بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: التّاسع والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ شيخُ الإسلامِ مُوفَّقُ الدينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "روضةِ النّاظرِ" في تتمَّةِ كلامِهِ على بابِ النسخِ:
فإنْ قيلَ: فإذا علمَ اللهُ سبحانَهُ أنَّهُ سينهَى عنهُ: فما معنى أمرُهُ بالشرطِ الَّذي..
– الشيخ: أي فإذا علم الله أنه سينهى عنه وش بعده؟
– القارئ: فإنْ قيلَ: فإذا علمَ اللهُ سبحانَهُ أنَّهُ سينهَى عنهُ: فما معنى أمرُهُ بالشرطِ الَّذي يعلمُ..
– الشيخ: فما معنى أيش؟
– القارئ: فما معنى أمرُهُ بالشرطِ الَّذي يعلمُ انتفاءَهُ قطعًا؟
– الشيخ: فما معنى أمره وش بعدها بالشرع؟
– القارئ: بالشرطِ، مِن الشروطِ.
– الشيخ: ها، فما معنى أمره بالشرط
– القارئ: فما معنى أمرُهُ بالشرطِ الَّذي يعلمُ انتفاءَهُ قطعًا؟ قلْنا..
– الشيخ: سبحان الله، الأصلُ أنَّه يعلمُ بالشيءِ في وقتِه المناسبِ فإنَّ الحكمةَ وضع الأشياء في موضعها، فالأمرُ بالشيء في وقته في الوقت الَّذي يقتضي تقتضي الحكمة يعني وجودَهُ لا يُنافي أن ينهَى عنه في الوقت الّذي تقتضي الحكمة انتفاءَهُ.
فالنسخُ قائمٌ على وضعِ على وضع الأمورِ في مواضعِها، النسخُ قائمٌ على الحكمةِ وهي وضعُ الأشياءِ في مواضعِها، كاستقبالِ بيتِ المَقدِس كان هو مقتضى الحكمة في وقته، فلما نُسِخَتْ القبلةُ عُلِم أنَّ مقتضى الحكمة هو تحويلُ القبلة إلى الكعبة. والله أعلم بما يفعله وما يريده وبما تقتضيه حكمته البالغة.
– القارئ: قلْنا: يصحُّ إذا كانَتْ عاقبةُ الأمرِ مُلتبِسةٌ على المأمورِ، لامتحانِهِ بالعزمِ، والاشتغالِ.
– الشيخ: قلنا أيش؟
– القارئ: قلْنا: يصحُّ إذا كانَتْ عاقبةُ الأمرِ مُلتبِسةٌ على المأمورِ، لامتحانِهِ بالعزمِ، والاشتغالِ بالاستعدادِ المانعِ لهُ مِن أنواعِ اللهوِ والفسادِ، وربَّما يكونُ فيهِ لطيفةٌ واستصلاحٌ لخلقِهِ.
ولهذا جوّزُوا الوعدَ والوعيدَ بالشرطِ مِن العالمِ بعاقبةِ الأمورِ فقالُوا: يجوزُ أنْ يَعِدَ اللهُ -سبحانَهُ- على الطاعةِ ثوابًا بشرطِ عدمِ ما يُحبطُها، وعلى المعصيةِ عقاباً بشرطِ عدمِ ما يُكفِّرُها مِن التوبةِ، واللهُ -سبحانَهُ- عالمٌ بعاقبةِ أمرِهِ.
جوابٌ ثانٍ: أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ الشيءُ مأمورًا منهيًّا في حالين؛ إذْ ليسَ المأمورُ حسنًا في عينِهِ لوصفٍ هوَ عليهِ قبلَ الأمرِ بهِ، ولا المأمورِ مرادًا ليتناقضَ ذلكَ.
وقولُهم (أيْ المُعتزِلةُ): "إنَّ الكلامَ قديمٌ، فيكونُ أمرًا بالشيءِ ونهيًا عنهُ في حالٍ واحدٍ". قُلْنا: يتصوَّرُ الامتحانُ بهِ إذا سمعَهُ المُكلَّفُ في وقتينِ، ولذلكَ اشترطْنا التراخيَ في النسخِ، ولو سمعَهُما في وقتٍ واحدٍ لمْ يجُزْ.
فأمّا جبريلُ: فيجوزُ..
– الشيخ: فأما فاما.
– القارئ: فأمَّا جبريلُ عليهِ السلامُ: فيجوزُ أنْ يسمعَهما في وقتٍ واحدٍ، ويُؤمَرُ بتبليغِ الأمَّةِ في وقتينِ.
– الشيخ: سبحان الله، أن يسمعَهما؟
– القارئ: أنْ يسمعَهُما في وقتٍ واحدٍ، الناسخُ والمنسوخُ.
– الشيخ: أي لكن زين من جهة قوله أن يسمعَهما، يدلُّ على أنَّ كلامَ اللهِ، بس المُشكِل إنَّ الموفَّقَ كأنَّهُ ينحو منحى السالميَّةِ، وإلَّا وإلَّا فلا فلا يستقيمُ على مذهبِ الأشاعرة هذه العبارة: يجوزُ أن يسمعَهما، كلام الله المعنى النفسيّ لا يُسمَعُ، لكنَّ اللهَ يُلهِمهُ ما يريد تبليغه للعباد يُلهِمه، لا أنَّه يسمع كلامه؛ لأنَّ كلامَ الله معنىً نفسيّ لا يُسمَعُ ولا يكون بمشيئته، لكن هذا كأنّه يمكن يجري على مذهب السالميّة، يعني يقولون أنّ كلام الله حروفٌ وأصواتٌ لكنَّه قديمٌ.
– القارئ: قديمُ النوعِ والآحادِ، صحَّ أحسنَ اللهُ إليكم؟
– الشيخ: ها؟
– القارئ: قديمُ النوعِ والآحادِ يقولونَ.
– الشيخ: أي قديم النوع وقديم الآحاد أيضاً مُطلقاً.
– القارئ: هذا ابنُ قدامةَ نحنا قرانا فيهِ في مجلسِكم رسالةً لهُ قرَّرَ هذا في رسالةِ في كلامِ اللهِ.
– الشيخ: الصراط المستقيم في كلام الله القديم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قالَ: فأمَّا جبريلُ: فيجوزُ أنْ يسمعَهُما في وقتٍ واحدٍ، ويُؤمَرُ بتبليغِ الأمَّةِ في وقتين، فيأمرُهم بمسالمةِ الكفَّارِ مُطلقًا، وباستقبالِ بيتِ المَقدِسِ، ثمَّ ينهاهُم عنهُ بعدَ ذلكَ. واللهُ سبحانَهُ أعلمُ.
والزيادةُ على النصِّ ليسَتْ بنسخٍ، وهيَ على ثلاثِ مراتبٍ: أحداها..
– الشيخ: خلافاً خلافاً للمشهور من مذهب أبي حنيفة أنَّ الزيادةَ على النصِّ نسخٌ، تقدَّمَت الإشارة إلى المثال المشهور عندهم وهم مسألةُ التَّغريبِ، القرآن إنَّما دلَّ على أنَّ عقوبة الزاني الجلد فقط والسُّنَّة دلَّت على زيادة وهو التغريب فقال الأحناف لا، لا يُشرَعُ التغريبُ؛ لأنَّه زيادة على نصِّ القرآن والزيادة على النصِّ نسخٌ والسُّنَّة لا تنسخُ القرآنَ. والقولُ الصحيحُ وهو قولُ الجمهورِ أنَّ الزيادة على النصّ ليس بنسخ، نعم قالها الموفّق.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، والزيادةُ على النصِّ ليسَ بنسخٍ.
وهيَ على ثلاثِ مراتبٍ؛ أحداها: أنْ لا تتعلقَ الزيادةُ بالمزيدِ عليهِ، كما إذا أوجبَ الصلاةَ، ثمَّ أوجبَ الصومَ، فلا نعلمُ فيهِ خلافًا، لأنَّ النسخَ: رفعُ الحكمِ وتبديلُهُ، ولم يتغيرْ حُكمُ المزيدِ عليهِ، بلْ بقيَ وجوبُهُ وإجزاؤُهُ.
الرتبةُ الثانيةُ: أنْ تتعلَّقَ الزيادةُ بالمزيدِ عليهِ تعلُّقاً ما..
– الشيخ: تعلُّقاً ما يعني ما هو بتعلُّق تامّ، نعم.
– القارئ: تعلُّقاً ما، على وجهٍ لا يكونُ شرطًا فيهِ، كزيادةِ التغريبِ على الجلدِ في الحدِّ، وعشرينَ سوطًا على الثمانينَ في حدِّ القذفِ.
فذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنَّهُ نسخٌ؛ لأنَّ الجَلْدَ كانَ هوَ: الحدُّ كاملاً.
– الشيخ: لان أيش؟
– القارئ: لأنَّ الجَلْد َكانَ هوَ: الحد ُّكاملاً، يجوزُ الاقتصارُ عليهِ، ويتعلَّقُ بهِ.
– الشيخ: كان يجوز الاقتصار عليه يعني قبل ورود حكم التغريب.
– القارئ: يجوزُ الاقتصارُ عليهِ، ويتعلَّقُ بهِ التفسيقُ، وردُّ الشهادةِ، وقدْ ارتفعَتْ هذهِ الأحكامُ بالزيادةِ. ولنا: أنَّ النسخَ: هوَ رفعُ حكمِ الخطابِ، وحكمُ الخطابِ بالحدِّ: وجوبُهُ وإجزاؤُهُ.
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: ولنا: أنَّ النسخَ: هو رفعُ حُكمِ الخطابِ.
– الشيخ: هو رفع حكم الخطاب، نعم.
– القارئ: وحكمُ الخطابِ بالحدِّ: وجوبُهُ وإجزاؤُهُ عن نفسِهِ، وهوَ باقٍ، وإنَّما انضمَّ إليهِ الأمرُ بشيءٍ آخرَ فوجبَ الإتيانُ بهِ، فأشبهَ الأمر بالصيامِ بعدَ الصلاةِ.
فأمَّا صفةُ الكمالِ.
– الشيخ: وأمَّا صفة؟
– القارئ: نعم، فأمَّا صفةُ الكمالِ، قالَ المحقِّقُ: بدأَ ابنُ قدامةَ هنا يردُّ على استدلالِ الحنفيَّةِ، فأمّا صفةُ الكمالِ فليسَ هوَ حكماً مقصوداً شرعيَّاً بلْ المقصودُ الوجوبُ والإجزاءُ وهما باقيانِ ولهذا لو أوجبَ الشرعُ الصلاةَ -فقط- كانَتْ كلُّ ما أوجبَهُ اللهُ وكمالُهُ، فإذا أوجبَ الصومَ، خرجَتْ الصلاةُ عن كونِها كلُّ الواجبِ، وليسَ بنسخٍ اتفاقاً.
وأمَّا الاقتصارُ عليهِ: فليسَ هوَ مُستفاداً مِن منطوقِ اللفظِ؛ لأنَّ وجوبَ الحدِّ لا ينفي وجوبَ غيرِهِ، وإنَّما يُستفادُ مِن المفهومِ، ولا يقولونَ بهِ. ثمَّ رفعُ المفهومِ كتخصيصِ العمومِ، فإنَّهُ رفعُ بعضِ مُقتضَى اللفظِ، فيجوزُ بخبرِ الواحدِ.
ثمَّ إنَّما يستقيمُ هذا: أنْ لو ثبتَ حكمُ المفهومِ واستقرَّ، ثمَّ وردَ التغريبُ بعدَهُ، ولا سبيلَ إلى معرفتِهِ، بلْ لعلَّهُ وردَ بياناً لإسقاطِ المفهومِ مُتَّصلًا بهِ أو قريبًا منهُ. وأمَّا التفسيقُ، وردُّ الشهادةِ، فإنَّما يتعلَّقُ بالقذفِ، لا بالحدِّ. ثمَّ لو سُلِّمَ..
– الشيخ: وأما التفسيق ورد الشهادة.
– القارئ: فإنَّما يتعلَّقُ بالقذفِ، لا بالحدِّ.
ثمَّ لو سلَّمَ بتعلُّقِهِ بالحدِّ: فهوَ تابعٌ غيرُ مقصودٍ، كحلِّ النِّكاحِ بعدَ العدَّةِ، ثمَّ تصرَّفَ الشرعُ في العدَّةِ بردِّها مِن حولٍ إلى أربعةِ أشهرٍ وعشرٍ، ليسَ تصرُّفًا في حلِّ النكاحِ، بلْ في نفسِ العدَّةِ.
فإنْ قيلَ: قولُهُ تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم [البقرة:282] يقتضي أنْ لا يُحكَمَ بأقلِّ منهما، والحكمُ بشاهدٍ ويمينٍ نسخٌ لهُ. قلْنا: هذا إنَّما استُفيدَ مِن مفهومِ اللفظِ، وقد أجبْنا عنهُ.
الرتبةُ الثالثةُ: أنْ تتعلَّقَ..
– الشيخ: قلنا أنّما هذا استفاد من مفهوم اللفظ.
– القارئ: نعم، أنْ تتعلَّقَ الزيادةُ بالمزيدِ عليهِ تعلُّقَ الشرطِ بالمشروطِ، بحيثُ يكونُ وجودُ المزيدِ عليهِ بدونِ الزيادةِ وعدمُهُ واحدًا، كزيادةِ النيَّةِ في الطهارةِ.
– الشيخ: كزيادة ؟
– القارئ: كزيادةِ النيَّةِ في الطهارةِ، وركعةٍ في الصلاةِ فذهبَ بعضُ مَن وافقَ في المرتبةِ الثانيةِ إلى أنَّ الزيادةَ ها هُنا نسخٌ؛ إذْ كانَ حكمُ المزيدِ عليهِ: الإجزاءُ والصحَّةُ، وقد ارتفعَ.
وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ النسخَ: رفعُ حكمِ الخطابِ بمجموعِهِ، والخطابُ اقتضى: الوجوبَ والإجزاءَ، والوجوبُ باقٍ بحالِهِ، وإنَّما ارتفعَ الإجزاءُ، وهوَ بعضُ ما اقتضى اللفظُ، فهوَ كرفعِ المفهومِ، وتخصيصِ العمومِ.
ثمَّ إنَّما يستقيمُ أنْ لو ثبتَ الإجزاءُ واستقرَّ، ثمَّ وردَتْ الزيادةُ بعدَهُ ولمْ يثبتْ.
بلْ ثبوتُ الزيادةِ بالقياسِ المُقارِنِ للفظِ، أو بخبرٍ يحتملُ أنْ يكونَ مُتَّصِلًا بيانًا للشرطِ، فلا معنىً لدعوى استقرارِهِ بالتحكُّمِ.
ثمَّ لا يصحُّ هذا مِن أصحابِ الشافعيِّ؛ فإنَّهم اشترطُوا النيَّةَ للطهارةِ.
– الشيخ: ثم إنَّه لا يصحُّ.
– القارئ: ثمَّ لا يصحُّ هذا مِن أصحابِ الشافعيِّ؛ فإنَّهم اشترطُوا النيَّةَ للطهارةِ، والطهارةَ للطوافِ بالسُّنَّةِ، وأصلُهما ثابتٌ بالكتابِ.
فإنْ قيلَ: فالطهارةُ المنْويَّةُ غيرُ الطهارةِ بلا نيَّةٍ، وإنَّما هيَ نوعٌ آخرُ، فاشتراطُ النيَّةِ يُوجِبُ رفعَ الأولى بالكليَّةِ. قلْنا: هذا باطلٌ؛ فإنَّها لو كانَتْ غيرَها: لوجبَ أنْ لا تصحَّ الطهارةُ المَنْويَّةُ، عندَ مَن لا يُوجِبُ النيَّةَ؛ لكونِها غيرُ مأمورٍ بها.
فصلٌ: ونسخُ..
– الشيخ: حسبُك حسبُكَ، نعم يا محمَّد.