بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الرّابع عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمهُ اللهُ تعالى في "بلوغِ المرامِ" في تَتمَّةِ بابِ العِدّةِ والإحدادِ:
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَخْرَجَهُ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَخَالَفُوهُ فَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ.
– الشيخ: دلَّ هذا الحديثُ وما يشهدُ له، أو هو أثرٌ اخُتلِفَ في رفعِه، (طلاقُ الأمَةِ طلقتانِ، وعِدَّتُها حيضتَان)، تقدَّمتِ الإشارةُ إلى هذا بالأمسِ، بأنَّ كثيرًا أو أكثرُ أهلِ العلمِ على التنصيفِ، تنصيفِ أحكامِ الرقيقِ -ذكرًا كان أو أنثى- قياسًا على تنصيفِ حدِّ الزّنا المنصوصِ في القرآنِ، قال اللهُ الإماءِ: فَإِذَا أُحْصِنَّ يعني تزوَّجنَ، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، نصفُ ما على المحصناتِ يعني: الحرائر، وماذا على الحرائرِ المتزوّجات إذا زنينَ؟ عليهِنَّ الرجمُ، حَدُّهُنَّ الرجمُ، لكن قال العلماءُ هنا: قولُه: فعليهنَّ النصفُ الرجمُ لا يتنصَّفُ، ما يتنصَّفُ الرجمُ ما فيه، موت، إذًا الذي يتنصفُ هو الجلدُ، فعُلِمَ بهذا أنَّ حدَّ الأمَةِ إذا زنتْ نصفُ حدِّ الحرَّةِ البكرِ، حدُّ الحرَّةِ البكرِ، حدُّ الحرَّةِ البكرِ حدُّها إذا زنتْ مائةُ جلدةٍ، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]. إذًا: الأمَةُ على النصفِ، فحدُّها إذًا خمسونَ. قال العلماءُ: وفي حكمِها أيضًا العبدُ إذا زنى، حدُّهُ خمسونَ جلدةٍ. وجاءتْ آثارٌ تشهدُ لهذا.
وذهبَ كثيرٌ من أهلِ العلمِ إلى التنصيفِ، تنصيفِ أحكامِ الرقيقِ، في العدادِ وفي الطلاقِ، يعني من هذه الأقوالِ ما جاءَ عن ابنِ عمرَ أنَّ طلاقَ الأمَةِ طلقتانِ، يعني الأمَةُ إذا كانت مزوّجةً فإنَّها تبينُ، تبينُ من زوجِها بطلقتينِ، بينما الحرَّةُ لا تبينُ من زوجِها إلَّا بثلاثٍ، وعدَّتُها حيضتانِ، عِدَّةُ الحرَّةِ ثلاثٌ، ثلاثُ حِيَضٍ. إذًا: الأمَةُ على النصفِ، والحيضةُ لا تَتْنصِفْ، ما في نصف حيضةٍ، فقالوا: عدَّةُ الأمَةِ، عدَّةُ الأمةِ يعني المزوَّجةِ إذا كانت عندَ زوجٍ وطلَّقَها فإنَّها تعتدُّ بحيضتينِ، تعتدُّ بحيضتين، وكذلك إذا تُوفّي عنها تعتدُّ بالنصفِ، كلّها تنصيفٌ تنصيفٌ. والذين لا يقولونَ بالقياسِ خلاص، النص جاءَ في تنصيفِ حدِّ الزنا وما سِوى ذلك لا يُقاسُ عليه.
وهذه مسائلُ منها ما جاءَ فيها آثارٌ تؤكِّدُهُ وترجِّحُه، ومنها ما لم يأتِ فيه ذلك، والقياسُ ليس بظاهرٍ في جميعِ الأحكامِ، هذا التنصيفُ جاءَ في حدِّ الزنا، زنا المحصنةِ، يعني المزوّجةِ.
ومن فروعِ هذا البابِ: العبدُ، يقولونَ: لا يَنكحُ إلا اثنتينِ، لا يَجمعُ بين أربعةٍ كالحرِّ، كلُّها على هذا المنوالِ. لا إله إلا الله، نعم وش بعده؟
– القارئ: والرَّاجحُ في هذا البسامُ قال: أنَّ عدَّةَ الأمَةِ حيضتانِ إجماعًا، ونقلَ الإجماعَ عن الوزيرِ لكن
– الشيخ: خلاص الظاهرُ لي.
– القارئ: نعم، لكنَّ الصنعاني قال: الأثرُ هذا عن ابنِ عمرَ ضعَّفوه.
– الشيخ: طيب.
– القارئ: حتى الدّارقطني، فاتَّفقوا على ضعفِه، قال الصنعانيُّ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هذا الحكمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، أَقْوَاهَا مَا ذَهَبَت إلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ مِنْ أَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَأَدِلَّةُ التَّفْرِقَةِ كُلُّهَا غَيْرُ نَاهِضَةٍ.
– الشيخ: هذا فيه، يعني صارتِ المسائلُ منها ما هو مُجمَعٌ عليه على التنصيفِ كما ذكرَ عندك، عدَّةُ الأمَةِ ما هو يذكر الإجماعَ؟
– القارئ: هذا البسامُ نقلَه عن الوزيرِ.
– الشيخ: إي.
– القارئ: لكنِ الظاهريةُ تُخالفُه كذا.
– الشيخ: إي الظاهريةُ ما عندهم تنصيفٌ أبد، يمكن حتى ولا العبد؛ لأنَّ الآيةَ في الإماءِ، ولا العبد؛ لأنَّ أصلَهم عندَهم ألَّا قياسَ، القياسُ كلُّه يقولونَ باطلٌ.
– القارئ: الراجحُ -أحسنَ اللهُ إليكم-؟
– الشيخ: واللهِ ما أدري.
– القارئ: على النصف ولا أنَّها كالحرةِ؟
– الشيخ: يعني الأصلُ هو تطبيقُ الأحكامِ العامَّةِ المطلقةِ إلّا ما خصَّهُ الدليلُ من كتابٍ أو سنَّةٍ أو إجماعٍ.
– القارئ: وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ).
– الشيخ: لا لا بس يقول على أربعةِ أقوالٍ، اقرأ اقرأ.
– القارئ: ما ذكرَ القولَ هذا قال: أقواها، وذكرَ القولَ قال: وَقَدْ سَرَدَ الأقوالَ الثلاثةَ وأدلّتها فِي الشَّرْحِ فَلَا حَاجَةَ بِالْإِطَالَةِ بِذِكْرِهَا.
– الشيخ: هذا الصنعاني؟
– القارئ: هذا الصنعاني
– الشيخ: إي في الشرحِ اللي هو البدر.
– القارئ: نعم هو، نعم هذا كلامُه في السُّبُلِ
– الشيخ: أقولُ في السبلِ يقول؟
– القارئ: نعم يرجِعُه للبدرِ نعم
– الشيخ: أقول: يقول: سَرَدَها في الشرحِ هو الصنعاني.
– القارئ: نعم هذا كلامُ الصنعاني.
– الشيخ: يعني من؟ يعني الأصلُ، يعني أصلُ السُّبُلِ، هو مختصرٌ.
– القارئ: ثمَّ ذَكَرَ عن أبي محمَّدِ ابنِ حزمٍ قال: وَأَمَّا عِدَّتُهَا: فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهَا؛ فَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ. قَالَ أيضًا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: لِأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] وقال: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وَقَالَ..
– الشيخ: هذا الحقُّ، المهمُّ أنَّ هذا هو الحقُّ ما لم يُعارضْه مُعارِضٌ من نصٍّ آخرَ أو إجماعٍ، فما ثبتَ فيه إجماعٌ، ويكفينا كذلك الجمهورُ، إذا كان جمهورُ الصحابةِ وفي آثار عن الصحابةِ، يعني الآثارُ عن الصحابةِ لها شأنُها، هم أعلمُ بكتابِ اللهِ.
– القارئ: نُكمِل، أحسنَ اللهُ إليكم؟ الشرح ولا؟
– الشيخ: لا لا، بس، خلاص.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ الْبَزَّارُ.
– الشيخ: هذا الحديثُ يُستدلُّ به على تحريمِ نكاحِ المعتدَّةِ، المعتدَّةُ لا يجوزُ العقدُ عليها ولا يجوزُ وطئُها، وهذا الذي عُبِّر عنه بقوله: (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ) أي: مَنيَّهِ، (زَرْعَ غَيْرِهِ) وهو الحملُ، فالمرأةُ الحاملُ لا يجوزُ العقدُ عليها ولا يجوزُ وطئُها، ومن أدلّةِ هذا هذا الحديثِ (لا يحلُّ..)، وهو يُبيّنُ الحكمةَ، الحكمةَ من نكاحِ المعتدَّةِ، حتى المعتدةُ الحاملُ، والمعتدّةُ الرجعيّةُ هذه زوجة، لا يحلُّ نِكاحُها مُطلقًا، وكذلك البائنُ، وكذلك المتوفّى عنها، قال الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ [البقرة:234]، التربُّصُ: الانتظارُ، عليهنَّ أن يتربصنَ بتركِ النكاحِ حتى تمضي عليهنَّ أربعةُ أشهرٍ وعشرًا.
– القارئ: عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: (تَربصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ) أخرجَهُ الدارقطني بإسنادٍ ضعيفٍ.
– الشيخ: المفقودُ هو الذي غابَ عن أهلِه غيبةً لا يدرونَ عن حالِه حيٌّ هو أو ميتٌ، وفي هذه الآثارِ ما يدلُّ على أنَّ امرأةَ المفقودِ، امرأةَ الغائبِ الذي هذه حالُه غيبةً يعني تجعلُ الشكَّ توجبُ الشكَّ في حياتِه وبقاءِه، أنّها امرأتُه حتى يأتيها البيانُ، يعني لا يُحكَمُ بوفاتِه حتى يأتيها البيانُ أنَّه ماتَ، هي امرأتُه باقيةً، عليها أن تنتظرَ حتى يأتيها البيانُ، اللهمَّ إلَّا إذا لم تُطِقِ الصبرَ فهناك سبيلُ الفسخِ، ترفعُ أمرَها إلى الحاكمِ وينظرُ في أمرِها، لكن لا يحكمُ على هذا المفقودِ، لا يحكمُ بموتِه؛ بحيثُ إذا ماتَ معناها ترثُه ويُقسَمُ مالُه على ورثتِه، مفقود.
وهذا الأثرُ أثرُ عمرَ استُدلَّ به على أنَّ المفقودَ يُنتظَرَ أربعَ سنين، فإذا تربَّصتِ امرأتُه أربعَ سنينَ فإنَّه يُحكَمُ بموتِه، فتتربّصُ العدّةَ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، هذا موجبُ هذا الأثرِ، ولهذا اختلفَ الفقهاءُ، قالوا المفقودُ جعلوه على نوعين: من كان غالبُ غيبتِه السلامةُ؛ فإنَّه يُنتظرُ في الحكمِ عليه بالموتِ أربعَ سنين، إذا كان غالبُ أمرِه الهلاكَ يُنتظرُ أربعَ سنين، وإن كان الغالبُ في غيبتِه السلامةَ؛ فإنّهم يقولون: يُنتظرُ حتى يتمَّ له تسعونَ سنةً منذ ولادتِه، هذا هو المذهبُ عند الحنابلةِ ومن وافقَهم.
وقال بعضُهم ليس لهذا تحديدٌ؛ بل هذا يرجعُ إلى نظرِ القاضي واجتهادِه، وهذا يختلفُ باختلافِ الأحوالِ والأزمانِ والظروفِ، فالحاكمُ هو الذي يجتهدُ ويُقدّرُ المدَّةَ، قد تكونُ أكثرَ من أربعِ سنينَ وقد تكون أقلَّ، وليس لهذه التحديداتِ دليلٌ، وحديثُ عمرَ رضي اللهُ عنه مُطلَقٌ، ولعلَّ هذا ليس تحديدًا عامًا مضطردًا في جميعِ الأحوالِ، لعلَّ هذا هو ما تقتضيهِ الحالُ في عهدِه رضي اللهُ عنه.
– القارئ: وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ) أخرجَه مُسْلِمٌ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) أخرجَه البخاريُّ.
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ. هذانِ حديثانِ فيهما تحريمُ المبيتِ عندَ المرأةِ المغيبةِ، وعن الخلوةِ بها مُطلقًا؛ لأنَّ هذا بابٌ من أوسعِ وأعظمِ أبوابِ الفاحشةِ، الخلوةُ، الخلوةُ بالمرأةِ الأجنبيةِ، يدلُّ لهذا الحديثُ الآخرُ: (ما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلّا كان الشيطانُ ثالثَهما)، (لا يبيتنَّ رجلٌ عندَ امرأةٍ إلّا أن يكونَ ناكحًا): إلَّا أن يكونَ زوجًا، (أو ذا محرم)، مَنْ خَرَجَ؟ منْ خَرَجَ؟ خرجَ الأجنبيُّ، فمن ليس بزوجٍ ولا ذي محرمٍ فهو الأجنبيُّ، فلا يحلُّ له أن يَبيتَ عند امرأةٍ في بيتٍ ليس فيه سواهُما، هذا خلوةٌ، ولو لم يكونا في غرفةٍ واحدةٍ، في بيتٍ يغلقانِ عليهما، (لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ)، وفي حديثِ ابنِ عباسٍ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا ومَعَها ذو مَحْرَمٍ).
ومن هذا القبيلِ نهيُ المؤمنةِ أو المسلمةِ أنْ تسافرَ إلّا مع ذي محرمٍ؛ لأنّها إذا سافرت وليس معها محرمٌ فهي عُرضةٌ للطمعِ فيها، عرضةٌ للخلوةِ بها، وهذا كلُّه من بابِ سدِّ ذريعةِ الفاحشةِ، قال اللهُ: ولَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، فقولُه: {لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} يدلُّ على تحريمِ كلِّ ما يُؤدّي إلى الزنا، فاللهُ تعالى حرَّمَ الزنا وسدَّ كلَّ طريقٍ يُفضِي إليه؛ لأنَّ الداعي إليه من أقوى الدواعي، الدَّاعي إلى الزنا وهو الغريزةُ الطبعيّةُ في الإنسانِ لقوّةِ الداعي جاءتِ الشريعةُ بسدِّ كلِّ طريقٍ. النَّظرُ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ: (العينُ تزني والأذنُ تزني واليدُ تزني) الحديثُ المعروفُ المشهورُ، اليدُ تزني، والعينُ تزني زناها النظرُ، والأذنُ تزني وزناها الاستماعُ، سبحانَ اللهِ، وحرَّمَ على النساءِ إبداءَ الزينةِ، وحرَّمَ عليها محرّماتٍ، والتبرجَ وكثرةَ الخروجِ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وما أحسنَ خَتْمُ هذا البابِ بهذين الحديثين، انتهى الباب؟
– القارئ: بقي حديثان، أحسنَ اللهُ إليكم.. بقيَ حديثانِ، حديثُ: (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً)، وحديث: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).
– الشيخ: خَلّه، نعم بعدَه، أقولُ: نقرأُهُ مُستقبلًا، نعم يا محمّد.
يا سلام سلّمْ. الآن هذا أقولُ بابُ شرٍّ قد فُتِحَ على مِصراعيه، بابُ الاختلاطِ، الاختلاطُ الذي يتضمَّنُ كلَّ وسائلِ الزنا وطرقِ الزنا، النظرُ والكلامُ والاستماعُ، وما يُسمّونَه الآن التحرّشَ كلّه، وذلك في الأعمالِ، الأعمالِ التعليميّةِ والأعمالِ الإداريةِ والتعليمِ بين الشبانِ، بنينَ وبناتٍ، شُبَّانٌ في عنفوانِ الشبابِ، هذا كلُّه دخلَ على المسلمينَ من عوائدِ الكفرةِ، الأممِ الكافرةِ البهيميّةِ، هؤلاءِ الكفارُ اللهُ مثَّلهم بالبهائمِ، ماذا بعد تشريعِهم شريعةَ الشيطانِ، فعلَ الفاحشةِ النكراءِ، فعلةَ قومِ لوطٍ، وقد زادوا، سَبَقَ التنبيهُ على أنّهم زادوا على قومِ لوطٍ، قومُ لوطٍ يفعلون شيئًا من ذلك بالشهوةِ من غيرِ تنظيمٍ، أمَّا هؤلاءِ أباحوه زواجًا، فلعنةُ اللهِ عليهم.