بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في روضةِ الناظرِ في تتمَّةِ كلامِهِ على بابِ النسخِ:
فصلٌ: ونسخُ جزءِ العبادةِ المتَّصلِ بها..
– الشيخ: ونسخُ العبادة؟
– القارئ: ونسخُ جزءِ العبادةِ
– الشيخ: جُزْء؟
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكم.. أو شرطِها، ليسَ بنسخٍ لجملتِها.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا إله إلّا الله
– القارئ: وقالَ المخالفونَ في الرتبةِ الثانيةِ مِن الزيادةِ.
– الشيخ: أيش يقول؟ وقال المخالفون
– القارئ: في الرتبةِ الثانيةِ مِن الزيادةِ هوَ نسخُ.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: وقالَ المخالفونَ في الرتبةِ الثانيةِ مِن..
– الشيخ: في الرُتبة؟
– القارئ: الثانيةِ مِن الزيادةِ: هوَ نسخٌ، لأنَّ الركعاتِ الأربعَ غيرُ الركعتَين وزيادةٌ، بدليلِ: لو أتى بصلاةِ الصبحِ أربعًا فإنَّها لا تصحُّ.
ولأنَّ الركعتَين كانَتْ لا تُجزِئُ، فصارَتْ مُجزِئةً، وهذا تغييرٌ وتبديلٌ. وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ الرفعَ والإزالةَ إنَّما..
– الشيخ: أيش؟ وليس بصحيح.
– القارئ: لأنَّ الرفعَ والإزالةَ إنَّما
– الشيخ: لأنَّ الرفع
– القارئ: نعم.
– الشيخ: الرفع والإزالة نعم.
– القارئ: تتناولُ الجزءَ والشرطَ خاصَّةً، وما سوى ذلكَ باقٍ بحالِهِ، فهوَ كالصلاةِ، كانَتْ إلى بيتِ المَقْدِسِ، ثمَّ نُسِخَ ذلكَ إلى الكعبةِ فلمْ يكنْ نسخًا للصلاةِ.
وقولُهُم: "هيَ غيرُها" قدْ سبقَ جوابُهُ.
– الشيخ: هي غيرها.
– القارئ: نعم، قدْ سبقَ جوابُهُ وإنَّما لا تصحُّ الصبحُ إذا صلَّاها أربعًا؛ لإخلالِهِ.
– الشيخ: وإنّما.
– القارئ: وإنَّما لا تصحُّ الصبحُ إذا صلَّاها أربعًا؛ لإخلالِهِ بالسلامِ والتشهُّدِ في موضعِهِ.
– الشيخ: ما أدري وش، وإنَّما.
– القارئ: وإنَّما لا تصحُّ الصبحُ إذا صلَّاها أربعًا؛ لإخلالِهِ بالسلامِ والتشهُّدِ في موضعِهِ.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، صلاة الصبح لم منذ شُرِعَتْ وهي ركعتان، في السفر والحضر ركعتان، أوَّل ما فُرِضَتْ الصلاة كانت ركعتين … كلّ صلوات السفر على حالها جميع الصلوات، ركعتين إلّا المغرب فلم تزلْ ثلاثاً … وبقيت صلاة الفجر جاء في الحديث أنّ لأنَّها تُطوَّلُ فيها القراءة، صلاة المغرب لأنّها وتر النهار، ومن صلَّى الفجرَ الآنَ أربعاً متعمِّداً بطلَتْ صلاتُه لأنَّه زاد في الصلاة متعمِّداً، أمَّا لو صلَّاها أربعاً جاهلاً أو ساهياً فحكمُ السهوِ والجهلِ معروفٌ، وهذا الكلامُ الَّذي قالَه ما غير مفهوم عندي.
– القارئ: وقولُهُم: "كانَتْ غيرَ مُجزِئةٍ" معناهُ: أنَّ وجودَها كعدمِها، وهذا حكمٌ عقليٌّ ليسَ مِن الشرعِ، والنسخُ: رفعُ ما ثبتَ بالشرعِ. وكذلكَ..
– الشيخ: ما، رفع ما ثبت بالشرع، النسخ هو رفعُ حكمٍ شرعيٍّ ثبتَ بدليلٍ متقدِّمٍ بدليلٍ متأخِّرٍ، ولهذا الصحيحُ أنَّ رفعَ البراءةِ الأصليّةِ ليسَ بنسخٍ، رفعُ البراءةِ الأصليّةِ لأنّه ما ثبتَ البراءةُ الأصليّةُ باقيةٌ على الأصلِ، ولو كانتْ البراءةُ رفع البراءة الأصليّة نسخاً لكان كلّ الأحكام ناسخة.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، والنسخُ: رفعُ ما ثبتَ بالشرعِ، وكذلكَ وجوبُ العبادةِ مُزيلٌ لحكمِ العقلِ.
فصلٌ: يجوزُ نسخُ العبادةِ إلى غيرِ بدلٍ.
وقيلَ: لا يجوزُ، لقولِهِ تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ولنا أنَّهُ مُتصوَّرٌ عقلًا..
– الشيخ: التصوُّرُ العقليُّ هذا لا يقتضي وقوعُهُ شرعاً يعني فيه الجوازُ، يجوزُ عقلاً ويُقالُ يجوزُ شرعاً ويُقالُ يمتنعُ شرعاً أو يمتنعُ عقلاً، فالنسخُ إلى غيرِ بدلٍ جائزٌ عقلاً يعني ليسَ من الممتنعِ، لكن هل هو واقعٌ؟ إلى غيرِ بدلٍ؟ نعم قالَ: لأنَّه متصوَّرٌ عقلاً وش بعده.
– القارئ: ولنا أنَّهُ متصوُّرٌ عقلًا، وقدْ قامَ دليلُهُ شرعًا؛ أمَّا العقلُ: فإنَّ حقيقةَ النسخِ الرفعُ والإزالةُ، ويمكنُ الرفعُ مِن غيرِ بدلٍ. ولا يمتنعُ أنْ يعلمَ اللهُ تعالى المصلحةَ في رفعِ الحكمِ، وردِّهِم إلى ما كانَ مِن الحكمِ الأصليِّ.
وأمَّا الشرعُ: فإنَّ اللهَ -سبحانَه- نسخَ النهيَ عن ادّخارِ لحومِ الأضاحي، وتقديمِ الصدقةِ أمامَ المناجاةِ إلى غيرِ بدلٍ {إذا ناجيْتُم الرسولَ}.
فأمَّا الآيةُ: فإنَّها وردَتْ في التلاوةِ، وليسَ للحكمِ فيهِ ذكرٌ. على أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ رفعُها خيرًا منها..
– الشيخ: رَفْعُها.
– القارئ: نعم، على أنَّه يجوزُ أنْ يكونَ رفعُها خيرًا منها في الوقتِ الثاني؛ لكونِها لو وُجِدَتْ فيهِ كانَتْ مفسدةً.
فصلٌ: يجوزُ النسخُ بالأخفِّ والأثقلِ.
وأنكرَ بعضُ أهلِ الظاهرِ جوازَ النسخِ بالأثقلِ، لقولِهِ تعالى..
– الشيخ: يقول ومنع؟
– القارئ: وأنكرَ بعضُ أهلِ الظاهرِ جوازَ النسخِ بالأثقلِ.
– الشيخ: جوازُ النسخِ بالأثقلِ، لأنَّ الأثقلَ لا يكونُ خيراً شُبهةٌ: {ما ننسخُ مِن آيةٍ أن نُنسِها نأتِ بخيرٍ منها} نعم.
– القارئ: لقولِهِ تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقالَ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُم وقالَ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ولأنَّ اللهَ تعالى رؤوفٌ، فلا يليقُ بهِ التثقيلُ والتشديدُ.
ولنا: أنَّهُ لا يمتنعُ لذاتِهِ، ولا يمتنعُ أنْ تكونَ المصلحةُ في التدريجِ والترقَّي مِن الأخفِّ إلى الأثقلِ، كما في ابتداءِ التكليفِ. وقد نُسِخَ التخييرُ بالفديةِ والصيامِ..
