الرئيسية/شروحات الكتب/العقيدة الصحيحة وما يضادها لابن باز/(2) ومن الإيمان بالله سبحانه “قوله الإيمان بأنه خالق العالم ومدبّر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) ومن الإيمان بالله سبحانه “قوله الإيمان بأنه خالق العالم ومدبّر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (العقيدة الصَّحيحة وما يُضادّها) لابن باز
الدّرس الثّاني

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمدُ لله رب العالمين وصلى الله وسلمَ على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في العقيدة الصحيحة وما يُضادُّهَا ونواقضُ الإسلام:
ومن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه خالقُ العالم ومُدبِّرُ شؤونهم والمُتصرِّفُ فيهم بعلمه وقدرته كما يشاءُ سبحانه، وأنهُ مالكُ الدنيا والآخرة، وربُّ العالمينَ جميعاً لا خالقَ غيره، ولا ربَّ سِواهُ، وأنه أرسلَ الرُّسلَ، وأنزلَ الكتب لإصلاحِ العبادِ ودعوَتَهم إلى ما فيه نجاتَهم وصلاحَهُم في العاجلِ والآجلِ..
– الشيخ:
ما فيه نجاتَهم وصلاحَهم
– القارئ: في العاجلِ والآجلِ، وأنهُ سبحانهُ لا شريكَ له في جميعِ ذلك، كما قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 54]
ومن الإيمانِ بالله أيضاً الإيمانُ بأسمائه الحسنى، وصفاتهِ العُليا، الواردة في كتابهِ العزيز، والثابتةُ عن رسولهِ الأمين، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يجب أنْ تُمَرَّ كما جاءتْ بلا كيفٍ مع الايمانِ بما دلَّتْ عليه من المعاني العظيمة، التي هي أوصافٌ لله عزَّ وجلَّ، يجب وصفُهُ بها على الوجهِ اللائقِ به، من غير أنْ يُشابِهَ خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال عز وجل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: 74]
وهذه هي عقيدةُ أهل السنة والجماعة، من أصحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسانٍ، وهي التي نقلَها الإمام أبو الحسن الأشعريُّ -رحمه الله- في كتابه المقالات عن أصحابِ الحديثِ وأهلِ السُّنَّة، ونقلَها غيرهُ من أهلِ العلمِ والإيمان، قال الأوزاعي -رحمه الله-: سُئِلَ الزُّهري ومكحول عن آيات الصفات فقال: "أمرُّوها كما جاءتْ"، وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: سُئِلَ مالكٌ والأوزاعيُّ والليثُ بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله، عن الأخبار الواردةِ بالصِّفات فقالوا جميعاً: "أمرُّوها كما جاءتْ بلا كيف".
وقال الأوزاعي رحمه الله: "كُنَّا والتابِعونَ مُتوافرون نقول: إنَّ اللهَ سبحانه على عرشهِ ونؤمن بما وردَ بالسُّنَّةِ من صِّفاتٍ"
ولمَّا سُئِلَ ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك -رحمة الله عليهما- عن الاستواءِ قال: "الاستواءُ غيرُ مجهولٍ والكيفُ غيرُ معقولٍ، ومِنَ الله الرسالة، وعلى الرسولِ البلاغُ المُبِينُ، وعلينا التصديقُ."
ولمَّا سُئِلَ الإمام مالك رحمه الله عن ذلك قال: "الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنهُ بدعةٌ، ثم قال للسائل: "ما أراكَ إلا رجلَ سُوءٍ وأُمِرَ به فأُخرِجَ".
ورُوِيَ هذا المعنى عن أمِّ المؤمنين أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها.
وقال الإمام أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن المُبارك رحمةُ الله عليه: "نعرفُ ربَّنا سُبحانه بأنه فوقَ سماواتهِ، وعلى عرشهِ، بائنٌ من خلقهِ".
