بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (العقيدة الصَّحيحة وما يُضادّها) لابن باز
الدّرس الثّالث
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في "العقيدة الصحيحة وما يُضادَّها ونواقض الإسلام":
وقال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان: 32، 33]
وقد ذكرَ الحافظُ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيرهِ المشهور، عند كلامه على قولِ الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] كلاماً حسناً في هذا الباب يحسنُ نقلُهُ ها هنا لعِظَمِ فائدته.
قال -رحمه الله- ما نصُّهُ: "للناسِ في هذا المقامِ مقالاتٌ كثيرةٌ جداً، ليسَ هذا موضعَ بسطِهَا، وإنما نسلكُ في هذا المقام مذهبَ السَّلف الصالحِ مالكٌ والأوزاعيُّ والثوريُّ والليثُ بن سعد والشافعيُّ وأحمد وإسحاقَ بن رهوِيه وغيرهم من أئمَّةِ المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارُهَا كما جاءتْ من غير تكليفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ، والظاهرُ المُتبادِرُ إلى أذهان المُشبِّهينَ منفيٌّ عن الله، فإنَّ الله لا يَشبهُهُ شيءٌ من خلقِهِ، وليسَ كمثلهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ.
بل الأمرُ كما قالَ الأئمة، منهم نُعيمُ بن حمَّاد الخُزاعي شيخُ البخاري قالَ: "من شبَّهَ الله بخلقهِ كفرَ، ومن جحدَ ما وصفَ اللهُ به نفسَهُ فقد كفرَ، وليس في ما وصفَ الله به نفسه ولا رسولُهُ تشبيهٌ، فمن أثبتَ لله تعالى ما وردَتْ به الآياتُ الصَّريحةُ والأخبارُ الصحيحة، على الوجهِ الذي يليقُ بجلالِ الله، ونفى عنِ اللهِ تعالى النقائصَ، فقد سلكَ سبيلَ الهدى.
ثانياً: الإيمان بالملائكة يتضمَّنُ الإيمانُ بهم.
– الشيخ: على كلِّ حالٍ، كلام ابنُ كثيرٍ هذا يتعلَّقُ بقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ [الفرقان: 59]، هذا الموضعُ هو محلُّ الخبْطِ الذي صار، والاضطراب، المُعطِّلةُ ينفونَ حقيقةَ الاستواء، والعلوُّ على العرشِ، عندهمْ أنه تعالى ليس بالعلوِّ بل هو في كلِّ مكانٍ، ثم يتخبَّطُونَ في التأويلِ، استوى على العرش، يعني استولى، أو أقبلَ على خلقِ العرشِ.
وأما أهل السُّنَّة والجماعة فيُؤمنون بظاهرِ القرآن، يُؤمنونَ بعلوِّهِ تعالى وارتفاعه على العرش، ويُمِرُّونَ هذه الآية وغيرها كما جاءتْ بلا كيفٍ، فيُثبتونَ لله الاستواءَ ولا يُكيفونَ، ولا يقولونَ أنه على هيئةِ كذا، وما قاله الإمامُ مالك فيصلٌ في هذا الأمرِ، الاستواء معلوم، معناهُ مفهومٌ لغةً، اللهُ أنزلَ القرآنَ بلسانٍ عربيٍّ، فالاستواءُ معلومٌ، العربُ لما سمعوا: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ لا أنكروهُ، ولا استنكرُوهُ، كلامٌ مفهومٌ، كلامٌ مفهومٌ لهم، كلامٌ مفهومٌ لهم. لا إله الا الله، سبحانَ الله، لا حولَ ولا قوةَ الا بالله، نعم، بعده، ثانياً..
– القارئ: ثانياً: الإيمانُ بالملائكة، يتضمنُ الإيمانُ بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيُؤمنُ المسلم بأنَّ لله ملائكةً خلقَهُمْ لطاعته، ووصفهمْ بأنهم عبادٌ مُكرَمُون، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: 26-27]
وهم أصنافٌ كثيرةٌ، منهم المُوكَّلونَ بحملِ العرش، ومنهم خَزَنَةُ الجنة والنار، ومنهم المُوكَّلون بحفظِ أعمالِ العباد، ونُؤمن على سبيلِ التفصيلِ بمن سمَّى اللهُ ورسولَهُ منهم..
– الشيخ: ورسُولُهُ
– القارئ: ورسولُهُ منهم، كجبريلَ وميكائيلَ، ومالكُ خازنُ النار، وإسرافيلَ المُوكَّل بالنفخِ بالصُّوْرِ، وقد جاء ذِكْرُهُ في أحاديثَ صحيحةٍ، وقد ثبتَ في الصحيحِ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقتْ الملائكة من نور، وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدمُ ممَّا وُصِفَ لكم) أخرجهُ مسلم في صحيحه.
ثالثاً: الإيمانُ بالكتب.
– الشيخ: الأصلُ الثاني من أصولِ الإيمان: الإيمانُ بالملائكة، والايمان بالملائكةِ على سبيل الإجمال، هذا فرضُ عينٍ على كل مسلم، الإيمان بأنَّ لله عبادٌ مُكرَمُون واسمهم الملائكة، ومادَّةُ مَلَكَ أو مألَكَ أصلُها فيها معنى الإرسال، فهم رسلٌ، والله تعالى يُرسلهم لما يشاءُ ويصطفي منهمْ رُسُلاً أيضاً، فهم مُهيَّؤون للرسالة، للإرسالِ ويصطفي منهم رُسُلاً، رُسُلٌ ينزلونَ بالوحيِ، رُسُلٌ يُرسلونَ لكتابةِ أعمالِ العبادِ، رسلٌ لحفظِ ذواتهم، رسلٌ لقبضِ الأرواح، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:17]، وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: 61]، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [الأنعام: 60]، فسَمَّى الحَفَظَةَ رُسلاً وسمَّى مَلَكَ الموت ومن معهُ رسلاً، نعم، الثالث.
– القارئ: ثالثاً: الإيمانُ بالكتبِ، يجبُ الإيمان إجمالاً بأنَّ الله سبحانه قد أنزلَ كتباً على أنبيائه وَرُسُلَهُ..
– الشيخ: وَرُسُلِهِ
– القارئ: وَرُسُلَهُ..
– الشيخ: وَرُسُلِهِ
– القارئ: وَرُسُلِهِ لبيانِ حقِّهِ والدعوةِ إليه، كما قال تعالى: قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25]
وقال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة: 213]، ونُؤمِنُ على سبيلِ التوصيل بما سمَّى الله منها كالتوراة والإنجيلِ والزَّبورِ والقرآنِ، والقرآنُ الكريمُ هو أفضلها وخاتَمُها، وهو المُهيمِنُ عليها، والمُصدِّقُ لها، وهو الَّذي يجبُ على جميعِ الأمَّة اتِّباعَهُ وتحكيمهُ، مع ما صحَّتْ بها السُّنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنَّ الله َسبحانه بعثَ رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، رسولاً إلى جميع الثَّقلين، وأنزلَ عليه هذا القرآن ليحكمَ به بينهم، وجعلَهُ شفاءً لما في الصُّدور، وتبياناً لكلِّ شيءٍ، وهدىً ورحمةً للمؤمنين، كما قال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام: 155]
وقال سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]
وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158]، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
رابعاً: الإيمانُ بالرُّسلِ.
– الشيخ: إلى هنا
الثالث: الإيمان بكتبِ اللهِ المُنزَّلةِ، كتبهُ كلُّهَا من كلامهِ، والكتبُ منها ما سُمِّيَ لنا كالتوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ، ومنها ما لم يُسمَّ، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [البقرة: 136] وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة: 4]
فيجبُ الإيمان إجمالاً بكتبِ الله وما عُلِمَ منها، نُؤمنُ به، فنُؤمِنُ بكتبِ الله، ونؤمنُ على وجهِ الخصوص بالتوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ وبالقرآن، وهو المُهيمِنُ عليه، وهو الذي يجبُ اتِّباعه من بين سائرِ الكتب، ولهذا المسلمون ليسَ عليهم أنْ ينظرُوا في التوراةِ والإنجيلِ، بل عليهم أن ينظرُوا في القرآن، ويستغنونَ به عنْ كلِّ ما سواه.