– الشيخ: وقد نُسِخَ.
– القارئ: وقدْ نُسِخَ التخييرُ بينَ الفديةِ والصيامِ، بتعيينِ الصيامِ، وجوازِ تأخيرِ.
– الشيخ: أه في رمضان.. أنّه كانَ رمضانُ أوّلَ ما شُرِعَ كان من مراحل الصيام التخيير كما في الآية: وأنْ تصوموا وعلى الَّذين يطيقونَهُ فديةٌ طعامُ مسكيٍن فمَن تطوَّع خيراً فهوَ خيرٌ لهُ وأن تصوموا خيرٌ لكُم ثم نُسِخَ التخييرُ بفرضِ الصومِ، شهرُ رمضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القرآنُ.. إلى قولِهِ: فمن شهدَ منكم الشهرَ فليصمْهُ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، وقدْ نُسِخَ التخييرُ بينَ الفديةِ والصيامِ، بتعيينِ الصيامِ، وجوازُ تأخيرِ الصلاةِ حالةَ الخوفِ إلى وجوبِ الإتيانِ بها، وحُرِّمَ.
– الشيخ: لا، الثاني المثال الثاني.
– القارئ: وجوازُ تأخيرِ الصلاةِ حالةَ الخوفِ.
– الشيخ: كما جرى في وقعة الأحزاب الرسول أخَّر الصلوات ثُم صلَّاها، ثم نُسِخَ ذلك بوجوب صلاة الخوف، فلا تُؤخَّر الصلاة من أجل الخوف بل تُصلَّى في حالِ الخوفِ، تُصَلَّى معَ الخوفِ، وإذا كنْتَ فيهم فأقمْتَ لهم الصلاةَ فلتقمْ طائفةٌ منهم معَكَ الآية، وأحاديثُ صلاةِ الخوفِ مُستفيضةٌ، نعم.
– القارئ: وحُرِّمَ الخمرُ، ونكاحُ المتعةِ، والحُمرُ الأهليَّةُ، وأُمِرَ الصحابةُ بتركِ القتالِ والإعراضِ، ثمَّ نُسِخَ بإيجابِ الجهادِ.
– الشيخ: والصحابة نعم.
– القارئ: وأُمِرَ الصحابةُ بتركِ القتالِ والإعراضِ، ثمَّ نُسِخَ.
– الشيخ: والإعراض؟
– القارئ: نعم.
– الشيخ: وأُمِروا بالإعراض.
– القارئ: نعم.
– الشيخ: أُمِرُوا بترك القتالِ وبالإعراضِ ثُمَّ أُمِروا بالقتالِ، كانوا في مكَّةَ مأمورين بالكفِّ والصبرِ ثُم أُذِن لهم بالقتال، أُذِن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلِموا
– القارئ: ثمَّ نُسِخَ بإيجابِ الجهادِ، والآياتُ الَّتي احتجُّوا بها وردَتْ في صورٍ خاصَّةٍ أُريدَ بها التخفيفُ، وليسَ فيهِ منعُ إرادةِ التثقيلِ.
وقولُهُم: "إنَّ اللهَ رؤوفٌ" لا يمنعُ مِن التكليفِ بالأثقلِ، كما في التكليفِ ابتداءً، وتسليطُ المرضِ والفقرِ وأنواعِ.
– الشيخ: و وأيش؟
– القارئ: وتسليطُ المرضِ والفقرِ وأنواعِ العذابِ لمصالحَ يعلمُها.
– الشيخ: هذا لا يُنافي أنَّه رؤوفٌ رحيمٌ، لا يُنافي أنَّه رؤوفٌ رحيمٌ فقد يكونُ ما يبتلي به من شاءَ من عبادِه هو من موجباتِ رأفته ورحمته، فقد يبتلي العبدَ بما يكرهُ ليُكَفِّرَ بذلك، وليُمَحِّصَ اللهُ وليُمَحِّصَ اللهُ الَّذينَ آمنُوا ويمحقَ الكافرين
– القارئ: فصلٌ.
– الشيخ: إلى هنا إلى آخر الحديث.