بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب النّكاح)
الدّرس الحادي والعشرون
*** *** *** ***
القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمَه الله تعالى- في "بلوغُ المرامِ":
بَابُ الْقَسْمِ
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-
الشيخ: "بَابُ الْقَسْمِ" كذا بس [هكذا فقط] ؟
القارئ: نعم، أحسن الله إليكم.
الشيخ: لو قالَ بَابُ الْقَسْمِ بينَ الزوجاتِ.
القارئ: أي هذا الصنعانيّ أضافَ بينَ الزوجاتِ.
الشيخ: بَابُ الْقَسْمِ! قسمةُ أموالٍ!؟ لا، هو ترجمتُه هكذا: بَابُ الْقَسْمِ بينَ الزوجاتِ، وبهذا يظهرُ مناسبةُ البابِ لما قبله، لـمَّا ذكرَ الوليمةَ ذكرَ هذا البابَ؛ لأنَّ المتزوجَ قد يتزوجُ على امرأةٍ سابقةٍ، فيجبُ عليه أن يُراعي حقَّ المرأتينِ، حقَّ الزوجتينِ، فهذا الباب يَختصُّ بمن تزوَّجَ عدداً، تزوَّجَ امرأةً على امرأةٍ سابقةٍ، فهنا يجبُ عليه القَسْمُ بينَ الزوجتينِ أو الزوجاتِ والعَدْلُ ببينهما كما سيأتي.
والله -تعالى- يقول: مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] إذا خافَ الإنسان من عدمِ العَدلِ فليقتصرْ على واحدةٍ، إذا أراد أن يتزوجَ ينظر في نفسِه وفي طبيعتِه، هل سيقيمُ العدلَ ويقوم بما أوجب الله من العدلِ بين الزوجات؟، ولا هو يخشى من الحَيف، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً يعني: فانكحُوا واحدةً، فيترك زواجَ اثنتين سبب للإخلالِ بواجبِ العَدل.
وقد قال -سبحانه وتعالى-: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129] وهذا الذي لا يُستطاعُ، اللهُ -تعالى- لم يُكَلِّفِ العبادَ به، ما لا يُستطاعُ لا يُكَلَّفُ العبدُ به.
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [النساء:129] فالحذر من الـمَيلِ الذي يؤدِّي إلى جعلِ المرأة مُعلَّقةً، لا ذاتَ زوجٍ ولا مُطلَّقة، فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]
قال المفسرون: العدلُ الذي لا يُستطاعُ إنما هو في المحبةِ، العدلُ في المحبة وما يتبعها من الجِماع.
لكن يجب العدلُ في الـمُستطاع، فيما يُستطاع من القَسْمِ: المبيتِ، النفقة، الحقوق الأخرى، نعم بَابُ الْقَسْمِ بينَ الزوجاتِ.
القارئ: بَابُ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ
عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ بين نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ).
رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَلَكِنْ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إرْسَالَهُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
الشيخ: هذا الحديث يدلُّ على وجوبِ العدلِ، كما دلَّ عليه القرآنُ.
والحديثُ الأولُ: فيه هَدْيُهُ -صلى الله عليه وسلم- في القَسْمِ بينَ الزوجاتِ، فقد كان يَقْسِمُ ويَعْدِلُ، وإنْ لمْ يكنِ العدلُ واجباً عليه؛ لأنَّ الله فوَّضَ إليه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى.. [الأحزاب:51] لكنه مع ذلكَ كان يعدل -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: (هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ)، وهذا هو المشارُ إليه في قولِه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
والحديثُ الثاني: فيه أنَّ (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا)، يعني: (مَالَ إلَى إحْدَاهُمَا) ليسَ هو ميلُ القلبِ، ومحبةُ القلب، (مَالَ إلَى إحْدَاهُمَا) بالإخلالِ بالعدلِ الواجبِ، (مَالَ إلَى إحْدَاهُمَا) ميلاً أفضى به إلى الإخلالِ بالعَدلِ الواجبِ المستطاَع، (جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ)، وهذا من نوعِ الجزاء من جنسِ العملِ، فعُوقِبَ بنوعِ ذنبِه، بنوعِ ذنبِه، يأتي وشِقُّهُ مائلٌ ليسَ بمستقيمِ القامةِ والهيئةِ.
القارئ: وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: (إنَّهُ لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي) رواه مسلم.
الشيخ: لا إله إلا الله، هذا مِن أحكامِ القَسْمِ، أنه إذا تزوَّجَ الرجلُ البكرَ وعندَه امرأةٌ وتزوَّجَ بِكْراً فإنه يقيمُ عندَها سبعاً، ثم يعودُ للقَسم يَقسم، وإن تزوج ثيّباً على امرأةٍ كانتْ عندَه فإنه يقيمُ عندَها ثلاثاً.
والحكمةُ في هذا ظاهرةٌ من وجهينِ: من جهةِ الرغبةِ في البِكر الشابَّةِ الجديدةِ من ناحية المتزوِّجِ، ومن ناحيةِ المرأة البكر، فإنَّ هذا مما يُطمئِنُها ويُرغِّبُها؛ لأنَّها جديدة، بخلافِ الثِّيب التي قد جَرَّبَتْ وجَرَّبَتْ، وهذا من حكمةِ التشريعِ، من حكمةِ شرعِ الله، شرعُ الله قائمٌ على الحكمة.
يقول أنس: "مِنْ السُّنَّةِ"، وإذا قال الصحابي: "مِنْ السُّنَّةِ" فهذا في حُكمِ المرفوعِ؛ لأنَّهُ ليسَ هناكَ سُنَّةٌ إلا سنةَ النبيِّ -عليه الصلاة السلام- "مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ قَسَمَ، إن تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا".
والرسولُ عملَ بهذا تماماً لما تزوجَ أمَّ سلمة وهي ثيِّبٌ أقام عندَها ثلاثاً وقال لها تَطْيِّيْبَاً لقلبِها: (لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ)، يعني أقمتُ عندكِ سَبْعاً، لكن إذا أقمتُ عندكِ سبعاً سبَّعت للباقي، يؤدي هذا إلى أيش؟ تضيع الثلاث، المعتادُ والمناسبُ أنْ تختارَ الثلاثَ؛ لأنَّهُ إذا سبَّع لها راحَ وسبَّعَ للباقي ما استفادتْ جديداً ولا تميَّزت عن البواقي، أقامَ عندَها ثلاثاً ثم قال: (ليسَ بكِ هوانٌ)، الحديث.
القارئ: وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: الله أكبر، سَوْدَةَ مِنْ أولِ مَنْ تزوَّجها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما أسنَّتْ كأنَّها شَعرتْ مِن الرسولِ بشيءٍ من الانصرافِ عنها، وكانتْ حكيمةً، فعرضتْ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ تَهَبَ يومَها وليلتَها لعائشةَ، ويُذكرُ أنه نزلَ في ذلكَ: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]
فإذا رأتِ المرأةُ أنْ زوجَها يمكن تخشى أنْ يُطلِّقها ولأنَّها تلاحظ أنه قَلَّتْ رغبتُه فيها فإنَّ لها أن تتصرفَ، يعني يمكن أن تتنازلَ عن حقِّها في القَسم وترضى بالبقاء مع أولادِها كما تفعل بعضُ العاقلات الحكيمات في التصرفِ، أو أن تهبَ يومَها إذا كان له زوجةٌ أخرى، تهبُ يومَها وليلتَها لِضَرَّتها، فتحظى ببقائِها بعصمة زوجِها.
وسودةُ حُقَّ لها أن تتنازلَ عن يومِها وليلتِها لتبقى أمَّ المؤمنين، وتكونَ من أمهاتِ المؤمنين، ومن أزواج النَّبيِّ في جناتِ النعيمِ، رضي الله عنها.
القارئ: وَعَنْ عُرْوَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا هُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا. فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ لَهُ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يَدْنُو مِنْهُنَّ». الْحَدِيثُ.
الشيخ: هذا مؤيِّدٌ لما سبق أنَّ -عليه الصلاة والسلام -كان يَعدِلُ بين نسائِه، وكان يطوفُ عليهنَّ، على الجميعِ، يَـمُرُّ عليهنَّ جميعاً للمؤانسةِ وتفقُّدِ الحالِ وما إلى ذلك، وقد يدنو من الواحدةِ، ويدنو منهن لكن لا يجامِعُ، حتى ينتهي إلى التي هو عندَها فيقيم عندَها.
وهذا يدلُّ على أنه لا يمتنعُ على الزوج أن يمرَّ على المرأة في غير ليلتِها لكن لا يجامِع، في غيرِ يومِها يَـمُرُّ عليها بهذا المعنى، للمؤانسةِ، ولتفقدِ الحال، وقضاءِ ما تحتاج إليه، هذا من هديه -عليه الصلاة والسلام- نعم، انتهى الباب؟
القارئ: لا، أحسن الله إليكم.
الشيخ: باقي؟
القارئ: أي، نعم، بقي حديث عائشة، وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
الشيخ: أيش يقول؟ كان؟
القارئ: يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: (أَيْنَ أَنَا غَدًا؟) يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتَهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا». متفق عليه.
الشيخ: أما الحديثُ الأولُ: ففيه أنَّ الرسول كان في مرضه -مرضِه الذي ماتَ فيه- كان يسألُ: (أَيْنَ أَنَا غَدًا؟) (أَيْنَ أَنَا غَدًا؟)؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام -كان يحبُّ عائشة، هذا أمرٌ معلومٌ، كان يحبُّها، ولا ضَيرَ عليه في ذلك، فكما تقدَّم أنَّ المحبةَ ليست مما يجب فيه العدلُ، فكان يحبُّ يومَ عائشة، يحبُّ المبيت عندها والإقامة عندها، فأذِنَ له نسائُه أن يقيم عند عائشة ويَتمرَّضَ ويُمرَّضَ عند عائشة -رضي الله عنها-، ولهذا ماتَ عندَها بين صدرِها ونَحرِها، بين نَحرِها وسَحْرِها -صلى الله عليه وسلم-، اللهم صلِّ على محمد.
فهذه كرامةٌ وفضيلةٌ لعائشة -رضي الله عنها-، وفضائُلها في هذا البابِ كثيرة، فكلُّ نسائِه تزوجهُنَّ ثَيِّبَاتٍ إلا هيَ، إلا عائشة تزوجَها بِكراً، وهي الصدِّيقة، هي الصدِّيقة بنتُ الصدِّيق ولا تَفْضُلُها امرأةٌ من نسائِه إلا المرأة العظيمة السابقة لها، التي كانت عائشةُ تَغارُ منها وهي مَيتة، تغارُ من ذِكر الرسول لها، يقول: كانتْ وكانتْ وكانتْ، ويستمتعُ بالحديث عن خديجة، المرأةُ العظيمةُ خديجةُ بنتُ خُويلد، التي جاءتْ قصتُها في بَدْءِ الوحي، رضيَ الله عنهنَّ جميعاً، أمهاتُ المؤمنين،وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]
أما الحديث الأخير: ففيه حُكمٌ من أحكام الزوجات، وهو القَسم بينهنَّ والعَدل، وهو أن ذو الزوجاتِ إذا أراد أن يسافرَ بإحداهنَّ فإنه يُقرعُ بينهما أو بينهن، فكان هذا هديه -عليه الصلاة والسلام-، إذا أرادَ سفراً أَقْرَعَ بين نسائِه.
وهذا من أدلة استعمالِ القُرعةِ في تعيينِ الشيء من الأشياء المتماثلة، والقُرعة وسيلةٌ لتعيين الحقِّ، وجاءت الإشارة، ودلَّ القرآن على استعمالِ القُرعة في موضعينِ: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141] وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]
لكن لو تراضتِ المرأتانِ وقالت واحدة: لا، أنا متنازلة، تروح هذه، انتهى الأمر، لكن الإقراع هذا عند التَّشاحِّ فهو يستعملُ القُرعة، فإذا طابتْ نفسُ بعضهنَّ وتنازلتْ لم تَدخل في القُرعة، والله أعلم.
القارئ: أحسن الله إليكم، الآن، إذا كان له زوجتانِ وأقرعَ الآن وسافرتْ واحدةٌ، السفرُ الآخرُ يُقرعُ مرة أخرى أم يأخذ الثانية؟
الشيخ: لا، ما يأخذ الثانية، يُقرع.
القارئ: بقي الحديث الأخير، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
باب الخُلع.
الشيخ: هذا الحديثُ فيه النهيُّ عن جلدِ المرأةِ وضربِها الضربَ الـمُبرِّح، فاللهُ قد أَذِنَ بضربِ الناشزِ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ[النساء:34] ولكنَّ هذا الضربَ مُقيَّدٌ بأنْ لا يكونَ ضرباً مُبرِّحاً وهكذا قولُه هنا: (لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثمَّ يُضاجِعُها)، سبحان الله! يجلدُهَا اللحظةَ هذه ثمَّ يروح يطلب منها الفراش!، هذا مما لا يليق.
طالب: وهل لها يا شيخ أن تمتنع؟
الشيخ: لا هذا شيء آخر.
القارئ: أحسن الله إليكم.