(8) فصل في فراسة الحاكم

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الثّامن

***    ***    ***    ***

 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهم متِّعْ شيخَنا على طاعتِكَ واغفرْ لنا ولهُ وللمسلمين، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
فَصْلٌ وَمِنْ فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ مَا ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ: أَنَّ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ، اسْتَوْدَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَدِيعَةً؛ فَقَالَ: صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: اسْتَحْلِفْهُ بِاَللَّهِ مَا لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَقَالَ إيَاسٌ بْنَ مُعَاوِيَةَ: بَلْ أَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ مَالَك عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَلَا غَيْرُهَا.
وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْفِرَاسَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: "مَا لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ" احْتَمَلَ النَّفْيَ؛ وَاحْتَمَلَ الْإِقْرَارَ فَيَنْصِبُ "مَالَهُ" بِفِعْلِ مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ. أَيْ دَفَعَ مَالَهُ إلَيَّ، أَوْ أَعْطَانِي مَالَهُ؛ أَوْ يَجْعَلُ "مَا" مَوْصُولَةً وَالْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ صِلَتَهَا وَوَدِيعَةٌ خَبَرٌ عَنْ "مَا" فَإِذَا قَالَ: "وَلَا غَيْرُهَا" تَعَيَّنَ النَّفْيُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ

– الشيخ: "تعيّن" ولا [أو] غيرها، نعم.
– القارئ: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: شَهِدْت إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ ارْتَهَنَ رَهْنًا؛ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتُهُ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُهُ بِخَمْسَةٍ؛ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِلرَّاهِنِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الرَّهْنَ فَالْقَوْلُ، مَا قَالَ الرَّاهِنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَيْهِ؛ وَالرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ.
فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَحَدَهُ الرَّهْنَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِالرَّهْنِ -وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلرَّاهِنِ- دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ؛ وَأَنَّهُ مُحِقٌّ، وَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا لَجَحَدَهُ الرَّهْنَ رَأْسًا. وَمَالِكٌ وَشَيْخُنَا -رَحِمَهُمَا اللَّهُ- يَجْعَلَانِ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ – يَجْعَلُونَ الْقَوْلَ قَوْلَ الرَّاهِنِ مُطْلَقًا.
وَقَالَ إيَاسٌ أَيْضًا: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ.
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْسَنِ الْقَضَاءِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَمٌ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، إلَّا أَنِّي قَضَيْتُهُ إيَّاهَا، فَالْقَوْلُ قَولُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَدِيعَةً، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، وَادَّعَى رَدَّهَا إلَيْهِ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ: جَاءَ رَجُلَانِ إلَى إيَاسَ بْنِ مُعَاوِيَةَ؛ يَخْتَصِمَانِ فِي قَطِيفَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا حَمْرَاءُ؛ وَالْأُخْرَى خَضْرَاءُ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: دَخَلْتُ الْحَوْضَ لِأَغْتَسِلَ، وَوَضَعْتُ قَطِيفَتِي، ثُمَّ جَاءَ هَذَا، فَوَضَعَ قَطِيفَتَهُ تَحْتَ قَطِيفَتِي، ثُمَّ دَخَلَ فَاغْتَسَلَ، فَخَرَجَ قَبْلِي، وَأَخَذَ قَطِيفَتِي فَمَضَى بِهَا؛ ثُمَّ خَرَجْتُ فَتَبِعْتُهُ، فَزَعَمَ أَنَّهَا قَطِيفَتُهُ؛ فَقَالَ: أَلَك بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: ائْتُونِي بِمِشْطٍ؛ فَأُتِيَ بِمِشْطٍ، فَسَرَّحَ رَأْسَ هَذَا، وَرَأْسَ هَذَا.
فَخَرَجَ مِنْ رَأْسِ أَحَدِهِمَا صُوفٌ أَحْمَرُ، وَمِنْ رَأْسِ الْآخَرِ صُوفٌ أَخْضَرُ؛ فَقَضَى بِالْحَمْرَاءِ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ، وَبِالْخَضْرَاءِ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ الصُّوفُ الْأَخْضَرُ.

– الشيخ: لأنّ القطيفة كان من شأنها أن تُوضَعَ على الرأس، ولا أنه فراش ويوضع عليه الرأس ويعلق في الرأس منها شيء.
 

– القارئ: وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي العَلَاءٍ: شَهِدْتُ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ بَاعَنِي جَارِيَةً رَعْنَاءَ
– الشيخ: في تعليق؟
– القارئ: الرعونة: الحُمقُ والاسترخاءُ، وامرأةٌ رعناءُ: بيِّنةُ الرعونةِ، والأرعنُ: الأهوجُ في منطقِهِ.
– الشيخ: خلاص اتركه خلاص، نعم.
– القارئ: فَقَالَ إيَاسٌ: وَمَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرُّعُونَةُ؟ قَالَ: شِبْهُ الْجُنُونِ. فَقَالَ إيَاسٌ: يَا جَارِيَةُ، أَتَذْكُرِينَ مَتَى وُلِدْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّ رِجْلَيْك أَطْوَلُ؟ قَالَتْ: هَذِهِ؛ فَقَالَ إيَاسٌ: رُدَّهَا؛ فَإِنَّهَا مَجْنُونَةٌ.
– الشيخ: رجلها وحدة طويلة! نعم.
– القارئ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ شَهِدَ عِنْدَ ابْنِهِ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَعَ رِجَالٍ عَدَّلَهُمْ، وقالَ في الحاشيةِ في أخبارِ القُضاةِ: عدَّهم
– الشيخ: نعم.
– القارئ: عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: يَا أَبَا وَائِلَةَ، تَثَبَّتْ فِي أَمْرِي، فَوَاَللَّهِ مَا أَشْهَدْتُهُمْ إلَّا بأَلْفَيْنِ.
فَسَأَلَ إيَاسٌ أَبَاهُ وَالشُّهُودَ: أَكَانَ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي شَهِدُوا عَلَيْهَا فَضْلٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كَانَ الْكِتَابُ فِي أَوَّلِهَا وَالطَّينَةُ فِي وَسْطِهَا، وَبَاقِي الصَّحِيفَةِ أَبْيَضُ.
فقَالَ: أَفَكَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ يَلْقَاكُمْ أَحْيَانَاً؟، فَيُذَكِّرُكُمْ شَهَادَتَكُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كَانَ لَا يَزَالُ يَلْقَانَا، فَيَقُولُ: اُذْكُرُوا شَهَادَتَكُمْ عَلَى فُلَانٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَصَرَفَهُمْ، وَدَعَا الْمَشْهُودَ لَهُ. فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، تَغَفَّلْتَ قَوْمًا صَالِحِينَ مُغَفَّلِينَ، فَأَشْهَدْتَهمْ عَلَى صَحِيفَةٍ جَعَلْت طَيَّنَتَهَا فِي وَسَطِهَا، وَتَرَكْت فِيهَا بَيَاضًا فِي أَسْفَلِهَا، فَلَمَّا خَتَمُوا الطَّينةَ قَطَعْتَ الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ حَقُّك أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَكَتَبْتَ فِي الْبَيَاضِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَصَارَتْ الطَّينةُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، ثُمَّ كُنْتَ تَلْقَاهُمْ فَتُلَقِّنُهُمْ، وَتُذَكِّرُهُمْ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَأَقَرَّ بِذَلِكَ، وَسَأَلَهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ، فَحَكَمَ لَهُ بِأَلْفَيْنِ وَسَتَرَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيِّ: كُنَّا عِنْدَ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى، وَكُنَّا نَكْتُبُ عَنْهُ الْفِرَاسَةَ، كَمَا نَكْتُبُ عَنْ الْمُحَدِّثِ الْحَدِيثَ، إذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَجَلَسَ عَلَى دُكَّانٍ مُرْتَفِعٍ بِالْمِرْبَدِ.
فَجَعَلَ يَتَرَصَّدُ الطَّرِيقَ.
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ رَجُلًا، فَنَظَرَ إلى وَجْهِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ إيَاسٌ: قُولُوا فِي هَذَا الرَّجُلِ، فقَالُوا: مَا نَقُولُ؟ رَجُلٌ طَالِبُ حَاجَةٍ فَقَالَ: هُوَ مُعَلِّمُ صِبْيَانٍ، قَدْ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ أَعْوَرُ، فَقَامَ إلَيْهِ بَعْضُنَا فَسَأَلَهُ عَنْ حَاجَتِهِ؟ فَقَالَ: هُوَ غُلَامٌ لِي آبِقٌ.
فقَالُوا: وَمَا صِفَتُهُ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، وَإِحْدَى عَيْنَيْهِ ذَاهِبَةٌ، قُلْنَا: وَمَا صَنْعَتُك؟ قَالَ: أُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ. فقُلْنَا لِإِيَاسٍ: كَيْفَ عَلِمْت ذَلِكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ جَاءَ، فَجَعَلَ يَطْلُبُ مَوْضِعًا يَجْلِسُ فِيهِ، فَنَظَرَ إلَى، أَرْفَعِ شَيْءٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ.

– الشيخ: مُدَرِّس مُدَرِّس
– القارئ: فنظرتُ
– الشيخ: يبي [يريد] له كرسي
– القارئ: فَنَظَرْت فِي قَدْرِهِ فَإِذَا لَيْسَ قَدْرُهُ قَدْرَ الْمُلُوكِ، فَنَظَرْت فِيمَنْ اعْتَادَ فِي جُلُوسِهِ جُلُوسَ الْمُلُوكِ، فَلَمْ أَجِدْهُمْ إلَّا الْمُعَلِّمِينَ، فَعَلِمْت أَنَّهُ مُعَلِّمُ صِبْيَانٍ، فَقُلْنَا: كَيْفَ عَلِمْت أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ؟ قَالَ: إنِّي رَأَيْته يَتَرَصَّدُ الطَّرِيقَ، يَنْظُرُ فِي وُجُوهِ النَّاسِ.
قُلْنَا: كَيْفَ عَلِمْت أَنَّهُ أَعْوَرُ؟ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ رَجُلًا قَدْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ، فَعَلِمْت أَنَّهُ شْبَّهَهُ بِغُلَامِهِ.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ مُرَّةَ نَظَرَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: هَذَا غَرِيبٌ، وَهُوَ مِنْ وَاسِطَ.
وَهُوَ مُعَلِّمٌ، وَهُوَ يَطْلُبُ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ.
فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ.
فَسَأَلُوهُ؟ فَقَالَ: رَأَيْته يَمْشِي وَيَلْتَفِت، فَعَلِمْت أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَرَأَيْته وَعَلَى ثَوْبِهِ حُمْرَةُ تُرْبَة وَاسِطَ فَعَلِمْت أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَرَأَيْتُهُ يَمُرُّ بِالصِّبْيَانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الرِّجَالِ، فَعَلِمْت أَنَّهُ مُعَلِّمٌ.
وَرَأَيْته إذَا مَرَّ بِذِي هَيْئَةٍ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَإِذَا مَرَّ بِذِي أَسْمَالٍ تَأَمَّلَهُ، فَعَلِمْت أَنَّهُ يَطْلُبُ آبِقًا.
وَقَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ: مَرَّ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَسَمِعَ قِرَاءَةً مِنْ عَليَّهْ، فَقَالَ: هَذِهِ قِرَاءَةُ امْرَأَةٍ حَامِلٍ بِغُلَامٍ، فَسُئِلَ، كَيْفَ عَرَفْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ صَوْتِاً وَنَفَسُها يخالطه، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا حَامِلٌ وَسَمِعْتُ صوتاً صَحَلاً، فَعَلِمْتُ أَنَّ الْحَمْلَ غُلَامٌ، وَمَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِكُتَّابٍ فِيهِ صِبْيَانٌ.
فَنَظَرَ إلَى، صَبِيٍّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَكَانَ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: عَلِّمْنِي الْقَضَاءَ فَقَالَ: إنَّ الْقَضَاءَ لَا يُعَلَّمُ، إنَّمَا الْقَضَاءُ فَهْمٌ، وَلَكِنْ قُلْ: عَلِّمْنِي مِنْ الْعِلْمِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:78]
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء:79]
فَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِفَهْمِ الْقَضِيَّةِ، وَعَمَّهُمَا بِالْعِلْمِ.
وَكَذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى قَاضِيهِ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ: "وَالْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إلَيْكَ".
وَاَلَّذِي اخْتَصَّ بِهِ إيَاسٌ وَشُرَيْحٌ مَعَ مُشَارَكَتِهِمَا لِأَهْلِ عَصْرِهِمَا فِي الْعِلْمِ: الْفَهْمُ فِي الْوَاقِعِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَمَارَاتِ وَشَوَاهِدِ الْحَالِ.
وَهَذَا الَّذِي فَاتَ كَثِيرًا مِنْ الْحُكَّامِ، فَأَضَاعُوا كَثِيرًا مِنْ الْحُقُوقِ.
فَصْلٌ وَمِنْ أَنْوَاعِ الْفِرَاسَةِ.

– الشيخ: حسبُك يا أخي.
– طالب: يا شيخ لقيت "الطوف"

– الشيخ: خلاص "الطوف" خلاص، ما قال لك هو الغائط.
– طالب: [….] إذا ذهب إلى البُرازِ ليتوضّأ

– الشيخ: يُقالُ أيش؟
– طالب: [….] طافَ يطوفُ.

– الشيخ: طافَ يطوفُ.
– طالب: طَوفَاً وأطَّافَ أطيفاً وأطيافاً، إذا ذهب إلى البراز ليتوضّأ.

– الشيخ: بس.. [فقط] نعم.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات