(7) فصل في الحكم بالفراسة

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس السَّابع

***    ***    ***    ***

 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ والحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى:
وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إذَ رَأَى رَجُلًا فَقَالَ: "لَسْت ذَا رَأْيٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْكِهَانَةِ، اُدْعُوهُ لِي، فَدَعَوْهُ، فَقَالَ: هَلْ كُنْتَ تَنْظُرُ وَتَقُولُ فِي الْكِهَانَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ".

– الشيخ: هذا شاهد الفِراسة يعني.
– القارئ: وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ: "مَا اسْمُك؟ قَالَ: جَمْرَةُ. قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ. قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ الْحُرْقَةِ. قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُك؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ. قَالَ: أَيُّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى. فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا".
فَكَانَ كَمَا قَالَ.

– الشيخ: الله أعلم، تخريج في؟
– القارئ: قالَ رواهُ مالكٌ ومن طريقِ مالكٍ رواهُ ابنُ وهبٍ في الجامعِ وابنُ أبي شيبةَ في تاريخِ المدينةِ أو ابنُ شبّةَ في تاريخِ المدينةِ، وإسنادُهُ مُنقطِعٌ يحيى بنُ سعيدٍ لم يدركْ عمراً، قالَ انظرْ شرحَ الزرقانيِّ وراهُ ابنُ البزّارِ عن معمرِ عن رجلٍ عن ابنِ المسيّبِ أنَّ الرجلَ أتى فذكرَهُ، وسمَّى الحافظُ ابنُ حجرٍ الرجلَ في روايةِ عبدِ الرزّاقِ والزهريِّ ونصرَ ابن القيّمِ -رحمَهُ اللهُ- سماعَ سعيدِ بنِ المسيّبِ من عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ كما في تهذيبِ السُّننِ معَ العونِ وزادِ المعادِ ونصبِ الرايةِ، ووصلَهُ ابنُ القاسمِ لابنِ بشرانَ في فوائدِهِ مِن طريقِ موسى بنِ عقبةَ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ أنَّهُ قالَ قالَ عمرٌ لرجلٍ فذكرَهُ. انظرِ الإصابةَ وشرحَ الزرقانيِّ وغيرَ ذلكَ.
وَمِنْ فِرَاسَتِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْت مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة:125]
وَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْت نِسَاءَك أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ". وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نِسَاؤُهُ فِي الْغِيرَةِ فَقَالَ لَهُنَّ عُمَرُ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ [التحريم:5] فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ.
وَشَاوَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأسرى يَوْمِ بَدْرٍ فَأَشَارَ بِقَتْلِهِمْ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى فِرَاسَةِ الْمُتَوَسِّمِينَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-: " أَفَرَسُ النَّاسِ " ثَلَاثَةٌ: امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فِي مُوسَى حَيْثُ قَالَتْ: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص:9]
وَصَاحِبُ يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [يوسف:21]
وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حَيْثُ جَعَلَهُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ ".
وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: " يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ وَالزِّنَا فِي عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: لَا؛ وَلَكِنْ فِرَاسَةٌ صَادِقَةٌ ".
وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَاسَةِ: أَنَّهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا تَفَرَّسَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَلَا بُدَّ أَمْسَكَ عَنْ الْقِتَالِ وَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَجْرِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ وَآخِرُ الْأَمْرِ يُقْتَلُ هُوَ فَأَحَبَّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: فِرَاسَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحُسَيْنِ لَمَّا وَدَّعَهُ وَقَالَ: "أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ" وَمَعَهُ كُتُبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَكَانَتْ فِرَاسَةُ ابْنِ عُمَرَ أَصْدَقُ مِنْ كُتُبِهِمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعَا إلَى امْرَأَةٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَدِيعَةً وَقَالَا: لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ.
فَلَبِثَا حَوْلًا فَجَاءَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: إنَّ صَاحِبِي قَدْ مَاتَ فَادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ.
فَأَبَتْ وَقَالَتْ: إنَّكُمَا قُلْتُمَا لِي لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ فَلَسْت بِدَافِعَتِهَا إلَيْك؛ فَثَقَّلَ عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا وَجِيرَانِهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا إلَيْهِ ثُمَّ لَبِثَتْ حَوْلًا آخَرَ؛ فَجَاءَ الْآخَرُ.
فَقَالَ: ادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ.
فَقَالَتْ: إنَّ صَاحِبَك جَاءَنِي فَزَعَمَ أَنَّك قَدْ مِتّ فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ.
فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا.
فَقَالَتْ: ادْفَعْنَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَعَرَفَ عَلِيٌّ أَنَّهُمَا قَدْ مَكَرَا بِهَا؛ فَقَالَ: أَلَيْسَ قُلْتُمَا: لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ؟ قَالَا: بَلَى؛ فقَالَ: إِنَّ مَالَك عِنْدَهَا فَاذْهَبْ فَجِئْ بِصَاحِبِك حَتَّى تَدْفَعَهُ إلَيْكُمَا.
وَمِنْ فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ: مَا ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ..
بينهما فاصل يا شيخ
قالَ فصلٌ: وَمِنْ فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ: مَا ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ.

– الشيخ: خلاص يكفي يكفي، نعم محمد.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات