بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الثّامن والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ شيخُ الإسلامِ مُوفَّقُ الدينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في (روضةِ الناظرِ) في تتمَّةِ كلامِهِ على بابِ النسخِ:
فصلٌ.
– الشيخ: في كلامه!!
– القارئ: في بابِ النسخِ، أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: النسخ، نعم.
– القارئ: فصلٌ، والزيادةُ، والزيادةُ على النصِّ ليسَ بنسخٍ وهيَ على ثلاثِ مراتبٍ..
– الشيخ: الزيادة على النصّ ليس نسخاً، خلافاً لمذهبِ أبي حنيفةَ أنَّ الزيادةَ على النصِّ نسخٌ، والمثالُ الّذي يُذكَرُ في هذا: يقولون إنّه لا يُشرَعُ التغريب تغريب الزاني؛ لأنَّه زيادةً على ما في القرآنِ. القرآن ليس فيه إلّا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ[النور:2]
وفي الحديث: (البكرُ بالبكرِ جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ) (جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ) فقالوا: إنَّ هذا زيادة على النصّ، والزيادةُ على النصِّ نسخٌ، ولا يجوز نسخ القرآن نسخ القرآن بالسُّنَّة.
وهنا المؤلّف يقول إنّ الزيادةَ على النصِّ ليس نسخاً، نعم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، تجاوزتُ فصل، أحسنَ اللهُ إليكم، لعلَّ.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: أقول: تجاوزت فصل.
– الشيخ: طيب، ارجع إليه.
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: فصلٌ: يجوزُ نسخُ الأمرِ قبلَ التمكُّنِ مِن الامتثالِ.
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: يجوزُ نسخُ الأمرِ قبلَ التمكُّنِ مِن الامتثالِ.
نحوَ أنْ تقولَ في رمضانَ: حجُّوا في هذهِ السنةِ، وتقولُ قبل يومِ عرفةَ: لا تحجُّوا.
وأنكرَتْ المُعتزِلةُ ذلكَ.
– الشيخ: أعد
– القارئ: يجوزُ نسخُ الأمرِ قبلَ التمكُّنِ مِن الامتثالِ.
– الشيخ: قبل التمكُّن، هاه.
– القارئ: مِن الامتثالِ.
– الشيخ: هاه.
– القارئ: نحوَ أنْ تقولَ في رمضانَ: حجُّوا في هذهِ السنةِ.
– الشيخ: أحجّوا؟
– القارئ: حجُّوا، أمرٌ.
– الشيخ: […….] حجّوا في هذه العام.
– القارئ: وتقولُ قبلَ يومِ عرفةَ: لا تحجُّوا.
وأنكرَتْ المُعتزِلةُ ذلكَ؛ لأنَّهُ يُفضي إلى أنْ يكونَ الشيءُ الواحدُ على وجهٍ واحدٍ، مأموراً منهيَّاً، حسناً قبيحاً، مصلحةً مفسدةً؛ ولأنَّ الأمرَ والنهيَ كلامُ اللهِ، وهوَ عندَكم قديمٌ فكيفَ يأمرُ بالشيءِ وينهى عنهُ في وقتٍ واحدٍ؟
– الشيخ: ولأنّ، ولأنّ.
– القارئ: ولأنَّ الأمرَ والنهيَ كلامُ اللهِ.
– الشيخ: كلام الله.
– القارئ: وهوَ عندَكم قديمٌ.
– الشيخ: وهو عندكم قديمٌ، هذا خطابٌ من المعتزلةِ للأشاعرةِ، هذا اعتراضٌ من المعتزلةِ على الأشاعرةِ، يقولون: لا يجوزُ النسخُ قبلَ التمكُّنِ، ويقولون: لو جاءَ النسخُ يعني قبل التمكُّن؛ لكان فيه تقدُّم وتأخُّر.
يكونُ كلامُ اللهِ يعني أمر نهي، والناسخ متقدِّم والمنسوخ متأخِّر، وعندكم أنَّ كلامَ اللهِ قديمٌ، والقديم ما في تقدُّم وتأخُّر، القديم ليس فيه متقدِّم ومتأخِّر.
هذا اعترضٌ على من؟ على أهلِ السُّنَّةِ؟ على الأشاعرةِ، نعم.
– القارئ: ولأنَّ الأمرَ والنهيَ كلامُ اللهِ وهوَ عندَكم قديمٌ، فكيفَ يأمرُ بالشيءِ وينهى عنهُ في وقتٍ واحدٍ؟
وقدْ ذكرْنا وجهَ جوازِهِ عقلاً، ودليلُهُ شرعاً قصَّةُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ فإنَّ اللهَ سبحانَهُ نسخَ ذبحَ الولدِ عنهُ قبلَ فعلِهِ بقولِهِ تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافّات:107]
– الشيخ: نسخه.
– القارئ: قبلَ فعلِهِ.
– الشيخ: قبلَ فعله، لكنْ نسخه قبل التمكُّن؟ ما هو بجيّد عندي المثال هذا.
نسخه قبل الفعل؟ نعم.
لكنَّه نسخه مع التمكُّن (تلَّهُ للجبينِ) الآن متمكِّن أو ما هو متمكِّن؟ متمكِّن.
(وناديْناه أنْ يا إبراهيمُ قد صدَّقْتَ الرؤيا) نعم.
– القارئ: وقد اعتاصَ هذا على القدريَّةِ حتَّى تعسَّفُوا في تأويلِهِ مِن ستةِ أوجهٍ، مِن ستةِ أوجهٍ:
أحدُها: أنَّهُ كانَ مناماً لا أصلَ لهُ.
– الشيخ: يقول: وقد اعتاص هذا.
– القارئ: نعم، وقد اعتاصَ هذا على القدريَّةِ حتَّى تعسَّفُوا في تأويلِهِ مِن ستةِ أوجهٍ:
أحدُها: أنَّهُ كانَ مناماً لا أصلَ لهُ.
– الشيخ: وهذا باطلٌ؛ لأنَّ رؤيا الانبياءِ وحيٌ، نعم.
– القارئ:
الثاني: أنَّهُ لمْ يُؤمَرْ بالذبحِ وإنَّما كُلِّفَ العزمَ على الفعلِ لامتحانِ سرِّهِ في صبرِهِ عليهِ.
– الشيخ: بل هو مأمورٌ بالذبحِ ولكنَّ الله رفعَ ذلكَ عنه لـمَّا صدقَ العزمَ هو والابنُ، اللهُ نسخَ حكمَ الذبحِ وكفاه العزم الصادق، نعم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
الثالثُ: أنّهُ لم يُنسَخْ لكنْ قلَبَ اللهُ عنقَهُ نحاساً فانقطعَ التكليفُ عنهُ لتعذُّرِهِ.
– الشيخ: يعني خلاص ما نُسِخَ الذبحُ لكن لمّا جاءَ يذبحُ صارَ الحلقُ نحاس تعذَّر عليه، صار من المعجوز عنه، تُرَّهَات!!!
– القارئ:
الرابعُ: أنَّ المأمورَ بهِ الاضجاعُ ومقدِّماتُ الذبحِ بدليلِ (قدْ صدَّقْتَ الرؤيا)
الخامسُ: أنَّهُ ذبحَ امتثالاً، فالتأمَ الجرحُ واندملَ.
– الشيخ: ذبح […..]
– القارئ: أنّهُ ذبحَ امتثالاً.
– الشيخ: يعني ذبحَه فعلاً، ذبحَه! لكنّ الجرحَ التأمَ، والحمدُ للهِ.
– القارئ: فالتأمَ الجرحُ واندملَ بدليلِ الآيةِ.
السادس: أنَّهُ ممَّا أُخبِرَ أنَّهُ يُؤمَرُ بهِ في المستقبلِ.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: أنَّهُ إنَّما أُخبِرَ أنَّهُ يُؤمَرُ بهِ في المستقبلِ، فإنَّ لفظَهُ لفظُ الاستقبالِ لا لفظُ المـُضيِّ.
والجوابُ مِن وجهين:
أحدُهما: يَعمُّ جميعَ ما ذكرُوا.
والثاني: أنَّا نفردُ كلَّ وجهٍ ممَّا ذكرُوهُ بجوابٍ:
أمَّا الأوَّلُ: فلو صحَّ شيءٌ مِن ذلكَ لم يحتجْ إلى فداءٍ ولم يكنْ بلاءً مبيناً في حقِّهِ.
والجوابُ الثاني: أمَّا قولُهم: كانَ مناماً لا أصلَ لهُ، قلْنا: مناماتُ الانبياءِ عليهم السلام وحيٌ.
وكانُوا يعرفون اللهَ تعالى بهِ، ولو كانَ مناماً لا أصلَ لهُ لم يجزِ لهُ قصدُ الذبحِ والتلُّ للجبينِ.
ويدلُّ على فسادِهِ قولُ ولدِهِ عليهِ السلامُ (افعلْ ما تُؤمَرُ) ولو لم يُؤمَرْ كانَ ذلكَ كذباً.
والثاني: فاسدٌ لوجهين:
والثاني: أنَّه لم يُؤمَرْ بالذبحِ وإنَّما كُلِّفَ العزمَ.
والثاني: فاسدٌ لوجهين: أحدُهما: أنَّهُ سمَّاهُ ذبحاً بقولِهِ (إنِّي أرى في المنامِ أنَّي أذبحُكَ) والعزمُ لا يُسمَّى ذبحاً.
والآخرُ: أنَّ العزمَ لا يجبُ ما لم يعتقدْ وجوبَ المعزومِ عليهِ، ولو لم يكنْ المعزومُ عليهِ واجباً كانَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ أحقَّ بمعرفتِهِ مِن القدريَّةِ.
والثالثُ: لا يصحُّ عندَهم، الثالث إلي هو أنَّه قلبَ عنقَه نحاس.
– الشيخ: بعده بعده.
– القارئ: الثالثُ: لا يصحُّ عندهم لأنَّهُ إذا عَلِمَ اللهُ، أنَّهُ إذا علمَ اللهُ أنَّهُ يقلبُ عنقَهُ حديداً يكونُ أمراً بما يعلمُ امتناعَهُ.
والرابعُ: فاسدٌ، لا يُسمَّى ذبحاً، الاضجاعُ.
والخامسُ فاسدٌ، إذْ لو صحَّ كانَ مِن آياتِهِ الظاهرةِ، فلا يُترَكُ نقلُهُ، ولم يُنقَلْ وإنَّما هوَ اختراعٌ مِن القدريَّةِ.
ومعنى قولُهُ: (قدْ صدَّقْتَ) أي: عملْتَ عملَ صدقٍ، والتصديقُ غيرُ التحقيقِ.
وقولُهم: أنَّهُ أخبرَ إنّه أُخبِرَ أنَّه يُؤمَرُ بهِ في المستقبلِ، فاسدٌ، إذْ لو أرادَ ذلكَ لوجدَ الأمرَ بهِ في المستقبلِ كي لا يكونَ خَلفاً في الكلامِ.
– الشيخ: خُلْفاً.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، كي لا يكونَ خُلْفاً في الكلامِ، وإنَّما عبَّرَ بالمستقبلِ عن الماضي كما قالَ: (إنّي أرى سبعَ بقراتٍ سِمانٍ) (وإنّي أراني أعصرُ خمراً) أي: قد رأيْتُ.
قالَ الشاعرُ:
وإذا تكونُ كَريِهةٌ أُدْعَى لها وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ
وقولُهم: إنّهُ يفضي إلى أنْ يكونَ الشيءُ مأموراً منهيَّاً، فلا يمتنعُ أنْ يكونَ مأموراً مِن وجهٍ منهيَّاً عنهُ مِن وجهٍ آخرَ، كما يُؤمَرُ بالصلاةِ معَ الطهارةِ، ويُنهَى عنها معَ الحَدَثِ.
كذا ها هُنا يجوزُ أن يُجعَلَ بقاءُ حكمِهِ شرطاً في الأمرِ فيُقالُ: افعلْ ما آمرُكَ بهِ إنْ لمْ يَزُلْ أمرنُا عنكَ بالنهيِ.
فإنْ قيلَ:
– الشيخ: إلى هنا.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
– الشيخ: جزاك الله خيراً، محمّد.