بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس المئة
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبدِهِ ورسولِهِ محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابُ الصَّحيحُ لمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" يقولُ رحمَهُ اللهُ تعالى:
فصلٌ
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي اللَّهِ: ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ نَطَقَ بِهِ وَأَوْضَحَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَفِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّوْرَاةِ يَقُولُ -حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ- قَالَ اللَّهُ: (لِنَخْلُقْ خَلْقًا عَلَى شِبْهِنَا وَمِثَالِنَا) فَمَنْ هُوَ شِبْهُهُ وَمِثَالُهُ سِوَى كَلِمَتِهِ وَرُوحِهِ؟ وَحِينَ خَالَفَ آدَمُ وَعَصَى رَبَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (هَا آدَمُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا) وَهُوَ قَوْلٌ وَاضِحٌ أَنَّ اللَّهَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِهِ وَرُوحِ قُدُسِهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ بِهَذَا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ -عليهِ السَّلامُ- هُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّ لَفْظَ التَّوْرَاةِ: (نَصْنَعُ آدَمَ كَصُورَتِنَا وَشِبْهِنَا) وَبَعْضُهُمْ يُتَرْجِمُهُ (نَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا وَشِبْهِنَا)
وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ: (عَلَى صُورَة الرَّحْمَنِ) فَقَوْلُهُم: مَنْ هُوَ شِبْهُهُ وَمِثَالُهُ سِوَى كَلِمَتِهِ وَرُوحِهِ -مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ لَفْظُ النَّصِّ: عَلَى مِثَالِنَا. الثَّاني: أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِمَا ذُكِرَ عَلَى تَقْدِيرِ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، فَإِنَّهُ بِأَيِّ تَفْسِيرٍ فُسِّرَ قَوْلُهُ: (سَنَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا شِبْهَنَا) لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ الْمَسِيحَ
– الشيخ: هذا من العجبِ، الكلامُ في شأنِ آدمَ لا في شأنِ المسيحِ، من العجبِ أن يستدلُّوا بمثل هذه الألفاظِ الَّتي يزعمونَ أنَّها في التوراةِ على فضلِ المسيحِ.
– القارئ: الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إِنْ أَرَادُوا بِالْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ شِبْهُهُ وَمِثَالُهُ صِفَتَهُ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ الْقَائِمُ بِهِ، وَالْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ بِهِ مَثَلًا، فَالصِّفَةُ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلْمَوْصُوفِ، إِذِ الْمَوْصُوفُ هُوَ الذَّاتُ الْقَائِمَةُ بِنَفْسِهَا، وَالصِّفَةُ قَائِمَةٌ بِهَا، وَالْقَائِمُ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ شَيْئًا غَيْرَ صِفَاتِهِ، مِثْلَ بَدَنِ الْمَسِيحِ وَرُوحِهِ، فَذَلِكَ مَخْلُوقٌ لَهُ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْخَالِقِ، وَكَذَلِكَ رُوحُ الْقُدُسِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ مَلَكٌ أَوْ هديٌ وَتَأْيِيدٌ
– الشيخ: هُدىً
– القارئ: عندي … أحسنَ اللهُ إليكَ
– الشيخ: هدى هدى
– القارئ: أَوْ هُدًى وَتَأْيِيدٌ – لَيْسَ مِثْلًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَالَ (لِنَخْلُقْ خَلْقًا) أَوْ قَالَ: (نَخْلُقُ آدَمَ أَوْ نَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا وَشِبْهِنَا) وَعَلَى مَا قَالُوهُ: (نَخْلُقُ خَلْقًا عَلَى شِبْهِنَا وَمِثَالِنَا) وَبِكُلِّ حَالٍ، فَهَذَا وَكَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ.
وَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ بِذَلِكَ النَّاسُوتَ الْمَسِيحِيَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ النَّاسُوتِ وَسَائِرِ النَّوَاسِيتِ، مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النَّصِّ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَمِ، وَالنَّاسُوتُ نَفْسُهُ لَيْسَ هُوَ كَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ يُشْبِهُ ذَاتَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، مِثْلَ كَوْنِهِ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ.
وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (سَنَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا شِبْهَنَا) فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّثْلِيثِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَشِبْهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّمَاثُلَ الَّذِي يُوجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.
– الشيخ: يعني هذا عندَ الشيخ، الشيخُ يفرِّقُ بين التماثُلِ والتشابُهِ من بعض الوجوه، فالمشابهةُ من بعض الوجوه لا تستلزمُ التماثلَ؛ لأنَّ المشابهةَ من بعض الوجوه هذه لازمةٌ لكلِّ الموجودات، فما من موجودٍ إلَّا وبينه وبين غيره قدرٌ مشتركٌ، يعني فهو يشبهُه من بعض الوجوهِ، والمشابهةُ من بعض الوجوه هذه لا تستلزمُ المثليَّةَ، لا تستلزم المثليَّةَ، والَّذي وردَ في النصوص هو نفي المثلِ، وأمَّا لفظُ الشِّبه ما وردَ؛ لأنَّ المشابهةَ من بعض الوجوهِ هذه لا يمكن الانفكاكُ عنها، فما من شيئين إلَّا وبينهما قدٌر مشتركٌ، يعني قاعدةٌ صحيحةٌ مطّردةٌ، ما من شيئين، حتَّى الأشياءُ المتضادَّةُ، حتَّى الأشياءُ المتضادة بينها قدرٌ مشتركٌ، مثل السوادِ والبياضِ، السوادُ والبياضُ بينهما قدرٌ مشتركٌ، وهو اللونيَّةُ، كلٌّ منهما لونٌ، بينهما قدرٌ مشتركٌ ما هو؟ الوجودُ، بينهما قدرٌ مشتركٌ وهو مطلقُ الوجودِ، مطلقُ اللونيَّةِ، هذا قدرٌ مشتركٌ، مع أنَّهما ضدَّان. فوجودُ قدرٍ مشتركٍ أو مشابهةٍ من بعض الوجوه لا تستلزمُ التماثلَ، وهذا ما سيتكلَّمُ عنه الشيخُ فيما يبدو.
– القارئ: وَإِذَا قِيلَ هَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَهَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَتَشَابَهَا فِي مُسَمَّى الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُسَمَّى مُمَاثِلًا لِهَذَا الْمُسَمَّى فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ.
بَلْ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، الَّذِي تَشَابَهَا فِيهِ، وَهُوَ مَعْنًى كُلِّيٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَلَا يُوجَدُ كُلِّيًّا عَامًّا مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي عِلْمِ الْعَالِمِ
– الشيخ: في علمِ العالِمِ يعني: هو الوجودُ الذهنيُّ، هو الوجودُ الذهنيُّ، لا يوجدُ كلّيٌّ مشتركٌ إلَّا في الذهنِ فقط، لا في الخارجِ، الخارجُ ليس فيه، المعاني الكليَّةُ لا توجدُ في الخارج، لا توجد إلَّا في الذهن، كإنسانٍ مطلقٍ أو وجودٍ مطلقٍ أو جسمٍ مطلقٍ أو حيوانٍ مطلقٍ أو نباتٍ مطلقٍ، فلا يوجدُ إلَّا في الذهن، أمَّا في الخارجِ فلا يوجدُ إلَّا المعيّناتُ، معيّنٌ، فالحيُّ هذا حيٌّ وهذا حيٌّ، بينهما قدرٌ مشتركٌ، القدرُ المشتركُ هذا لا يوجدُ إلَّا في الذهنِ، وكلٌّ من الاثنين يختصُّ بحياته، يختصُّ بقدرته، يختصُّ بعلمه، لا يشركُه فيه الآخرُ.
– القارئ: وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا، كَمَا يَخْتَصُّ الرَّبُّ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. وَالثَّالِثُ: مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَاكَ، كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقدِرَةِ، فَمَا اخْتَصَّ بِهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ
– الشيخ: وما يختصُّ به العبدُ لا يشركُه فيه الربُّ، نعم، فالربُّ مختصٌّ بحياتِه بعلمِه بقدرتِه، والمخلوقُ مختصٌّ بعلمِهِ بقدرتِه بحياتِه.
