بابُ دخولِ مكَّةَ وغيرِهِ، يعني قولُه: وغيرِهِ، معناهُ أنَّه سيتعرَّضُ ويذكرُ أحاديثَ يعني تتعلَّقُ بغيرِ دخولِ مكَّةَ من أعمالِ الحجِّ، لكنَّ المحورَ الأوَّلَ هو ما يتعلَّقُ بدخولِ مكَّةَ، بابُ دخولِ مكَّةَ وغيرِهِ، وغيرِهِ ماذا؟ الضميرُ يعودُ إلى الدخولِ، بابُ دخولِ مكَّةَ يعني فكأنَّه قالَ: بابُ ما جاءَ في السُّنَّةِ ممَّا يتعلَّقُ بدخولِ مكَّةَ، وما يتعلَّقُ بغير دخولِ مكَّةَ من أعمالِ الحجِّ ومناسكِهِ، نعم.
القارئ: قالَ الشَّارحُ –حفظَهُ اللهُ تعالى-: أي: هذا بابُ ذكرِ ما يتعلَّقُ بصفةِ دخولِ مكَّةَ، وما يفعلُهُ الداخلُ في حجٍّ أو عمرةٍ، وقد تضمَّنَ هذا البابُ ثمانيةَ أحاديثَ تتعلَّقُ في جملةٍ مِن أبوابِ أحكامِ الحجِّ والعمرةِ، ويتبيَّنُ هذا بذكرِ الفوائدِ المستنبطةِ مِن هذهِ الأحاديثِ.
الشيخ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، هذا هو المقصودُ بيانُ صفةِ دخولِ مكَّةَ كيفَ يكونُ دخولُ مكَّةَ؟ قلْنا: أنَّه -عليه الصلاةُ والسلامُ- لما وصلَ إلى مكَّةَ باتَ بذي طُوى، واغتسلَ لدخولِ مكَّة؛ لأنَّه سيبدأُ بالطوافِ..
واللهُ تعالى يقولُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]، في كلِّ أقوالِهِ وأعمالِهِ، والاقتداءُ به –صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ- هو اتِّباعُه فيما، الاقتداءُ به في أفعالِهِ، والامتثالُ لأوامرِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ونواهيه، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب:21]، {مَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}: هم الَّذين يتحرَّونَ سنَّةَ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ويقتدون به ويتتبعون سيرتَهُ -عليه الصلاةُ والسلامُ-، ويعملون بإرشاداتِه من الأوامرِ والنواهي في كلِّ الشؤونِ في العباداتِ وفي المعاملاتِ وفي الأخلاقِ، فهو إمامُ المهتدين، وإمامُ المتَّقين -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ- به يقتدون وبهديه يهتدون، وخيرُ الهدي هديُ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، نعم تفضَّل يا حسينُ.
القارئ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ).
الشيخ: اللَّهم صلِّ على محمَّدٍ، هذا، هذا الحديثُ تضمَّنَ شيئاً من خبرِ غزوةِ الفتحِ، فإنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لما نقضَ أهلُ مكَّةَ العهدَ -نقضُوا الصلحَ- غزاهم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ– في رمضانَ، غزاهم في رمضانَ –عليه الصلاةُ والسلامُ- وقد نصرَهُ اللهُ عليهم، وفتحَ اللهُ عليهِ مكَّةَ، فسُمِّيَ ذلك العامُ: عامَ الفتحِ، يعني: عامَ فتحِ مكَّةَ، فتحَ اللهُ عليه مكَّةَ وأباحَها، وأباحَها له –عليه الصلاةُ والسلامُ- بعدَ أنْ كانتْ حراماً، كانتْ حراماً منذُ أنْ خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ.
فممَّا جرى في هذه الغزوةِ أنَّ الرسولَ دخلَ، دخلَ مكَّةَ وعلى رأسِهِ المِغْفرُ، المِغْفرُ هو يُسمَّى البيضةُ، وهو ما يُوضَعُ، أو ما يكونُ على الرأسِ من الدرعِ، الدرعُ لباسٌ من حديدٍ يُتَّقَى، تُتَّقَى به السهامُ والسلاحُ، ومن أجزاءِ الدرعِ البيضةُ وهي المِغْفرُ، سُميَ مِغْفراً؛ لأنَّه يسترُ الرأسَ ويقي الرأسَ.
فدخلَ الرسولُ -عليه الصلاةُ والسلامُ- وعليه، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فعُلِمَ من ذلكَ أنَّه لم يكنْ مُحْرِمَاً -عليه الصلاةُ والسلامُ-، فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ، يعني: وصلَ، واستقرَّ في منزلِه بمكَّة -عليه الصلاةُ والسلامُ- أتاه رَجُلٌ فَقَالَ: يا رسولَ اللهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ.
ابنُ خَطَلٍ هذا أسلمَ ثمَّ ارتدَّ -كما سيُشارُ إليه في فوائدِ هذا الحديثِ-، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فإنَّه أسلمَ ثمَّ ارتدَّ، وكانَتْ له جاريتانِ تغنِّيانِ بهجاءِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ.
وذلك في الساعةِ الَّتي أحلَّ اللهُ فيها لنبيِّه، أحلَّ فيها مكَّة، يعني أباحَ له القتالَ والقَتلَ، أباحَ له القَتلَ والقتالَ فيها، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ حرَّمَ مكَّةَ يومَ خلقَ السمواتِ، يومَ خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ، ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وإنَّما أُحلَّتْ لي ساعةً مِن نهارٍ). وهي الساعةُ الَّتي دخلَ فيها مكَّةَ، تلك الساعةُ، في ذلك اليومِ، يوم الفتح، نعم.
القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ-.
الشيخ: لا يا أخي الفوائد، اقرأ الفوائدَ.
القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ.
الشيخ: هي المحورُ.
القارئ: الحديثانِ ثمَّ ذُكِرَتْ الفوائدُ.
الشيخ: ها، يعني معك حديثان سوا؟
القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، نعم.
الشيخ: منظوماتٌ يعني في سياقٍ واحدٍ؟
القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليكَ.
الشيخ: نعم؟
القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليكَ.
الشيخ: نعم، تفضَّل.
القارئ: وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهما-: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى).
الشيخ: هذا فيه ذِكرُ مَدخلِ النبيِّ ومَخرجِهِ من مكَّةَ، دخلَها -دخلَ مكَّةَ- مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا ويقال لها: كَدَاءٍ، بالفتحِ، بفتح الكافِ، وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، وهي كُدَاءٌ، ولهذا استحبَّ يعني بعضُ أهلِ العلمِ دخولَ مكَّةَ من أعلاها؛ لأنَّ كَداءَ هي من أعلى مكَّة؛ ولهذا قالَ: مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، بطحاءِ مكَّةَ، فهذا من صفةِ دخولِ مكَّةَ، فعلاقتُه في، مناسبتُه للترجمةِ ظاهرةٌ، فيها بيانٌ من أينَ تُدخَلُ مكَّةَ؟ بعضُهم يَستحبُّ دخولَها من أعلاها، وبعضُهم يرى أنَّ هذا لم يكنْ على وجهِ التشريعِ، لم يدخلْ مكَّةَ على وجهِ التعبُّدِ، إنَّما كانَ هذا هو المناسبُ لطريقِه، واللهُ أعلمُ، نعم.
القارئ: قالَ الشَّارحُ -حفظَهُ اللهُ-: تضمَّنَ هذانِ الحديثانِ هديَهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في دخولِ مكَّةَ والخروجِ منها.
الشيخ: هذا مأخوذٌ من حديثِ ابنِ عمرَ، هديه -صلَّى الله عليه وسلَّم- في دخولِ مكَّةَ والخروجِ منها، وقد تبيَّنَ أنَّه أنَّ هديَه أن يدخلَها من أعلاها ويخرجَ من أسفلِها، نعم.
القارئ: وفي الحديثينِ فوائدُ منها:
أوَّلاً: جوازُ دخولِ مكَّةَ بغيرِ إحرامٍ لمن دخلَها لقتالٍ مُباحٍ؛ لأنَّهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دخلَ مكَّةَ عامَ الفتحِ –أي: فتحُ مكَّةَ- وعلى رأسِهِ المِغْفرُ.
الشيخ: هذه الفائدةُ ظاهرةٌ، أنَّه لا يجبُ الإحرامُ على كلِّ من قصدَ مكَّةَ، لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ، إنَّما يجبُ الإحرامُ لمن قصدَها حاجَّاً أو مُعتمِراً، أمَّا من قصدَها لغيرِ ذلك، أمَّا مَن قصدَها لغيرِ ذلك فلا يجبُ عليه الإحرامُ، فالرسولُ دخلَها مقاتلاً للكفَّارِ، فلهذا لم يكنْ مُحرِماً، لم يكنْ مُحرِماً بل دخلَها وعلى رأسِه المِغْفرُ، فعُلِمَ بذلك أنَّه لم يكنْ مُحرماً؛ لأنَّ المُحرمَ منهيٌّ عن تغطيةِ رأسِهِ.
واتَّفقَ العلماءُ على ذلكَ لمن دخلَها لقتالٍ، مَن دخلَ مكَّة لقتالٍ فإنَّه لا يجبُ عليه الإحرامُ، أمَّا من دخلَها لغيرِ قتالٍ، ولم يكنْ من أهلِ التّرْدَادِ ففيه خلافٌ:
فمن أهلِ العلمِ من يقولُ: أنَّه يجبُ عليه، يجبُ على كلِّ داخلٍ أو قاصدٍ لمكَّة ألَّا يدخلَها إلَّا محرماً بحٍّج أو عمرةٍ، ولكنَّ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: "يُهِلُّ أهلُ المدينةِ من ذي الحليفةِ، وأهلُ الشَّامِ من الجُحفةِ …" الحديث، قالَ: "هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ أو العُمْرَةَ" فخصَّ هذا الحكم –وهو الإهلالُ بالحجِّ أو العمرةِ- خصَّه بمن أرادَ، ممَّن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ، فمن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ فلا يجوزُ له أنْ يتجاوزَ الميقاتَ إلَّا بإحرامٍ؛ أمَّا من لم يُرِدْ حجَّاً ولا عمرةً، بل أرادَ يعني حاجةً من الحاجاتِ الحياة كالتجارةِ والزيارةِ، فلا يجبُ عليه الإحرامُ، هذا هو الصحيحُ، نعم.
القارئ: لأنَّهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دخلَ مكَّةَ عامَ الفتحِ -أي: فتحُ مكَّةَ- وعلى رأسِهِ المِغْفرُ وهوَ ما يغطِّي الرَّأسَ مِن الدِّرعِ، ويُقالُ لهُ: البيضةُ، والمُحرِمُ لا يُغطِّي رأسَهُ فعُلِمَ أنَّهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- غيرُ مُحرِمٍ.
الشيخ: نعم في هذا الدخولِ عُلِمَ من حالته ولُبسِه المـــِغفرَ أنَّهُ في هذا الدخولِ لم يكنْ محرماً، فعُلِمَ جوازُ دخولِ مكَّةَ من غيرِ إحرامٍ، لمن لم يقصدْ حجَّاً ولا عمرةً، ولا سيَّما إذا دخلَها للقتالِ، نعم.
القارئ: ثانياً: أنَّهُ لا يجبُ الإحرامُ على كلِّ داخلٍ لمكَّةَ.
الشيخ: هذه هي الفائدةُ، يعني الفائدةُ الأولى هي يعني مضمونُها معرفةُ ما كانَ عليه الرسولُ –عليه الصلاة والسلام- عند دخولِ مكَّةَ، فَعَلِمْنا من هذا الحديثِ أنَّه دخلَ مكَّةَ من غيرِ إحرامٍ، دخلَها وعلى رأسِه المغفر، هذه هي الفائدةُ، فائدةٌ تتعلَّقُ بمعرفة هديه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسيرته.
أمَّا الفائدةُ الثانيةُ فتتعلَّقُ يعني بسائرِ الناسِ، فنأخذُ من فعلِه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه لا يجبُ على سائرِ الناسِ الإحرام لدخولِ مكَّةَ.
فيجبُ الفرقُ بين المعنين؛ المعنى الأوَّلُ: يتعلَّقُ بمعرفة سيرته وما كانَ عليه عندَ دخولِ مكَّةَ، الثانية: تتعلَّقُ بالحكم، حكمُ دخولِ مكَّة من غيرِ إحرامٍ، هذا الحكمُ مأخوذٌ من هديه -عليه الصلاة والسلام-، مستنبطٌ من هديه -عليه الصلاة والسلام-.
فالفائدةُ الثانيةُ راجعةٌ إلى الفائدةِ الأولى، الفائدةُ الأولى هي الدليلُ، هي الدليلُ على المسألةِ الثانيةِ، هي الدليلُ، نقولُ: لماذا لا يجبُ الإحرامُ على كلِّ داخلٍ لمكَّةَ؟ بدليلِ أنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- دخلَ مكَّةَ عامَ الفتحِ وعلى رأسِهِ المـــِغفرَ.
إذاً الفائدةُ الأولى ترجعُ إلى معرفةِ حالِهِ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- عندَ دخولِ مكَّةَ عامَ الفتحِ، فالفائدةُ الثانيةُ هي الحكمُ المستفادُ من هذا الفعلِ وهو عدمُ وجوبِ الإحرامِ على كلِّ داخلٍ لمكَّةَ. أعدِ الفائدةَ الثانيةَ.
القارئ: أنَّهُ لا يجبُ الإحرامُ على كلِّ داخلٍ لمكَّةَ.
الشيخ: تمام، هذه الأولى، هذه الفائدة مستنبطةٌ من المعنى الأوَّل أو الفائدة الأولى، نعم.
القارئ: ثالثاً: أنَّ ابنَ خَطَلٍ -واسمُهُ عبدُ العُزَّى- ممَّن أهدرَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دمَهُ؛ ولذا أمرَ بقتلِهِ وإنْ كانَ متعلِّقاً بأستارِ الكعبةِ، يظنُّ أنَّ ذلكَ ينجيهِ، وسببُ ذلكَ.
الشيخ: إلى آخره، إلى آخره، المقصودُ من الفوائدِ أنَّ ابنَ خَطَلٍ واسمُهُ عبدُ اللهِ، -واسمُهُ عبدُ العُزَّى- أهدرَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- دمَه، أهدرَه يعني أباحَ دمَه، يعني فلا، فمن قتلَه فلا يُؤخَذُ به، إذا قيلَ: دمُه هَدَرٌ، يعني لا، قتلُه لا يوجبُ قصاصاً ولا ديَّةً، ولا شيئاً.
وقد أهدرَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- دمَ جماعةٍ في هذا اليومِ، فنستفيدُ من هذا الحديثِ أنَّ ابنَ خَطَلٍ هو ممَّن أهدرَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- دمَه، وإنْ كانَ متعلِّقاً بأستارِ الكعبةِ، لماذا تعلَّقَ بأستارِ الكعبةِ؟ لأنَّه يظنُّ أنَّ تعلُّقَه بأستارِ الكعبةِ يحميهِ ويوجبُ حرمةً، أو زيادةً في حرمةِ دمِه، ولكن ذلك ظنٌّ خاطئٌ، فقالوا له: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. قَالَ: اُقْتُلُوهُ، يعني وإنْ كانَ متعلِّقاً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، نعم.
القارئ: وسببُ ذلكَ أنَّهُ أسلمَ وارتدَّ عن الإسلامِ.
الشيخ: هذا سببُ إهدارِ دمِه من بينِ الناسِ، الرسولُ لما يعني فتحَ اللهُ مكَّةَ أمَّنَ الناسَ كلَّهم، أمَّنَ الناسَ، وقالَ: (مَن دخلَ المسجدَ فهو آمنٌ)، مَن دخلَ المسجدَ بس، مَن دخلَ المسجدَ فهو آمنٌ، ومن دخلَ، (من أغلقَ بابَه فهو آمنٌ، ومَن دخلَ بيتَ أبي سفيانٍ فهو آمنٌ)، فأمَّنَ الناسَ كلَّهم.
لكنَّ ابنَ خَطَلٍ ما هو، ليسَ في المسجدِ فقط، بل هو في المسجدِ ومتعلِّقٌ بكسوةِ الكعبةِ، بأستارِ الكعبةِ، ومع ذلك أهدرَ النبيَّ، إذاً فما السببُ؟
السببُ أنَّه أسلمَ وارتدَّ عن الإسلامِ، إلى أخرِه -كما سيأتي-، اقرأْ: وسببُ ذلكَ.
القارئ: وسببُ ذلكَ أنَّهُ أسلمَ وارتدَّ عن الإسلامِ وكانَتْ لهُ جاريتانِ تغنِّيانِ بهجاءِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وكانَ قتلُهُ في السَّاعةِ الَّتي أحلَّ اللهُ فيها لنبيِّهِ مكَّةَ.
الشيخ: نعم، هذا هو سببُ إهدارِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- دمَ ابنَ خطلٍ، أنَّه أسلمَ ثمَّ ارتدَّ، وغالى في الكفر، زادَ في الكفر، لما ارتدَّ زادَ، كانتْ له جاريتان تغنيان بسبِّ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بهجاءِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، تغنيان بهجاءِ النبيِّ –عليه الصلاة والسلام-، فالرسولُ أمرَ بقتلِه وبقتلهما، ونقول: وذلك في الساعةِ الَّتي أباحَ اللهُ، أحلَّ اللهُ فيه مكَّةَ للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وقلْنا: أنَّه أمَّنَ الناسَ إلَّا جماعةً، منهم ابن خَطَل، فقد أهدرَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- دمَه وأمرَ بقتلِه معَ أنَّه قد تعلَّقَ بسببٍ عظيمٍ، لكنَّ هذا السببَ لا يجدي على مثله شيئاً، نعم.
القارئ: رابعاً.
الشيخ: قل: وسببُ ذلك.
القارئ: وسببُ ذلكَ أنَّهُ أسلمَ وارتدَّ عن الإسلامِ وكانَتْ لهُ جاريتانِ تغنِّيانِ بهجاءِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وكانَ قتلُهُ في السَّاعةِ الَّتي أحلَّ اللهُ فيها لنبيِّهِ مكَّةَ.
الشيخ: اللهم صلِّ على، نعم.
القارئ: رابعاً: أنَّ التَّعلُّقَ بأستارِ الكعبةِ لا يمنعُ مِن قتلِ مَن وجبَ قتلُهُ.
الشيخ: نعم، التعلُّقُ ودخولُ الحرمِ ودخولُ المسجدِ أو دخولُ مكَّةَ، مَن وجبَ عليه القتلُ فإنَّه لا يعيذُه البيتُ فلا يحميه؛ لأنَّه، لأنَّ من تعظيمِ البيتِ إقامةُ الحدودِ، فيجوزُ يعني جلدُ الزاني ورجمُ الزاني وإنْ كانَ في مكَّةَ.
وما سيأتي من أنَّه –عليه الصلاة والسلام- نهى أن يُسفَكَ فيها دمٌ، نهى أنْ يُسفَكَ، هذا مخصوصٌ بالأدلَّةِ الدالَّةِ إباحة يعني الدالة على وجوبِ إقامةِ الحدودِ والقصاصِ، فمن وجبَ قتلُه جازَ وإنْ كانَ بمكَّةَ، وإن كانَ في المسجدِ، وإن كانَ متعلِّقاً بأستارِ الكعبةِ، نعم.
القارئ: خامساً: أنَّ فِعْلَ الأسبابِ لا ينافي التَّوكُّلَ.
الشيخ: هذا في الحقيقةِ رجعَ إلى حديثِ أنس، أنَّ فعلَ الأسبابِ لا ينافي التوكُّل، راجعٌ إلى ما جاءَ في حديث أنس أنَّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- دخلَ مكَّةَ وعلى رأسِه المِــغفر، فوضعَ المِــغفرَ لِمَ؟ لوقايةِ الرأسِ من الضربات من ضربِ السهامِ أو السيوفِ، والرسولُ-عليه الصلاة والسلام- إمامُ المتوكِّلين، إمامُ المتوكِّلين على الله، ومع ذلك اتَّخَذ الدرعَ، وكانَ في بعضِ الأيامِ ظاهرٌ بينَ درعين، فعُلِمَ بذلك أنَّ فعلَ الأسبابِ لا ينافي التوكُّلَ، بل تركُ الأسبابِ هذا من العجزِ، (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ)، افعل الأسبابَ الواقيةَ من الأخطارِ والأَضرارِ وتوكَّل على اللهِ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ.
أنَّ فعلَ الأسبابِ لا ينافي التوكُّل، هذا مأخوذٌ من لُبسِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- للدرعِ ولُبسُه للبيضةِ كما ذُكِرَ في حديث أنس أنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- دخلَ مكَّةَ وعلى رأسِهِ المِــغفرُ.
ويظهرُ أنَّه لابسٌ للدرع لكن كأنَّ أنس –رضيَ الله عنه- أرادَ أن ينصَّ على ذلك؛ ليبيِّنَ أنَّه لم يكنْ محرماً وعلى رأسِه المِــغفرُ، فالظاهرُ أنَّ المِــغفرَ لا يُلبَسُ وحدَه بل كانَ لابساً للدرعِ ومنه المِــغفر، فكانَ على رأسِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، نعم.
القارئ: سادساً: تَحـتُّمُ قتلِ السَّابِّ، أي: سابِّ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
الشيخ: تَحـتُّمُ قتلِ السابِّ، سابِّ النبيِّ يتحتَّمُ قتلُه، لا، ولا تُقبَلُ توبتُه إن صحَّ، إن صدقَ في توبته نَفَعَتْه فيما بينَه وبينَ الله، لكنَّها لا تعصمُه من الحدِّ وهو القتلُ، وفاءً لحقِّ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
تَحـتُّمُ يعني: أنَّه لا خيارَ فيه، فقتلُ السابِّ، سابِّ النبيِّ، سابِّ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قتلُه حتمٌ لازمٌ، تَحـتُّمُ قتلِ السابِّ، أي: السابِّ للنبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
القارئ: سابعاً: استحبابُ دخولِ مكَّة مِن أعلاها؛ لأنَّهُ مِن هديهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دخولُ مكَّةَ مِن كَدَاءٍ، وهيَ الثنيَّةُ العُليا، وفي الخروجِ يخرجُ مِن أسفلِها.
الشيخ: هذا تقدَّمَتْ الإشارةُ إليه، وتقدَّمَتْ الإشارةُ إلى الخلافِ في هذه المسألةِ: هل النبيُّ فعلَ هذا يعني تعبُّداً فيُتحرَّى هذا الفعلُ؟ أم إنَّه يعني دخلَ مكَّةَ من أعلاها؛ لأنَّها هذه الثنية هي المواتيةُ لطريقه الَّذي جاءَ منه –عليه الصلاة والسلام-؟
وهذه المسألةُ تشبهُ نزولَهُ بالمـــُحَصَّبِ في اليومِ الثالث عشر من ذي الحجَّة، لما خرجَ، لما أنهى المناسكَ ورجعَ من مِنى إلى مكَّةَ نزلَ بالمـــُحَصَّبِ وباتَ فيه ثمَّ رحلَ منه آخرَ الليلِ، فنزولُه بالمـــُحَصَّبِ مختلفٌ فيه، هل نزولُه سُنَّةٌ فيُتحرَّى، أم إنَّه نزلَه لأنَّه أسمحُ لخروجه؟ محلُّ تردُّد، ومحلُّ نظرٍ، واللهُ أعلمُ.
ومن تيسَّرَ له هذا من دونِ مشقَّةٍ ولا كلفةٍ فتحريهِ حسنٌ، تحرّي دخولِ مكَّة من أعلاها، لكن من الناسِ من يأتي من جهةِ الطائفِ ومنهم من يأتي من جهةِ جُدَّة، فالطرقُ مختلفةٌ فلا يتكلَّفُ الإنسانُ أنَّه يدور من أجل أن يدخلَ من ذلك الطريقِ، نعم.
القارئ: ثامناً: فيهِ شاهدٌ لهديهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في مخالفةِ الطريقِ في العبادةِ.
الشيخ: نعم كما جاءَ في حديثِ صلاةِ العيدين، أنَّه كانَ -عليه الصلاة والسلام- إذا خرجَ إلى الــمُصلَّى يخرجُ من طريقٍ ويرجعُ من طريقٍ، وهذا واضحٌ في هديه -عليه الصلاة والسلام- في تحرّي مخالفةِ الطريقِ ذهاباً وإياباً كما فعلَ ذلك في ذهابِه إلى عرفةَ ورجوعِه منها، وهكذا في خروجِه للــمُصلَّى في العيدين يخرجُ من طريقٍ ويرجعُ من طريقٍ.
ففي الحديثِ، في هذا الحديث -حديث ابن عمر- أنَّه عليه الصلاة والسلام دخلَ مكَّةَ من أعلاها من كَداءٍ من الثنيةِ العليا، الَّتي في البطحاء، فيه شاهدٌ لهذا الهدي وهو مخالفةُ الطريقِ في العبادات.
ولكنَّ الّذي يظهرُ -واللهُ أعلمُ- هو الاقتصارُ على ما وردَ، نعم.
القارئ: وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهما- قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ– الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَلَمَّا فَتَحُوا: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلالاً، فَسَأَلَتْهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ).
الشيخ: تضمَّنَ هذا الحديثُ الخبرَ عن دخولِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الكعبةَ، ومتى كانَ هذا؟ كانَ هذا أيضاً عامَ الفتحِ، دخلَها هو وبلالٌ وأسامةُ بنُ زيدٍ، فجاءَ في الرواياتِ أنَّه يعني كبَّرَ في نواحي البيتِ وصلَّى فيه ركعتين –كما في هذا الحديثِ-.
واختلفَت الروايةُ عن أسامةَ وعن بلالٍ، فأسامةُ قالَ: "لم يصلِّ"،ِ وبلالٌ قالَ: "إنَّه صلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ"، ولهذا كانَ الصوابُ أنَّ هو استحبابُ الصلاةِ فيها لمن دخلَها، فمن دخلَها استُحِبَّ له أن يصلِّي فيها، ولم يكنْ دخولُها سُنَّةً يعني مطَّردةً دائمةً، لكنَّ دخولَها جائزٌ وحسنٌ، ومن تهيَّأَ به الدخولُ فإنَّه يُستحَبُّ له أن يصلِّي فيها، ويكبِّرَ، ومن لم يتهيَّأَ له فلا حرجَ عليه، ويجزئُه عن دخولِ الكعبةِ أن يصلِّي في الحِجرِ.
ولم يكنْ دخولُ الكعبةِ يعني من الأمورِ الَّتي يُرَغَّبُ فيها، فإنَّ الرسولَ لم يندبْ الناسَ لدخولِ الكعبةِ، وهذا من لطفِ اللهِ، لو ندبَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أو أرشدَ إلى دخولِ الحاجِّ الكعبةَ لكانَ على الناسِ يعني حرجٌ عظيمٌ، انظرْ إلى الناسِ كيف يتقاتلون على الحَجَرِ، وماذا يحصلُ لهم؟! فكيف لو استُحِبَّ لهم، لو قيلَ باستحبابِ دخولهم الكعبةَ ماذا يصنعون؟
فمن رحمةِ اللهِ أنَّه لم يجعلْ دخولَ الكعبةِ من المناسكِ، ليسَ هو من مناسكِ الحجِّ، يعني لا نقولُ: من سننِه، ولا من سننِه، لا من أركانِه ولا واجباتِه ولا من سننِه، إنَّما النبيُّ –عليه الصلاة والسلام- دخلَ مكَّة، دخلَ الكعبةَ، في عامِ الفتحِ ولمصالح، وشاهد ما شاهد في الكعبةِ من، ممَّا صوَّره المشركون، فقد صوَّروا إبراهيمَ وإسماعيلَ يستقسمان بالأزلامِ، وكذَّبَهم النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- وقال: كذبُوا، المشركونَ كذبُوا ما استقسمَ إسماعيلُ وإبراهيمُ بالأزلامِ، وأمرَ بغسلِ تلكَ الصورِ وإزالتِها وطمسِها.
لكن من تهيَّأَ له الدخولُ كما يحصلُ أحياناً، كما يحصلُ أحياناً، فإنَّه إذا تيسَّر له من غيرِ تكلُّفٍ ولا مشقَّةٍ، ولا إشقاقٍ على الآخرين فإنَّه يصلِّي ويكبِّر، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. وأمَّا اختلافُ بلالٍ وأسامةَ في هل صلَّى النبيُّ أم لم يُصلِّ؟
فالقاعدةُ المقرَّرةُ عندَ أهلِ العلمِ أنَّ الــمُثبِتَ مقدَّمٌ على النافي؛ لأنَّ الــمُثبِتَ عندَه مزيدُ علمٍ، فأسامةُ لعلَّه لم يرَ النبيَّ –عليه الصلاة والسلام- وهو يصلِّي، لعلَّه كانَ مشغولاً في بعضِ الأمورِ يعني المتعلِّقة بالبيتِ، فابنُ عمرَ –رضي الله عنه- من حرصِه على العلمِ، من حرصِه على العلمِ دخلوا وما طلبَ الدخول ولا غيره من الصحابة، يعني ما ذهبوا يتنافسون ويقفون عندَ البابِ ويطالبون بالدخولِ أو يطلبون من النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- أن يدخلوا، لا. لكن يقولُ: لما خرجَ ابتدرَ ابنُ عمرَ، بادرَ وسألَ بلالاً: هل صلَّى النبيُّ؟ هو يريدُ، يريدُ القدوةَ، يريدُ الأسوةَ بالنبيِّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ: نعم، صلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ. أعدِ الحديثَ.
القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهما- قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ– الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ.
الشيخ: عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ معهم؛ لأنَّه صاحبُ الحِجابةِ، صاحبُ سِدانةِ البيتِ، وهو صاحبُ المفتاحِ، فدخلَ معهم، كما يفعلُ الآن آلُ شيبةَ الَّذين يعني آلَ إليهم أمرُ سِدانةِ البيتِ وهم من ذريَّةِ بني عبدِ الدارِ، الَّذين لهم الحِجابةُ لهم سِدانةُ البيتِ، وهو يدخلُ؛ لأنَّ المفتاحَ، لأنَّه المتولِّي للمفتاحِ، ويُطلَبُ منه فتحُ البيتِ عندَ الحاجةِ، نعم.
القارئ: فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ.
الشيخ: فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ، أَغْلَقُوا الْبَابَ؛ لأنَّ، لأنَّه لو دخلَ الناسُ مع النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- لكان في ذلك زِحامٌ ومشقَّةٌ، وحصلَ الأذى بسببِ تزاحمِ الناسِ.
أَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ، فصلَّى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- ثمَّ خرجوا، يقولُ ابنُ عمرَ، نعم.
القارئ: فَلَمَّا فَتَحُوا: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ.
الشيخ: أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، هذا يعني أنَّه لما فتحُوا البابَ يعني كأنَّه أُذِنَ لمن شاءَ أن يدخلَ، أوَّل من، أمّن من، أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، هذا يعني أنَّه بعد دخولِهم أُذِنَ للناسِ بالدخول، ومعنى ذلك: أنَّ الرسولَ خرجَ، لما فتحُوا البابَ خرجَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه، ومن كانَ معَه، نعم.
القارئ: فَلَمَّا فَتَحُوا: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ. فَلَقِيتُ بِلالاً، فَسَأَلَتْهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ).
الشيخ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، يعني الكعبةُ الظاهرُ تقومُ على ستةِ عُمُدٍ -فيما أذكرُ- يعني متسلسلةٌ من الشمالِ إلى الجنوبِ، من الشمالِ إلى الجنوبِ، فهناك عمودانِ للشمالِ، وعمودانِ، ثمَّ عمودانِ يليانِ الجهةَ اليمانيَّةَ، يعني يليانِ ما بينَ الركنِ اليمانيِّ والحَجَرِ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ تحديداً، نعم.
القارئ: قالَ الشَّارحُ -حفظَهُ اللهُ-: هذا الحديثُ أصلٌ في حكمِ دخولِ الكعبةِ والصَّلاةِ فيها.
الشيخ: في حكمِ أصلِ، ما حكمُ؟ ما حكمُ دخولِ الكعبةِ وحكمُ الصلاةِ فيها؟ نقولُ: إنَّه دخولُها جائزٌ، والصلاةُ فيها مستحبٌّ لمن دخلَها، دخولُ الكعبةِ جائزٌ، والصلاةُ فيها مستحبَّةٌ لمن دخلَها، نعم أصلٌ.
القارئ: هذا الحديثُ أصلٌ في حكمِ دخولِ الكعبةِ والصَّلاةِ فيها، وفيهِ فوائدُ منها:
أوَّلاً: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دخلَ البيتَ –أي: الكعبةَ- عامَ الفتحِ، وصلَّى فيهِ بينَ العمودينِ اليمانيَّينِ، هذا على روايةِ بلالٍ.
الشيخ: هذا على رواية بلالٍ، وهي المعتمدةُ، نعم.
القارئ: ورُويَ عن أسامةَ أنَّهُ لم يُصلِّ، وجُمِعَ بينَ الروايتينِ بأنَّ المــُثبِتَ مُقدَّمٌ على النَّافي.
الشيخ: نعم، المقصودُ أنَّ هذا الحديثَ أصلٌ في حكمِ دخولِ البيتِ والصلاةِ فيهِ، وقلْتُ: إنَّ دخولَ البيتِ جائزٌ والصلاةُ فيه مستحبَّةٌ لمن تهيَّأَ لهُ الدخولُ، فمن دخلَها استُحِبَّ له أن يصلِّي فيه في أيِّ موضعٍ، في أيٍّ من البيتِ، وإن صلَّى في الموضع الَّذي صلَّى فيه النبيُّ فذاك.
وكما قلْتُ: أنَّه ليسَ من المناسكِ، دخولُ البيتِ ليسَ من المناسكِ، بل هو من الأمورِ الحسنةِ أو الجائزةِ لمن تهيَّأَ له ذلك، بدونِ حرجٍ ولا مشقَّةٍ ولا إشقاقٍ، أعدِ الفائدةَ، أعدْ.
القارئ: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دخلَ البيتَ -أي: الكعبةَ- عامَ الفتحِ، وصلَّى فيهِ بينَ العمودينِ اليمانيَّينِ، هذا.
الشيخ: هذه الفائدةُ هي من يعني ممَّا يتعلَّقُ بالسيرةِ، يعني إذا تكلَّمنا عن السيرةِ نذكرُ أنَّه -عليه الصلاةُ والسلامُ- أو ذكرْنا قصَّةَ الفتحِ –غزوةَ الفتحِ-، نذكرُ أنَّ ممَّا جرى فيها، ممَّا جرى فيها أنَّه -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- دخلَ البيتَ وصلَّى فيه، فهذهِ الفائدةُ من الفوائدِ المتعلِّقةِ بالسيرةِ، كما قلْنا في مسألةِ دخولِهِ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- مكَّة وعلى رأسِه الـمِغفرُ، نعم.
ثمَّ نستفيدُ من هذا الواقعِ الَّذي كانَ من النبيِّ نستفيدُ منه الحكمَ، كما قلْنا: إنَّ هذا الحديثَ أصلٌ في حكمِ دخولِ البيتِ -أي: الكعبة- أو الصلاة فيها، نعم.
القارئ: هذا على روايةِ بلالٍ، ورُويَ عن أسامةَ أنَّهُ لم يُصلِّ، وجُمِعَ بينَ الروايتينِ بأنَّ المــُثبِتَ مُقدَّمٌ على النَّافي.
الشيخ: هذه قاعدةٌ عندَ أهلِ الحديثِ إذا تعارضَ حديثانِ أحدُهما فيه إثباتُ أمرٍ والآخرُ فيه النفي فالمــُثبِتَ مُقدَّمٌ على النافي، فيُعتمَدُ قولُ المــُثبِتَ، نعم.
القارئ: ثانياً: فضيلةُ أسامةَ بنِ زيادٍ وبلالٍ لاختصاصِهما بدخولِ الكعبةِ معَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
الشيخ: نعم هذه فضيلةٌ يعني من الأمورِ يعني المستحبَّةِ في نفوسِ المؤمنينَ يعني صحبةُ النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلامُ-، فضيلةٌ لبلالٍ وأسامةَ لدخولِهما الكعبةَ في صحبةِ النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- فهذا نوعُ خصوصيةٍ ونوعُ قربٍ منه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كانَ غيرُهما أفضلُ، أبو بكرٍ وعمرَ ما دخلَا، ما دخلَا مَعهما، أبو بكرٍ وعمرَ وغيرِهما ممَّن هو أفضلُ من أسامةَ وأفضلُ من بلالٍ لم يدخلَا معَهما، لكن على كلِّ حالٍ دخولُهما معَهُ إلى الكعبةِ، في صحبتِه -عليه الصلاة والسلام- هو ممَّا يُعَدُّ في فضائلِهما.
القارئ: ثالثاً: فضيلةُ عثمانَ بنِ طلحةَ لدخولِهِ الكعبةَ معَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ويُقالُ لهُ: الحَجْبيُّ.
طالب: الحَجَبي.
القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، ويُقالُ لهُ: الحَجَبيُّ؛ لأنَّهُ مِن بني عبدِ الدَّارِ الَّذينَ لهم سِدانةُ البيتِ، ولهذا كانَ معَهُ مفتاحُ البيتِ فأخذَهُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- منهُ ثمَّ ردَّهُ إليهِ، على ما جاءَ في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء:58].
الشيخ: نعم، دخولُهُ مع النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- أيضاً فيه نوعُ فضيلةٍ له -رضي الله عنه- ولكن كانَ من أسبابِ اختصاصِها ودخولِه أنَّه صاحبُ المفتاحِ الَّذي لهُ ولأسرتِهِ سِدانةُ البيتِ.
وذكرَ المفسِّرون في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، ذكروا أنَّه -عليه الصلاة والسلام- أخذَ المفتاحَ من عثمانَ بنِ طلحةَ ودفعَهُ لِعَلِيٍّ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ، فردَّهُ إليه، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، فاللهُ أعلمُ.
وبقيتْ سِدانةُ البيتِ في هذه الأسرةِ، ويُعرفون الآنَ ببني شيبةَ، نعم.
القارئ: رابعاً: حرصُ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- على العلمِ ومعرفةِ سنَّةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
الشيخ: حرصُهُ ظاهرٌ في أنَّه بادرَ للولوجِ، ولعلَّ مبادرتَه للولوجِ ليسَ هو الغايةُ من هذه المبادرةِ، بل غايتُهُ أنْ يعني التزوُّدَ من العلمِ ومعرفةِ ما فعلَه النبيُّ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- ولذلكَ بادرَ في سؤالِ بلالٍ: هل صلَّى النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الكعبة؟ فهذا ممَّا يدلُّ على حرصِهِ -رضيَ اللهُ عنه- على العلمِ، بادرَ إلى الولوجِ، فكانَ، فقالَ: فكنتُ في أوَّلِ، أو كنْتُ أوَّل ولج، فلقيْتُ بلالاً فسألتُهُ: هل صلَّى النبيُّ، فأخبرَه؛ فمن فوائدِ هذه القصَّةِ: حرصُ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- على العلمِ، وفي هذا فضيلةٌ لهُ -رضيَ اللهُ عنه-، نعم.
القارئ: خامساً: قبولُ خبرِ الواحدِ؛ لأنَّ ابنَ عمرٍ اكتفى بخبرِ بلالٍ.
الشيخ: هذه مسألةٌ أصوليَّةٌ، هل خبرُ الواحدِ حجَّةٌ؟ هذه مسألةٌ أصوليَّةٌ مُختَلَفٌ فيها، والصوابُ أنَّ خبرَ الواحدِ العدلِ نعم حجَّةٌ، ولهذا كثيرٌ من الأحاديثِ إنَّما يرويها الواحدُ من الصحابةِ، ومعَ ذلكَ احتجَّ بها أهلُ العلمِ، حتَّى حديثُ، الحديثُ الَّذي هو أصلٌ من أصولِ الدينِ وأصولِ الأحكامِ (إنَّما الأعماُل بالنِّيِّاتِ)، المعروفُ أنَّه لم يروِه من الصحابةِ إلَّا ابنَ عمرَ، إلَّا عمرُ -رضي الله عنه-، ففي هذا الحديثِ وغيرِه دليلٌ على حجِّيَّةِ خبرِ الواحدِ، أو قبولِ خبرِ الواحدِ، وهذا هو الصوابُ، سواءٌ كانَ في الأحكامِ العمليَّةِ، أو في مسائلِ الاعتقادِ خلافاً لمن أنكرَ حجِّيَّتَه في العقائدِ، بل خبرُ الواحدِ، خبرُ الواحدِ أو أحاديثُ الآحادِ هي حجَّةٌ في كلِّ مسائلِ الدينِ: الاعتقاديَّة والعمليَّة، هذا هو الصوابُ، نعم.
القارئ: سادساً: صحَّةُ صلاةِ الفرضِ والنَّفلِ فيها وهذا قولُ الجمهورِ.
الشيخ: إباحةُ صلاةِ الفرضِ والنفلِ فيها، يجوزُ أداءُ الفرضِ فيها إذا اتَّفقَ إنَّكَ ما صلَّيْتَ الظهرَ، ودخلْتَ الكعبةَ فلك أن تصلِّيَ فيها -مثلاً- الظهرَ أو غيرَه. ففيها دليلٌ على إباحةِ الصلاةِ فرضاً كانتْ أو نفلاً. أعدِ الفائدةَ.
القارئ: سادساً: صحَّةُ صلاةِ الفرضِ والنَّفلِ فيها وهذا قولُ الجمهورِ.
الشيخ: نعم، هذا قولُ الجمهورِ، وكانَ فيهِ قولٌ أنَّها لا تصُّح إلَّا النافلُة، ولكن ما صحَّ في النفلِ صحَّ في الفرضِ، نعم.
القارئ: سابعاً: جوازُ دخولِ الكعبةِ.
الشيخ: جوازُ، لاحظْ ما قلْنا: استحبابُ ولا وجوبُ ولا سنّيَّةُ، قلْنا: جوازُ، يعني: دخولُ الكعبةِ جائزٌ، من تهيَّأَ له الدخولُ فيجوزُ له، لكن لا […..] نقولُ له: ينبغي الاجتهادُ والحرصُ وبذلُ الأسبابِ لدخولِ الكعبة، شوف لاحظ العبارةَ: جوازُ دخولِ الكعبةِ، يعني: من تهيَّأَ له فيجوزُ له، وإذا دخلْتَ فصلِّ، نعم.
القارئ: سابعاً: جوازُ دخولِ الكعبةِ لمَن دخلَها.
الشيخ: فرَّقنا، فرَّقنا في العبارةِ بينَ الدخولِ والصلاةِ، جوازُ الدخولِ الكعبةَ واستحبابُ الصلاةِ فيها.
القارئ: ثامناً: أنَّ دخولَ الكعبةِ ليسَ مِن مناسكِ الحجِّ ولا العمرةِ.
الشيخ: كما تقدَّمَ، نعم.
القارئ: قالَ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: عن عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ.
الشيخ: قفْ على هذا الحديثِ، نعم.