بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الحادي والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ؛ قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ قدامةَ -رحمَه الله تعالى- في روضةِ الناظرِ، في تتمَّة كلامِه على بابِ النسخِ:
فصلٌ: إذا نزلَ الناسخُ، فهلْ يكونُ نسخًا في حقِّ مَنْ لمْ يبلغْهُ؟
قالَ القاضيْ: ظاهرُ كلامِ أحمدٍ -رحمَهُ اللهُ-..
– الشيخ: أيش يقول؟ فهل يكون ناسخاً في حقِّ مَن لم؟
– القارئ: يبلغْهُ
– الشيخ: مَن لم يبلغْهُ، الظاهر لا يكونُ ناسخاً؛ لأنَّهُ معذورٌ، هو مُتَعَبَّدٌ بالحكمِ الأول، مُتَعَبَّدٌ بالحكم الأول، ولو تعمَّد تَرْكَهُ وهو لم يبلغْهُ الناسخُ كانَ عاصياً، مثلَ الوكالةِ الصحيح، يقول: أنَّ الصحيح أن الوكالة لا تنفسخُ إلا إذا بلَغَ الوكيلَ فسخُ الـمُوَكِّلِ، أو عزلُ الـمُوَكِّلِ للوكيلِ، نعم، أيش يقول؟ قال أحمد..
– القارئ: قالَ القاضيْ: ظاهرُ كلامِ أحمدٍ -رحمَهُ اللهُ- أنَّه لا يكونُ نَسخًا؛ لأنَّ أهلَ قُباء بلغَهم نسخُ الصلاةِ، إلى بيتِ المقدسِ وهمْ في الصلاةِ فاعتدُّوا بما مضى من صلاتِهم..
– الشيخ: قالَ القاضيْ: ظاهرُ كلامِ أحمدٍ أنَّه لا يكونُ نَسخًا.
– القارئ: لأنَّ أهلَ قُباء بلغَهم نسخُ الصلاةِ، إلى بيتِ المقدسِ وهمْ في الصلاةِ
– الشيخ: بلغَهم متى؟ وهمْ في الصلاة، وصلاتُهم الأولى صحيحة؟ الركعتين الأولات أو الركعة؟ صحيحة، اعتدُّوا بها، استداروا وكمَّلوا الصلاة.
– القارئ: فاعتدُّوا بما مضى من صلاتِهم.
وقالَ أبو الخطابِ: يتخرَّجُ أنْ يكونَ نسخاً؛ بناءً على قولِه في الوكيلِ:
– الشيخ: قالَ أبو الخطابِ: يتخرَّجُ
– القارئ: أنْ يكونَ نسخاً؛ بناءً على قولِه في الوكيلِ: "ينعزلُ بعزلِ الـمُوَكِّلِ وإنْ لم ْيعلمْ"؛
– الشيخ: أي، بس هذا رواية يظهر أنها مرجوحةٌ، يظهر أنها مرجوحة.
– القارئ: لأنَّ النسخَ بنزولِ الناسخِ، لا بالعلمِ، إذ العلمُ
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: لأنَّ النسخَ بنزولِ الناسخِ
– الشيخ: بنزولِ الناسخ
– القارئ: لا بالعلمِ
– الشيخ: ترتَّب الحكم من شرطِه العلم، حتى الأصل الحكم المنسوخ متى يتعلَّق به التكليفُ؟ يتعلَّقُ التكليف به؟ العلم، شرطه العلم، أمرُه سهل، الأمر واضحٌ مشرقٌ، نعم بعده.
– القارئ: لأنَّ النسخَ بنزولِ الناسخِ، لا بالعلمِ، إذ العلمُ لا تأثيرَ لَه إلا في نفيِ العذرِ، ولا يمتنعُ وجوبُ القضاءِ على المعذورِ كالحائضِ، والنائمِ.
والقِبلةُ يسقطُ استقبالُها في حقِّ المعذورِ، فلهذا لم يجبُ على أهلِ قُباءَ الإعادةُ. وقالَ من نَصَرَ الأولَ: النسخُ بالناسخِ، لكنَّ العلمُ شرطٌ؛ لأنَّ الناسخَ..
– الشيخ: صح، يصبح الخلاف لفظي
– القارئ: لأنَّ الناسخَ خطابٌ، ولا يكونُ خطابًا في حقِّ مَنْ لَمْ يبلغْهُ.
يجوزُ نسخُ القرآنِ بالقرآنِ، والسنةُ المتواترةُ بمثلِها، والآحادُ بالآحادِ، والسنةُ بالقرآنِ، كما نُسِخَ التوجهُ إلى بيتِ المقدسِ..
– الشيخ: أيش يقول؟ والسنة؟
– القارئ: بالقرآنِ
– الشيخ: بالقرآنِ، كما نُسخت
– القارئ: كما نُسِخَ التوجهُ إلى بيتِ المقدسِ، وتحريمُ المباشرةِ في ليالي رمضانَ، وجوازُ تأخيرِ الصلاةِ حالةَ الخوفِ بالقرآنِ، وهو في السنّةِ.
فأمَّا نسخُ القرآنِ بالسنةِ المتواترةِ: فقالَ أحمدُ -رحمه الله-: لا يَنسخُ القرآنَ إلا قرآنٌ يجيءُ بعدَه، قالَ القاضي: ظاهرُه أنَّه مَنَعَ منْهُ عقلًا وشرعًا. وقالَ أبو الخطابِ وبعضُ الشافعيةِ: يجوزُ ذلكَ؛ لأنَّ الكلَّ مِن عندِ اللهِ، ولمْ يُعتبرِ التجانسَ..
– الشيخ: هذا أجود، لكن عاد كونه وقعَ أو ما وقعَ هذا شيء ثاني، أما جواز؟ فالأظهرُ الجوازُ، والله أعلم.
– القارئ: والعقلُ لا يُحيلُهُ؛ فإنَّ الناسخَ -في الحقيقةِ- هو اللهُ –سبحانه وتعالى- على لسانِ رسولِه..
– الشيخ: والسنةُ هي الوحيُ الثاني، السنةُ هي الوحيُ الثاني.
– القارئ: على لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- بوحيٍ غيرِ نظمِ القرآنِ. وإنْ جوَّزْنا له النسخَ بالاجتهادِ، فالإذنُ في الاجتهادِ من اللهِ تعالى.
وقد نُسختْ الوصيةُ للوالدين ِوالأقربينَ بقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصيةَ لوارثٍ"
– الشيخ: أي هذا فيها خلاف، نفسُ الآية فيها خلافٌ، لكن المشهور عند الجمهور أنها منسوخة كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180]
– القارئ: ونُسِخَ إمساكُ الزانيةِ في البيوتِ بقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "قد جعلَ اللهُ لهنَّ سبيلًا البكرُ بالبكرِ جلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ، والثَّيِّبُ بالثيبِ الجلدُ والرَّجْمُ".
ولنا: قول الله -تعالى-: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: ولنا -الآن يجيب على الذي مضى- قال ولنا: قول الله -تعالى-: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، والسنةُ لا تساويْ القرآنَ، ولا تكونُ خيرًا منْه.
وقد روى الدارقطني في سننِه عن جابرٍ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "القرآنُ ينسخُ حديثيْ، وحديثيْ لا ينسخُ القرآنَ"
– الشيخ: ما هو بصحيح
– القارئ: موضوع، نعم -أحسن الله إليك-، قال الذهبي: "موضوع"، واضح واضح عبارة أصوليين.
ولأنَّه لا يجوزُ نسخُ..
– الشيخ: يعني المؤلف استشهدَ به؟
– القارئ: أي نعم
– الشيخ: عفا الله عنه!
– القارئ: ولأنَّه لا يجوزُ نسخُ تلاوةِ القرآنِ وألفاظِه بالسنةِ، فكذلكَ حكمُه. وأمَّا الوصيةُ: فإنَّها نُسِخَتْ بآيةِ المواريثِ، قالَهُ ابنُ عمرَ، وابنُ عباسٍ -رضي الله عنهم-
وقدْ أشارَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا بقولِه: "إنَّ اللهَ قدْ أعطى كلَّ ذِيْ حقٍّ حقَّهُ، فلا وصيةَ لوارثٍ" وأما الآيةُ الآخرى: فإنَّ اللهَ -سبحانه- أمرَ بإمساكهنَّ إلى غايةٍ يجعلُ لهنَّ سبيلًا، فبيَّنَ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ اللهَ جعلَ لهنَّ السبيلَ، وليسَ ذلكَ بنسخٍ. واللهُ أعلم.
فصلٌ: فأمَّا نسخُ القرآنِ..