وكلامُ الأئمةِ في هذا الباب كثيرٌ جداً، لا يُمكنُ نقلهُ في هذه العُجالةِ ومن أرادَ الوقوفَ على كثير من ذلك، فليُراجع ما كتبه علماء السُّنَّة في هذا الباب، مثل كتابِ "السُّنَّة" لعبد الله بن الإمام أحمد، وكتاب "التوحيد" للإمام الجليل محمد بن خُزَيمة، وكتاب "السُّنَّة" لأبي القاسم اللالُكائِي الطبري، وكتاب "السُّنَّة" لأبي بكر بن أبي عاصم، وجوابُ شيخ الإسلام ابنِ تيمية لأهلِ حماة وهو جوابٌ عظيمٌ، كثيرُ الفائدة، قد أوضحَ فيه رحمه الله عقيدةَ أهل السُّنَّة، ونقلَ فيه الكثير من كلامهم، والأدلَّةَ الشَّرعِيَّة والعقليَّة على صِحَّةِ ما قالَهُ أهل السُّنَّة، وبطلانُ ما قالَهُ خُصُومهم، وهكذا رسالته الموسومة بالتدْمُرية، فقد بسطَ فيها المَقامَ وبيَّنَ فيها عقيدة أهل السُّنَّة بأدلَّتها النقليَّةِ والعقليَّةِ، والرَّدِّ على المُخالفين، بما يُظهر الحقَّ ويُدمِغُ الباطلَ لكلِّ من نظرَ في ذلك من أهل العلم بقصدٍ صالحٍ ورغبةٍ في معرفةِ الحقِّ، وكلُّ من خالفَ أهلَ السُّنَّة في مُعتقدِهِ في باب الأسماءِ والصِّفات، فإنه يقعُ ولا بُدَّ في مُخالفة الأدلةِ النقليَّة والعقليَّةِ، مع التناقضِ الواضحِ بكل ما يُثبتهُ وينفيهِ.
أما أهلُ السُّنَّة والجماعة، فأثبتوا لله سبحانه ما أثبَتَهُ لنفسه في كتابه الكريم، أو أثبَتَهُ له رسولهُ محمد صلى الله عليه وسلم في سُنَّتهِ الصحيحة إثباتاً بلا تمثيلٍ، ونزَّهَهُ سبحانه عن مُشابهةِ خلقهِ تنزيهاً بريئاً من التعطيل، ففازوا بالسَّلامةِ من التناقضِ، وعملوا بالأدلةِ كلها، وهذه سُنةُ الله سبحانه في من تمسَّكَ بالحقِّ، الذي بَعثَ به رسله، وبذلَ وِسعَهُ في ذلك، وأخلصَ لله في طلبِ أن يُوفِّقَهُ للحقِّ وأنْ يُظهِرَ حُجَّتَهُ كما قال تعالى:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18]
 وقال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان: 32-33]
وقد ذكرَ الحافظُ ابن كثيرٍ في تفسيرهِ المشهورِ عند كلامهِ على قولِ الله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الأعراف: 54]
– الشيخ: خلَّك عند الآية
المقصود أنَّ الشيخ وضَّحَ ما يدخلُ في الإيمانِ بالله كما سبقَ، وأنَّ من الإيمانِ بالله، الإيمانُ برُبُوبيَّتهِ للعالمين، وأنَّهُ خالقُ الخلقِ كلِّهم، وأنَّهُ خلقَ السموات والأرض، وخلقَ كلَّ شيءٍ سبحانه وتعالى، فهذا من الإيمان بالله.
من الإيمانِ بالله، الإيمانُ بما أخبرَ به في كتابهِ، وبما أخبرَ به رسولهُ من أسماء اللهِ وصِفاته، فعُلِمَ أنَّ الإيمانَ بالله يشملُ أنواعَ التوحيدِ: توحيدُ الربوبية، وتوحيدُ الإلهيَّةِ، وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ.
الإيمانُ بالله يتضمنُ هذا المعاني كلها، ليس المرادُ بالإيمان بالله، الإيمان بوجودهِ فقط، أنَّهُ موجودٌ لا، الإيمان بوجودهِ وتوحيدهِ ووحدانيتَّهِ، في ربوبيتهِ وإلهيَّتهِ وأسمائهِ، وكلُّ واحدٍ من هذه الأنواع له تفصيل، أؤمنُ بأنَّهُ تعالى مُتفرِّدٌ بما لهُ من الأسماءِ والصِّفات، الأسماءُ والصِّفات كثيرةٌ، مُفصَّلة ومُنتشرة في آيِ القرآن، وفي أحاديث ِالرسولِ عليه الصَّلاة والسلام.
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة