بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الثّامن
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "بلوغِ المرامِ":
بابُ اللِّعانِ
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، هذا بابٌ عظيمٌ، نسألُ الله العافية، اللِّعانُ أصلُه في اللغةِ مصدرُ لاعنَ يلاعنُ لعاناً وملاعنةً، يعني فيه معنى أن طرفين يلعنُ كلٌّ منهما الآخرَ، لاعنَ أو تلاعنَا، لاعنَه يعني كلٌّ منهما الآخرَ، أمَّا في مفهومِه الشرعيِّ الفقهيِّ اللِّعانُ والملاعنةُ هو يعني التلاعنُ بينَ الزوجين إذا رمى الرجلُ زوجتَه بالزنا وليسَ عندَه شهودٌ، فإنَّ اللهَ شرعَ لدرءِ الحدِّ عن الزوجِ –لأنَّه قاذفٌ- لدرءِ الحدِّ عن الزوج اللعان.
وهذا جاءَ في سورةِ النورِ صريحاً بعدما ذكرَ آيةَ القذفِ قالَ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور:6] ما عندهم شهودٌ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6] فيقولُ هو: أشهدُ باللهِ أنَّها كذا وكذا، أشهدُ باللهِ أربعَ مرَّاتٍ، كما يقولُ في الخامسةِ، يقولُ: أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ يلعنُ نفسَه يعني يقولُ: عليَّ، إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَوَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِين [النور:7] وهي تردُّ، يعني: هذا اللِّعانُ من الزوجِ يبرأُ به من الحدِّ خلاص، يسلمُ ظهرُه من إقامةِ الحدِّ.
ثمَّ يأتي دورُها هي، ماذا تفعلُ؟ إن نكلَتْ وأبتْ أنْ تلاعنَ أُقيمَ عليها الحدُّ، هذا هو الصحيحُ، لقولِه تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ [النور:8] يعني: العذابُ حقٌّ عليها حينئذٍ، ونجا الزوجُ بهذه الشهادات، لكنَّها إذا شهدَتْ كذلك أربعَ مرَّاتٍ تشهدُ باللهِ إنَّه لمن الكاذبينَ، وتقولُ في الخامسةِ: أنَّ غضبَ اللهِ عليها إنْ كانَ من الصادقين، فإنَّها حينئذٍ تنجو من العذابِ، تدرأُ العذابَ عن نفسِها.
ثمَّ جاءَت السُّنَّةُ تفصيلَ هذا الحكمِ بأنَّه يفرّقُ بينهما فلا يُعاقَبُ لا هو ولا هي، لكن تجبُ الفرقةُ بينهما؟ إذا تلاعنَا على هذا الوجه، فاصلُ هذا الحكمِ التلاعنُ بينَ الزوجين إنَّما هو في حاِل إذا ما رمى الرجلُ امرأتَه بالزنا، وجاءَ في السُّنَّةِ أحاديثٌ، وقعَ شيءٌ من هذا في عهدِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- ولا حول ولا قوَّة إلَّا باللهِ، وهو –يعني وقوعه- يعني جرى في عهدِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- وحصلَ التلاعنُ ولم يقم الحدَّ على واحدٍ، لأنَّ المرأةَ قد شهدَتْ كذلك ودرأَتْ الحدَّ عن نفسها، ووقوعُه في المحاكمِ نادرٌ قليلٌ، قليلٌ جدَّاً جدّاً، ما سمعْنا وقائع، لكن هذا حكمٌ موجودٌ عندَ وجود ما يقتضيه، هذه شريعةٌ، شريعةٌ شرعَها اللهُ، هذا هو […..]
ولو أنَّ الرجلَ يعني ما أرادَ اللِّعانَ وفارقَ زوجتَه يعني لما عرفَ أنَّها زنتْ متعمِّدةً وخائنةً وطلَّقَها ما يلزمُ، ما نقولُ: يجبُ عليه اللِّعانُ، لكن ما يتكلّم بهذا، ما يتكلّم، إذا تكلّم وقالَ: إنَّها زنتْ وأظهرَ ذلكَ خلاص وجبَ، لكن إذا سكتَ وطلَّقها يعني طلباً للعافية والستر، لأنَّه كما قال للصاحبيِّ: إنْ تكلَّمْتَ تكلَّمْتَ بأمرٍ عظيمٍ، وإنْ سكتَ، لكن يسكتُ معَ أنَّه يستبقيها ثانيةً لا، لا يجوزُ، ما يجوزُ أن يستبقيها وهي تزني، نعم، نسألُ الله العافية، نعم اقرأْ شيئاً، بابُ اللِّعانِ.
– القارئ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «سَأَلَ فُلَانٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ..
– الشيخ: فلانٌ كناية عن الاسمِ، إذا أرادَ الإنسانُ أن يُكنّي ولا يعيِّنُ يقولُ: جاءَ رجلٌ، أو قالَ فلانٌ، نعم، ولعلَّ كلمةَ "فلان" من الراوي، تحتملُ أنَّها من ابن عمرَ أو من الراوي عنه
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، الصَّنعانيُّ قالَ: هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ
– الشيخ: أي جاء التفصيلُ
– القارئ: كَمَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
– الشيخ: نعم بعده
– القارئ: «سَأَلَ فُلَانٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ..
– الشيخ: أعوذُ بالله، كانَ أمس أمس يسألُ فقط، لو يفترضُ فرض، لو وجدَ أحدُنا أو لو وجدَ الرجلُ معَ امرأتِه رجلاً فهذا إنْ سكتَ سكتَ عن أمرٍ عظيمٍ، وإنْ تكلَّمَ تكلَّمَ بأمرٍ عظيمٍ، فالرسولُ لم يجبْه، فصارَ كما يُقالُ: البلاءُ مُوكَلٌ بالمنطقِ، أعوذُ بالله، فلمَّا كانَ اليومُ الثاني جاءَ قالَ: ما سألْتُكَ عنه قد وقعَ لي.
– القارئ: فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ..
– الشيخ: يعني الكلامُ فيه اختصارٌ، فيه اختصارٌ، قصَّةُ هذه فيها اختصارٌ، بل لما جاءَ الرسولُ طلبَ حضورَ المرأة يمكن في نفس الوقت ولا في وقتٍ آخرَ لكن هكذا جرى، دائماً المسائلُ القصص يكونُ فيها طويل أمور معروفة، يعني ليسَ معنى هذا أنَّه جاءَ هو والمرأة، يعني جاب المرأة لا، جاءَ وأخبرَه أنَّ ما سألَ عنه قد ابتُلي به، فهذا يقتضي أنَّ الرسولَ قال يعني أعطاهما موعداً يحضران فيه جميعاً كلاهما، ثمَّ إنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- طبَّقَ حكمَ اللِّعانِ، بمعنى أنَّه تلا عليه الآيات ووعظَه وذكَّرَه وحذَّرَه، فالرجلُ أقسمَ بأنَّه ما كذبَ عليه، والَّذي بعثَكَ بالحقِّ ما كذبْتُ عليكَ، ثمَّ دعا المرأةَ؛ لتقولَ ما عندها، فهي كذلك شهدَتْ، شهدَت ولا صار، يعني ما ثبت، هو بَرِئَ من الحدِّ وهي برِئَتْ من الحدِّ، يعني ما هو برِئَتْ بمعنى أنَّه لم يُقمْ عليها الحدَّ؛ لأنَّ كلَّاً منهما شهدَ الشهادات الخمس، أعوذُ بالله، نعم ثمَّ دعا المرأةَ.
– القارئ: ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ، قَالَتْ: لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَكَاذِبٌ فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
– الشيخ: خلاص هذه صورةُ اللِّعانِ.
– القارئ: وعن ابنِ عمرَ أيضاً «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا
– الشيخ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ.
– القارئ: أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي. قَالَ: إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَلكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا» متَّفقٌ عليهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا، فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، فَهُوَ لِلَّذِي رَمَاهَا بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
– الشيخ: اللهُ المستعانُ، قد يتبيَّنُ من حالِ المولودِ، تتبيَّن الحقيقة بالشبهِ كما ذكر الرسولُ -عليه الصلاة والسلام-، ولكن يعني ليسَ لهذا أثرٌ في الحكمِ، لا يُنقَضُ الحكمُ، ولهذا جاءَ في بعضِ الرواياتِ أنَّه قالَ: لولا الأيمانُ لكانَ لي ولها شأنٌ، أو كما قالَ عليه السلامُ.
– القارئ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ عَلَى فِيهِ، وَقَالَ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
– الشيخ: يعني معنى هذا أنَّه لما أرادَ أنْ يتكلَّمَ بالخامسةِ أمرَ الرجلَ أنْ يضعَ يدَه على فمِه لأنَّها خطرٌ، لأنَّها آخرُ شيءٍ أنَّ لعنةَ اللهِ، يقولُ: لعنةُ اللهِ عليه، عليَّ يعني، نعم تعظيماً للأمر، تعظيماً للأمرِ.
– القارئ: وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ – قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ..
– الشيخ: يعني: هذا كلُّه يقتضي أنَّ مثلَ هؤلاءِ الَّذين روَوا أنَّهم شهدُوا الحادثَ وقد يكونُ بعضُهم رواه بالواسطةِ.
– القارئ: قَالَ: "فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–" متَّفقٌ عليهِ
– الشيخ: انتهى البابُ؟
– القارئ: لا بقيَ أحاديث
– الشيخ: أحاديث! قفْ عليها عجل يا أخي خلاص، نعم، نسألُ اللهَ العافيةَ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، إذا نكلَتْ المرأةُ؟
– الشيخ: تُقامُ عليها الحدُّ، هذا هو الصحيحُ، وإن كانَ فيها أظنُّ فيها خلاف، لأنَّ اللهَ قالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} أنْ تشهدَ، بمعنى أنَّها إذا لم تشهدْ فالحدُّ لازمٌ لها.