الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الحج – عمدة الأحكام/(8) باب دخول مكة وغيره “قوله عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله”

(8) باب دخول مكة وغيره “قوله عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله”

WARNING: unbalanced footnote start tag short code found.

If this warning is irrelevant, please disable the syntax validation feature in the dashboard under General settings > Footnote start and end short codes > Check for balanced shortcodes.

Unbalanced start tag short code found before:

“قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ. الشيخ: يَقْدَمُ. القارئ: أحسن الله إليك، فَقَالَ الْ…”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "كتاب الحج" مِن كتاب (عمدة الأحكام)
الدّرس الثامن

***    ***    ***    ***

القارئ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين. قال المؤلف -رحمنا الله وإيَّاه وجميعَ المسلمين- في حديثِهِ على تتمَّةِ بابُ دخولِ مكَّةَ وغيرِهِ:
عَنْ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- (أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ).
الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ هذا الحديثُ أصلٌ في تقبيل الحَجَر الأسود، يعني: هو مِن أصحِّ دليلٍ، من أصحِّ دليلٍ على مشروعيةِ تقبيلِ الحَجَرِ الأسودِ الموضوعِ في الركنِ اليمانيّ من الكعبة، الركنُ اليمانيّ الشرقيّ.
لاحظوا أنَّ الكعبةَ لها أربعةُ أركان، تقول: ركنانِ اليمانيان، ركنانِ شاميَّان، وشرقيَّان عراقيَّان، وغربيَّان؛ لأنَّ كلّ زاوية تتضمن ركنين، كل زاوية؛ إذاً الحَجَر الأسود -أنتم تعلمون أنه يُقال-: بين الركنين اليمانيين، الركنين اليمانيين، إذاً الحَجَر الأسود هو في أحدِ الركنينِ اليمانيين، يعني: وهو الشرقيُّ منهما، وهو الشرقيُّ منهما. وهذا الحَجَرُ من عهدِ إبراهيم وهو موضوعٌ في الكعبة، ووردَتْ فيه أحاديث أنه مُنَزَّلٌ من السماء، وأنه من حجارةِ الجنة، فالله أعلم.
لكنَّه حَجَرٌ له شأنٌ وله فضيلةٌ، ومن شأنه أنه يُشرَعُ استلامُه وتقبيلُه كما هو مُفصَّل في مباحث المناسك المتعلِّقة بالطَّواف؛ عمر -رضي الله عنه- جاء إلى الحَجَرِ الأسودِ فقبَّله وذكرَ الباعثَ له، الباعثَ له على ذلك وَقَالَ: "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ"، يعني: ما قبَّلتُكَ رجاءً لنفعٍ منك، أو دفعاً لضررٍ يلحقني منكَ، "أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ" إذاً فتقبيلُهُ، فهو يقبِّلُه لا خوفاً منه ولا رجاءً، ولا يقبِّله عبادةً له -حاشاه رضي الله عنه- إنما قبَّلَه اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، ففي هذا يعني إرشادٌ عظيمٌ، وتنبيهٌ لأصولٍ مهمةٍ يأتي التنبيهُ عليها في الفوائد، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، قالَ الشارحُ -حفظهُ اللهُ تعالى-: هذا الحديثُ أصلٌ في مشروعيةِ تقبيلِ الحَجَرِ الأسودِ، وهو مِن سُنَنِ الطوافِ بالبيتِ، وفيهِ فوائدُ.
الشيخ: من السننِ، من سنن الطواف بالبيت، يعني: فلو لمْ يستلمْهُ الإنسانُ ولم يقبِّلْه فطوافُهُ صحيح، ليس، يعني: ليس واجباً ولا ركناً إنما هو سُنَّةٌ، أي: مُستحَبٌّ فقط، نعم، وهو من سننِ الطواف بالبيت.

القارئ: وفيه فوائدُ: أولاً: فضيلةُ عمرَ -رضي الله عنه- لتعظيمِهِ السُّنَّةَ، وبيانِهَا للناسِ.
الشيخ:
هذا من، ممَّا يُثنَى به على أميرِ المؤمنين عمرَ بن الخطاب، فهذا ممَّا يُحمَدُ عليه ويُثنَى به عليه، يعني: بيانُهُ للسُّنَّة، بيانُ السُّنةِ عملٌ صالحٌ، ومن نشرِ العلمِ بيانُ السُّنة، سنةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- هو من الإحسان إلى الناس، ومن إحياءِ السُّنة وبيانِها للناس؛ ليعمَلوا بها ويتأسَّوا بنبيهِم -صلى الله عليه وسلم- فيها، ففي هذا فضيلة لعمرَ -رضي الله عنه- بما فعلَ وقالَ، بقولِه وفعلِه، فبيَّنَ السُّنةَ بقولِه وبفعلِه، ونبَّه إلى مخالفةِ أهلِ الجاهلية الذين يعبدون الأحجارَ، نعم، فضيلةُ عمر.

القارئ: ثانياً: فضلُ الحَجَرِ الأسودِ.
الشيخ: فضلُ الحَجَرِ الأسودِ يَرجعُ إلى مشروعية تقبيلِهِ، فليس هو كسائرِ الحجارةِ، كلُّ أركان البيت لا يُشرَع تقبيلُها، وجدرانُ البيت والحجارة الـمُركَّبَة في جدران البيت لا يُشرَع تقبيلُه، ففي هذا دليلٌ على فضيلة هذا الحَجَر فليس هو كسائرِ الأحجار من حيثُ يعني الفضيلة.
وجاءَ في فضلِهِ الحديثُ أو الأثرُ المشهورُ: "الحَجَرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرضِ، فمنِ استلَمَهُ وقبَّله فكأنَّما صافحَ اللهَ وقــبَّلَ يمينَهُ"، فهل، فبعضُ الناسَ يَغلَطُ ويقول: إنَّ هذا الحديث يعني ظاهرُهُ أنَّ الحَجَرَ هو يدٌ، هو يدُ الله اليمنى، هو يدُ الله اليمنى، وهذا غَلَطٌ، بل هو يعني وُصِفَ بذلك يعني مُنَزَّلٌ، يمينُ الله في الأرض فمن استلَمَهُ وقبَّله فكأنما، ولم يقل: فمن استلَمَهُ وقبَّلَه فقدْ صافحَ الله، لا، فقد صافحَ الله! لمْ يقلْ: فقد صافحَ الله، بل قال: "فكأنمَّا صافحَ اللهَ وقبَّل يمينَهُ".
فهذا الحَجَر ليس كسائرِ الأحجارِ، فاستلامُهُ وتقبيلُه عملٌ صالحٌ إذا فعلَه الإنسانُ تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ مأجوراً على ذلك، فهو يعني نوعٌ من أنواعِ العبادة، من سُننِ الطوافِ، نعم.

القارئ: ثالثاً: أنَّ تقبيلَهُ سُــنَّــةٌ وعبادةٌ للهِ تعالى.
الشيخ: نعم، أنَّ استلامَه وتقبيلَه عبادةٌ لله، عبادةٌ لله لا عبادةٌ للحَجَر، عبادةٌ لله لا عبادةٌ للحَجَر، عبادةٌ لله؛ لأنَّهُ اتِّباعٌ لهدي النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- واقتداءٌ، اقتداءٌ به -عليه الصلاة والسلام-، والفعلُ قد يكون له يعني، قد يكونُ له وجهانِ: فمثلاً؛ سجودُ الملائكة لآدم هو تكريمٌ لآدمَ من وجهٍ؛ لأنَّ الله ذَكَرَ ذلكَ ونوَّه به: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا}[البقرة:34]، {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[الحجر:30].
وهو من وجهٍ عبادةٌ لله؛ لأنه الملائكة فعلوا ذلكَ طاعةً لله وتقرُّباً إليه سبحانه وتعالى، فهو من وجهٍ عبادةٌ لله، ومن وجهٍ تكريمٌ لآدم، واعتبِرْ ذلكَ في الحَجَر الأسود، فتقبيلُهُ عبادةٌ لله، وإظهار لفضلِ الحَجَر الأسودِ، فيه إظهارٌ لفضلِهِ على سائرِ الأحجارِ؛ إذ لا يُشرَعُ تقبيلُ غيرِهِ من الأحجارِ، حتى الركن اليماني الذي شُرِعَ استلامه، يُستلَمُ باليد، يُستلَمُ باليد، لا يُشرَع تقبيلُه، كثير من الجهَّال يقبِّلوه، وهذا غلط، فالركن اليماني السنَّة استلامُه فقط، وأما الحَجَر الأسود فالسُّنَّة استلامُه وتقبيلُه، استلامُه باليد وتقبيلُه إذا تيسَّر، وإذا لم يتيسَّر التقبيلُ نابَ عن ذلك استلامُه باليد، وإذا لم يتيسَّر استُلِم بشيءٍ من عصا ونحوه ثم يُقبِّلُ ما استَلَمَ به، يعني: إذا لم يتيسَّرْ لكَ تقبيلُ الحَجَر فاستلمْهُ بيدكَ، المسْهُ بيدكَ وقبِّلْ يدَكَ، قبِّل يدَك، أو استلمه بــمِحْجَن-كما فعلَ النبي -عليه الصلاة والسلام- وقبِّلْه، وإذا لم يتيسَّر –هذه المرتبة الرابعة- أشِّرْ إليه بلا تقبل لليد حينئذٍ، نعم.

القارئ: رابعاً: أنَّ مبنى العبادةِ على التشريعِ.
الشيخ:
أنَّ مبنى العبادةِ على التشريعِ، لابدَّ أن تكونَ العبادة، العبادة يُعتبَر فيها شرطان: الإخلاص لله؛ أن تكونَ، أن يكونَ القصدُ بها وجَه الله، أن تكونَ العبادةُ تقرُّباً إلى الله وطلباً لرضاهُ، وطلباً لرضاه، والأصلُ الثاني: أنْ تكونَ وِفْقَ أمرِهِ تعالى وأمرِ رسولِه، أن تكونَ وِفْقَ ما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
فالتشريعُ هو أصلُ العبادةِ، فالعبادةُ التي لم يَشرعْها الله هي البدعة، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى:21]. فدينُ الله هو ما شرعَهُ، فالحلالُ ما أحلَّه الله، والحرامُ ما حرَّمه الله، والدينُ ما شرعَه الله، فأصلُ العبادة هو التشريع، هو شرعُ الله الذي بلَّغه نبيُه -صلى الله عليه وسلم-، بلَّغَه بالقول وبالفعل، نعم أنَّ أصلَ، أعد.

القارئ: أنَّ مبنى العبادةِ على التشريعِ.
الشيخ:
مبناها يعني: أصلُها الذي تنبني عليه، ويُعتمَدُ فيها عليه، هو التشريعُ، نعم.
القارئ: خامساً: أن تقبيلَ عمرَ -رضي الله عنه- للحَجَرِ اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومضى على هذا الصحابةُ والتابعونَ لهمْ بإحسانٍ، وللطائفِ في الحَجَرِ ثلاثُ سننٍ مرتَّبة كلُّها صحَّتْ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلكَ بحسبِ الإمكانِ: فإن تيسَّر استلمَهُ وقبَّلَهُ، وإنْ لمْ يتيسَّرْ تقبيلُهُ استلمَهُ بيدِهِ أو بشيءٍ كعصا وقبَّلَهُ، فإنْ لمْ يتيسَّرْ أشارَ إليه بيدِهِ وكبَّرَ.
الشيخ:
ففي هذا الحديث دَلالةٌ على مشروعيَّة تقبيل الحَجَر، وبيَّن وبَلَّغَ ذلك عمر -رضي الله عنه- ورواه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فنحنُ في تقبيلِنا للحَجَر إنما نتأسَّى أولاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ نتَّبعُ الخليفةَ الراشدَ ومن سارَ على منهجِهِ، فهي سنةٌ نبوية وأظهرها وبيَّنها وبلَّغها عمرُ -رضي الله عنه-.
مضى على ذلك يعني المسلمون مضوا على هذه السُّنَّة، مضوا على أنْ يفعلوا كما فعلَ عمر، أنْ يفعلوا كما فعلَ عمرُ لا اقتداءً بعمر فقط، بل اقتداءً بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أولاً، واقتداءً بعمر، ثانياً، فهو الخليفةُ الراشدُ الذي قال في شأنه النبيُّ -عليه الصلاة والسلام-: (اقتدوا باللَّذَيْنِ مِنْ بعدِي، أبي بكرٍ وعمرَ)، وقال: (عليكمْ بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ).
فتقبيلُ الحَجَرِ لا نقولُ: إنَّه سنَّةُ عمرَ، بلْ هيَ سُنَّة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمرُ مُتَّبعٌ فيها، متبعٌ فيما فعلَ؛ ولهذا يقول: "وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ". مضى على هذا المسلمون إلى اليوم، تقبيلُ الحَجَر أمرٌ يعني متفقٌ عليه ومجمعٌ عليه، يعني: ليسَ فيه خلافٌ، ما فيه خلاف، ليس فيه أحدٌ يقول: لا، لا يُستحَبُّ تقبيلُ الحَجَر، بل دلَّتْ عليه السنةُ الصحيحةُ المستفيضةُ وإجماعُ الأمَّة، يعني تقبيلُ الحَجَرِ دليلُه هذا الحديث وما يَشهدُ له، وإجماعُ الأمة، إجماعُ العلماء على ذلك.
وقلنا: إنَّ الحَجَرَ تتعلق به في الطواف ثلاثُ سنن: التقبيلُ أولاً إذا تيسَّر، فإنْ لمْ يتيسَّر فالاستلامُ بشيءٍ باليدِ أو بشيءٍ وتقبيلُ ما استَلَم به، ما استُلِم به، الثالثةُ: الإشارُة إليه مع التكبير.
فيتعلَّقُ بالحَجَر هذه السنن، سننٌ ثلاث مترتبةٌ بحسب الإمكانِ، مترتبةٌ بحسبِ القدرةِ فما، فإنْ تيسَّرَ الطائف وقبَّله، إنْ تيسَّر للطائفِ وقبَّله، فإنْ لم يتيسَّرْ له استلمَه بيدِه أو بشيءٍ وقبَّلَ ما استلَمه به، والثالثةُ: إذالم يتيسَّر لا هذا ولا ذاكَ أشار إليه بيده وكبَّر، نعم.

القارئ: سادساً: التنبيهُ إلى الفرقِ بينَ تقبيلِ المسلمينَ للحَجَرِ الأسودِ، وتقبيلِ المشركينَ لبعضِ الأشجارِ والأحجارِ، فالمسلمونُ أصلُ فعلهمُ اتباعُ النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم-، وأصلُ المشركينَ اتباعُ الظنِّ والهوى، وخطابُ عمرَ للحَجَرِ جارٍ على طريقةِ العربِ في خطابِ الجمادِ تخيُّلاً أنَّهُ يَسمعُ ويعقِلُ، وليبيِّنَ للناسِ أنَّ تقبيلَهُ سُنَّةٌ.
الشيخ: لا إله إلا الله، فرقٌ بينَ السُّنةِ والبدعةِ، والتوحيدِ والشركِ، ففي هذا الحديث دَلالةٌ على الفرق "وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، فيجبُ التنبُّه للفرقِ بينَ تقبيلِ المسلمين للحَجَرِ الأسود، وتقبيلِ المشركين لـِما يعظِّمونه من الأشجار والأحجار، فتقبيلُ المسلمين للحَجَرِ أصلُهُ الاقتداء والاتباع للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والتعبُّد بذلك لله تعالى، وأما المشركون فتقبيلُهم لما يقبِّلونه أصلُهم اتباع الظنِّ والهوى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}[النجم:23].
فهم يُعَظِّمُونَ ما يُعَظِّمُونَ لا عن سلطانٍ وبرهانٍ من الله تعالى، بل اتباعُهم لهذا، ما يفعلونَه مصدرُه وأصلُه الباعثُ عليه هو: الظنُّ، الظنون الكاذبة والهوى، أعدِ الفائدة هذه مهمة، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، التنبيهُ إلى الفرقِ بينَ تقبيلِ المسلمينَ للحَجَرِ الأسودِ، وتقبيلِ المشركينَ لبعضِ الأشجارِ والأحجارِ، فالمسلمونُ أصلُ فعلهمُ اتباعُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأصلُ المشركينَ اتباعُ الظنِّ والهوى، وخطابُ عمرَ للحَجَرِ جارٍ على طريقةِ العربِ في خطابِ الجمادِ تخيُّلاً أنَّهُ يَسمعُ ويعقِلُ.
الشيخ: هذا قولُه: "إنِّي لأَعْلَمُ، إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ" يخاطبُ الحَجَرَ: "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، هذا الخطاب من عمر للحَجَر جارٍ على عادة العربِ في خطابِ الجمادِ، يريد أنْ يُعَبِّرَ فيتخيلَ كأنه يسمعُ ويعقِلُ، فيتوجه إليه بالخطاب، وهذا يعني جارٍ في عُرف، عند العرب وغيرهم، كلٌّ بحسبِ، كلٌّ بلغتِهِ، فيخاطبُ الجماد يتخيَّلُ أنه يسمع ويعقِل.
وفي هذا الخطاب يحصلُ يعني التنبيهُ إلى شأنِ هذا الـمُخاطَبِ، الآن عمر في قوله: "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ"، يعني: حصل بهذا الكلام بيانٌ للسامعين، بيانٌ للسامعين أنَّ الحَجَر لا يضرُّ ولا ينفعُ وأنه يُقبِّلُهُ، لكن صاغَهُ بصيغة، يعني: لم يتوجه للناسِ يقول للناس: كذا وكذا، لا، صاغَه بهذه الصيغةِ، صيغةِ الخطاب للحَجَر نفسِهِ "أعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، فخطابُهُ جارٍ على هذا الأسلوبُ المعروفُ المعقولُ، معروفٌ عند أهل اللغة، ومعقول أيضاً، نعم.

القارئ: سابعاً: احترازُ العالِمِ منَ الباطلِ الذي قدْ يتوهمُهُ بعضُ الناسِ مِنْ فعلِهِ.
الشيخ: أعدْ، ووضِّح شوي، نعم.
القارئ: سابعاً: احترازُ.
الشيخ:
سابعاً، نعم.
القارئ: احترازُ العالِمِ منَ الباطلِ الذي قدْ يتوهمُهُ بعضُ الناسِ مِنْ فعلِهِ.
الشيخ:
العالِـم عليه إذا فَعَلَ فعلاً ويمكن أن يُتوهَّم منه خلافَ الحقِّ، عليه أن يُنبِّه المشاهدينَ أو السامعينَ، فعمرُ -رضي الله عنه- لما جاء وقبَّلَ الحَجَر، قد يَظنُّ حديثُ العهدِ بالإسلام، أو يظنُّ الجاهل الذي لا يعرف الأحكام، قد يظنُّ إنه بهذا التقبيل يعتقدُ في الحَجَر، يعتقد في الحَجَر، فاحْتَرَزَ من هذا التوهُّم الذي قد يحصلُ عند بعض الناس، "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ" فهذا احترازٌ مما قد يَتوهمُه بعضُ الناس.
إذاً فيُؤخَذ من هذا إنَّ العالـِم الذي يُقتدَى به إذا فعلَ فعلاً أو قال قولاً يمكن أن يَتوهَّم منه بعضُ الناسِ خلافَ مقصودِه وخلافَ الحقِّ أن يُنبه ويُنوه أنه لم يفعل هذا لما يَظنُّه الظانون، بل فعلَه لــ، يذكرُ السبب الباعثَ له على هذا الفعل أو على هذا القول، احترازُ العالِمِ مما قدْ يتوهمُهُ بعضُ الناسِ مِنْ قولِهِ أو فعلِهِ، فعمر -رضي الله عنه- نبَّهَ ونوَّهَ "إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ" إذاً عَلِمَ السامعون أنه لم يُقبِّلْه لاعتقادٍ، في أنه يعتقد فيه النفعَ والضرَّ فضلاً عن اعتقادِ الإلهية، نعم.

القارئ: ثامناً: أنَّ مبنى العبادةِ على الاتباعِ، وأنَّهُ لا يتوقفُ العملُ بما صحَّ على معرفةِ الحكمةِ.
الشيخ: أنَّ مبنى العبادةِ على الاتباعِ، هذا شبيهٌ للمسألةِ المتقدِّمة: أنَّ مبنى العبادةِ على التشريع، فمبنى العبادةِ هي الاتباع، هذا أصلٌ، فكلُّ عمل شرطُهُ أن يكونَ موافقاً للأمرِ، وهذا مقتضى شهادةِ أنَّ محمداً، وهو مقتضى شهادةِ أنَّ محمداً رسول الله، فشهادةُ أنَّ محمداً رسول الله تقتضي أنْ يكون كلُّ عبادةٍ جاريةٌ على وفق ما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أنَّ مبنى العبادةِ على الاتباعِ، كمِّل أيش الفائدة؟

القارئ: وأنَّهُ لا يتوقفُ العملُ بما صحَّ على معرفةِ الحكمةِ.
الشيخ:
نعم، هذه مهمَّة، يعني هذه فائدةٌ مهمةٌ وهي: أنَّ العملَ بالسُنَّة أو العمل بما شرعَ الله، لا يتوقفُ العملُ على معرفةِ الحكمةِ، بل على المسلم عليه الاتباعُ والسمعُ والطاعةُ، ولا يقول: لِمَ شُرِعَ كذا؟
إذا سألَ عن الحكمةِ يعني لمزيدِ العلم ومزيدِ المعرفة فلا بأس، أما أن يسألَ عن الحكمة، أما أن يتوقف عن العمل حتى يعرفَ الحكمة، فليسَ هذا من شأن المؤمن، المؤمن إيمانُه يقتضي منه الانقياد، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65].
والعباداتُ أنواعٌ: عباداتٌ يسمِّيها الفقهاءُ: "تعبُّديَّة"، وهي العباداتُ التي ليس لها حكمةٌ معقولةٌ، ما لها حكمةٌ معروفةٌ، يقولون لك: مِثل عددِ الركعاتِ، لماذا الظهر أربعُ والعصرُ أربع والفجرُ ركعتين، لماذا؟ خلاص ما نعلم، هكذا جاء الشرعُ وجاء الإسلامُ، وفرضَ الله الصلواتِ على هذا البيان، فرضَ الله الصلاة أولاً ركعتين في السفر والحضرِ، ثم أُتِمَّتْ صلاةُ الحضر أربع في الظهر والعصر والعشاء، لكن لِمَ؟ هذا لا جوابَ له، فهو تعبُّديٌّ.
قالت امرأةٌ لعائشة -رضي الله عنها-: لماذا تقضي المرأةُ الحائضُ تقضي الصومَ ولا تقضي الصلاةَ؟ قالت: "كانَ يصيبُنا ذلكَ في عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فنُؤمَرُ بقضاءِ الصومِ، ولا نُؤمَرُ بقضاءِ الصلاةِ" فأحالتْها على الشرعِ، على الأمرِ، "كنَّا يصيبنا ذلكَ فنُؤمَرُ بقضاءِ الصومِ، ولا نُؤمَرُ بقضاءِ الصلاةِ".
مع أنَّ العلماءَ استنبطوا قالوا: لعل من الحكمةِ: إنَّ الصلاة تتكررُ فلو وجبَ على الحائضِ أن تقضيَ الصلاةَ لكان أغلبُ الزمانِ أنها تصلي كلَّ يومٍ عشرَ صلوات، أما الصوم فهو يعني لا يتكرَّرُ هو أيام معدودة من، أي كما قال الله: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:184]، فالمرأةُ إذا أصابَها الحيضُ في رمضان تقضي بعددِ الأيامِ التي أفطرتها ولا يتكررُ ذلك. فهذا مما استُنبط، لكن الأصلُ التسليمُ، الأصلُ في الاتباع والطاعةِ الأصلُ هو: التسليمُ والانقيادُ لحكمِ الله ورسوله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فالعملُ بالأمر والعملُ بالسنن لا يتوقفُ على معرفة الحكمة، لا يجوزُ، لا يجوز أن يتوقفَ على معرفة الحكمة، على العبد الاتباعُ والطاعةُ والامتثالُ، ولا يتوقف عن العمل حتى يعرفَ الحكمة، بل يبادرُ إلى العملِ مؤمناً بالله، ولعلَّ من يعملُ بما شرع الله له انقياداً وتسليماً وعبوديَّةً ربَّما كانَ أكملَ ممَّن يراعي الحِكَم في ذلك.
مثلاً: صيامُ رمضان، يعني كثيراً من الأحيانِ يذكر الدعاةُ والناصحونَ والمرشدونَ: أن الصيام فيه كذا وفيه كذا وفيه صحةٌ وفيه، هذا ليسَ ضرورياً، يعني من يفعلُ الذي جاءتْ به السنَّة: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا"، إيمانٌ باللهِ وبشرعِه وبوعدِه، واحتساباً لموعودِه لثوابِ الله، أما من يصومُه يراعي المصالحَ المترتبةَ على الصيامِ فهذا ناقصٌ، لكن لا مانعَ إذا صحَّ من العبدِ الإيمان، وأنه صامَه إيماناً واحتساباً لا يضرُّه أنه يعني يستشعرُ المنافعَ العاجلةَ، المنافعَ العاجلةَ.
ومثل من يقول مثلاً: يعني أمشي إلى الصلاة أو أمشي إلى المسجد أي؛ لأنَّ هو فيه رياضة إذاً هو يلاحظُ المصلحةَ الشخصيةَ الدنيويةَ العاجلةَ في سيرِهِ إلى المسجدِ لا، ينبغي للمسلمِ أنْ يراعي المنافع، الثواب ثوابَ الآخرة، ويراعي. الرسول لما ذكر الخروجَ إلى المسجد، قال: (منْ خرجَ إلى المسجدِ لمْ يخطُ خطوةً إلا رُفِعتْ له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئةً) فنعم، على الإنسانِ أن يراعيَ الحِكَمَ الأخرويةَ لا الحِكَمَ العاجلةَ، ولا يتوقفَ على معرفة الحكمة كما تقدم.
فالأعمال –كما قال الفقهاء- منها: أعمالٌ تعبديةٌ، وهي: التي ليس لها حكمةٌ معقولةٌ يعرفُها الناس بالتفكير والتدبر، وأعمالٌ -يعني- معقولةُ المعنى يسمُّونها عبادة أو عمل معقول المعنى وحُكم معقول المعنى، له حِكمةٌ معقولةٌ، النهيُ عن الظلم هذا معقولُ المعنى، الأمرُ بالصدق: معقولُ المعنى، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، قال المؤلف –رحمه الله تعالى-: وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ.
الشيخ: يَقْدَمُ.
القارئ: أحسن الله إليك، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وفدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ).
الشيخ:
هذا، هذه قصةٌ وقعتْ في غزوةِ القضاءِ في السنةِ السابعةِ، تعلمون أنَّ المسلمين اعتمروا، أو جاؤوا للعمرةِ، جاؤوا للعمرة في السنة السادسة، وصدَّهم المشركون، ومنعوهم من دخولِ البيت، ثم جرى الصُلح، الصلحُ المعروف بصلحِ الحديبية، وهو الفتح سماه الله فتحاً، ومن بنودِ أو من شروط هذا الصلح أنهم يعودونَ ويعتمرونَ في العام القادم، ويقدَمون في العام القادم ويدخلوا مكةَ ويقيموا فيها ثلاثة أيام.
ففي هذه العمرةِ -أعني عمرة القضاء- أو عمرةَ القضيَّة، الصحيح أنها ليستْ قضاءً لتلكَ العمرة، الصحيح أنها عمرةٌ مُبتدَئةٌ ليستْ قضاءً، لكن هي العمرة التي تَمَّ التقاضي عليها والاتفاقُ عليها في ذلكَ الصلح.
لـمَّا جاءَ الصحابة، أو سمعَ المشركون بمقدَم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال بعضُهم: يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ أو وفدٌ قد وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، يعني: قدْ ضعفوا وأضعفتهم حمَّى يثرب، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه أن يرمُلوا، أن يرمُلوا في الأشواط الثلاثة في الطواف، أي: يسرِعوا، والرَّمَلُ والخَبَبُ: هو الإسراع مع تقارُبِ الخُطا، أمرَهم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ الأولى من طوافهم من طواف العمرة، ويَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، فرقٌ بين المشي والخَبَب والرَّمَل ، ويَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ اليمانيين.
قال المفسرون والمؤرخون: أولاً: أنَّ الرسول أمرَهم بذلكَ مراغمةً للمشركين وتكذيباً لهم، ليبيِّن أنهم ليسوا ضعافاً، بل معهم قوةٌ وجَلَدٌ وشدَّةٌ على الطواف. أمرهم أن يرمُلوا الأشواط الثلاثة، ويَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، قيل: إنَّ السبب في ذلك إنَّ المشركين كانوا يرقبُونهم على جبلِ الشاميَّة، يرقبون المسلمين؛ لأنَّ كان الحرم مفتوح وقريب وليس هناك موانع، فهمْ إذا جاؤوا إلى ما بينَ الركنين استتروا بالبيتِ، صار المشركون لا يرونَهم، أمَّا إذا لفُّوا من عند الحَجَر إلى أن ينتهوا إلى عند الركنِ اليماني، من هناك فهم يرونهم، فإذا تجاوزوا الركنَ اليمانيَّ، وصلوا للركن اليماني المعروف استتَروا بالبيت وصاروا لا يرونَهم؛ فلذلكَ أمرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يرمُلوا الأشواط الثلاثة، ويمشوا ما بين الركنين؛ لأنَّ هذا هو الذي يحصلُ به المقصودُ وهو تكذيبُ ظنِّ المشركين الضعفَ بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال الراوي: وَلَمْ يَمْنَعْهُ -صلى الله عليه وسلم- من أن يأمرَهم بالرَّمَل في الأشواط كلها إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، يعني: الرِّفق بهم، يعني؛ لأنه لو أمرَهم بالرَّمل في كلِّ الأشواط كان في ذلك مشقَّة، لكنه اجتزأ بأن يرمُلوا الأشواط الثلاثة، ولم يمنعه من رَمَلِ الأشواط كلِّها، إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، أعدِ الحديث نصَّاً.

القارئ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ.
الشيخ:
قدموا متى؟ في عمرةِ القضيَّة، نعم.
القارئ: فقال.
الشيخ:
متى؟ في السنةِ السابعة، يعني ابنُ عباس كلامُه فيه إجمالٌ واختصارٌ؛ لأنَّ الرسول والصحابة قدموا كم مرة؟ قدموا مراتٍ، لكن هو يعني مَقدَمَهم في تلكَ المناسبة وفي تلك العمرة في تلك السنة، نعم.
القارئ: فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وفدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صلى الله.
الشيخ:
يعني الرسولُ بَلَغَهُ، يعني ما هو بلازم أنه سمعَهم، بَلَغَهُ أنَّ المشركينَ يقولون ذلك، نعم.
القارئ: فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ.
الشيخ:
ولم؟
القارئ: وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا.
الشيخ:
يَمْنَعْهُمْ؟ الظاهر لي أنه لم يمنعْهُ، يعني: لم يمنعِ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- أنْ يأمرَهَم بالرَّمَل في الأشواط كلِّها إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، فالأظهرُ أنَّ اللفظَ الصحيح: "ولم يمنعْهُ منْ أنْ يرمُلوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ" نعم.
القارئ: أحسن الله إليك.
الشيخ:
يعني هل تركوا، هل الصحابة تركوا الرَّمَل في الأشواطِ كلِّها؟ يعني من عندِ أنفسِهم؟ يعني واقتصروا على الثلاثة من أجلِ يعني الإبقاءِ على أنفسهم؟ لا، لمْ يمنعِ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- من أنْ يأمرَهم أن يرمُلوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، إلا يعني أنْ يبقيَ من قوتِهِم يعني وحالتِهم، إلا الإبقاء يعني: إلا الرفقُ بهم، نعم، إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ). قالَ الشارحُ -حفظه الله تعالى-: هذا الحديثُ هو الأصلُ في مشروعيةِ الرَّمَلِ في الطوافِ الأول ِفي حجٍّ أو عمرة، وفي الحديثِ فوائدُ.
الشيخ:
هذا أصلٌ في مشروعية الرَّمَل في الطواف الأول في الحجِّ والعمرة، إذاً الرَّمَل سنةٌ في كلِّ طواف، في كل طواف أول، يعني طوافِ العمرة، طوافِ الحجِّ، طوافِ القدوم، وهذا هو الأصل، بل هذا هو سبب، هذا هو سببُ هذه السُّنة، يعني هذه القصة التي جرتْ للصحابة، هذا هو سببُ تشريعِ الرَّمَلِ؛ لأنَّ سُنَّةَ الرَّمَلِ استمرت، استمرت بعد ذلك، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- في حجةِ الوداع رَمَلَ من الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، رَمَلَ ثلاثةَ أشواط، وخَبَّ ثلاثة أشواط من الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، ولم يكن هناك المشركون ولا كانوا يرتقبونَ ولا ينظرونَ.
وهذا من جنسِ شرعيَّة السعي بين الصفا والمروة، وما سبب ذلك؟ سببه ما وقع من هاجَر أمِّ إسماعيل في قصتِها المعروفة عندما تركها وابنَها، إبراهيمُ -عليه السلام- تركَها وابنَها في جوارِ البيت، وتوكَّل على الله في شأنِهم، وقد حفِظَهم الله، حفِظَهم الله، دعا لهما فأجابَ الله دعَاءَه، فحفظَهم الله، وصار وجودُهما أصل لعمارةِ البيت وكثرةِ الوافدين له، فكان من شأنِها أنها لما صارت لما ضاقت ضاق بها الأمر واشتَّد بها، اشتدَّ العطشُ بالصبي، صارت تترددُ من الصفا إلى المروة ذهاباً وإياباً، فكان فِعلها -سبحان الله– سبباً لهذا، سبباً لهذا التشريع لهذه السُّنة، يعني فالسعي بين الصفا والمروة فيه إحياءٌ لذكراها ولما وقع من هاجَرَ -رحمها الله ورضي عنها-.
وهكذا أيضاً الرَّمَلُ في البيت فيه تذكيرٌ بما وقع للصحابة، إذاً فهذا الحديثُ تضمَّن ذِكرَ أصلِ هذه السُّنة، وذكرُ السببِ في تشريع هذه السُّنة، سُنة الرَّمَلِ سببُها ما وقع للصحابة كما في هذا الحديث، هذا هو السبب في تشريع الرَّمَل، سنة الرَّمَل، نعم.

القارئ: وفي الحديثِ فوائدُ منها؛ أولاً: مشروعيةُ الرَّمَلِ في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى من الطوافِ الأولِ في الحجِّ والعمرةِ.
الشيخ:
الطوافِ الأول، خرجَ بالطوافِ الأول أيش؟ طوافِ الإفاضة يُشرَعُ فيه الرَّمَل؟
القارئ: لا.
الشيخ:
طواف الإفاضة؟ لا، طواف الوداع يُشرَع فيه الرمل؟
القارئ: لا يُشرَع.
الشيخ:
لا، الرَّمَل إنما يُشرَع في الطواف الأول، طواف القدوم بالنسبةِ لمنْ حجَّ قارناً أو مفرداً، وطواف العمرة لمن جاء لعمرة أو جاء متمتعاً محرِماً بالعمرة، فيُشرَع الطواف الرَّمَل في هذا الطواف، طواف العمرة، نعم، في الطواف الأول بعده.

القارئ: أحسن الله إليك، ثانياً: معرفةُ سببِ مشروعيةِ الرَّمَل.
الشيخ:
ما سببُ مشروعيةِ الرَّمَل في الطوافِ الأولِ؟ سببُه قصةُ الصحابة عندما قدموا معتمرين، وظنَّ بهم المشركون ما ظنُّوا، وقالوا فيهم ما قالوا، فأمرَهم النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- مراغمةً لهم، مراغمةً للمشركين، فهذا هو سببُ مشروعيةِ هذه السُّنة، فصارتْ سُنة مستمرةً، نعم.

القارئ: وهو أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ هو وأصحابُهُ في عمرةِ القضاءِ، في السنةِ السابعةِ معتمرينَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قد وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، أي: أضعفتْهُم حُمَّى يثرب، أي: المدينة، وهذا اسمُها في الجاهلية، وقد نهى النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- عَنْ تسميتِها بذلكَ وسمَّاها طيبة.
الشيخ:
طيبة، المدينة، المدينة وطيبة، أمَّا يثرب فهو اسم، هو ما تُسمَّى به في الجاهلية، والرسولُ سماها المدينة وسماها طيبة، ولا يُشرَعُ إذا قلنا: المدينة، لا يُشرَع أنْ نقولَ: المنوَّرة، هذا ما له أصل، الصحابة والتابعون والعلماء ما كانوا يسمُّونها المنوَّرة، بل يقولون: المدينة، أو المدينة النبوية، أو مدينة الرسول، سمِّها هكذا، المدينة، جئتُ من المدينة، أو أذهبُ للمدينة، أو مدينة الرسول، أو المدينة النبوية، نعم.

القارئ: وقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عنْ تسميتِها بذلكَ وسمَّاها طيبة، فأمرَ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- أنْ يرمُلوا الأشواطَ الثلاثةَ؛ لإظهارِ قِوَّتِهِم مراغمةً للمشركين، وأمرَهُم أنْ يمشُوا فيما بينَ الركنينِ اليمانيينِ؛ لأنَّهم في ذلكَ المكانِ لا يراهُم المشركونَ؛ لأنَّ المشركينَ يرقبُونَهم ويرمقُونَهم من على جبلِ شامِ الكعبةِ.
الشيخ:
أيش؟ من على؟
القارئ: لأنَّ المشركينَ يرقبونَهم ويرمقونَهم من على جبلِ شامِ الكعبةِ.
الشيخ: لا، من من.
القارئ: من على.
الشيخ: من على جبلٍ شاميِّ.
القارئ: شاميِّ الكعبة، أحسن الله إليك، لأنَّ المشركينَ يرقبونَهم ويرمقونَهم من على جبلِ شامِيِّ الكعبةِ.
الشيخ:
نعم، جبل الشاميَّة، شاميَّة مرتفعة، نعم، هذا هو سبب على قصر الرَّمَل على سوى ما بين الركنين، المقصود أنه في هذا الكلام ذِكرُ سببِ سنةِ الرَّمَل، هذه القصة، هذه القصة هي السبب في مشروعية أو في سنة الرَّمَل في الطواف الأول في الحج أو العمرة، نعم؛ فمنْ فوائد هذا الحديث: معرفة سبب سُنة الرَّمَل، سبب مشروعية سنة الرَّمَل في الطواف الأول في حجٍّ أو عمرة، نعم.

القارئ: ثالثاً: ذكرُ سببِ الاقتصارِ في الرَّمَلِ على الأشواطِ الثلاثةِ، وهو رِفقُه -صلى الله عليه وسلم- بأصحابِه، وهو معنى قولِهِ: "ولم يمنعْهُ إلا الإبقاءُ عليهِم".
الشيخ: نعم، "ولم يمنعْهُ إلا الإبقاءُ عليهِم"، سببُ الاقتصار لماذا؟ يعني لو سأل سائل: لماذا الاقتصارُ؟ لماذا الاقتصار على ثلاثة أشواط؟
نقول: هكذا النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- أمرَهم بأن يرمُلُوا الأشواطَ الثلاثة فقط إبقاءً عليهم، وهذا استنباطٌ من الراوي والله أعلم، وجَعَلَها وتراً ثلاثة، لم يقلْ: شوطين أو أربعة، لا، بل اقتصرَ على ثلاثة، وهذا من مراعاةِ الوِتر في هذه العبادةِ، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، رابعاً: أنَّ من مقاصدِ الشريعةِ إغاظةُ الكفارِ بإظهارِ القوَّةِ.
الشيخ: نعم، هذا مقصودٌ، من مقاصدِ الدينِ ومقاصدِ الإسلامِ إغاظةُ المشركين بإظهارِ القوة، فكلُّ ما يَغيظ الأعداءَ فهو مطلوبٌ ومشروعٌ ومستحبٌ في الشريعةِ؛ ولهذا وصف الله أصحابَ نبيه في قوله، في وصفهم فيما جاء من وصفهم في الإنجيل: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:29]، "لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" هذا في شأنِ أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولهذا استُدِلَّ على كفرِ الرافضة، استَدلَّ بعضُ أهلِ العلم على كفر الرافضة بهذه الآية؛ لأنَّ الرافضة يُبغضونَ الصحابة، ويغيظهم، تُغيظهم حالُ الصحابة، {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، خامساً: فيه شاهدٌ لقولِه تعالى في النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128].
الشيخ:
فيه شاهدٌ منْ أيِّ موضعٍ؟ فيه شاهدٌ لقوله -سبحانه وتعالى- في النبيِّ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، أينَ مأخذ هذه الفائدة؟ مأخذُها قوله: "ولم يمنعْه من، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ"، يعني: إلا الرفقُ بهم والرحمةُ بهم -رضوان الله عليهم-، ففيهِ شاهدٌ لما وصفَ الله به نبيه في الآية: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، نعم بعده.

القارئ: أحسن الله إليك، سادساً: أنَّ بعضَ الحوادثِ الكونيةَ، تكونُ سبباً لتشريعِ الأحكامِ الشرعيةِ، فسعيُ هاجرَ حادثٌ كونيٌّ؛ لأنَّه لمْ يكنْ بأمرٍ، وجعلَه اللهُ سبباً لمشروعيةِ السعيِّ بينَ الصفا والمروة في الحجِّ والعمرةِ.
الشيخ: أيش؟
القارئ: سادساً: أنَّ بعضَ الحوادثِ الكونيةَ.
الشيخ:
أي شوي شوي.
القارئ: تكونُ سبباً لتشريعِ الأحكامِ الشرعيةِ.
الشيخ:
نعم، بعضُ الحوادثِ الكونية تكون سبباً لتشريعِ الأحكامِ الشرعية، يعني الأحكامُ، الحوادثِ الكونية هي ما يقعُ بالقَدَر بقدر الله، لا بأمرٍ، لا بتشريعٍ بل هو، نعم، ومأخذُ هذا أنَّ الذي وقع من كونِ الصحابة يقدمون، وأن يُقال فيهم ما، أنْ يقول المشركون ما قالوا هذا من الأمورِ القدريةِ من الأمور القدرية، فكانَ ذلك سبباً في مشروعية الرَّمَل في الطواف الأول كما تقدم.
ومثل ذلك ما وقع من هاجَر كما ذكرتُ، ففعلُها وسعيُها وترددُها أمرٌ كونيٌ قدريٌّ، هي سعتْ بين الصفا والمروة وترددتْ تطبيقاً لحكمٍ شرعيٍّ؟ لا، فعلتْ ذلك لحاجتِها، وما جرى لها من الضيق ِلما تشاهده من حالِ ولدِها، أعدِ الفائدة مهمة، نعم أنها بعضَ الحوادث.

القارئ: أحسن الله إليك، أنَّ بعضَ الحوادثَ الكونيةَ، تكونُ سبباً لتشريعِ الأحكامِ الشرعيةِ. فسعيُ هاجر.
الشيخ:
ومثالُه ما وقعَ مع الصحابة ومقدَمهم، وما وقع مع هاجَر كما تقدم، نعم.
القارئ: فسعيُ هاجرَ حادثٌ كونيٌّ؛ لأنَّه لمْ يكنْ بأمرٍ.
الشيخ: نعم، ما فعلته تعبُّداً، هي ما فعلتْ هذا تعبداً، نعم.
القارئ: وجعلَه اللهُ سبباً لمشروعيةِ السعي بينَ الصفا والمروةِ في الحجِّ والعمرةِ.
الشيخ:
نعم، وهكذا ما فعلَه الصحابة، مقدَمُهم ومشيُهم ورمَلُهم هذا أمرٌ كونيٌّ، نعم.
القارئ: سابعاً: استحبابُ إظهارِ القوةِ أمامَ العدوِّ مراغمةً وإرهاباً لهمْ.
الشيخ:
نعم، هذا كما تقدَّم نعم.
القارئ: ثامناً: رغبةُ الكفارِ في ضعفِ المسلمينَ وفرحِهِمْ بذلكَ.
الشيخ:
نعم، هذا يسرُّ الكفارَ ضعفُ المسلمين، يفرحون بذلك، بل وأعظمُ من ذلك أنه يسرُّهم تفريطُهم في دينِهم، وفشوُّ الفساد في مجتمعاتِهم، وهذا شواهدُه من الواقع كثير، بل يُعجبُ الكفار أن يهتمَّ المسلمون بأمور الدنيا ويفرِّطون في شأنِ الدين وفيما يتعلَّق بالآخرة، فهم يُظهرون إعجابَهم بما يفعله المسلمون من العنايةِ بشؤونِ الحياة، وهذا ليس بغريب، هذا شأن العدو، العدوُّ يسرُّهُ ما يسوءُكَ، العدو يسرُّهُ ما يسوءُكَ، ويَغيظُه ما يسرُّكَ، ويَغيظُه ما يسرُّكَ، هذا شأن العدو دائماً، فالكفار مع المسلمين هكذا يسرُّهم ما يسوء المسلمين، ويسوءُهم ما يسرُّ المسلمين، هذا هو الجاري الآن ويَعرفُ ذلك من يتدبَّر الواقع في التعامل مع الكفار، نعم.

القارئ: أحسن الله إليك، تاسعاً: فيهِ شاهدٌ لقولِه تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
الشيخ: فيه شاهد، الآية قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:60]، فإرهابُ، إرهابُ الكفار مقصودٌ شرعيٌّ، إرهابُهم يعني: تخويفُهم، يعني: فِعل ما يحصلُ به تخويفِ الكفار.
إذاً الإرهابُ -الذي يكثر الكلام عنه قديماً وحديثاً- الإرهابُ منه ما هو مشروعٌ، ومنه ما هو ممنوعٌ، فتخويفُ الناس بغير حقٍّ: حرامٌ، حتى تخويف الكفار بغير حقٍّ تخويفُهم بغير حقٍّ -كالمعاهَدِين مثلاً- هذا حرام، أما إرهابُ العدو كالكفارُ المحارِبين تخويفهم فهذا مشروعٌ ومطلوبٌ، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، فالإرهابُ الذي معناه التخويف منه ما هو حرام وهو التخويفِ والإرهاب بغيرِ حقٍّ، أما الإرهاب والتخويف بحقٍّ، فهذا مشروعٌ ومحمودٌ ومأمورٌ به، نعم فيه شاهد.

القارئ: فيه شاهدٌ لقولِهِ تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
الشيخ:
فرَمَلُ الصحابة وإظهارُهم القوة هذا يَغيظُ المشركين ويرهبُهم ويشعرُهم بقوةِ المسلمين، نعم.

القارئ: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ -أَوَّلَ مَا يَطُوفُ- يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: (طَافَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ)، والمِحْجَنُ: عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: (لَمْ أَرَ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ).
الشيخ:
الحديث الأول -حديث ابن عمر- هو شاهدٌ لحديثٍ ابن عباس، أنَّ، فيه أنه -عليه الصلاة والسلام- قدم مكة في حجة الوداعِ فخبَّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ، فهذا دليلٌ على أن سنة الرَّمَل ليستْ مختصةً بحالِ الصحابة يوم قدموا مكةَ في السنة السابعة، حديث ابن عمر هو دليلٌ على أن الرَّمَل والخَبَبَ في الطوافِ الأول صارَ سنةً دائمةً، طيب اقرأ فوائد الحديث الأول، انتهت الأحاديث المقصودة؟
القارئ: يعني مجملة أحسن الله إليك؟ مجملة الأحاديث الثلاثة فوائدُها جميعاً.
الشيخ: لا هاتْ ابدأ ببعضِ الفوائد المتعلِّقة بالحديثِ الأول، نعم.
القارئ: أحسن الله إليك.
الشيخ: قل قل تكلَّم.
القارئ: قال الشارحُ -حفظه الله-: تضمنتْ هذه الأحاديثُ هديَهُ -صلى الله عليه وسلم- في الطوافِ، وفي الأحاديثِ فوائدُ منها.
الشيخ: هديَهُ في الطوافِ. يعني نعم، هذا إجمالاً، نعم.
القارئ: وفي الأحاديث فوائد منها؛ أولاً: أنَّ الرَّمَلَ بقيَ سُنَّة في الطوافِ الأولِ.
الشيخ:
هذا هو المقصودُ، هذا هو المتصلُ بالحديثِ المتقدِّم حديثِ ابنِ عباس، أنَّ الرَّمَلَ صارَ سنَّةً مطردةً دائمةً ليس، لم يُقتصَرْ فيها على سببِها الأول، نعم أعدِ الفائدة.
القارئ: أولاً: أنَّ الرَّمَلَ بقيَ سُنَّة في الطوافِ الأولِ؛ لأنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- خبَّ في طوافِ القدومِ في حجةِ الوداعِ. والخَبَبُ والرَّمَلُ معناهما متقاربٌ وهو: الإسراعُ مع تقاربِ الخُطا. ويُلاحَظ أنَّ في كثيرٍ من مناسكِ الحجِّ والعمرةِ تذكيرٌ بأسبابِها الأولى.
الشيخ: مناسكُ الحجِّ والعمرةِ هي أعمالُ الحجِّ والعمرة، الطوافُ مَنْسَكٌ، والسعي مَنْسَكٌ، والوقوف بعرفة مَنْسَكٌ، وهكذا مناسِكٌ، ففي كثيرٍ من مناسِكِ الحجِّ والعمرة تذكيرٌ بأسبابِها الأولى، كما تقَّدم في الرَّمَل وفي السعي، وهكذا رمي الجمار، والوقوف بعرفة، كلها تذكير بسببها الأول، نعم.
القارئ: فالسعيُ تذكيرٌ بسعيِّ هاجَر، وفي الرَّمَلِ تذكيرٌ بما جرى للصحابةِ، وفي الوقوفِ بالمشاعرِ تذكيرٌ بحجِّ إبراهيمَ. ثانياً: أنَّ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- طافَ في حجةِ الوداعِ راكباً على بعيرٍ.
الشيخ: خلاص قف على هذا.

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه