بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الثّالث والتّسعون
*** *** *** ***
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، بسمِ اللِه الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ..
– الشيخ: اللهمَّ أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعَهُ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابَهُ، ولا تجعله مُلْتبساً علينا.
– القارئ: بسمِ اللِه الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمدٍ..
[1].
– القارئ: والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ –رحمه الله تعالى- في كتابه "الجوابُ الصحيحُ لمنْ بدَّلَ دينَ المسيحِ"
– الشيخ: نسألُ اللهَ العافية، نسألُ اللهَ العافية، الذين بدَّلوا هم، هم الأحبارُ والرهبانُ، وأمَّا الباقي الطغام ما لهم أتباع، المتدينون منهم، وجمهورهم الآن ليسوا نصارى ملاحدة أكثرهم، طواغيتُهم وكبراؤُهم ملاحدة، وانتماؤهم إلى النصرانية مجرَّد انتماءٍ، اسم مسيحيّ مسيحيّ، ويعتنقونَهُ، أو ينتمونَ إلى النصرانية التي يقولون أنها مسيحية يعني اتباعا لآبائهم، إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ لا إله إلا الله.
– القارئ: قالَ رحمَه اللهُ تعالى: فصلٌ
قَالُوا: وَقَالَ مِيخَا النَّبِيُّ: (وَأَنْتِ
– الشيخ: مِيخَا؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك.
– الشيخ: يعني أسماء! مِيخَا! لا إله إلا الله، نعم.
– القارئ: وَقَالَ مِيخَا النَّبِيُّ: (وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ قَرْيَةُ يَهُودَا بَيْتُ أَفْرَاتَا، يَخْرُجُ لِي رَئِيسٌ الَّذِي يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
– الشيخ: شَعْبِي؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك.
– الشيخ: أي أنه من كلام الله، زعم، بزعمهم، نعم، إن كانت الياء صحيحة.
– القارئ: وَهُوَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا، لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَلِدُهُ فِيهَا الْوَالِدَةُ، وَسُلْطَانُهُ مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ إِلَى أَقَاصِيهَا).
وَالْجَوَابُ: أَنَّ عَامَّةَ مَا يَذْكُرُونَهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُم، كَمَا ذَكَرُوهُ عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَمْرِ التَّثْلِيثِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُم، وَهَكَذَا تَأَمَّلْنَا عَامَّةَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا تُدُبِّرَ حَقَّ التَّدَبُّرِ وُجِدَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُم، فَإِنَّ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُدًى وَبَيَانٌ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِبَاطِلٍ.
فَمَنِ احْتَجَّ بِكَلَامِهِمْ عَلَى بَاطِلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَبِينُ بِهِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحَقَّ لَا الْبَاطِلَ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ النُّبُوَّةِ: (مِنْكِ يَخْرُجُ لِي رَئِيسٌ).
– الشيخ: لِي رَئِيسٌ، تحتاج تقطيع شوي، مِنْكِ يَخْرُجُ لِي، لِي رَئِيسٌ.
– القارئ: نعم، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الَّذِي يَخْرُجُ هُوَ رَئِيسُ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ اللَّهَ، بَلْ هُوَ رَئِيسٌ لَهُ كَسَائِرِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ لِلَّهِ.
– الشيخ: يعني أولياؤُهُ والسادةُ ملوكُ العدل والأنبياءُ، الأنبياءُ لهم رئاسةُ العلم، الرئاسةُ رئاستان: رئاسةُ سلطان ورئاسة عِلم، ومن ملوكِ بني إسرائيل، من أنبياء بني إسرائيل من اجتمعت له الرئاستان: كسُليمان وداود، رئيسان، ملكان ونبيان كريمان.
– القارئ: كَسَائِرِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ لِلَّهِ، وَهُمُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ الْمُطَاعُونَ، مِثْلُ: دَاوُدَ مُوسَى، وَغَيْرِهِمَا.
– الشيخ: يقول "مثل"؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك، مِثْلُ: دَاوُدَ مُوسَى.
– الشيخ: لا لا ما هو كأنه ما هو بواضح، داودُ موسى نسبة، لا إله إلا الله.
– القارئ: وموسى، أحسن الله إليك؟
– الشيخ: ما أدري والله، مو [ليس] بواضح، داود وموسى، أعد الجملة نشوف، أعد.
– القارئ: كَسَائِرِ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ لِلَّهِ، وَهُمُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ الْمُطَاعُونَ مِثْلُ: دَاوُدَ، مُوسَى وَغَيْرِهِمَا.
– الشيخ: كأنه مناسب دَاوُدَ ومُوسَى لعله، ومُوسَى، مُوسَى له سلطانٌ ولهُ على بني إسرائيلَ، ويقومُ يعني بتدابيرَ سياسيةٍ، دعاهُمْ إلى الجهادِ، دعاهم إلى، دَاوُدَ ومُوسَى، لكن إذا قلت: دَاوُدَ مُوسَى يصير عندنا اثنين دَاوُدَ مُوسَى ودَاوُد ثاني ما، ما نعرفه …
– القارئ: أحسن الله إليك مِثْلُ: دَاوُدَ، ومُوسَى وَغَيْرِهِمَا.
– القارئ: وَلِهَذَا قَالَ: (الَّذِي يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ)، وَلَوْ كَانَ هُوَ، لَكَانَ هُوَ رَاعِيَ شَعْبِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا) فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ النَّبِيِّ فِي حَدِيثِ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ" وَفِي لَفْظٍ: مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ"، وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي، رَأَتْ حِينَ وَلَدَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ"
– الشيخ: الله المستعان، من روى هذا يقول؟
– القارئ: شيخُ الإسلام يقول: فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
– الشيخ: ها في مُسند؟
– القارئ: أي نعم
– الشيخ: والمحقق وش [ماذا] قال؟
– القارئ: قال: أخرجه أحمدُ، وذكر الصفحة وكذا، وابنُ حِبَّان.
– الشيخ: بس [فقط]؟
– القارئ: بس [فقط].
فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَكُتِبَ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ.
وَمُرَادُهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ نُبُوَّتَهُ، وَأَظْهَرَهَا وَذَكَرَ اسْمَهُ، وَلِهَذَا جُعِلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ -عليه السلام- وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، كَمَا يُكْتَبُ رِزْقُ الْمَوْلُودِ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِهِ، وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ مَذْكُورٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا.
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ".
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وكَتَبَ في الذكرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ".
وَهُوَ قَدْ قَالَ: "قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا"، وَلَمْ يَقُل: إِنَّهُ كَانَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مَعَ اللَّهِ لَمْ يَزَل، كَمَا يَقُولُ النَّصَارَى: إِنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ الْأَزَلِيَّةُ، بَلْ وَقَّتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا"، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَلَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ فَلَا يُوَقَّتُ بِهَذَا الْمَبْدَأِ، لَا سِيَّمَا إِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِ الدُّنْيَا عِمَارَتُهَا بِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ لَا تَدْخُلُ فِيهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، بَلْ يُجْعَلُ مِنَ الْآخِرَةِ، وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ فِي السَّمَوَاتِ، وَيُرَادُ بِالدُّنْيَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا أَوِ الدَّارُ الدُّنْيَا.
وَلِهَذَا قَالَ: لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَلِدُهُ فِيهَا الْوَالِدَةُ كَمَا يَظْهَرُ غَيْرُهُ أنَّ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ أَنْ تَلِدَهُ أُمُّهُ.
– طالب: كَمَا يَظْهَرُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
– الشيخ: نعم، أعد.
– القارئ: كَمَا يَظْهَرُ غَيْرُهُ أنَ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ أَنْ تَلِدَهُ الْوَالِدَةُ.
– الشيخ: لا، لا، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
– القارئ: أحسن الله إليكم، كَمَا يَظْهَرُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ أَنْ تَلِدَهُ أُمُّهُ.
وَالْوَالِدَةُ إِنَّمَا وَلَدَتِ النَّاسُوتَ، وَأَمَّا اللَّاهُوتُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَإِذَا قَالُوا: فَهِيَ وَلَدَتِ اللَّاهُوتَ مَعَ النَّاسُوتِ، كَانَ هَذَا مَعْلُومَ الْفَسَادِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا قِيلَ: لِمَ خُصَّ عِيسَى الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذِّكْرِ؟ قِيلَ: كَمَا خُصَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَسِيحِ كَانَ أَظْهَرَ وَأَعْظَمَ مِمَّنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مُوسَى.
وَكَذَلِكَ أَمْرُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَظْهَرَ وَأَعْظَمَ مِن أَمْرِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَإِذَا عَظُمَ الشَّيْءُ كَانَ ظُهُورُهُ فِي الْكِتَابِ أَعْظَمَ.
وَظَنُّ بَعْضِ النَّصَارَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ وُجُودُ ذَاتِ الْمَسِيحِ، يُضَاهِي ظَنَّ طَائِفَةٍ مِنْ غُلَاةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ ذَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ خُلِقَ مِنْ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوُجِدَ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ، وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ مِنْهُ حَتَّى قَدْ يَقُولُونَ فِي مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عليه السلام، حَتَّى قَدْ يَجْعَلُونَ مَدَدَ الْعَالَمِ مِنْهُ، وَيَرْوُونَ.
– الشيخ: شركٌ في الربوبيةِ، وفي العبادةِ.
– القارئ: حَتَّى قَدْ يَقُولُونَ فِي مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عليه السلام، حَتَّى قَدْ يَجْعَلُونَ مَدَدَ الْعَالَمِ مِنْهُ، وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ وَكُلُّهَا كَذِبٌ، مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ اللَّاهُوتُ، بَلْ يَدَّعُونَ تَقَدُّمَ حَقِيقَتِهِ وَذَاتِهِ، وَيُشِيرُونَ إِلَى شَيْءٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا تُشِيرُ النَّصَارَى إِلَى تَقَدُّمِ لَاهُوتٍ اتَّحَدَ بِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْغُلَاةِ مَنْ يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ: إِنِّي كُلِّي بَشَرٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ لَسْتُ
– الشيخ: أعوذ بالله، غرائب!
– القارئ: "مَنْ قَالَ: إِنِّي كُلِّي بَشَرٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ لَسْتُ. بِبَشَرٍ فَقَد كَفَرَ".
– الشيخ: يعني كأنَّهم يشيرونَ إلى ما يُشبه قولَ النصارى بشرٌ من وجه وغير بشرٍ من وجه.
– القارئ: وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم [الأحزاب:40] فَيَجْعَلُونَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ اللَّاهُوتِ مُضَاهَاةً لِلنَّصَارَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء:93]
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ يَحُلُّ فِي الصَّالِحِينَ، وَيَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِم، وَإِنَّ النَّاطِقَ فِي أَحَدِهِمْ هُوَ اللَّهُ لَا نَفْسُهُ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عليه السلام، وَيَقُولُ أَحَدُهُم: إِنَّ الْمُوَحِّدَ هُوَ الْمُوَحَّدُ.
– الشيخ: إِنَّ الْمُوَحِّدَ هُوَ الْمُوَحَّدُ، هذا مُقتضى قولُ الاتحاديةِ: إِنَّ الْمُوَحِّدَ هُوَ الْمُوَحَّدُ، لأنهم يقولون: الوجودُ واحدٌ، وجودُ الموجوداتِ هو عينُ وجودِ الربِّ، فما ثَـمَّ موجودانِ، موجودٌ واحدٌ.
– القارئ: وَيَقُولُ أَحَدُهُم: إِنَّ الْمُوَحِّدَ هُوَ الْمُوَحَّدُ.
وَيُنْشِدُونَ:
مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ … إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ
تَوْحِيدُ مَنْ يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِهِ … عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ
تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ … وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتَهُ لَاحِدُ
وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ رُوحَ الْإِنْسَانِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً، وَيَقُولُونَ: هِيَ صِفَةُ اللَّهِ فَيَجْعَلُونَ نِصْفَ الْإِنْسَانِ لَاهُوتًا، وَنِصْفَهُ نَاسُوتًا، لَكِنَّ اللَّاهُوتَ عِنْدَهُمْ هُوَ رُوحُهُ، لَا لَاهُوتٌ وَاحِدٌ كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِ النَّصَارَى يَكُونُ فِي الْمَسِيحِ وَأَمْثَالِهِ مِمَّنِ ادُّعِيَ فِيهِ اتِّحَادُ اللَّاهُوتِ بِهِ لَاهُوتَانِ: رُوحُهُ لَاهُوتٌ، وَالْكَلِمَةُ لَاهُوتٌ ثَانٍ.
وَمِنْ جِنْسِ هَؤُلَاءِ مَنْ يُنْشِدُ مَا يُحْكَى عَنِ الْحَلَّاجِ أَنَّهُ أَنْشَدَ:
سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ نَاسُوتَهُ … سِرَّ سَنَا لَاهُوتِهِ الثَّاقِبِ
ثُمَّ بَدَا فِي خَلْقِهِ ظَاهِرًا … فِي صُورَةِ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ
– الشيخ: اللهم لكَ الحمد، الحمد لله، تخبطٌ، هذا تخبطٌ عظيمٌ، لا إله إلا الله، اللهم اهدنا الصراطَ المستقيم.
اهدنا في كل صلاة، في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] كلُّ أصحابِ هذه الأقاويل والمذاهب كلُّهم خارجونَ عن الصراط المستقيم، بين مغضوبٍ عليهم ممن هو معاندٌ على علمٍ، أو ضالٍّ تائهٍ في ظلماتِ الجهالاتِ والخيالاتِ، نعم.
– القارئ: أحسن الله إليكم
حَتَّى لَقَدْ عَابَتْهُ خَلْقُهُ … كَلَحْظَةِ الْحَاجِبِ لِلْحَاجِبِ
– الشيخ: هذه من أبيات؟
– القارئ: الحلَّاج
– الشيخ: أعوذ بالله
– القارئ: وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ نَفْسَهُ هِيَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا، فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اللَّهُ أَوْ صِفَةُ اللَّهِ، بَلْ إِذَا قَالَ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ رُوحَهُ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ: الْمُرَادُ رُوحُهُ، كَانَ هَذَا أَقْرَبَ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى.
وَفِي الْجُمْلَةِ مَا يُخْبَرُ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، عَن سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: (كُنْتُ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا).
ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْخَلَائِقِ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمْ يَكُنِ اللَّاهُوتُ مُتَّحِدًا بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُوجِبُ اتِّحَادَ اللَّاهُوتِ بِهِ، بَلِ الْمُسْلِمُونَ يَعْدِلُونَ فِي الْقَوْلِ، وَيُفَسِّرُونَ كَلَامَ اللَّهِ تعالى فِي كُتُبِهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَيَجْعَلُونَ كَلَامَهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَأَمَّا أَهْلُ الضَّلَالِ مِنَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ فَيُفَضِّلُونَ الْمَفْضُولَ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَيَبْخَسُونَ الْفَاضِلَ حَقَّهُ، وَيَغْلُونَ فِي الْمَفْضُولِ وَيَبْخَسُونَ الْأَنْبِيَاءَ حُقُوقَهُمْ، مِثْلَ تَنْقُصِهِمْ لِسُلَيْمَانَ عليهِ السلامُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَطْعَنُونَ فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ سَاحِرًا، وَأَنَّهُ سَحَرَ الْجِنَّ بِسِحْرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَقَطَ عَنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، فَيَجْعَلُونَهُ حَكِيمًا لَا نَبِيًّا، وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ تعالى فِي الْقُرْآنِ تَبْرِئَةَ سُلَيْمَانَ عَنْ ذَلِكَ.
– الشيخ: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ.. [البقرة:102]
– القارئ: وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَسَخَّرَ لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، فَسَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ، وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ، وَلَمَّا طَلَبَ مِنَ الْمَلَأِ أَنْ يَأْتُوهُ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ مَلِكَةِ الْيَمَنِ، وَكَانَ هُوَ بِالشَّامِ: قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ، قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:38-40]
فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ عليه السلام عَمَدَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الشِّرْكِ فَكَتَبُوهَا وَوَضَعُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَقَالُوا: كَانَ سُلَيْمَانُ عليه السلام يُسَخِّرُ الْجِنَّ بِهَذَا، فَصَارَ هَذَا فِتْنَةً لِمَنْ صَدَّقَ بِذَلِكَ.
– الشيخ: فأكذبهم الله وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102]
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَصَارُوا طَائِفَتَيْنِ، طَائِفَةً عَلِمَتْ أَنَّ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَطَعَنَتْ فِي سُلَيْمَانَ عليه السلام كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَطَائِفَةً قَالَت: سُلَيْمَانُ نَبِيٌّ، وَإِذَا كَانَ قَدْ سَخَّرَ الْجِنَّ بِهَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، فَصَارُوا يَقُولُونَ وَيَكْتُبُونَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا الشِّرْكُ وَالتَّعْزِيمُ وَالْأقْسَامُ بِالشِّرْكِ.
/عندي أحسن الله إليك/: والأقسام، أقولُ: عندي يقول وَالْأقْسَامُ بِالشِّرْكِ
– الشيخ: الْأقْسَامُ جمع قِسم أو الْإقْسَامُ.
– القارئ: في نسخة الْإقْسَامُ.
وَالْإِقْسَامُ بِالشِّرْكِ وَالشَّيَاطِينِ مَا تُحِبُّهُ الشَّيَاطِينُ وَتَخْتَارُهُ وَيُسَاعِدُونَهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ مَطَالِبِ الْإِنْسِ، إِمَّا إِخْبَارًا بِأُمُورٍ غَائِبَةٍ يَخْلِطُونَ فِيهَا كَذِبًا كَثِيرًا، وَإِمَّا تَصَرُّفًا فِي بَعْضِ النَّاسِ، كَمَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ أَوْ يَمْرَضُ بِالسِّحْرِ.
– الشيخ: يُقْتَلُ أو يُمْرَضُ ولا يَمْرَضُ، يُمْرَضُ، نعم.
– القارئ: عندي مفتوحة أحسن الله إليك.
– الشيخ: يَمْرَضُ.
– القارئ: نعم أحسن الله إليك.
– الشيخ: صح.
– القارئ: كَمَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ أَوْ يَمْرَضُ بِالسِّحْرِ أَوْ تَسْرِقُ الشَّيَاطِينُ لَهُ بَعْضَ الْأَمْوَالِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إِعَانَةُ الشَّيَاطِينِ لِلْإِنْسِ عَلَى أُمُورٍ تُرِيدُهَا الْإِنْسُ، لِأَجْلِ مُطَاوَعَةِ الْإِنْسِ وَمُوَافَقَتِهِمْ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى مَا تُرِيدُهُ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ.
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُضِيفُ ذَلِكَ إِلَى سُلَيْمَانَ عليه السلام وَإِلَى "آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا" وَيُصَوِّرُونَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ يَأْخُذُونَ الرَّجُلَ الَّذِي صَارَ مِنْ إِخْوَانِهِمْ إِلَى مَوَاضِعَ فَيُرُونَهُ شَخْصًا، وَيَقُولُونَ: هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، كَمَا قَدْ جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِمَنْ نَعْرِفُهُ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانَتْ تَقْتَرِنُ بِهِمُ الشَّيَاطِينُ، وَكَانَ لَهُمْ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ مِنْ جِنْسِ خَوَارِقِ السَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ.
فَنَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى سُلَيْمَانَ مِنْ كَذِبِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوهُ يُسَخِّرُ الشَّيَاطِينَ بِنَوْعٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ، هَؤُلَاءِ جَرَّحُوهُ، وَهَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[البقرة:102- 103]
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنْ أُمُورٍ لَيْسَتْ مِنْ شَرْعِ اللَّهِ تعالى، فَيُصَدِّقُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَتَصِيرُ فِتْنَةً لِطَائِفَتَيْنِ مُصَدِّقَتَيْنِ بِهَا:
طَائِفَةٍ تَقْدَحُ فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ بِمَا هُوَ مِنْهُ بَرِيءٌ.
وَطَائِفَةٍ تَقُولُ: إِنَّهَا تَتْبَعُهُ فِيمَا يَقُولُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَحْكِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ تَذْكُرُ عَنْهُمْ مَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِم.
وَالنَّصَارَى تَجْعَلُ ذَلِكَ قُدْوَةً لَهُمْ فِيمَا يَبْتَدِعُونَهُ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْمَسِيحُ عليه السلام.
– الشيخ: قف على هذا يا أخي
– القارئ: بقي أسطر
– الشيخ: أسطر.. أكمل
– القارئ: فَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْمَسِيحُ عليه السلام إِمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، أَوْ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مَوْجُودٌ مِثْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ بِذَلِكَ لَاهُوتًا وَنَاسُوتًا، وَلَا اتَّحَدَ اللَّاهُوتُ بِالنَّاسُوتِ، وَلَا اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يُعْبَدَ وَيُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدَ، وَيُدْعَى كَمَا يُدْعَى اللَّهُ تعالى، وَيُضَافَ إِلَيْهِ مَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ وَالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلَيْسَ لِلْمَسِيحِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ آيَةٌ خَارِقَةٌ إِلَّا وَلِغَيْرِهِ مِثْلُهَا وَأَعْظَمُ مِنْهَا، وَلَا قِيلَ فِيهِ كَلِمَةٌ، إِلَّا قِيلَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهَا وَأَعْظَمُ مِنْهَا، إِلَّا مَا خَصَّهُ فِيهِ الْقُرْآنُ.
قالَ رحمهُ اللهُ تعالى: فصلٌ.
قالوا: وقَالَ حَبْقُوقَ النَّبِيِّ.
– الشيخ: إلى آخره، الله المستعان.
– طالب: رأي ابن حزم في الزكاة.
– الشيخ: أي أي، أش عندك؟
– طالب: يقول في المحلَّى المجلد الثاني صفحة (27)
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لَا يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا» فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ عَمَّنْ لَا بَيَانَ فِي هَذَا النَّصِّ بِإِيجَابِهَا فِيهِ؛ وَهُوَ الْعَدَدُ وَالْوَقْتُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا – بِلَا خِلَافٍ مِنْهَا أَصْلًا – عَلَى أَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلَّا مَا صَحَّ عَنْهُ بِنَقْلِ آحَادٍ أَوْ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ؛ وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ قَطُّ بِأَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – لَمْ يُرِدْ إلَّا بَعْضَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ وَصِفَاتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ؟
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحُلِيِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ تُوجِبُوا فِيهِ الزَّكَاةَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ؟
قُلْنَا لَهُمْ: لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ، فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَخَصَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الْأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الْأَزْمَانِ.
– الشيخ: يعني ما دونَ النِّصاب، خصَّ الدليلُ ما دون، "ليس في ما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة"، يعني يرى أن هذا خارج عن الحديث: "ما من صاحبِ ذهبٍ أو فضةٍ"، خصَّتْ يعني، خصَّ الدليلُ بعض المقادير، الأعدادُ يعني المقادير، خمس أواق ما دون خمس أواق ليس فيه صدقة.
– القارئ: فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلَّا فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَصَحَّ يَقِينًا – بِلَا خِلَافٍ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ، وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: " إلَّا الْحُلِيَّ " بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعٍ – وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
– الشيخ: جزاك الله خير، أحسنت أحسنت، نعم.
الحاشية السفلية
↑1 | الشيخ: نحنُ نقولُ للنساء إلي يسألنَ، يعني، ينبغي تُخرِج الزكاةَ، وإذا كانت قالت: مضى عليَّ كذا سنة ما زكيتْ، أقول: ما أبداً؛ لأنَّ عَمِلَتْ بمذهبٍ شائعٍ، وهو الذي عليهِ الفتوى مثلاً في بلادنا، فلا آمرُها بأنْ تؤدِّي زكاةَ السنينِ الماضية، لا، إذا سألتْ نقولُ: من الآن الأحوط عليكِ أنْ تزكيِّ، بس من الآن |
---|