– القارئ: وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّقَائِصِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْعَبْدِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الرَّبُّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كَالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ فِي ذِهْنِ الْإِنْسَانِ فَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ خَصَائِصَ الْخَالِقِ وَلَا خَصَائِصَ الْمَخْلُوقِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
وَلَفْظُ التَّوْرَاةِ فِيهِ: (سَنَخْلُقُ بَشَرًا عَلَى صُورَتِنَا يُشْبِهُنَا) لَمْ يَقُل: عَلَى مِثَالِنَا، وَهُوَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) فَلَمْ يَذْكُرِ الْأَنْبِيَاءُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم- كَمُوسَى، وَمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِما وَسَلَّمَ- إِلَّا لَفْظَةَ شِبْهٍ دُونَ لَفْظِ مِثْلٍ.
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ: هَلْ لَفْظُ الشِّبْهِ وَالْمِثْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مَعْنَيَيْنِ، عَلَى قَوْلَيْنِ
– الشيخ: والتحقيق …
– القارئ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الشِّبْهِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ النُّظَّارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهَا مُخْتَلِفٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لُغَةً وَشَرْعًا وَعَقْلًا، وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّقَيُّدِ وَالْقَرِينَةِ يُرَادُ بِأَحَدِهِمَا مَا يُرَادُ.
– الشيخ: … التقييد
– القارئ: وإنْ كانَ، وإنْ كانَ، نعم أحسنَ اللهُ إليكَ؟
– الشيخ: معَ التقييدِ
– القارئ: وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّقييدِ وَالْقَرِينَةِ يُرَادُ بِأَحَدِهِمَا مَا يُرَادُ بِالْآخَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْبِهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَللنَّاسِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: فَمَنْ مَنَعَ أَنْ يُشْبِهَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ قَالَ: الْمِثْلُ وَالشِّبْهُ وَاحِدٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ يُشْبِهُ الشَّيْءُ الشَّيْءَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ – فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَعْرَاضَ مِثْلَ الْأَلْوَانِ تَشْتَبِهُ فِي كَوْنِهَا أَلْوَانًا، مَعَ أَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ مِثْلَ الْبَيَاضِ، وَكَذَلِكَ الْأَجْسَامُ وَالْجَوَاهِرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ تَشْتَبِهُ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقَائِقُهَا لَيْسَتْ مُتَمَاثِلَةً، فَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْمَاءِ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ التُّرَابِ، وَلَا حَقِيقَةُ النَّبَاتِ
– الشيخ: معَ وجودِ قدرٍ مشتركٍ، معَ وجودِ قدرٍ مشتركٍ، الترابُ والماءُ كلٌّ منهما مخلوقٌ، كلٌّ منهما جسمٌ، كلٌّ منهما مرئيٌّ، كلٌّ منهما محسوسٌ
– القارئ: فَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْمَاءِ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ التُّرَابِ، وَلَا حَقِيقَةُ النَّبَاتِ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ الْحَيَوَانِ، وَلَا حَقِيقَةُ النَّارِ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ الْمَاءِ وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَوْهَرٌ وَجِسْمٌ وَقَائِمٌ بِنَفْسِهِ.
وَأَيْضًا فَمَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: هَذَا يُشْبِهُ هَذَا، وَفِيهِ شِبْهٌ مِنْ هَذَا، إِذَا أَشْبَهَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25]
وَقَالَ: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ[البقرة:118]
فَوَصَفَ الْقَوْلَيْنِ بِالتَّمَاثُلِ، وَالْقُلُوبَ بِالتَّشَابُهِ لَا بِالتَّمَاثُلِ
– الشيخ: فوصفَ القولين
– القارئ: فَوَصَفَ الْقَوْلَيْنِ بِالتَّمَاثُلِ، وَالْقُلُوبَ بِالتَّشَابُهِ لَا بِالتَّمَاثُلِ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ وَإِنِ اشْتَرَكَتْ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ لَا مُتَمَاثِلَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ»
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَتْ مُتَمَاثِلَةً، بَلْ بَعْضُهَا حَرَامٌ وَبَعْضُهَا حَلَالٌ.
وَالْوَجْهُ السَّادِسُ.
– الشيخ: قفْ على هذا يا أخي.