الرئيسية/شروحات الكتب/مقدمة في أصول التفسير/(8) فصل الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال قوله “هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه”

(8) فصل الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال قوله “هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
شرح رسالة "مُقدِّمة التَّفسير" لشيخ الإسلام ابن تيميّة
الدَّرس: الثّامن

***    ***    ***    
 
– القارئ: الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهداه أمَّا بعدُ:
قالَ المؤلفُ رحمنا الله وإيَّاه بعدَ أنْ ذكرَ أصولَ المُعتزلة:
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا رَأْيًا ثُمَّ حَمَلُوا أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي تَفْسِيرِهِمْ وَمَا مِنْ تَفْسِيرٍ مِنْ تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ إلَّا وَبُطْلَانُهُ يَظْهَرُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ

– الشيخ: اللهُ المُستعان، الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه ورسولِه وعلى آلِه وصحبه.
كان الصحابةُ رضيَ الله عنهم على الصراطِ المستقيم في اعتقاداتِهم وفي أعمالهم وفي فهمِهم لكتابِ الله. فلما حدثتِ الفِرقُ وابتدعوا البدعُ بالشُّبهاتِ المختلفة عقليًّا أو نقليًّا، وصارت النصوصُ تُعارضُ المذهب والاعتقادَ الذي انتحلُوه فكثيرٌ منهم عمدَ إلى تفسيرِ القرآن تفسيرًا يتوافقُ أو يتلاءمُ أو لا يتعارضُ مع ما ذهبوا إليه، فعلى سبيل المثالِ لمَّا أصَّل الجهمية ومن تبعَهم نفيَ الصفات، هذا أصلٌ واعتمدوا فيه بزعمِهم على شُبهاتٍ عقليةٍ، يقولون: العقل يدلُّ على كذا وكذا، لما عارضَتْهم النصوصُ ودلَّت على إثباتِ الصفاتِ أكثرهم راحَ يُفسرُّها تفسيرًا إمَّا أن يوافقَ أو على الأقلِّ لا يُخالفُ مذهبَهم. فمذهبُهم هو التعطيلُ وتفسيرُهم للنصوصِ هو التحريف فجمعُوا بين التعطيلِ والتحريفِ، فاعتقادُهم باطلٌ وتفسيرُهم للقرآن باطلٌ، لأنه تفسيرٌ هو خلافُ ظاهر القرآنِ ولا حجةَ لهم عليه هذا في بابِ الصفاتِ وهكذا في بقيةِ الأصولِ والاعتقاداتِ. كلُّ من انتحلَ نِحلةً واعتقدَ عقيدة فإنه يُؤوِّلُ النصوص التي تخالفُ ما هو عليه يُؤوِّلها يُفسِّرُها تفسيراتٍ يُحرفُونها، فالقدريةُ يُؤوِّلُون النصوصَ الدالة على خلقِ الله لأفعالِ العباد، والجبريةُ يُؤوَّلون النصوصَ الدالة على أنَّ أفعالَ العبادِ أفعالٌ لهم، وأنَّهم فاعلون حقيقةً، والمُرجئةُ يُؤوِّلون نصوص الوعيدِ، والوعيديةِ يُؤوِّلُون النصوص المُخالفةَ لهم وهكذا.
وأما أهلُ العلمِ والإيمان الذين استقامُوا على الصِّراطِ فإنهم يفهمون النصوصَ ويؤمنون بالجميعِ ويردُّون المُتشابهَ إلى المُحكَمِ، يردُّون النصوصَ المُتشابهةَ إلى المُحكَمِ الذي يُفسِّرُها و يُبينها ويُزيلُ الاشتباهَ عنها، فلهذا أهلُ السنة مثلًا في أهلِ الكبائر لم يقولوا بقولِ الخوارجِ أو المعتزلة، ولم يقولوا بقولِ المُرجئةِ، بل كانوا بين ذلك، وسطٌ في الوعيدِ بين الخوارجِ والمعتزلةِ وبين المُرجئةِ، فيقولون: إنَّ العاصي كذا مؤمنٌ بما معه من الإيمانِ وأنه في الآخرةِ مُستوجِبٌ للعذاب وأنه تحت مشيئةِ الله وهذا هو الذي يجتمعُ فيه شملُ النصوص، فالفِرقُ الضالّةُ تُؤتى من ناحية أنها تأخذُ بطرفٍ على حسابِ الطرف الآخرِ، ويضربون النصوصَ بعضَها ببعض ويُحرِّفون الكلِمَ عن مواضعِه.

– القارئ: قال رحمه الله: وَمَا مِنْ تَفْسِيرٍ مِنْ تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ إلَّا وَبُطْلَانُهُ يَظْهَرُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ: تَارَةً مِنْ الْعِلْمِ بِفَسَادِ قَوْلِهِمْ وَتَارَةً مِنْ الْعِلْمِ بِفَسَادِ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ إمَّا دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِمْ أَوْ جَوَابًا عَلَى الْمُعَارِضِ لَهُمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ فَصِيحًا وَيَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ حَتَّى إنَّهُ يُرَوِّجُ عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ الْبَاطِلَ مِنْ تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ مَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ الَّتِي يَعْلَمُ أَوْ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا وَلَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ. ثُمَّ إنَّهُ بسَبَبِ تَطَرُّفِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ دَخَلَتْ الرَّافِضَةُ الْإِمَامِيَّةُ
– الشيخ: اللهُ المُستعان، هذا صاحبُ "الكشاف مُعتزلٌ من شيوخِ المُعتزلة ومن مذهبِه نفي الصفاتِ، ومن مذهبه نفيُ القدر، وهو كما يقولُ – الشيخ: "بليغٌ" كتابه يرجع إليه في البلاغةِ -في الأمورِ البلاغية- فهو لمهارتِه يُدخِلُ مذهبَه في عباراتِه بحيث انَّه لا يتنبَّهُ لها أكثر القُرَّاءِ حتى إنَّ بعضَهم يقولُ فيه من الاعتزالياتِ ما لا يُوصل إلهيه إلا –كما يقولون… – أشياءٌ دقيقةٌ، ولكن هذا لا يهتدِي إليه إلا من يعرفُ مذهبَ القدريةِ ويعرف بطلانَه وقد يكونُ هذا أكثرُ الغموضِ في شُبهات القدريةِ وتحريفاتِ القدرية أكثرُ..، يعني يمكن نصوصُ الصِّفاتِ يتبيَّنُ فيها التحريفُ أكثر، ونصوصُ القدرِ يخفى فيها التحريفاتُ التي يقولون بها ويُفسِّرون بها النصوصَ، يقولُ – الشيخ: حتى أنَّ بعضَ الفضلاءِ ينقلُ من "الكشافِ" أمورًا لا تتفقُ مع مذهبه  -هذا الناقلُ- هو يعتقدُ بطلانها لكنه ينقل هذا الكلامَ ولا يُدركُ ولا ينتبهُ إلى ما فيه.
– القارئ: ثُمَّ إنَّهُ لِسَبَبِ تَطَرُّفِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ دَخَلَتْ الرَّافِضَةُ الْإِمَامِيَّةُ ثُمَّ الْفَلَاسِفَةُ ثُمَّ الْقَرَامِطَةُ وَغَيْرُهُمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ
– الشيخ: يعني تطرفُ هؤلاء مثل المُعتزلة أو الأشاعرةِ أو المُتكلِّمين، يعني من بعدِهم دخلَت الرافضةُ الإماميةُ -يعني بتأويلاتٍ- في أبوابٍ فيما يتعلقُ بالصحابةِ فيما يتعلقُ بأهل البيتِ في النصوصِ ثم دخلَتِ من ورائِهم الفلاسفةُ ثم دخلَتِ القرامطةُ. فكأنَّ المُتكلمين فتحُوا البابَ -باب التأويل- باب تفسير النصوص بخلافِ ما تدلُّ عليه يعني هم فتحُوا البابَ، فعلى سبيل المثال: المُتكلمون مثلًا يُؤوِّلُون نصوصَ الصفاتِ، يُحرفونها عن ظاهرِها جاءَ الفلاسفة مثلًا وأوَّلُوا مع ذلك -مع تأويلِ نصوصَ الصفاتِ- أوَّلُوا نصوصَ المعادِ لأنَّهم يقولون: إنَّ المعادَ روحانيٌّ لا جسمانيٌّ فإذا ردَّ عليهم المُتكلمون وأنكرُوا على الفلاسفةِ قالوا: إنَّ هذا مثل تأويلكِم لنصوصِ الصفاتِ فإذا كان تأويلُكم للنصوصِ والصفاتِ حقًّا فنحن مثلُكم، وشيخُ الإسلام استطاعَ أن يضربَ بعضَهم ببعضٍ ويقول للمُتكلمين: يلزمُكم أنكم تُوافقون الفلاسفةَ أو تتنازلون عن مذهبِكم، فيضربُ بعضَهم ببعضٍ وهي طريقةٌ في المُناظرةِ وفي الردِّ على الخصومِ طريقةٌ مُحكمةٌ وحكيمة.
– القارئ: وَتَفَاقَمَ الْأَمْرِ فِي الْفَلَاسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالرَّافِضَةِ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِأَنْوَاعِ لَا يَقْضِي الْعَالِمُ مِنْهَا عَجَبَهُ فَتَفْسِيرُ الرَّافِضَةِ كَقَوْلِهِمْ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب[المسد:1] هُمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
– الشيخ: وش جابَ أبو بكرٍ وعمر {تَبَّتْ يَدَا} تثنيةُ "يدٍ" {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} من هم يدَا أبي لهب: أبو بكر وعمر هذا يضحكُ منه الصبيان وأمثلةٌ أخرى يقولُ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19] عليٌّ وفاطمةٌ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] الحسنُ والحسينُ.
– القارئ: وَلَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] أَيْ: بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ
– الشيخ: يعني إنْ شرَّكْتَ فيهم، ليس أشركْتَ بالله في العبادةِ، لا، يعني أشركْتَ أبا بكرٍ مع عليٍّ في الخلافةِ: {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
– القارئ: وَإنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] هِيَ عَائِشَةُ
– الشيخ: ... قصة بني إسرائيل، أيش جابَ بني إسرائيل لعائشة؟  نُكت.
 – القارئ: وَفَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [التوبة:12] طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ
– الشيخ: أعوذُ باللهِ
– القارئ: وَمَرَجَ الْبَحْرَيْن عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ واللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ [يس:12] فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
– الشيخ: هذا كلُّه من تفسيرِ الرافضةِ.
– القارئ: وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ:1-2] عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55] هُوَ عَلِيٌّ وَيَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ تَصَدُّقُهُ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157] نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا أُصِيبَ بِحَمْزَةِ.
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17] أَنَّ الصَّابِرِينَ رَسُولُ اللَّهِ وَالصَّادِقِينَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَانِتِينَ عُمَرُ وَالْمُنْفِقِينَ عُثْمَانُ وَالْمُسْتَغْفِرِين عَلِيٌّ

– الشيخ: خمسة ما شاءَ الله.. الآية فيها خمسُ صفاتٍ وزَّعُوها كلَّها، هذا ليس تبع الرافضةِ هذا من تفسيرِ بعضِ الصوفيةِ.
– القارئ: وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ عُمَرُ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ عُثْمَانُ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29] عَلِيٌّ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَالتِّينِ أَبُو بَكْرٍ وَالزَّيْتُونَ عُمَرُ وَطُورِ سِينِينَ [التين:1-2] عُثْمَانُ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:3] عَلِيٌّ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ
– الشيخ: إي والله، هذه أعجبُ وأعجبُ… وش المُناسبات بينها
– القارئ: وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَارَةً تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ
– الشيخ: أي لا تدلُّ على هؤلاءِ الأشخاصِ لا من بعيدٍ ولا قريبٍ ولا احتمالٍ ولا شبهةٍ ولا أي شيءٍ أبدًا، يعني تأويلاتٌ يُسمِّيها بعضُ أهلِ العلمِ: تأويلُ لعبٍ لأنَّ بعض التأويلاتِ لها خيطٌ شُبهةٌ لغةٌ مثلًا، لكن هذه ما لها تأويلٌ، وش اللي يجيب أبو بكر! إذا كنت تقولُ: {وَالتِّينِ} أبو بكرٍ يمكن تقول: {وَالتِّينِ} أبو جهلٍ بعد.
– القارئ: وقَوْله تَعَالَى: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح:29] كُلُّ ذَلِكَ نَعْتٌ لِلَّذِينَ مَعَهُ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. والْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهَا كُلَّهَا صِفَاتٌ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ وَهُمْ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَتَتَضَمَّنُ تَارَةً جَعْلَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ مُنْحَصِرًا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَهُ: إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55] أُرِيدَ بِهَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] أُرِيدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ وَقَوْلِهِ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد:10] أُرِيدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
و"تَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ" أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الزمخشري

– الشيخ: العجيب أسلم هذه تدل على شيءٍ.. فيه هنَّاتٌ، لكنه أسلمُ، لو ما قال هالكلمة كان يمكن.. أسلمُ ما قالَ أنَّه سليمٌ، يقولُ: أسلمُ من "الكشَّاف" فإذا كان الكشافُ مُشتملًا على تفسيراتٍ بِدعيَّةٍ مبنيةٍ على البدعةِ وكثيرةٍ كما تقدَّمَ، تفسير ابن عطيةَ فيه لكنه خيرٌ منه وأسلمُ. 
– القارئ: و"تَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ" أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الزمخشري وَلَوْ ذكَرَ كَلَامَ السَّلَفِ الْمَوْجُودَ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ "تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري  وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا
– الشيخ: هذا ابنُ عطية يظهر.
– القارئ: ثُمَّ إنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ السَّلَفِ لَا يَحْكِيهِ بِحَالِ وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقِ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ
– الشيخ: الكلامُ هذا، يريد به تفسيرَ من؟
– القارئ: ابنُ عطية.
– الشيخ: الكلامُ في تفسيرِ ابن عطية، عجيبٌ واللهِ.
– القارئ: وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي
– الشيخ: وكأنَّ هذا يُشيرُ إلى الأشاعرة.. كلامُه يعني بهم الأشاعرةَ لأنَّهم هم المُتكلمون وهم أقربُ إلى السُّنةِ من المُعتزلةِ.
– القارئ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَيُعْرَفُ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إذَا كَانَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلٌ وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْلِ آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ صَارُوا مُشَارِكِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْلِ هَذَا. وفِي الْجُمْلَةِ: مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ
– الشيخ: انظر إلى التوسُّطِ في الكلامِ يقولُ: من خالفَ ما درجَ عليه الصحابةُ في فهمِ القرآنِ، ومن أتى بتفسيرٍ يُخالفُ فهمَهم للقرآن فهو مُخطئٌ يقول: بل مبتدعٌ. طيب، يقولُ: وإن كان مجتهدًا مُخطئًا يكون حينئذٍ مغفورًا له، هذا لا يمنعُ من أن نقولَ إنَّه بهذا التفسيرِ مُبتدِعٌ لكنه -غفرَ الله لنا وله- يعني قد أخطأ وهو مجتهدٌ يتحرى الحقَّ ويطلبُ الحقَّ، لكن هذا لا يمنعنا من الردِّ عليه وبيانِ فسادِ ما اختاره.
– القارئ: فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوَابِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ قَرَأَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ، كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ وَفَسَّرَ الْقُرْآنَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا إمَّا عَقْلِيَّةٌ وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ. كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
 وَالْمَقْصُودُ هُنَا: التَّنْبِيهُ عَلَى مَثَارِ الِاخْتِلَافِ فِي التَّفْسِيرِ وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ الْبِدَعَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إلَى أَنْ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَفَسَّرُوا كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ

– الشيخ: هذا اختلافٌ ما هو من نوع الاختلافِ الأولِ لا في سببِه ولا في مرتبته. الأولُ: تفسير تنوعٍ أو تفسيرُ تضادٍّ لا بأسَ، لكن له أصلٌ مبنيٌّ عليه يعني مردُّه اللغةُ أو مردُّه الأدلةُ الأخرى، أما تفسيرُ هؤلاءِ فليس له مستندٌ إلا ما أصَّلوه من البدع فلما أصَّلُوا التعطيلَ أو نفيَ القدرِ أو الوعيد أو ما أشبهَ ذلك احتاجوا إلى أن يُفسِّروا القرآنَ بما يتفقُ مع ما ابتدعوه، فكما قلنا فيجمعُون حينئذٍ بين الاعتقادِ الفاسدِ والفهم الفاسدِ اعتقادٌ باطلٌ وفهمٌ للقرآنِ هو أيضًا باطلٌ.
– القارئ: فَمِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الْإِنْسَانُ الْقَوْلَ الَّذِي خَالَفُوهُ وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسِيرَ السَّلَفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسِيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِنْ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ شَرْحِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ.
– الشيخ: اللهُ أكبرُ يعني أن أيضًا أصحابُ المذاهب البدعية أيضا أَّثرَ ذلك في تفسيرهم للقرآنِ وفهمِهم للقرآن أثَّر أيضًا في شرحِهم للحديثِ، ولهذا اقرأ شروحَ البخاريِّ شروحَ مسلمٍ شروحاتٍ أخرى تجدْها مُشربةً بهذه الآراءِ وهذه المذاهبِ، فكلُّ من انتحلَ نحلةً أدخلَها في مؤلفاته في التفسيرِ أو في الحديثِ -بل أو في النحوِ- تجدُ في النحوِ مواضعَ تظهر فيها أماراتُ البدعةِ ومظهرُ البدعةِ.
– القارئ: وَأَمَّا الَّذِينَ يُخْطِئُونَ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَالْوُعَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ؛ لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي فِي حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَا هُوَ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدُوهُ فَاسِدًا.
فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟ فَالْجَوَابُ

– الشيخ: طرقُ التفسيرِ، هذه أصولُ التفسيرِ، من الأمورِ المعروفةِ أنَّ أصولَ التفسيرِ أو طرقَ التفسيرِ ربما تكون أربعة أو خمسة: أولها: تفسيرُ القرآنِ بالقرآنِ فما أُجمِلَ في موضعٍ يأتي مُفصَّلًا في موضعٍ، وما جاء عامًّا في موضعٍ يأتي له مُخصِّصٌ أو مُطلَقٌ يأتي له مُقيِّدٌ، تفسيرُ القرآنِ بالقرآن: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173] وفي الآية الأخرى: أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا [الأنعام:145] تفسيرُ القرآنِ بالقرآن هذا أبلغُ ما يكون، ومن ذلك أن القصةَ الواحدة من قصص الأنبياءِ مع أممِهم تأتي في موضع مختصرةً جدًّا وتكون مبسوطة شيئًا في موضع آخر وتكون مبسوطةً بتوسُّعٍ في معنىً آخر: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:11-13] نجدُها مذكورةً القصة في سورة القمرِ بأبسطِ من ذلك ثم نجدُها مبسوطةً في سورٍ أخرى في "الشعراءِ" وفي "هودِ" وفي "الأعرافِ".
– القارئ: فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ؛ فَمَا أُجْمِلَ فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا اُخْتُصِرَ مِنْ مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَإِنْ أَعْيَاك ذَلِكَ فَعَلَيْك بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ؛ بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64] وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا إنِّي أُوتِيت الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) يَعْنِي السُّنَّةَ. وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ
– الشيخ: هذه وقفةٌ، المقصودُ أنَّ الأصلَ الثاني تفسيرُ القرآن بالسنة، وهذا ليس المُرادُ منه تفسيرًا يعني على طريقة المُفسرين معنى هذه الآيةِ كذا ومعناها هكذا، لا، يشملُ، تارةً الرسولُ يُفسِّرُ الآيةَ نصًّا، وتارةً يُفسِّرُها بعمله أَقِيمُواْ الصَّلاةَ [الأنعام:72] فسَّرَها النبيُّ تفسيرًا عمليًّا بأنْ صلَّى بالناس، وعرفوا كيف يُصلُّون وبيَّن كيف الصلاةُ للمُسيءِ، وتارةً بالفعلِ ثم يقولُ: (صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي) إذًا هذه الصلاةُ ولله الحمدُ التي الآن نُصلِّيها بهذه الصفةِ، هذه إنما علِمْناها من السُّنةِ -سُنَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم- وفِعلُ الرسولِ بيانٌ للقرآنِ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] لو لم يأتِ للناس إلا هذه الآية ونحوها أفيُحسِنُون الحجَّ؟ لا يُحسنون الحجَّ حتى بيَّنَ لهم الرسولُ عليه الصلاة والسلام كيف يحجُّون ثم قال: (لتأخُذُوا مناسكَكم) أو: (خُذُوا عني مناسِكَكم) فكان في عمله تفسيرٌ للقرآنِ.
– القارئ: وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ؛ لَا أَنَّهَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةِ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ. وَالْغَرَضُ أَنَّك تَطْلُبُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَمِنْ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: (بِمَ تَحْكُمُ؟) قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟) قَالَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّمَ. قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟) قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي. قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ)
– الشيخ: صلَّى الله عليه وسلم وآلِه وصحبِه
– القارئ: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ.
– الشيخ: الله الُستعانُ، هذا تنظيرٌ نقولُ: إنَّ تفسيرَ القرآنِ بالقرآن ثم تفسيرُه بالسُّنةِ هذا نظيرُ الحكمِ، الحاكمُ يحكم بماذا؟ يحكم بالقرآنِ ثم التفسيرُ بالسنةِ، والتفسيرُ بالسُّنةِ قد يكونُ بالقول وقد يكون بالفعلِ كما ذكرْتُ لكم في صفةِ الصلاةِ وفي صفةِ المناسكِ.
– القارئ: وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ.
– الشيخ: نعم، وهذا هو الأصلُ الثالثُ.
– القارئ: فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا؛ وَلِمَا لَهُمْ مِنْ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ
– الشيخ: أعدِ الفقرةَ هذي
– القارئ: وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ.
– الشيخ: الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم
– القارئ: فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا؛
– الشيخ: لما شاهدُوه كيف؟ … القرآنُ ها؟
– طالب: … القرائن

– الشيخ: لما شاهدُوه
– القارئ: من القرائنِ
– الشيخ: عندك القرائن؟
– طالب: لما شاهدُوه من القرآن

– الشيخ: لا هو اللي عندك لما شاهدُوه من … الصحابةُ رضيَ الله عنهم شهدُوا التنزيلَ أي تنزيلَ القرآنِ، كثيرًا ما يحضرُون والرسولُ يُوحى إليه.
– القارئ: لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا؛ وَلِمَا لَهُمْ مِنْ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛
– الشيخ: رضوانُ الله عليهم
– القارئ: لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: "مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطبري: حَدَّثَنَا أَبُو كريب، قَالَ: أَنْبَأَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، أَنْبَأَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-: "وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ
– الشيخ: مكان احدٍ أعلمَ
– القارئ: وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تناوله الْمَطَايَا لَأَتَيْته"
وَقَالَ الْأَعْمَشُ أَيْضًا: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ".
وَمِنْهُمْ الْحَبْرُ الْبَحْرُ "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود"

– الشيخ: البحرُ والحَبْرُ جميعًا
– القارئ: إي نعم، قال: الحَبْرُ البحْرُ
وَمِنْهُمْ الْحَبْرُ الْبَحْرُ "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعودٍ" ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
– طالب: عندنا ابن عباس

– القارئ: آسف، يظهر إني أخطأْتُ عبدُ الله بن عباس
– الشيخ: نعم
– القارئ: وَمِنْهُمْ الْحَبْرُ الْبَحْرُ "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ" ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ حَيْثُ قَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)
– الشيخ: وفي بعضِ الرواياتِ: (وعلِّمْه الكتابَ).
– القارئ: وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-: "نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ".
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ دَاوُد عَنْ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "نِعْمَ التُّرْجُمَانُ لِلْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ" ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ كَذَلِكَ، فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْعِبَارَةُ، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَمَّرَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا ظَنُّك بِمَا كَسَبَهُ مِنْ الْعُلُومِ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ؟
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مسعود عَلَى الْمَوْسِمِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَرَأَ فِي خُطْبَتِهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ –وَفِي رِوَايَةِ سُورَةِ النُّورِ- فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا.
وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يَرْوِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السدِّي الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ:
(بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أَصَابَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ زَامِلَتَيْنِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا بِمَا فَهِمَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ
– الشيخ: ابنُ كثيرٍ يسوقُ رواياتٍ إسرائيلية عن بعضِ التابعين، ولكنه لا يُعوِّلُ عليها في تفسيرِ القرآنِ تُذكَرُ في المُناسبة كشاهدٍ، لازم يكون الشاهدُ أنه يشهدُ شهادةً قاطعةً بأنَّ هذا الأمرَ حصلَ أو ما حصلَ.
– القارئ: وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا
– الشيخ: .. أيش باقي؟.. لا إلهَ إلا الله، أعد
– القارئ: وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ
– الشيخ: كما في طريقةِ ابن كثير فكثيرًا ما يذكرُ الرواياتِ الإسرائيلية لكنها تُوافقُ ظاهرَ القرآنِ أو لا تتعارضُ مع القرآنِ وهي تتصلُ ببعض ما في القرآنِ مثلُ: "قصةِ البقرة" و غيرها مثل "قصة بِلعام بن باعوراء": وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ.. الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175] وهناك رواياتٌ إسرائيليةٌ منها ما هو قريبٌ أنَّه يصلحُ أن يكونَ تفسيرًا، ومنها ما لا يصلحُ أن يكون تفسيرًا، لكن درجَ المُفسِّرُون على ذِكرِ بعضِ الرواياتِ الإسرائيليةِ.
– القارئ: فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ فَذَاكَ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي: مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. وَالثَّالِثُ: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
– الشيخ: هذه تقسيمةُ الأخبارِ الإسرائيليةِ منها ما دلَّ كتابُ الله على صحتِه فيُصدَّقُ، ومنها ما دلَّ على بطلانِه وكذبِه فيُكذَّبُ. فالأولُ: شرعٌ لنا، والثاني: ليس شرعًا لنا، والثالثُ: ما سكتَت عنها النصوصُ فليس فيها ما يدلُّ على كذبِه ولا … وكذلك ليس هناك نصوصٌ تدلُّ على استقامتِه وعلى صدقِه وعلى نصيحتِه، فما قامَ عليه الدليلُ وجبَ الحُكمُ بمُوجَبِ الدليلِ وإنْ لم يُوجد لا هذا ولا ذاكَ فإنَّه يصيرُ مُخيَّرًا: رواياتٌ إسرائيليةٌ لا بأسَ في ذِكرِها، ورواياتٌ ينبغي تركُها.
– القارئ: وَغَالِبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ.
– الشيخ: يعني غالبُ الرواياتِ الإسرائيليةِ التي ليس من الكتابِ ما يدلُّ على إثباتِها ولا على نفيِها يقول: الغالبُ على هذا النوعِ الذي لم يأتِ شرعُنا بتأييده ولا بتكذيبِه، الغالبُ عليه أنه لا يفيدُ شيئًا ما هو إلا أخبارٌ سارحةٌ لا تمتُّ إلى المطلوبِ بصلةٍ –نسألُ اللهَ العافيةَ- يُمثِّلُ الشيخُ يقولُ: مثلُ أخبارِهم عن سفينةِ نوحٍ أطوالُها وارتفاعُها وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا …* فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [البقرة:72] هذا يكفي فلا تشغلْ نفسَك بتحرِّي هذا العنوان مثلُ: الرواياتِ في سفينةِ نوحٍ، أو الرواياتِ في الشجرةِ التي نُهِيَ عنها آدمُ، أو حتى يقولون: عن أخبارِ لونِ كلبِ أصحابِ الكهفِ.
– القارئ: وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرًا وَيَأْتِي عَنْ الْمُفَسِّرِينَ خِلَافٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا يَذْكُرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ وَعِدَّتَهُمْ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ أَيِّ الشَّجَرِ كَانَتْ؟ وَأَسْمَاءَ الطُّيُورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَتَعْيِينَ الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَنَوْعَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَلَّمَ اللَّهُ مِنْهَا مُوسَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ.
– الشيخ: الحمدُ للهِ، ما أبهمَه الله في القرآنِ نقفُ عندَه، ولا نطلبُ مُحالًا ولا نحتاجُ نُفسِّرُ بل نؤمنُ بما أخبرَ الله به مُبهمًا أو مُعيَّنًا أو مُفصَّلًا.
– القارئ: إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ.
– الشيخ: مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كالأمثلةِ السابقة، لو بيَّنَ لونَ الكلبِ: أسود أحمر. ولَّا [أو] عدَّتُهم أنَّهم كذا، يعني مُجملةٌ في الآيةِ لكن بعضُ الناس يستنبطُ أنَّهم سبعةٌ وثامنهم كلبُهم لأنَّ اللهَ قالَ في الرأيَين الأوَّلَين: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} والثاني جاءَ مُطلقًا: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف:22] جاءَ في تفسيرِ ابن عباسٍ قالَ: "أنا من القليلِ أنَّهم سبعةٌ ثامنُهم كلبُهم".


 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه