بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس التاسع
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الحافظُ ابن حجرٍ -رحمَه الله تعالى- في "بلوغ المرام" في تتمَّةِ بابِ اللعان:
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ- قَالَ: "فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
– الشيخ: لا إله إلا الله، في هذا الحديثِ أنَّ الرجلَ المـُلاعِنَ لما فرغَا من تلاعُنِهِمَا أكَّدَ دعواهُ بقولِه: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَمْسَكْتُهَا! فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
وهذا أوجبَ لبعضِ أهلِ العلمِ أنَّ الفُرقةَ لا تحصلُ بمجردِ إتمامِ اللِّعانِ، فهو أحدُ القولينِ.
والقولُ الثاني: أنَّ الرسولَ فَرَّقَ بينهما كما جاءَ في روايةٍ أخرى أنَّهُ فَرَّقَ بينَهُما، مقتضى هذا سواءً طلَّقَهَا أو لمْ يطلقّهَا فالفرقةُ حاصلةٌ، فتطليقُه لها تأكيدٌ، فطلَّقَها قبلَ أنْ يأمرَهُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "يا رسولَ اللهِ كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا"، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، يعني: لِيُبْعِدَهَا. قالَ: "كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قبلَ أنْ يأمره النبيُّ، إذن الرسولُ ما أمرَهُ أنْ يُطلِّقَهَا ثلاثاً.
وطلاقُ الثلاثِ جمعُ الثلاثِ هذا بدعةٌ، وعلى القولِ بأنَّ الفرقةَ تحصلُ بإتمامِ اللِّعانِ فهذا الطلاقُ لا أثرَ لَه، لكن هذا كما نقولُ حماسٌ لكراهتِهِ لهَا وبُغْضِهِ لها وحِرْصِه على مباعَدَتِها طلَّقَها ثلاثًا، والله أعلم.
– القارئ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ: (غَرِّبْهَا). قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي.
– الشيخ: غَرِّبْهَاَ غرِّبْهَا!؟
– القارئ: إي نعم الصنعاني قال: يعني أبعدَهَا يريدُ الطلاقَ
– الشيخ: تفسير يعني؟
– القارئ: ذكرَ في النهاية أيْ أبعَدَهَا يريدُ الطلاقَ
– الشيخ: ما أدري والله
– القارئ: ستأتي في روايةٍ أخرى. قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: (فَاسْتَمْتِعْ بِهَا).
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والترمذي في بعضِ النُّسَخِ، وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-ما بِلَفْظٍ – قَالَ: (طَلِّقْهَا) قَالَ: لَا أَصْبِرُ عَنْهَا. قَالَ: «فَأَمْسِكْهَا».
– الشيخ: في هذا قصةٌ، هذا الحديثُ فيه قصةُ ذلكً الرجلِ معَ امرأتِهِ وأنَّها ظاهرُ الكلامِ أنَّها مُتَساهلةٌ في بعضِ المقدمات، مقدماتِ الزِّنى التي ليستْ هي الزنا الأعظم.
"لا تَرُدُّ يدَ لامسٍ" يعني لو رجل لمـِسَها أو مَدَّ يدَه إليها لا تنفُرُ منه ولا تنكرُ عليه متهاونةٌ مُتساهلةٌ، وليس المراد أنَّها تزني فالمرأة إذا كانت تزني لا يجوز إمساكُها بحالٍ، بل يجب تطليقُها إذا كانت مُصِرَّةً، أما لو زَنَتْ وتَابَتْ فلا مانعَ من إمساكِها، إذا زَنَتْ وتَابَتْ.
فالرسولُ -عليه الصلاة والسلام- قالَ: (غَرِّبْهَا) أو طَلِّقْهَا، ما دامتْ بهذهِ الصفةِ من التساهلِ بأمرِ الاتصالِ أو اتصال الرجالِ بها اتركها. فقال: أخشى أنْ تَتْبَعَهَا نفسي أو لا أصبرَ عنها فقالَ: (فَأَمْسِكْهَا) فأمرَهُ بإمساكِها؛ نظرًا لحالِه وقلةِ صبرِه وربما أنه يحملُه ذلكَ على التعلُّقِ بها وتَتْبَعُهَا نفسه فأذِنَ لَه بإمساكِها.
ثم إنَّ قولَه: "لا تَرُدُّ يدَ لامسٍ" بعضُهم فسَّرَها تفسيراً آخر، أمّا السياقُ فهو في شأنِ الاستمتاعِ وفي شأن الناحيةِ الشهوانيةِ، بعضُهم تأوَّلَهُ تأويلاً بعيداً قالَ: "لا تَرُدُّ يدَ لامسٍ" يعني كلّ مَن مَدَّ يدَه تعطيهِ مُبَذِّرَةً إنها مُبَذِّرَةً، والمعنى الأول هو المعنى المعروفُ عندَ أهلِ العلمِ.
– القارئ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ -وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ- احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفَضَحَهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَعَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ.
– الشيخ: الحديثُ فيه الوعيد، وعيدُ مَنْ تزني وتُلحِقُ بزوجِها وأهلِه مَنْ ليسَ منهم.
فإنها إذا زنتْ وحملتْ مِن غيرِ زوجِها وولدَتْ، فإنه يصيرُ منسوباً إلى زوجِها ومنسوباً إلى عشيرتِهِ وإلى قومِهِ، فبذلكَ تُدْخِلُه عليهم وهو ليسَ منهمْ، ويصيرُ مَحْرمًا لنسائِهم مِن أخواتِ الزوجُ وبنات الزوجِ وغيرُ ذلكَ، وَيَرِثُ إذا أُدْخِلَ على القبيلةِ تَرتَّبَتْ أحكامُ القرابةِ.
وكذلكَ في المقابلِ جاءَ الوعيدُ -في الشِّقِّ الثاني مِن الحديثِ- الوعيدُ على مَنْ جَحَدَ ولدَه، يعني ولدَتْ امرأتُه ولدًا وقالَ: "ليسَ هو مِنّي" وأنكرَ ولدَه، (وهو ينظرُ إليهِ) وهو يعرفُ أنه ولدُه.
أمَّا إذا كانَ يتهمُ المرأةَ بالزنا فعليهِ أنْ يُلاعِنَها لِنَفْي الولدِ، وهيَ مسألةٌ معروفةٌ، يُلاعِنُهَا لِنَفْي الولدِ لِيَنْفِيَ الولدَ، ويُلاعِنُهَا على أنَّ هذا الولدَ ليسَ منه، وهي مسألةُ خلافٍ كذلك.
إذاً فمِنْ كبائرِ الذنوبِ أنْ يجحدَ الرجلُ ولدَهُ، وفي هذا لِعمر: أنَّ مَنْ أقَرَّ بولدِهِ ولو لحظةً فإنه لا يَسَعُهُ ولا يُمْكِنُهُ أنْ ينكرَهُ بعدَ ذلكَ، خلاص. اقرأ تعليق الشيخ على الحديث الأول حديث (لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ)
– القارئ: الصنعاني قال..
– الشيخ: على الحديث؟ لا تَرُدُّ يدَ لامسٍ أيش قال؟
– القارئ: قال: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَعْنَاهُ الْفُجُورُ، وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْخَلَّالُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخَطَّابِيُّ
– الشيخ: ما هو بلازم، يعني مَنْ يُرِيدُ مِنْهَا الْفَاحِشَةَ، لا تَرُدُّ يدَ لامسٍ على التأويلِ السابقِ أنَّ الأمورَ بعيدةٌ عَن، يعني الزنا نوعانِ: الزنا الفاحشةُ الكبرى، والزنا الأصغرُ وهو النَّظرةُ واللَّمْسُ: (اليَدُ تَزْني وَزِنَاهَا البَطْشُ)
– القارئ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْلِيقُ مَنْ فَسَقَتْ بِالزِّنَا
– الشيخ: أنه لا يجوز؟
– القارئ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْلِيقُ مَنْ فَسَقَتْ بِالزِّنَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهَا.
– الشيخ: هذا ظاهرُ الحديث.
– القارئ: وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُبَذِّرُ بِمَالِ زَوْجِهَا
– الشيخ: هذا المعنى الثاني لقولِهِ: لا تَرُدُّ
– القارئ: أَنَّهَا تُبَذِّرُ بِمَالِ زَوْجِهَا، وَلَا تَمْنَعُ أَحَدًا طَلَبَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيِّ.
– الشيخ: إذاً ليسَ لَه مناسبةٌ في البابِ كلِّه، بهذا التأويل ليسَ لَه مناسبةٌ في هذا البابِ، يروح هناك في بابِ صدقةِ التطوُّعِ
– القارئ: شيخُ الإسلامِ نَقَلَ عَن الإمامِ أحمد أنَّه ضَعَّفَ الحديثَ.
– الشيخ: إي هذا شيءٌ آخر، لكن الكلام في تأويلِهِ.
– القارئ: قال وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيِّ: وَنَقَلَهُ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ
– الشيخ: الأول اللي هو لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ، الفاحشة يعني.
– القارئ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ أَشْبَهَ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ يَشْكُلُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْله -تَعَالَى-: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ.
– الشيخ: والله ما، لو صَحَّ الحديثُ كانَ تخريجُه سهلًا.
– القارئ: قال الصنعاني: قُلْت: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ بَلْ لَا يَصِحُّ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا، فَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ، وَالثَّانِي بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَمَنْعُهَا مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ أَمْرُهُ بِطَلَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ لَا يَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، كِنَايَةً عَنْ الْجُودِ، فَالْأَقْرَبُ: الْمُرَادُ أَنَّهَا سَهْلَةُ الْأَخْلَاقِ لَيْسَ فِيهَا نُفُورٌ وَحِشْمَةٌ عَنْ الْأَجَانِبِ، لَا أَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ.
– الشيخ: لا تأتي الفاحشةُ لكن ممكن واحد يُلامِس شيئاً مِن جسدِها. له اسم عافانا الله وإياكم، في لغةِ العصرانيين تعرفونَه؟ تحرُّش، الله يقطعه.
– القارئ: نعم -أحسنَ الله إليك- أنا نقلتُ كلامَ شيخِ الإسلامِ مِنْ مجموعِ الفتاوى على هذا.
– الشيخ: جزاك الله خيراً
– القارئ: قال الشيخ -رحمه الله وقَدْ ضَعَّفَه الْحَدِيثَ-: وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّة.
وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤَوِّلُ "اللَّمسَ" بِطَالِبِ الْمَالِ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، لَكِنَّ لَفْظَ "اللَّمسِ" قَدْ يُرَادُ بِهِ: مَسَّهَا بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا.
– الشيخ: وإنْ لم
– القارئ: "يَطَأُهَا" مِنَ الوَطْءِ.
– الشيخ: هذا هو المعنى الذي ينبغي، لا يمكن أن لا تَرُدُّ يَدِ لَاْمِسٍ، يعني: لَاْ تَرُدُّ مَنْ يريدُ منها الفاحشةَ، أو أنَّها تفعلُ معَه الفاحشةَ، هذا لا يكونُ، هذا هو المعنى المنكر، لكن حمله على درجةٍ مِن التعاونِ والتساهلِ، أعدِ كلام الشيخ
– القارئ: قال: لَكِنَّ لَفْظَ "اللَّمسِ" قَدْ يُرَادُ بِهِ: مَسَّهَا بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنَّ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ فِيهَا تَبَرُّجٌ، وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهَا رَجُلٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، لَمْ تَنْفِرْ عَنْهُ، وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ نِكَاحُهَا مَكْرُوهٌ؛ وَلِهَذَا
– الشيخ: ومثل هذه إمساكُها مكروهٌ ما هو بحرامٍ يعني.
– القارئ: وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبُّهَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنَّهَا مُذْنِبَةٌ بِبَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ.
– الشيخ: مُقَدِّمَاتِ، سبحان الله! هذا لا يمكن تأويلُه على فعلِ الفاحشةِ؛ لأنَّ قوله: (أَمْسِكْهَا) لما قالَ له أخشى أنْ تتبعها نفسِي قالَ: (أَمْسِكْهَا) لا يمكن ولا يجوزُ أنْ يكونَ المرادُ فعلُها للفاحشةِ، فالزانيةُ لا يجوزُ إمساكُها، الـمُصَرَّةُ على الزنا.
– القارئ: الحديث الأخير: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ؟ قَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا أَلْوَانُهَا؟) قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: (هَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ؟)، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَأَنَّى ذَلِكَ؟)، قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: (فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَهُوَ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ.
– الشيخ: هذا حديثٌ عظيمٌ أخذَ منه أهلُ العلمِ معاني وأصول، فهذا من أصولِ القياسييّن، يستدلُّونَ بهذا الحديث على جوازِ القياسِ.
ويدلُّ على كذلكَ -وهذا هو المرادُ مِن سياقِه في هذا الموضعِ- على أنَّ اختلافَ الشَّبَهِ لا يوجِبُ نفيَ الولدِ، مخالفةُ الشَّبَهِ -شَبَهُ المولودِ مثلاً بأبيهِ- لا يوجِبُ نفيَهُ ولا يُبيحُ نفيَهُ.
فهذا الرجلُ ولدتْ زوجتُه غلاماً ليس على لونِه، غلاماً أسوداً، فاتَّهمَها يعني شكَّ في كونِه منه، فشكا ذلكَ إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- فالرسولُ ضربَ لَه مثلاً قالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (مَا أَلْوَانُهَا؟) قَالَ: حُمْرٌ. وهي مِن أنْفسِ الأموالِ عندَ العربِ، الإبل الحمر قَالَ: (هَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ؟)، يظهر الأورق بمعنى: الأسود، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فمِن أينَ لها ذَلِكَ؟، قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ -صلى الله عليه وسلم- لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ. عِرْق يمكن في بعضِ أصولِ هذهِ الإبلِ أسودُ فهذا جَذَبَهُ العِرْقُ، عِرْقُ الجَدِّ البعيدِ، فقالَ: وهكذا ابنُك لعلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ.
ما أحسنَ هذا التعليمَ! حُسنُ التعليمِ، هذا يستدلُّ به على حسنِ تعليمِه -صلى الله عليه وسلم-
فَعَلَّمَهُ وأقنَعَهُ بطريقةٍ واضحةٍ سهلةٍ مقنعةٍ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى الباب؟
– القارئ: انتهى الباب أحسنَ الله إليك، لكن الصنعاني ذكرَ على هذا الحديث
– الشيخ: الحديث الأخير؟
– القارئ: نعم أحسنَ الله إليك، قالَ -رحمه الله-: وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْوَلَدِ بِاخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ الْمُتَقَارِبَةِ
– الشيخ: بسببِ اختلافِ اللونِ
– القارئ: الْمُتَقَارِبَةِ كَالسُّمْرَةِ وَالْأُدْمَةِ، وَلَا فِي الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، إذَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ -وهو أصل السبل-كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَفْصِيلٍ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةُ زِنًا لَمْ يَجُزْ النَّفْيُ، وَإِنْ اتَّهَمَهَا فأتَتْ بِوَلَدٍ عَلَى لَوْنِ الرَّجُلِ الَّذِي اتَّهَمَهَا بِهِ جَازَ النَّفْيُ عَلَى الصَّحِيحِ.
– الشيخ: هذا الرسول قال في شأنِ الملاعِنة: (إنْ أتَتْ بِه كذا وكذا فهوَ الذي رُمِيَتْ به). لا هذا في الحالاتِ البريئةِ، أما الحالاتُ اللي فيها شبهةٌ وفيها قرينةٌ وفيها، لكن في الحالاتِ العاديةِ قدْ يقعُ في نفسِ الإنسانِ شيءٌ وإن لم يكن، وإن لم يُعلم، وإن لمْ يحصلْ زنا ظاهرٌ. يجي في النفسِ شيء إذا اختلفَ الشَّبَهُ اختلافاً بيِّنًا.
– القارئ: وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ النَّفْيُ مَعَ الْقَرِينَةِ مُطْلَقًا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مَعَهُ قَرِينَةَ الزِّنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ اللَّوْنِ.
يعني -أحسن الله إليكم- إذا أتت المرأة بولدٍ أسود تمامًا وأهلُها ما فيهم الألوان ولا أهلُه؟
– الشيخ: والله عاد هذا الي قدامك، أقول: هذا اللي عندك.
– القارئ: ينسب للرجل؟
– الشيخ: إي يُنسَب، ما يُمكن، يصير في النَّفس وِحشةٌ وكذا، لكن عاد نقولُ أيش يسوي عاد؟
يستطيعُ يَنْفِيهِ باللِّعانِ؟ ما ينفع، الحمد لله، لعلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.