بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس السّابع بعد المئة
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد؛ فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح"، يقول رحمه الله -تعالى-:
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُمُ: الشَّمْسُ وَشُعَاعُهَا وَضَوْءُهَا، إِنْ أَرَادُوا بِالضَّوْءِ مَا يَقُومُ بِهَا، وَبِالشُّعَاعِ مَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا فَلَيْسَ هَذَا مِثَالَ النَّارِ وَحَرِّهَا وَلَهَبِهَا؛ إِذْ كِلَاهُمَا يَقُومُ بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالشَّمْسُ لَمْ تَقُمْ بِهَا إِلَّا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَا صِفَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ التَّمْثِيلُ بِهَا مُطَابِقًا.
– الشيخ: إنَّ المُناسب "لا صفتان" لأن "لا" عاطفة والصفةُ مرفوعة، لأن الاستثناء مُفرَّغ، لم يقمْ بالشمس، لم يقم بالشمس إلا صفةٌ واحدةٌ لا صفتان، هذا هو ما يقتضيه التركيبُ.
– القارئ: فَلَا يَكُونُ التَّمْثِيلُ بِهَا مُطَابِقًا، وَإِنْ أَرَادُوا بِالضَّوْءِ وَالشُّعَاعِ كِلَاهُمَا؛ مَا يَقُومُ بِهَا، أَوْ كِلَاهُمَا؛ مَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا – فَكِلَاهُمَا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ هُمَا صِفَتَانِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ.
– الشيخ: بعده.
– القارئ: ليس هما صفتان، أحسن الله إليك؟
– الشيخ: ليس هما صفتين.. نعم، ما هو هذا الذي أنت تعنيه
– القارئ: لَيْسَ هُمَا صِفَتَينِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ بِالشَّمْسِ خَطَأٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الشَّمْسُ وَحَرُّهَا وَضَوْءُهَا، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النَّارِ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ أَصَحُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ فِي جِرْمِ الشَّمْسِ حَرَارَةً تَقُومُ بِهَا، فَإِنَّ هَذَا.
– الشيخ: لو صحَّ، شوف لاحظْ انتبه، لو صحَّ يعني: المسألة فيها خلافٌ بين علماء الطبائع وعلماء الهيئة. في خلاف، هل الشمسُ تقوم بها حرارة في جرمها؟ والأظهر يعني أقول في نظري: أنَّ الشمس ليست حارّةً، جرمها ليس حارًّا، لأنه لو كان جرمُها حارًّا كان يلزم من هذا أنك كلما تقتربُ وترتفع يكون أشدَّ حرارة، لأنك تقترب من الجسمِ الحار تقترب، وأنتم تقرؤون الآن في التعليمات في الطيران يقول لك وأنت في طبقاتٍ عالية في الطائرة ماذا يقولون عن درجة الحرارة؟ شفتوها؟
– طالب: تنخفض، تقلّ
– الشيخ: تنخفض؟
– طالب: …
– الشيخ: يقولُ: درجةُ الحرارة كذا، ما أدري! أظنُّه يقول تحت الصفر، يعني كلما ترتفع تكون الأمورُ أشدُّ برودة، إذًا الحرارة هذه كما يذكر الشيخُ -وهو المحسوس- أنَّ الحرارة الآن ناشئةٌ من الشعاع الواقع على الأرض، شعاع الشمس، تتولد الحرارة المُتولدة من شعاع الشمس، والجسم الذي هو عليها. اقرأ الكلمات اللي يقولها الشيخ.
– القارئ: وَهَذَا التَّمْثِيلُ أَصَحُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ فِي جِرْمِ الشَّمْسِ حَرَارَةً تَقُومُ بِهَا فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ لَا تُوصَفُ بِحَرَارَةٍ وَلَا بُرُودَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ.
– الشيخ: خلاص ما دام أرسطو، كبير، فيلسوف، الظاهرُ أصحابُ الدراساتِ والعلوم يتكلمون عن الشمس، فيما تدرسون أنتم؟ درستُموه ولا بدَّ، أنَّهم يقولون أنَّ درجة حرارةِ الشمس كذا وكذا وكذا بالآلاف، كذا عندكم؟
– القارئ: نعم. أحسن الله إليك.
– الشيخ: درستموه؟
– القارئ: صحيح.
– الشيخ: أي بالآلاف، درجة حرارة الشمس كذا بالآلاف، والشيخ هنا وش يقول؟ يقول لم يقم، يعني لم يقم على حرارتها دليل، وأيش؟ وجمهور العقلاء يُنكرون أيش؟
– القارئ: وكثيرٌ من العقلاء يُنكره.
– الشيخ: يُنكره، نعم.
– طالب: يا شيخ حديث: (وتدنو الشمسُ منهم قدرَ مِيلٍ هل له علاقةٌ بالحرارة)؟
– الشيخ: أي أجل، حرارة، لكن الآن، الآن لو تدنو الشمسُ الآن الحرُّ يزيدُ وينقصُ بحسبِ قربِ الشمس وبعدِها الآن.
– طالب: لكن هذا ما يتعلقُ بوجودِ الحرارة في جرمِ الشمس.
– الشيخ: لا ما يلزم، ما يلزم، من الضوءِ، نعم.
– القارئ: وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمْ بِرُوحِ الْإِنْسَانِ وَنُطْقِهِ، فَإِنْ أَرَادُوا بِالرُّوحِ حَيَاتَهُ، فَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَفْهُومَ الرُّوحِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِالرُّوحِ الَّتِي تُفَارِقُ بَدَنَهُ بِالْمَوْتِ وَتُسَمَّى "النَّفْسَ النَّاطِقَةَ" فَهَذِهِ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رُوحُ اللَّهِ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ مَعَ جَوْهَرٍ آخَرَ نَظِيرَ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَيَكُونَ الرَّبُّ -سُبْحَانَهُ وَتعالى- مُرَكَّبًا مِنْ بَدَنٍ وَرُوحٍ كَالْإِنْسَانِ.
– الشيخ: تعالى الله، تعالى الله، نعم.
– القارئ: وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَهْلِ الْمِلَلِ، لَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى، بَلْ هُوَ كُفْرٌ عِنْدَهُم، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ بِالثَّلَاثَةِ بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ التَّمْثِيلَ إِمَّا أَنْ يَقَعَ بِصِفَاتِ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالْإِنْسَانِ، أَوِ النَّفْسِ الْقَائِمَةِ بِهَذِهِ الْجَوَاهِرِ، أَوْ بِمَا هُوَ مُبَايِنٌ لِذَلِكَ، كَالضَّوْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْحِيطَانِ وَالْهَوَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْسَامِ إِذَا قَابَلَتِ الشَّمْسَ أَوِ النَّارَ أَوِ الْإِنْسَانَ أَوِ النَّفْسَ الْقَائِمَةَ بِهَذِهِ الْجَوَاهِرِ، فَإِنْ أُرِيدَ هَذَا فَهَذَا شُعَاعٌ مُنْعَكِسٌ، وَضَوْءٌ مُنْقَلِبٌ، وَلَيْسَ صِفَةً قَائِمَة بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ.
– الشيخ: سبحان الله! ولهذا يمكن مما يتصف بهذا الأجسام التي تعكسُ ضوء الشمس لا تقعُ أو لا تتولد معها الحرارة، مثل: بلاطِ الحرم الآن، بلاط الحرم الآن، تمشي في عزِّ النهار وسَط النهار تجدُه عاديًّا، والأسودُ يتشرَّبُ الحرارة ويلذع من يطأُ عليه، هذا شفتوه، جرَّبتوه؟
– القارئ: صحيح.
وَإِذَا أُرِيدَ بِمَا حَلَّ فِي الْمَسِيحِ هَذَا، وَهَذَا يُسَمَّى نُورًا وَرُوحًا يُسَمَّى نُورَ اللَّهِ كَمَا قال -تعالى-:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم[النور:35]
وَقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ جَعَلَ الرُّوحَ الَّذِي أَوْحَاهُ نُورًا يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ.
وَقال تعالى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22].
وَقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف:157].
وَقال تعالى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28].
وَقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
فَإِذَا أُرِيدَ مَا حَلَّ فِي الْمَسِيحِ مِنَ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا يَحُلُّ فِي جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِم، وَلَيْسَ هَذَا الْحَالُّ فِيهِمْ نَفْسَ صِفَةِ اللَّهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا عَنْهَا وَمُسَبَّبًا عَنْهَا، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ صِفَةِ اللَّهِ -تعالى-
وَإِنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: بَلْ صِفَةُ اللَّهِ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا حَلَّتْ فِي الْعَبْدِ، فَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ، فَإِنَّ صِفَةَ الْمَوْصُوفِ الْقَائِمَةَ بِهِ يَمْتَنِعُ قِيَامُهَا بِعَيْنِهَا بِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَعَلَّمَ عِلْمَ غَيْرِهِ، وَبَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ يُقال: هَذَا عِلْمُ فُلَانٍ وَكَلَامُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الثَّانِيَ بَلَّغَهُ عَنْهُ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ عِلْمُ الْأَوَّلِ وَكَلَامُهُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ نَفْسَ مَا قَامَ بِذَاتِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ مَا قَامَ بِذَاتِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مِثْلَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالثَّانِي، مِثْلَ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ، فَكَلَامُ الْمُبَلِّغِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّبْلِيغِ.
– الشيخ: ها، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامعٍ، نعم بعده.
– القارئ: صِفَاتُ الْمُبَلِّغِ -كَحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ- الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ التَّبْلِيغُ.
– الشيخ: يحصل التبليغ بحركةٍ وصوتٍ من؟
– القارئ: المُبَلَّغ، من الثاني يعني؟
– الشيخ: يا أخي، التبليغ يكون بحركة وصوت من؟ المبلِّغ؟
– القارئ: باعتبار الأول يكون هو المُبلَّغ.. هو أخذَ من الأول، أخذ علمَه من الأولِ وبلَّغه. أصبحَ هو المُبلِّغ.
– الشيخ: مُبلِّغ، لا عندَك ثلاثة، عندَك.
– القارئ: مبلِّغ.
– الشيخ: لا، مُتكلِّم، الأول متكلِّم، يعني الله مُبلِّغ؟ ها؟ مُتكلِّم، وجبريل؟ مُبلِّغ، والرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ مُبلِّغ، وباعتبار: يمكن مثلًا: الرسولُ متكلِّم، والراوي عن الرسول مُبلِّغ، ومن انتهى إليه؟
– القارئ: مُبلِّغ.
– الشيخ: ثم يجتمعُ أمران، فيكون الشخص الواحد مُبلَّغٌ عمن قبله، مُبلَّغٌ ومُبلِّغٌ؟، مُبَلَّغٌ ممن قبله مُبَلَّغٌ، ومُبَلِّغٌ عمن قبله، فهو مُبَلَّغٌ ومُبَلِّغٌ جميعًا نعم بعده.
– القارئ: صِفَاتُ الْمُبَلِّغِ – كَحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ – الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ التَّبْلِيغُ؛ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَقْصُودِ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا كَلَامُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى حَقِيقَةِ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ بِالتَّبْلِيغِ، لَا إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُبَلَّغُ.
– الشيخ: مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُبَلَّغُ كأنه.
– القارئ: أي، مضبوطة عندي هكذا.
– الشيخ: ما هي مضبوطة.
– القارئ: لَا إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُبَلِّغُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلِهَذَا شَبَّهَ النَّاسُ مَنْ قال: بِحُلُولِ صِفَةِ الرَّبِّ فِي عَبْدِهِ بِالنَّصَارَى طالبينَ بِالْحُلُولِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِهِمْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ.
لَكِنَّ النَّصَارَى لَا يَقُولُونَ بِحُلُولِ صِفَةٍ مُجَرَّدَةٍ، بَلْ بِحُلُولِ الْأُقْنُومِ الَّذِي هُوَ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ خَالِقٌ وَرَازِقٌ، وَهُوَ خَالِقُ آدَمَ وَمَرْيَمَ، وَهُوَ وَلَدُ.
– الشيخ: سبحان الله! سبحان الله عما يقول الظالمون!
– القارئ: وَهُوَ خَالِقُ آدَمَ وَمَرْيَمَ، وَهُوَ وَلَدُ آدَمَ وَمَرْيَمَ، وَهُوَ خَالِقٌ لَهُم بِلَاهُوتِهِ، ابْنٌ لَهُم بِنَاسُوتِهِ.
وَيَقُولُونَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَهُوَ اللَّهُ بِلَاهُوتِهِ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا بِاللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ لِأَجْلِ الِاتِّحَادِ، وَاللَّهُ كَفَّرَهُمْ بِقَوْلِهِم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
– الشيخ: لقد كفرَ، هذا هو، وهذه الآية التي تنصُّ على كفرهم.
– القارئ: وَاللَّهُ كَفَّرَهُمْ بِقَوْلِهِم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادُوا بِتَمْثِيلِهِمْ بِصِفَاتِ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالنَّفْسِ التَّمْثِيلَ بِنَفْسِ مَا يَقُومُ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالنَّفْسِ مِنَ الضَّوْءِ وَالْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ، وَجَعَلُوا مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ صِفَاتِ اللَّهِ كَمَا أَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ.
قِيلَ لَهُمْ أَوَّلًا: لَمْ يُعَبِّرْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصلاة والسَّلَامُ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ-تعالى- بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ، فَلَيْسَ لَكُمْ إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كَلَامِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذِكْرَ الْإِيمَانِ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ – أَنْ تَقُولُوا: مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ صِفَةُ اللَّهِ الَّتِي هِيَ الْكَلِمَةُ وَالْعِلْمُ، وَلَا حَيَاةُ اللَّهِ، إِذْ كَانُوا لَمْ يُرِيدُوا هَذَا الْمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِاسْمِ الِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ مَا هُوَ بَائِنٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَالْبَائِنُ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَالِقَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ الْمُتَّحِدُ بِهِ خَالِقًا، فَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعْدَ ضَلَالٍ، ضَلَالًا حَيْثُ جَعَلْتُمْ مُرَادَ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ بِالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ صِفَةَ الرَّبِّ.
– الشيخ: لا، مراد المسيح، مراد المسيح، مراد المسيح، ما أدري ما لها وجه عندي، مراد المسيح أيش؟ بالابن؟
– القارئ: نعم.. بالابن وروحِ القدس صفةَ الربِّ.
– الشيخ: أي، مراد المسيح وغيره، يعني من يُعبِّرُ هذا التعبير؟ الابن، من يُعبِّر؟ مُراد المسيح وغيرِه ممن يقول مثلًا: ابن الله.
– القارئ: حَيْثُ جَعَلْتُمْ مُرَادَ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ بِالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ صِفَةَ الرَّبِّ، ثَمَّ ضَلَالًا ثَانِيًا حَيْثُ جَعَلْتُمُ الصِّفَةَ خَالِقًا وَرَبًّا، ثَمَّ ضَلَالًا ثَالِثًا حَيْثُ جَعَلْتُمُ الصِّفَةَ تَتَّحِدُ بِبَشَرٍ هُوَ عِيسَى عليه السلام، وَيُسَمَّى الْمَسِيحَ وَيَكُونُ هُوَ الْخَالِقَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَضَلَلْتُمْ فِي الْحُلُولِ ضَلَالًا مُثَلَّثًا بَعْدَ ضَلَالِكُمْ فِي التَّثْلِيثِ أَيْضًا ضَلَالَاتٍ أُخَرَ، حَيْثُ أَثْبَتُّمْ ثَلَاثَ صِفَاتٍ دُونَ غَيْرِهَا، وَجَعَلْتُمُوهَا جَوَاهِرَ أَرْبَابًا، ثُمَّ قُلْتُم: إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَضَلَلْتُمْ ضَلَالًا مُثَلَّثًا فِي التَّثْلِيثِ، وَضَلَالًا مُثَلَّثًا فِي الِاتِّحَادِ.
وَقِيلَ لَكُمْ ثَانِيًا: إِذَا جَعَلْتُمْ ذَلِكَ صِفَاتٍ لِلَّهِ، كَمَا أَنَّ الضَّوْءَ وَالنُّطْقَ وَالْحَرَارَةَ صِفَاتٌ لِمَا تَقُومُ بِهَا امْتَنَعَ أَنْ تَحُلَّ بِغَيْرِهَا، وَامْتَنَعَ مَع الْحُلُولِ أَنْ تَكُونَ فَاعِلَةً فِعْلَ النَّارِ وَالشَّمْسِ وَالنَّفْسِ، وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُ الْكَلِمَةَ وَالْحَيَاةَ حَالَّةً بِغَيْرِ اللَّهِ، وَجَعَلْتُمْ مَا يَحُلُّ بِهِ إِلَهًا خَالِقًا، بَلْ هُوَ الْإِلَهُ الْخَالِقُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ لَا يَجْعَلُ مَا يَحْصُلُ فِيهِ ضَوْءُ النَّارِ نَارًا.
– الشيخ: ما يحصلُ من ضوء النار، كأنَّ الكلام ما يحصلُ من ضوءِ النار نارًا، ما يقولون عن ضوءِ النار أنَّه نار، وقد يُعبِّرُون … النار، قد يُعبرون تجوُّزًا.
– القارئ: وَلَا مَا يَحْصُلُ فِيهِ شُعَاعُ الشَّمْسِ شَمْسًا.
– الشيخ: ومع ذلك يتجوَّزون، يقولون اقعدْ في الشمس، اقعدْ في الشمس، أنت قاعدٌ في الشمس؟ الشمس في برجِها في مكانها، ما هي عندك، عندك ضوءُ الشمس وشعاع الشمس.
– القارئ: وَلَا مَا يَحْصُلُ فِيهِ نُطْقُ زَيْدٍ وَعِلْمُهُ – هُوَ نَفْسَ زَيْدٍ، فَكَانَ جَعْلُكُمُ الْمَسِيحَ هُوَ الْخَالِقَ لِلْعَالَمِ – مُخَالِفًا لِتَمْثِيلِكُم.
وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا يُطَابِقُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْثِلَةِ، إِذْ كَانَ كَلامًا بَاطِلًا مُتَنَاقِضًا يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ، فَلَا تَمْثِيلَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الثَّابِتَةِ الْمَعْلُومَةِ، إِلَّا إِذَا كَانَ تَمْثِيلًا غَيْرَ مُطَابِقٍ.
– الشيخ: إلا كان، إلا كان، إلا كان.
– القارئ: إِلَّا إِذَا كَانَ تَمْثِيلًا غَيْرَ مُطَابِقٍ.
– الشيخ: عندكم كذا؟
– طالب: في النسخة عندنا …
– الشيخ: إلا كانَ، نعم.
– القارئ: وَلِهَذَا يُشَبِّهُونَ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ تَارَةً بِحُلُولِ الْمَاءِ فِي الظَّرْفِ، وَتَارَةً بِحُلُولِ النَّارِ فِي الْحَدِيدِ، وَتَارَةً بِالنَّفْسِ وَالْبَدَنِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ بِأَنَّهُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ اخْتَلَطَا كَاخْتِلَاطِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبُوهَا لِلَّهِ أَمْثَالٌ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْمَاءَ فِي الظَّرْفِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْعِيَةِ مُحْتَاجٌ إِلَى وِعَائِهِ، لَوِ انْخَرَقَ وِعَاؤُهُ لَتَبَدَّدَ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِهِ، وَلَا يَتَّصِفُ الظَّرْفُ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ، وَالرَّبُّ -تعالى- يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لَا إِلَى الْعَرْشِ، وَلَا إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ يُحِيطَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ؛ إِذْ هُوَ الظَّاهِرُ، فَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قال: (أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ) فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مُمَاثِلًا لِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا لَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ كَذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَخْبَرَنَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنِ الْعَرْشِ.
وَالْمَخْلُوقُ الْمُسْتَوِي عَلَى السَّرِيرِ أَوِ الْفُلْكِ أَوِ الدَّابَّةِ لَوْ ذَهَبَ مَا تَحْتَهُ لَسَقَطَ؛ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَهُوَ الْحَامِلُ بِقُدْرَتِهِ لِلْعَرْشِ وَلِحَمَلَةِ الْعَرْشِ.
وَفِرَقُ النَّصَارَى الثَّلَاثَةُ يَقُولُونَ.
– الشيخ: قِفْ على هذا يا أخي.